رسالة مفتوحة من محافظ المركزي تدعو لضبط الإنفاق العام والموازي

قدم محافظ مصرف ليبيا المركزي وصفة مالية للخروج من الأزمة الاقتصادية في البلاد، متمثلة بتراجع قيمة العملة الوطنية وزيادة عجز الميزانية اوالتمويل بالعجز وارتفاع حجم الانفاق الاستهلاكي، معتبرا أن الانقسام السياسي والمؤسسي، والتوسع في النفاق يضغط على العملة الوطنية ويدفعها للتراجع.   

وأكد الصديق الكبير في رسالة وجهها لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أن المصرف المركزي سيعمل على المحافظة على الاستدامة المالية للدولة بكل ما أمكن، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع بقية مؤسسات الدولة، داعيا الجميع للعمل معاً وإقرار السياسات الاقتصادية والمالية الضرورية للخروج من هذه الأزمة الخائفة.

وفي الرسالة التي جاءت ردا على ما جاء في كلمة الدبيبة في الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير، قال الكبير: “لقد أشرتم إلى الرغبة في أن يكون سعر الدولار 1.3 دينار للدولار، لكن الرغبة وحدها لا تكفي لتحقيق ذلك، إذ إن الممارسات الفعلية للحكومات المتعاقبة كانت عكس ذلك”.

وتابع الكبير القول بأن التوسع غير المدروس في الإنفاق العام طيلة السنوات الماضية وخصوصا الاستهلاكي الذي يستحوذ على أكثر من 95% من الاتفاق العام، ساهم بشكل كبير في تراجع قيمة الدينار الليبي، مشيرا إلى أن المرتبات وحدها تشكل 60% من الإنفاق العام، حيث قفز يند المرتبات من 33 مليار دينار عام 2021 إلى 65 مليار عام 2023، وارتفع بند الدعم من 20.8 مليار عام 2021 بما في ذلك دعم المحروقات إلى 61 مليار دينار في العام 2023.

وأوضح محافظ مصرف ليبيا المركزي أن الدولة انفقت منذ عام 2021 حتى نهاية 2023 قرابة 420 مليار دينار، معظمه لنفقات استهلاكية على حساب الإنفاق التنموي، وهو ما تسبب في ضغوط على سعر صرف الدينار الليبي.

وقال: “لقد أشرتم في خطابكم إلى زيادة المرتبات وتقديم مزيد من المنح حيث إن التوسع في الإنفاق قد يرضي بعض الفئات على المدى القصير، لكنه يتنافى مع مبادئ الاستدامة المالية وضمان حقوق الأجيال القادمة، وهو ما تتطلبه الإدارة الرشيدة للمال العام”.

ونبه الكبير في رسالته إلى أن الاستمرار بنفس السياسات المالية سوف يزيد الأمر تعقيدا، ويترتب عليه عجز مؤكد، مما يستوجب العمل معاً لاتخاذ السياسات الكفيلة لتفادي التمويل بالعجز، مشيرا في نفس السياق إلى أن الاتساع في الإنفاق الموازي المجهول المصدر أثر بشكل مباشر على زيادة الطلب على النقد الأجنبي في الأشهر الأخيرة لعام 2023، ونتج عنه ارتفاع سعر الصرف الموازي رغم ضخ مبلغ 5 مليار دولار زيادة عن العام 2022.

وحذر الكبير من أن حالة الانقسام السياسي والمؤسسي وتنامي وتيرة الإنفاق العام وإتباع سياسة التمويل بالعجز،أدت إلى ارتفاع الدين العام وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات، الذي استنزف جزءاً كبيراً من احتياطيات الدولة من النقد الاجنبي، ولم يكن هناك خيـار  لإحداث التوازن والحفاظ على ما تبقى من خط الدفاع الأول ممثلا باحتياطيات النقد الأجنبي، إلا بتخفيض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية.

ولفت الكبير إلى أن الزيادة في الطلب على النقد الأجنبي بدأت في الربع الأخير من العام 2023، الأمر الذي صعب مهمة المصرف المركزي في الدفاع عن سعر الصرف الحالي 4.85 دينار للدولار، فكيف يكون سعر الصرف 1.3 دينار للدولار  في ظل هذه المعطيات وأهمها حجم الإنفاق العام والموازي، وحجم عرض النقود الذي بلغ 160 مليار دينار.

وبيَّن الكبير في رسالته أن عملية الخروج من هذه الأزمة الخائفة تتطلب إيقاف الإنفاق الموازي المجهول المصدر، وإقرار ميزانية موحدة لكامل التراب الليبي، وترشيد الإنفاق، وتنويع مصادر الدخل وتعزيز دور القطاع الخاص وتخفيض الاعتماد على الواردات الخارجية من السلع الاستهلاكية، وزيادة إنتاج النفط وتصديره على المدى القريب والمتوسط.

وأختتم محافظ مصرف ليبيا المركزي رسالته لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بالقول إنه وجب بيان هذه الحقائق الجوهرية، ومن باب تحمل المسؤولية التاريخية وأداء الأمانة، فإن الأمر يستلزم ضرورة العمل الجاد للخروج من الأزمة والوصول إلى العيش الكريم والمستدام الذي نطمح إليه جميعاً.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً