قراءة أولية لمشروع قانون الاستفتاء على الدستور

قراءة أولية لمشروع قانون الاستفتاء على الدستور

خلال قرائتي السريعة لمشروع قانون الاستفتاء لفت انتباهي إلى عدد من الملاحظات أرى أنها ذات أهمية بالغة ، وقد تجعل هذا القانون عرضة للطعن بعدم دستوريته، بدءا من عدم مواءمة القانون للإعلان الدستوري بل خالفه تماما في كثير من مواده، وكاعتماد التصويت على نظام الأقاليم ، وكذلك دور القضاء في عملية الاستفتاء والجهة المختصة بنظر الطعون.

أولا: لم يراعي هذا القانون قاعدة التدرج المتعارف عليها قانونا ، فلا يوجد توافق بين مشروع قانون الاستفتاء ونصوص الإعلان الدستوري، بل نجد ان نصوص مشروع القانون خالفت الدستور في كثير من مواده وكأن المشرع في مجلس النواب في حل من أمره، فعلى سبيل المثال:

– أعطت المادة الثامنة من هذا القانون مجلس النواب الحق في إنهاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في حال لم ينل الدستور على ثقة الشعب في لاستفتاء الأول، والهيئة التأسيسية سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب ومنشأة بموجب الأعلان الدستوري ورسم الأعلان الدستوري طريق إنتهاءها ، ونص المادة 30 / الفقرة 12 صريح حيث نصت على أنه ” وإن لم تتم الموافقة عليه تقوم الهيئة بإعادة صياغته وطرحه مرة أخرى للاستفتاء خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء الأول”.

– أعطى مجلس النواب لنفسه الحق في طريقة اختيار لجنة صياغة الدستور وهي التعيين بالرغم من اشتراط الاعلان الدستوري الانتخاب ، و منح مجلس النواب لنفسه سلطة حل الهيئة التأسيسية المنتخبة التي انتخبها الشعب وأعضاؤها منتخبون بالكامل، ومادام الحال كذلك فمجلس النواب يعد ممارسا لحق دون سند قانوني له في ذلك ومخالف للاعلان الدستوري واعتداء على إرادة الناخبين الذين انتخبو هذه الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.

– لم ييبين مشروع القانون الضوابط والمعايير التي سيتم من خلالها اختيار أعضاء اللجنة التي سيعهد لها كتابة الدستور في حال فشل نيله على ثقة الشعب، وهذا سيفتح باب للفساد والمحاصصة ، واعتبره فشل للدستور قبل ولادته. وبالتالي وجب بيان الالية والكيفية لمن سيتم تعيينهم وما هي مؤهلاتهم وشروطهم في حال فشل الدستور في أن ينال ثقة الشعب بعد الاستفتاء عليه.

– وضع مجلس النواب أجلا محددا للجنة المزمع تعيينها وهي ثلاثة أشهر ولكن لم يضع لنفسه ميعادا يلتزم فيه لاختيار هذه اللجنة ، فربما يبقى مجلس النواب عامين اخرين لاختيار هذه اللجنة ، وله سوابق في ذلك فما بين اصدار قانون استفتاء واعتماد مشروع الدستور عام كامل.

– منح مجلس النواب لنفسه حق المصادقة على نتائج الاستفتاء ويبقى دور المفوضية فقط على أعلانها ، وهذا خلل إجراائي ومخالف للإعلان الدستوري الذي أعطى هذه الصلاحية للمفوضية العليا للانتخابات.

ثانيا: إن اعتماد نظام الأقاليم الثلاثة واشتراط موافقة الأغلبية في هذه الأقاليم الثلاثة لتمرير مشروع الدستور، مخالف لنص المادة 30 من الاعلان الدستوري والتي نصت على في فقرتها 12 على أنه “… فإذا وافق الشعب الليبي علي المشروع بأغلبية ثلثي المقترعين تصادق الهيئة علي اعتباره دستوراً للبلاد ، ويحال إلي مجلس النواب لإصداره” وبالتالي تكون الموافقة والرفض على ثلثي المقترعين جميعا وليس ثلثي المقترعين في الأقاليم الثلاثة كل إقليم على حده، ولا وجود للأقاليم في الدستور الليبي النافذ، فليبيا دولة بسيطة وليست فدرالية حتى تاريخه وأنما المعتمد هو نظام الدوائر الانتخابية في دولة البسيطة كليبيا.

ثالثا: متطلبات الشفافية والنظافة والنزاهة والتنافس الشريف هي ما دفع المشرع إلى أن يكون القضاء له دور إشرافي ورقابي في عملية الاستفتاء، حيث أشارت المادة 13، 14 من مشروع القانون إلى تعيين مسؤول ومدير على المراكز وكذلك نصت المادة 14 على ندب قاضي وكلاهما يمارسان صلاحيات العد والفرز ، وفي هذا تكرار وتضارب ، فالقاضي محايد تماما ومستقل تمام الاستقلال ومن تمام النزاهة والدقة أن يكون القاضي هو المسؤول الاول والأخير عن عملية الفرز والعد مع بقية المختصيين من المفوضية.

رابعا: اعتقد أن يسند مهمة الرقابة أضافة إلى القضاء إلى الهيئات الرقابية بفروعها المختلفة من هيئة الرقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد وغيرها ويكون دور القاضي إشرافي بشكل بارز ولا يكون دور الرقيب أي دور في الفرز أو العد وأنما يوافي الجهات المختصة بتقارير عن مدى النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية.

خامسا: إن السلطة التنفيذية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تحديد يوم العطلة الخاص بالاستفتاء وبالتالي فأن اقتراح يوم الاستفتاء يتم من قبل المفوضية بالتنسيق مع السلطة التنفيذية لكونها الأكثر فعالية في ذلك من حيث الاختصاص وتوفير الأمن وتسييل الأموال وتخصيصها في الوضع الراهن.

سادسا: إن للرقابة القضائية دور فعال في ضبط العملية الانتخابية كما تعد آلية مهمة لتحقيق نزاهة العملية الانتخابية وهذا يقتضي ضرورة تفعيل دور المحاكم والقضاء الإداري بالخصوص، وبالتالي يجب أن تقدم الطعون للجان خاصة بالطعن يترأسها قاض ينتدب لهذا الغرض وليس للمحاكم الجزئية، ويتم الفصل في نتائج هذه الطعون في حال لم تلق قبولا لدى مقدميها أمام دوائر القضاء الأداري بمحكام الاستئناف مراعاة للهرم القضائي ونوع القضاء في ليبيا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً