ربيعنا الموعود وحلمنا الموؤود!

ربيعنا الموعود وحلمنا الموؤود!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

بدخول هذا العام 2021 تكون ثورات ما سمي بـ”الربيع العربي” قد أنهت عقدا كاملا من الزمان، حيث انتفض الشباب آنذاك بغية الحصول على مطالب شرعية تتعلق بحياتهم المعيشية وحقوق إنسانية للمواطنين، بعد أن افتقدوها لعقود في ظل الأنظمة القائمة آنذاك، في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وينبغي الإشارة هنا إلى أن الإطاحة بتلك الأنظمة لم تكن غاية في حينها، إنما الغاية كانت تحقيق تغييرات جذرية في منظومات الحكم بما يساهم في تحسين الظروف المعيشية ويصون الحقوق الأساسية للمواطنين في هذه الدول فحسب.

غير أن التغييرات الدراماتيكية التي حدثت في تونس، وأفضت إلى رحيل الرئيس زين العابدين بن علي ومغادرته تونس مبكرا، استجابة لضغط الجماهير الغاضبة، خلق مناخا مناسبا لباقي شعوب المنطقة ساهم في رفع سقف مطالبها، في مصر وليبيا وسوريا واليمن فأصبح مطلب إسقاط الحكام في هذه الدول هدفا وغاية، ودون الخوض في مجريات الأحداث في تلك الدول، أثناء الانتفاضات وما صاحبها من تدخلات أجنبية، بعضها بصورة مباشرة كما حدث في ليبيا، وبصورة غير مباشرة في باقي الدول، إلا أن النتائج التي ترتبت على تلك الانتفاضات كانت أغلبها سلبية على الشعوب، وتفاوتت درجة السلبية بين بلد وآخر، ولا نغفل هنا أنه ثمة استثناء يتمثل فيما أتاحته تلك الانتفاضات من هامش كبير غير معهود في حرية التعبير، التي يمكن اعتبارها المكسب الإيجابي الوحيد حتى الآن في اغلب تلك الدول المستهدفة، و حيث انه ثمة اختلافات في النتائج وتأثيراتها على كل دولة فانه يمكن استعراض تلك النتائج حسب كل دولة فيما يلي :

ليبيا

لايزال الوضع في ليبيا غير مستقر، مع استمرار حالة الانقسام بعد أن حصدت الحروب خلال العشريّة الماضية أرواح الآلاف من الليبيين، ومضاعفاتهم من الجرحى والمبتورين، ناهيك عن حالات التشريد والنزوح لمئات الألاف من الليبيين داخل البلد وخارجه، بالإضافة الى خسائر جمّة في الممتلكات خاصة وعامة، وانعكاس ذلك على معيشة الليبيين التي تدنّت الى اضعاف ماكانت عليه قبل 2011م، إن اكبر النتائج تأثيرا في ليبيا شملت كل الجوانب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والتنموية ، فإجتماعيا تأثرالنسيج الإجتماعي بشروخ دامية لازالت تنزف حتى الان، وإقتصاديا تدهور المركز المالي للدولة وتراجع مستوى المعيشة الى معدلات مخيفة، ليس ادل عليها تدني سعر الدينار الليبي الذي كان حوالي 1.3 للدولار قبل 2011 ليصبح الآن 4.48 للدولار، وسياسيا حالة من الانقسام الحاد بوجود اكثر من جسم تشريعي وتنفيذي ، وتنمويا حيث تجمّدت مشاريع التنمية تماما كل هذه المدة، ما أدي الى انهيار البنية التحتية وتآكلها الأمر الذي يراكم الحاجة الى الاموال باضعاف مضاعفة فقط لمجرد الوصول الى ماكانت عليه قبل 2011م

تونس

رغم الإستقرار الأمني والسياسي في تونس ودخول البلد في اكثر من تجربة انتخابية وفقا للدستور الجديد الا أن تونس ظلت ولا تزال تعاني اقتصاديا واجتماعيا، فلقد تأثر الإقتصاد التونسي كثيرا بعد الإنتفاضة ولم تفلح الحكومات المتعاقبة على معالجته حتى الآن وزاد من تفاقم الأزمة الإقتصادية تأثيرات جائحة كورونا خاصة وأن الكثير من الشعب التونسي يعتمدون على القطاع السياحي الذي اصيب في مقتل، هذا الأمر انعكس طبعا على مستوى معيشة التونسيين من الطبقة المتوسطة وتضاعف اعداد الباحثين عن العمل ما أدى الى تصاعد منحنى البطالة، إن الوضع الإقتصادي والإجتماعي في تونس يمكن القول بأنه على حافة الخطر وهذا ما دفع بالتونسيين للخروج والتظاهر مع مطلع هذا العام ، واجمالا يمكن القول أن تونس تعاني وضعا اقتصاديا متأزما وقد يؤدي ذلك الى حدوث الكثير من المشاكل التي قد تمس الجانب الأمني والسياسي ايضا خاصة وأن فرص المعالجة تكاد تكون معدومة الآن.

 مصر

مصر يمكن اعتبارها الأحسن حالا، من بين دول ما سمّي بالربيع العربي، فهي رغم بعض المصاعب التي عانتها في بداية الإنتفاضة، وما ترتب عنها من تغيير عسكري في السلطة، بعد خروج الجماهير المصرية الغاضبة في 30 يونيو 2013م فيما سمي بثورة التصحيح، وتولي الرئيس السيسي الحكم، رغم كل ذلك فمصر اليوم تعيش استقرارا سياسيا وأمنيا وإقتصاديا ملحوظا، فقد استطاعت ان تحقق خطوات متقدمة على مستوى التوازن الإقتصادي وهو ما تؤكده مؤشرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تفيد بأن مصر قد حققت نموا اقتصاديا ملحوظا من بين كل دول منطقة افريقيا والشرق الأوسط خلال سنوات 2018-2020م.

سوريا

لا يزال الوضع في سوريا معقدا ومأساويا، حيث الملايين من السوريين يعيشون في مخيمات النزوح وما يعنيه ذلك من بؤس ومعاناة، ولا يزال الوضع الأمني والسياسي في سوريا مضطربا، حيث تتواجد على الارض السورية الكثير من القوات الدولية، وخاصة روسيا وتركيا اللتين تسندان مجموعات مسلحة مختلفة، فبعض الاراضي السورية لاتزال خارج سلطة النظام السوري المركزية، إما تحت سلطة قوات أجنبية أو تحت سلطة تنظيمات سورية معارضة للنظام، ولاتزال سوريا رهن إرادة الدول المتدخلة على الأرض في انتظار ما تتفق عليه الأطراف الدولية إن شاءت.

اليمن

يمكن القول إن اليمن يعيش وضعا إنسانيا بائسا بدرجة كبيرة، في ظل صمت وتجاهل دولي مشين، حيث أن حجم تأثر الشعب اليمني بما يجري هناك كارثيا، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الهش في الأساس والذي تدهور كثيرا متأثرا بفوضى الإنتفاضة ما أدى الى نشوء حالة مجاعة انسانية طالت الملايين من ابناء اليمن الذين اجتمعت عليهم اهوال الجوع والمرض والنزوح، وحيث أنه أمكن أخيرا اعادة تشكيل حكومة جديدة في اليمن فلربما يكون ذلك بارقة امل تلوح في افق الأزمة اليمنية ويؤمل ان تساهم في حلحلة الوضع وخاصة بعد تولي بايدن للحكم في امريكا الذي يتوقع أن يعيد لأمريكا دورها خارج حدودها لا كما كان يفعل سلفه ترامب.

مجمل القول إن كافة دول ما سمي “ثورات الربيع العربي”  تأثرت سلبا خلال عشر سنوات كاملة بإستثناء مصر التي لملمت جراحها وحافظت على مستوى من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولهذا منطقيا القول بأن كشف الحساب لتلك الإنتفاضات لم يأت الا بمؤشرات سلبية، وسلبية جدا، وخاصة في الجانب الاقتصادي الذي يمس مباشرة حياة السواد الأعظم من الشعوب، ولهذا لا غرابة القول بأنه لم يكن ربيعا مزهرا بقدر ما كان قيظا وزمهريرا فقد كان مجرد حلم موعود تم وأده قبل أن يرى النور بفعل اجندات داخلية وتدخلات خارجية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً