عواطف سورية مذبوحة: تُرسلين سكينا أرسل خنجرا

بقلم: ظبية خميس

حزين من الحياة

“ترسلين سكينا أرسل خنجر”, مجموعة شعرية للشاعر السوري المقيم في فرنسا صالح دياب. تحوي أشعارا كتبت في مناطق من فرنسا بين عامي 2005 و2007. سبق للشاعر أن أصدر عدة أعمال هي: قمر يابس بحياتي 1998, صيف يوناني 2006, ونوارس سوداء: انطولوجيا الشعر السوري 2008, وله دراسة اكاديمية حول الشاعرات العربيات بالفرنسية صدرت في عام 2007.

كنت أصغي إليه يقرأ قصائده في مهرجان سيت وقرأ “ترسلين سكينا أرسل خنجرا”, بتوتر يتعالى ومقاطع تتكرر حول العلاقة بين رجل وامرأة، وحين قرأت المجموعة الشعرية التي تحمل العنوان ذاته وجدت تلك السكين وذلك الخنجر يتمرران طوال قصائد العمل بمعنى أو آخر.

في المهرجان كان صالح دياب يتحرك بقلق محموم. لا يكاد يجلس حتى يقوم ولا يكاد يبدأ حوارا حتى يقطعه وينسى ويهيم نحو مكان آخر. وكما كانت حركته الفعلية في الحياة هي كذلك في قصائده: شعر يفيض يتوتر بالحياة, والعلاقات المبتورة دون سبب واضح, والأماكن التي يهيم فيها, والإضطراب الذي يمشي معه كظله. تكتظ القصائد بالأمواس والسكاكين والخناجر. يتحرك في دروب باريس وفرنسا كهارب من نفسه التي تتعثر في العلاقة والحب والصداقة والأماكن!

رقة معطوبة في قصائده, وهيام لا يجد لنفسه سبيلا, ونساء يزحنه من حيواتهن, وأماكن يهرول فيها مسرعا كركاب المترو, وجدران لا تحمل سوى ذكريات مبتورة لنساء غادرن حياته. ولا حب في الحب ولا سلام ولا طمأنينة فهو كطفل قروي لبسته اوروبا والتبست عليه حياته وعواطفه فيها.

كل شيء يتعلق بالحركة, بالبداية والنهاية السريعة, بالدخول والخروج والمشي والسلالم والأسانسير والممرات وحتى الحديث حركة. هو خارج كل شيء وفي الحب وصف مستمر للجروح المتبادلة والهجران والغياب والملاحقة والترصد ولا أنثى في الأنثى ولا حب فى الحب!

“ترسلين سكينا أرسل خنجرا” ترصد ذكوري دائم ورد فعل سريع تجاه أنوثة يتوازى فيها الغضب والخيبة والتجريح. قصائد متوترة عن علاقات – ذكورية – أنثوية – متوترة, عن حب لا يقبض عليه وعن أماكن يعبرها ولا يطيل فيها المكوث, وعن وحدة لا تكسرها صداقات حقيقية ولا حوارات تكتمل ولا نساء يتقن الحب كشعور لا ممارسة. إنها قصائد رجل معذب بنفسه, وربما كان معذبا للآخر فالسادية والمازوشية العاطفية سمة واضحة للإيقاع في القصائد طغى على إيقاع اللفظ والمعنى.

يقسم صالح دياب كتابه إلى جزئين: الأول بعنوان “أندفع بسرعة فائقة إلى المجد”, والثاني بعنوان”دم طري”. ولاحظ الحركة في العنوان المرتبطة بالتوهم وقيادة عربة الأحداث, ولاحظ الدم المرتبط بالخناجر والسكاكين في العنوان الثاني. ولا أظن أن هناك ما يجلونا أكثر من الكتابة والشعر تحديدا, فبالإمكان التقاط صورة فوتوغرافية حقيقية لروح الكائن ربما أكثر من صورة بالبولورويد والديجيتال!

صالح دياب شاعر محطم وربما محطم أيضا في علاقته ومفهومه للحب فأولى قصائده تحتفل بالتكسير يقول:

سنفتح قنينة شامبانيا

ونحتفل بأول تكسير كامل للصحون والكؤوس.

إنها اللحظة المثالية كي تتمنى أمنية

وسوف تتحقق حتما.

هناك وصف للتفاصيل والنتائج وهي صور واقعية في الأغلب تشبه تقارير حياتية يومية يكتبها في مدونته. وهناك وصف للأماكن والشوارع والحدائق وحركة للسيارة والقطار والمترو والمشي. هناك ضجر المدينة والريف والحب المتوتر, دائما .. هناك فرار من الذات الحقيقية وتفريغ لها وسلام لا يجيء رغم اليوغا والإرتحال والتعدد في العلاقات والفرار إلى الخارج وإلى شماعة الأنثى لتفسير إضطراب الحياة. هناك ركض كي لا يفهم, كي لا يتوقف, ورسم للمشهدية على حساب التأمل ومواجهة الوحدة والمرارة والقلق الذي يعصف بروح الكاتب. الحقائق الخارجية والمونتاج السينمائي المستمر للصور يجعل النهايات تكرر نفسها عاطفيا في القصائد. الهاتف والإيميل والموبايل والكومبيوتر أسلحة أخرى في تلك العلاقات المعطوبة: أدوات تجسس وتواصل وانفصال. المحو- الديليت الإلكتروني جزء من العلاقات المنتهية وإزاحة للذاكرة نحو شيء آخر ينتصفه الخيبة وجلد العلاقة.

هناك سرعة عصبية ودور لضحية يلعبه الرجل وجلاد هي الأنثى المحبوبة والحب هو مشروع صناعة وكبوتات – واقي ذكوري – ولحظات خاطفة يخترقه سفر أو هاتف أو ضياع علاقة. وهناك غضب وحزن وإحساس بأن الأمور تسير هكذا دون سيطرة عليها. إنه إستلاب حداثي لعلاقات تتبخر سريعا كما قد حدثت.

يقول صالح دياب:

لست حزينا بسببك

لكني حزين من الحياة

بكل بساطة….

ويقول:

تدحرجت بين النساء والكتب

بدأت الشرب

وأصابني وجع دائم

في المعدة

الأعياد والعطل الصيفية

التي قضيتها معها

طفحت على جسدي ندوبا.

ويقول:

بعد شهور, سنين

فهمت أن ضربة الحب شأن يتعلق بالتنقل, بالعطل الصيفية.

ويختزل صالح دياب تجربة هجرته إلى فرنسا بقوله:

مياه كثيرة مرت تحت الجسر:

جنسية فرنسية وبطاقة بنكية

معرفة دقيقة بخطوط المترو وقطارات الضواحي

وتحريك الهياكل العظمية وأفخاذ الأوز

في طنجرة عملاقة

والنظر إلى الضباب يمشي على غير هدى

خلف ديك بري.

ويرى الشاعر نفسه في مرآة إيقاعه حين يقول:

كل شيء في حياتي

على صورة هذه الموسيقى التي تصل منهكة ومشوشة

وما إن تطلع حتى تتوارى دون أن أنجح

في معرفة اسم المؤلف.

كديك بري يركض في مدينة اوروبية يطارد أشباح دجاجات تتراكض هي الأخرى بين العربات يبدو الحب والعلاقات في مجموعة صالح دياب “ترسلين سكينا أرسل خنجرا”.

هناك فكاهية وكوميديا سوداء مخلوطة بمرارة ما في العمل, وغريب آخر ليس كغريب كامو في لحظات وجودية تفلت منه في النهارات الفرنسية. شرق ضائع في غرب يزيد من ضياعه. قصائد فرار ونزق تهرب من الروحي والعاطفي والعشقي إلى الشبقي والخاطف والمادي والمتسرب.

يمكن توصيف القصائد بالشعر اللاهث والحكايات مرآة لحياة لا تجد لها جذرا حقيقيا في المكان, سأم مدني وحنين مكبوت لذاكرة قروية وشرقية.

ظبية خميس ـ القاهرة 21/8/2012

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً