كلمة مندوب ليبيا بالأمم المتحدة أمام مجلس الأمن

عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة اليوم الأربعاء، حول آخر تطورات الأوضاع في ليبيا، والاستماع لإحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش.

وألقى مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير طاهر السني، كلمة أمام المجلس.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

السيدة الرئيس،

في البداية أود أتقدم إليكِ بالتهنئة بتعيينكم مندوبةً للولايات المتحدة ، وكذلك على ترؤسكم مجلس الأمن لهذا الشهر. كما نرحب بالسيد يان كوبيتش ونشكره على احاطته الأولى ونتمنى له وفريقه التوفيق في مهمته الجديدة.

السيدات والسادة

اسمحوا لي أن أحدثكم اليوم بشكلٍ مباشرٍ وصريح … وليس بالضرورة من خلال النص … فلا شك أن هذه الجلسة تختلف عما سبق من جلسات ، لأن لقائَنا اليوم يتزامن مع تحول تاريخي ومهم من عمر الأزمة في بلادي ، اليوم لا أحدثكم عن صراع الشرعيات والانقسامات ومواقف طرف ضد طرف آخر ، اليوم أتحدث بإسم دولة ليبيا الواحدة الموحدة ، حيث أثمرت العملية السياسية التي قادَها الليبيون ورغم كل التحديات والصعاب وعكس كل التوقعات ، أثمرت هذه العملية إلى انجاز ما كان يبدو للكثيرين مستحيلاً ، وها نحن بعد أعوام من الانقسام والصراع نرى بشائر الأمل بعودة ليبيا وتعافيها وإنهاء وطي صفحة من المعاناة طالت الجميع. لذا وجب علينا هذا اليوم أن نترحم على أرواح كل الليبيين الأبرياء الذين فقدوا حياتهم بسبب الصراع على مدار السنوات العشر الماضية ، وكذلك الذين ضحوا بحياتهم لمكافحة الإرهاب والتطرف ودفاعاً عن حُلم بناء الدولة المدنية المنشودة.

السيدات والسادة

إن انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة من خلال ملتقى الحوار السياسي في تونس الشقيقة ، وبفضل جهود أعضاء الحوار وتحملهم للمسؤولية رغم كل التحديات ، إن هذا الحدث المهم والذي تُوِج باعتماد مجلس النواب لحكومة الوحدة الوطنية ، في مشهدٍ كان يراهن عليه الكثيرون بالفشل ، وتلاها حَلف اليمين الدستورية والمراسم السلمية للتسليم والاستلام في شرق وغرب البلاد ، أثبتت هذه الأحداث للجميع أن الليبيين عندما تتوفر لهم الظروف المناسِبة ، قادرون على مواجهة التحديات ، وها هم قد أكدوا أن المسار الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة، هو الحل الأمثل والوحيد للاستقرار وفرض سيادة الدولة على كامل التراب الليبي ، وأنه لا حل عسكري للأزمة الليبية. وفي هذا الصدد نرحب بكل المواقف الدولية الداعمة والبيانات المؤيدة لما تم مؤخراً من توافقات.

السيدات والسادة

الآن وقد انتهت أزمة الشرعيات والتي كانت لسنوات أحد أهم أسباب الصراع ، فإن الإرادة الليبية ومن خلال ما أعلنه المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ، ماضيةٌ بكل عزم للوفاء بالاستحقاقات الوطنية العاجلة رغم قِصر المدة ، وأهمها العمل على تحسين الظروف المعيشية والخدمية للمواطن في كل المناطق بشكلٍ عادل ، وتوحيد المؤسسات ، والعمل على إرساء الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد ، ودعم أعمال اللجنة العسكرية المشتركة ومكافحة الإرهاب ، وإطلاق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة ، لتمهيد الطريق نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.

إن هذه الاستحقاقات التي طالما تطلع إليها كل الليبيين ، تواجهها دون شك العديد من التحديات على المستوى الداخلي والخارجي ، فعدم احتكار الدولة للسلاح وانتشار المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون ، ستظل أحد أهم التحديات الداخلية ، أما خارجياً ها هي الفرصة قد سنحت للمجتمع الدولي أن يساهم بإيجابية في هذه المرحلة ، ويعمل على تصحيح أخطائه ودعم إرادة الليبيين للتكفير عما قام به وما سببه من أذى لبلادي ، وذلك بسبب التدخلات السلبية المباشرة والغير مباشرة منذ 2011.

لذا على هذا المجلس مسؤولية أخلاقية أمام الليبيين لما وصلت إليه الأوضاع ، مسؤولية أخلاقية أمام الضحايا الأبرياء ، من أطفال وشباب ونساء ، أياً كانوا وأتباع من كانوا فهم في النهاية جميعاً ليبيين.

السيدات والسادة

لقد سمعنا مراراً وتكراراً أن الحل يجب أن يكون ”مِلك الليبيين وبقيادةٍ ليبية“، لذا نطالب مجلس الأمن أن يستثمر الزخم والتأييد الوطني والدولي الواسعين للتوافقات الأخيرة ، ويبرهن عن استعداده للوقوف إلى جانب مطالب الشعب الليبي المشروعة ، في الانتقال نحو بناء دولته المنشودة والتي قدم من أجلها التضحيات الجسام ، وذلك بإصدار قراراً يدعم إرادة الليبيين ومخرجات ملتقى الحوار السياسي وخارطة الطريق التي تفضي للانتخابات العامة ، قرارٌ يؤكد تقديم الدعم الكامل لضمان عملية انتخابية شفافة ونزيهة واحترام نتائجها، وبمشاركة جميع الليبيين في الداخل والخارج سواء كانوا نازحين أو مهجرين ، مع محاسبة المعرقلين لهذا الاستحقاق الوطني.
وفي هذا الصدد ندعو البعثة الأممية بالإسراع في دعم جهود مجلسي النواب الدولة والتنسيق بين اللجان الدستورية والقانونية للاتفاق على القاعدة الدستورية والقوانين اللازمة للانتخابات ، لأنه كما نعلم هذه الاستحقاقات ليست من مسؤولية أو من صلاحيات السلطة التنفيذية ، وكما أوضح مراراً السيد رئيس المفوضية العليا للانتخابات ، أنه اذا لم يتم انجاز هذه التشريعات والقوانين خلال الشهرين القادمين ، لن يكون من الممكن الوفاء بهذا الاستحقاق الانتخابي في التاريخ المحدد والذي توافق عليه الليبيون.

السيدات والسادة

إن نجاح الحوار السياسي الليبي ومخرجاته لن يتحقق إلا بدعم ونجاح أعمال اللجنة الوطنية العسكرية المشتركة ، والتي أثبت أعضاؤها شجاعةٌ ووطنيةٌ منقطعتي النظير ، وبفضلهم كان الطريق ممهداً لما وصلنا اليه اليوم. لذا على مجلس الأمن دعم هذه اللجنة ودعم تنفيذ بنود اتفاق وقف اطلاق النار ، وعلى رأسها خروج جميع المرتزقة والقوات الأجنبية فوراً ومن كل مناطق ليبيا ، ويجب أن يكون ذلك متلازماً مع نزع أسلحتهم ، حتى لا يتحولوا إلى مصدرٍ جديد للتهديد في أي مكانٍ آخر، وبالأخص تهديد لدول الجوار ودول الساحل الأفريقي. وأعتقد أن تقرير فريق الخبراء الأخير ظهر فيه حجم هذه التدخلات وأسماء من تورط فيها ، لذا نطالب الدول المذكورة في هذا التقرير بتفنيد ما ورد في حقها وتبرئة نفسها أمام العالم وتصحيح أخطائها ..و إذا كانت هذه التهم مجرد ادعاءات ، فما جدوى هكذا تقارير؟.

إن خروج كافة المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا مطلب سيادي لا تنازل عنه ، وهو السبيل الوحيد لضمان استقرار البلاد والمنطقة بأسرها. لذا هذا المطلب يجب أن يلتزم به أولاً وأخيراً الدول التي اقحمت نفسها في الشأن الليبي، وأدخلتنا في حروبٍ بالوكالة …كان ولازال وَقُودَها شبابنا .

السيدات والسادة

نشكر جميع الجهود الأممية والدولية لدعم الحوارات الليبية بمختلف مساراتها، وبالأخص مجموعات العمل الدولية والمنبثقة عن مؤتمر برلين ، والتي ندعوها بهذه المناسبة أن تُشرك الحكومة الليبية بشكلٍ رسمي في اجتماعاتها القادمة ، لأننا نعتقد أن أسباب غياب ليبيا بتمثيل رسمي عن اجتماعاتها السابقة قد زال الآن.

وبالحديث عن هذه المسارات المختلفة ، نعيد ونكرر أهمية دعم المسار الأساسي الذي أُفتقد على مدار السنوات الماضية ، وهو حوار المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، والذي أعلن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية عن تبنيهما… واعتبارهما أولوية قصوى ، حتى يكونا الضامن الحقيقي لاستدامة أي حوارات ومسارات أخرى ، لأن المشكل في ليبيا ليس تقاسم السلطة ، ولا من يتولى المنصب ، المشكلة الحقيقية أن جراح الليبيين لم تلتئم منذ 2011 ، المشكلة في ليبيا كانت انتهاج البعض لسياسة الإقصاء والتهميش والمغالبة ، لذا الحل يجب أن يبدأ من القاعدة بتعزيز السلم الاجتماعي وإعادة بناء الثقة ، فلقد شاهدنا العديد من الانتهاكات لحقوق الانسان وجرائم ضد الانسانية خلال السنوات الماضية وفي معظم مناطق البلاد ، ولازلنا حتى اليوم نشاهد أبرياء في السجون وحوادث للاخفاء القسري والقتل خارج القانون واكتشاف جثث مجهولة الهوية وقبور جماعية كما حدث في ترهونة.

إن التعافي من هذه الجراح وارساء مبدأ العفو والغفران لن يحدث إلا بإنفاذ القانون وإظهار الحقيقة والاعتراف بالخطأ وجبر الضرر، فلا سلام دون عدالة … وفي هذا الصدد نكرر دعوتنا من خلال الدول الأفريقية الممَثلة هنا في مجلس الأمن ، بدعوة الاتحاد الأفريقي لدعم السلطة التنفيذية الجديدة لإطلاق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة أسوة بعدة تجارب ناجحة في قارتنا الأفريقية

السيدات والسادة

ختاماً – يدعو المجلس الرئاسي والحكومة الليبية الشعب الليبي للالتفاف حولهم والعمل معاً يد بيد من أجل العبور بالبلاد إلى بر الأمان ، والانتقال من الفوضى والصراع إلى الاستقرار والسلام ، فقد حان الوقت لبدء مرحلة التنمية والإعمار وإنهاء كل مظاهر الهدم والدمار. كما نؤكد على أن ليبيا ستعمل على استعادة دورها الفاعل على المستوى الإقليمي والدولي ، من أجل تعزيز التعاون والتضامن المشترك ، على أساس الندية واحترام سيادة ليبيا ووحدة أراضيها ، واحترام حق شعبها في تقرير مصيره ، وفقاً لإرادته الحرة ودون أي املاءات خارجية.

حفظ الله ليبيا

شكراً

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً