دعاة الفدرالية.. إخواننا أرادوا الحق فأخطأوه

دعاة الفدرالية.. إخواننا أرادوا الحق فأخطأوه

إخواننا من المؤمنين بأن الفدرالية هي الحل الأمثل لما عانت منه بلادنا ولا تزال تعانيه من آثار سلبية لمركزية الإدارة، وما يزعمون أن مناطق في الوطن، على مدى عقود من الزمن، تحت الحكم الشمولي المستبد، قد لقيته من مظاهر الإهمال والتهميش والحرمان، لهم الحق كل الحق في أن يروا هذا الرأي، ويذهبوا هذا المذهب، ولهم الحق كل الحق في أن يعبروا عن هذا الرأي بحرية، بالوسائل السلمية المشروعة للتعبير، ولهم في النهاية الحق كل الحق في أن يجتمعوا حول هذا الرأي، ويحتشدوا وراءه، للدعوة له، وكسب الأنصار والمؤيدين، إذا ما قرروا أن يعملوا في شكل جماعي منظم، من خلال حزب سياسي، معلن الأهداف والبرامج.

ولقد بدأ إخواننا هؤلاء يتحدثون عن توجههم هذا، ويعبرون عنه علناً، في المحاضرات والندوات واللقاءات العامة، وعبر وسائل الإعلام والمطبوعات والمنشورات المختلفة. ودخل كثيرون منا معهم في حوار وجدال، سهل حيناًً، وصعب أحياناً أخرى، ولكنه ظل مقبولاً من الطرفين، في إطار الحق المتكافئ لكليهما في امتلاك الرأي المختلف والتعبير عنه. ولكننا اختلفنا معهم اختلافاً حاداً وجذريا عندما تجاوزا هذا الحد، وأعلنوا من طرف واحد تشكيل كيان أو إطار سياسي، سموه (مجلس برقة)، وزعموا له من الصلاحيات ما يتجاوز صلاحيات المجلس الوطني الانتقالي، ثم عينوا له رئيساً، مخولاً حسب زعمهم بتمثيل الإقليم حتى أمام الجهات الأجنبية.

عند هذا الحد قلنا لهم إنهم قد تجاوزوا الخط المسموح بالوصول إليه، ووقفنا ضدهم بكل قوة، لأننا رأينا فيما أقدموا عليه تهديداً حقيقياً لوحدة ليبيا التي نحسب أننا جميعاً، وعلى رأسنا شهداؤنا الأبطال، قد ضحينا بكل غال ورخيص من أجل المحافظة عليها، مظلة نقف تحتها كلنا على قدم المساواة، دون أي تفرقة بين شرق وغرب وجنوب، بل حتى بين مدينة كبيرة أو صغيرة أو قرية أو نجع في أقصى بقعة من الوطن.

وعلى الرغم من أن المؤتمر الذي سمي زوراً باسم (مؤتمر سكان برقة)، قد أثار من حيث القائمين عليه وملابسات عقده وطريقة الدعوة إليه الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، إلا أننا لم نتفق مع كل أولئك الذين ذهبوا مذهباً نراه متطرفاً وغير مقبول إلى الاتهام والتخوين والتشويه، من قبيل وصف القائمين على المؤتمر بأنهم من (أزلام) النظام والذين كانوا متعاونين معه، أو أنهم مجرد طامعين في السلطة وساعين إلى الحصول على مناصب أو مواقع قد فقدوها، أو كانوا يطمعون في الحصول عليها، ولكنهم لم يوفقوا في ذلك، وبالطبع رفضنا رفضاً قاطعاً اتهام هؤلاء بأنهم مجرد عملاء ينفذون مخططات ترعاها دول أجنبية.

ومع أن إخواننا من دعاة الفدرالية قد تجاوزوا بدورهم الكثير من الخطوط المسموح بها في إطار الحوار السياسي الديمقراطي، إلا أننا نقول عنهم، كما عبرت في عنوان هذا المقال، إنهم (إخوان لنا، أرادوا الحق فأخطؤوه)، ونقول لهم إن طريق الحق الذي كان عليهم أن يسلكوه ويمضوا فيه إلى غايته هو طريق الحوار الديمقراطي والعمل السياسي السلمي، الذي تحسم فيه الخلافات في الآراء والمذاهب الفكرية والسياسية من خلال صناديق الاقتراع وما تفرزه من نتائج، تمثل إرادة الأغلبية من المواطنين، يكون على جميع أطراف العمل السياسي أن يعترفوا ويقبلوا بها، ثم يبقى للطرف الذي لم يفز رأيه بتأييد الأغلبية الحق الدستوري في مواصلة التعبير عن رأيه وموقفه، والدفاع عنه، والترويج له، والسعي بكل الوسائل الديمقراطية السلمية لكسب الأنصار والمؤيدين، حتى إذا جاءت دورة انتخابية تالية، يدخل المنافسة ويحاول أن يحصل على دعم الناخبين.

هذا هو الطريق الذي نتمنى أن نتفق جميعنا على أنه الطريق الوحيد للممارسة السياسية السلمية، إذا ما أردنا التعاون في تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية التي ستظلنا جميعنا على قدم المساواة بمظلة القانون وحكم المؤسسات وتحكيم إرادة الأغلبية لحسم الاختلافات في الآراء والمواقف.

e-mail: yfannush@yahoo.com              

0925121949

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً