كلمة ينبغي أن تقال: مهزلة الوقت المهدر في المؤتمر الوطني

كلمة ينبغي أن تقال: مهزلة الوقت المهدر في المؤتمر الوطني

لم يكن ما حدث في جلسة الأمس في المؤتمر الوطني جديداً أو يحدث لأول مرة، فقد سبقت ذلك مرات عديدة، حدث فيها الأمر نفسه، أعني هدر الوقت الثمين الذي ينبغي أن يوظفه المؤتمر لإنجاز أو مناقشة قضايا مهمة أو حيوية أو عاجلة، في مناقشة أو تناول مسائل أقل ما يقال فيها إنها تافهة وغير ذات معنى على الإطلاق، إن لم نبلغ حد وصفها بأنها سخيفة ومتدنية المستوى..

لقد ضاعت جلسة أمس في المؤتمر الوطني، وفق ما تحدث به أعضاء من المؤتمر حضروا تلك الجلسة، في مناقشة الحادثة التي تعرض فيها السيد رئيس المؤتمر الوطني لنوع من الإهانة من عضو المؤتمر الوطني السيدة علا السنوسي.. وذكر هؤلاء أن السيد رئيس المؤتمر كان مصراً على مناقشة الموضوع، ومصراً على مطالبة السيدة علا بأن تعتذر له رسيماً وعلناً، بصيغة معينة يريدها ويحرص عليها.

ولقد عبرنا وعبر كثيرون من قبل عن استهجان ما قامت به السيدة علا في حينه، بالضبط كما عبرنا عن استهجان ما قام به أكثر من عضو من أعضاء المؤتمر، تهجموا على زملائهم أعضاء المؤتمر، بالسباب والشتم والإهانة، وبلغ الأمر بأحدهم أن تهجم على السيد علي زيدان رئيس الحكومة، وطالب علناً بأن (يجر من أذنه) إن لم يحضر للمؤتمر طواعية، ثم ذيل بسبه بكلمة لا تليق مطلقا في حق أحد العامة، ناهيك عن كونها تليق بأن تصدر من عضو المؤتمر الوطني في حق رئيس الحكومة.

والحقيقة أني صدمت صدمة بالغة بما حدث بالأمس خاصة، من جهتين:

الأولى أني أسفت لضياع مثل هذا الوقت الثمين من وقت المؤتمر في مسألة تافهة وجزئية وسخيفة، كان الأولى أن تحال إلى الجزاءات أو الإجراءات المنصوص عليها في اللائحة الداخلية للمؤتمر.

أما الثانية فهي دلالة ما حدث على المستوى الذي يتعامل به السيد رئيس المؤتمر مع المسائل التي تطرأ على عمل المؤتمر، أو الحوادث التي يكون هو ذاته طرفاً فيها… ولقد وددت لو أن السيد رئيس المؤتمر تسامى وارتفع عن هذا المستوى، ولم يترك حادثة صغيرة مثل هذه تأخذ من نفسه ووقته ومشاعره هذا الحيز وهذه المساحة.

وللأسف الشديد إن من شأن مثل هذه الممارسات أن تزيد من تعميق الفجوة بين المؤتمر الوطني ورئاسته وجمهور المواطنين الذين انتخبوهم، وحملوهم المسؤولية التاريخية الجسيمة، لقيادة سفينة البلاد إلى بر الأمان، بإنجاز الخطوات التي بقيت من المرحلة الانتقالية، إذ يشاهدون أعضاء المؤتمر ورئاسته يهدرون الوقت بهذه الطريقة المؤسفة، فينشغلون بمسائل جزئية وتافهة وغير ذات أهمية، عن المسائل الحيوية العاجلة التي عليهم أن يواجهوها بما ينبغي من إحساس بالمسؤولية وتفان في تحمل الأمانة وأدائها.

ولقد ذكر حاضرون في الجلسة أن المهزلة اكتملت في جلسة بعد الظهر إذا استغرقت تلك الجلسة في تصارع وتجاذب أصحاب المصالح على المواقع في السفارات، بين من يجري وراء منصب سفير، أو ملحق أو أي شيء خارج البلاد، عسى أن يتمكن من التمتع بالعيش الرغد في بلد أجنبي، والحصول على بعض المزايا والفوائد المادية، والأهم من ذلك كله التمتع بالعيش في بلد مستقر، ليس فيه كتائب ولا ميلشيات ولا أمن منفلت ولا فساد ….إلخ..

وإذا كان ثمة من يقع عليه القدر الأكبر من اللوم في هذا الشأن فهو هيئة رئاسة المؤتمر، وفي هذه الحادثة بالذات اللوم كله يقع على السيد رئيس المؤتمر الذي أهدر وقت المؤتمر في مسألة شخصية، كان يجدر به أن يسمو عنها وينساها، وألا يعيرها أي انتباه أو اهتمام، لا سيما أن المقصودة بالمسألة، قد اعتذرت عنها، وينبغي أن يكون الأمر قد انتهى عند هذا الحد. فنفاجأ بأن رئيس المؤتمر يصر على إعادة فتح الموضوع، بل تصعيده إلى حد لا يتصوره أحد، فقد توارد الخبر عن أنه هدد في جلسة حول هذا الموضوع بأن المسألة قد تتطور إلى حد كبير، فتصعد إلى مستوى الخصومة بين قبائل، إن لم يبادر أعضاء المؤتمر الوطني لمعالجتها بما يرضي سيادته، ويشفي غليله…

والحقيقة أني شخصياً فوجئت وذهلت بسماع هذا، ذلك أن معلوماتي المتواضعة تقول إن القبائل لا تتداعي لحل الخصومات أو المنازعات إلا إذا كان فيها (دم)، أي قتل أو جراح… أما في قضية سباب أو إهانة أو (بصقة)، فهذه مسائل لا تستحق أن يتوقف عندها المرء مطلقاً، ناهيك عن أن يهدر في مناقشتها وقت المؤتمر الوطني العام، الذي ينبغي أن تكون لكل دقيقة منه قيمتها وأهميتها القصوى، فلا تضيع أو تستغرق إلا فيما يفيد ويجدي.

ونعيد للمرة المائة إن على المؤتمر الوطني أن يرتقي إلى مستوى المسؤولية التاريخية، وأن يلتفت أولا إلى إنجاز مهمته الأولى والوحيدة وهي انتخاب لجنة الدستور، وإصدار كل ما يلزمها من قوانين وقرارات تمكنها من مباشرة عملها، ثم الانشغال بمحاولة فعل ما يمكنه فعله لدعم خطى الحكومة وخططها في اتجاه السعي لبسط سلطة الدولة على مختلف مفاصل الحياة، من خلال إنجاز خطط إعادة بناء الجيش والشرطة، وخطط استيعاب الثوار (الحقيقيين) في مختلف مجالات الحياة المدنية، والمباشرة في تفعيل قانون العدالة الانتقالية، تمهيداً لإتمام المصالحة الوطنية، وكذلك قانون الإدارة المحلية، كي تتمكن مجالس البلديات من توفير الخدمات للمواطنين في أماكن أقامتهم، وتنشيط الحياة الاقتصادية، وإنجاز مختلف مشاريع العمران والبنية التحتية المتوقفة.

إن ثمة بالتأكيد موضوعات أكثر أهمية وخطورة وحيوية من مسألة الفصل في خصومة مزعومة بين رئيس المؤتمر الوطني وأحد الأعضاء، أو اختيار مرشحين لتولي بعض المناصب، وذلك أن مصير الوطن والثورة كله مرتبط ورهين بما يمكننا فعله في هذه الشهور المعدودة المتبقية من المرحلة الانتقالية، وأحسب أن أحداً لا يجادل في أن مسألة الانتهاء من انتخاب لجنة وضع الدستور تأتي في قمة الأولويات، فعلى المؤتمر أن ينشغل أساساً بهذا الأمر، وأن يحث اللجنة المكلفة بوضع قانون انتخاب هذه اللجنة للانتهاء من هذا بأسرع وقت ممكن، وفي الوقت نفسه عليه أن يحث المفوضية العليا للانتخابات على أن تشرع فوراً في مباشرة عملها، فتشرع في فتح أبواب تسجيل الناخبين وإعداد السجلات وتكوين اللجان الرئيسة والفرعية التي سوف تكلف بالإشراف على مراكز الاقتراع ومحطاته…إلخ

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً