كيف أشعل «الواتساب» شرارة الثورة في لبنان؟

لم تقتصر احتجاجات اللبنانيين على الاحتشاد والهتافات السياسية فقط، بل ارتفعت أصوات الأغاني والأناشيد الوطنية.

أشعل تطبيق واتساب نيران الاحتجاجات في لبنان الخميس الماضي، بعد أن قامت الحكومة بإدخاله في الإجراءات الضريبية التي أقرتها خلال دراستها موازنة العام المقبل 2020.

وبحث مجلس الوزراء اللبناني فرض ضريبة على استخدام خاصية واتساب كول وفيسبوك كول وفيستايم وتطبيقات سكايب وفايبر، وتلك المماثلة التي تستخدم نظام التخابر عبر الإنترنت وذلك بقيمة 20 سنتاً على أول مكالمة يُجريها المشترك عبر الإنترنت يومياً، على أن تكون الاتصالات التي تلي غير خاضعة للرسم.

وقد نشر حساب رئاسة مجلس الوزراء تصريحاً لوزير الإعلام جمال الجراح أكد فيه إقرار الضريبة على الاتصالات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت المعروفة بالفويب، وقال الوزير أن هذا القرار قد يسمح بتأمين مئتي مليون دولار إضافية في السنة لخزينة الدولة.

حيث خرج الآلاف في لبنان عن صمتهم فور إعلان الإجراءات الضريبية على المكالمات الهاتفية لتطبيق الواتساب، وخرجت المسيرات والمظاهرات تطالب بإسقاط النظام وإقالة حكومة سعد الحريري، وجرى إيضاً إغلاق بعض الطرق من قبل المتظاهرين، وتوقفت الجامعات والمدارس والبنوك عن عملها، بالإضافة إلى حرق المتظاهرين إطارات السيارات.

ولم تقتصر احتجاجات اللبنانيين على الاحتشاد والهتافات السياسية فقط، بل ارتفعت أصوات الأغاني والأناشيد الوطنية وقام البعض بعقد حلقات دبكة، كما شهد الحراك مشاهد أكثر طرافة كتدخين البعض للأرجيلة أو الشيشة وحتى لعب الورق أثناء المشاركة بالتظاهرات.

وحظيت المشاركة القوية للمرأة اللبنانية في المظاهرات بمقدار كبير من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من مشاركة النساء والفتيات بتظاهرات سابقة خلال ثورات الربيع العربي في عدد من دول المنطقة، كالمشاركة النسائية القوية بالحراك السياسي الذي شهدته السودان مؤخرا وأدى إلى عزل الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير.

ورغم أن وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير قد أعلن في وقت سابق التراجع عن فرض هذه الرسوم بناء على طلب من رئيس الحكومة سعد الحريري، إلا أن التظاهرات لم تهدأ مُطالبةً بإسقاط النظام.

من جانبه أعلن الجيش اللبناني أن قيادة الجيش تدعو جميع المواطنين المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم المرتبطة مباشرة بمعيشتهم وكرامتهم إلى التعبير بشكل سلمي وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة، كما أكدت تضامنها الكامل مع مطالبهم المحقة، ودعت المحتجين للتجاوب مع الأجهزة الأمنية.

وأطلقت الصحف اللبنانية اسم «ثورة الواتساب» و«انتفاضة الضرائب» على هذه الاحتجاجات، واتهم المشاركون أركان الدولة جميعاً بالسرقة والفساد وإبرام صفقات على حساب المواطنين.

وشكل القرار، الذي سرعان ما سحبته الحكومة، شرارة لتحركات واسعة ضمت ممثلين عن أبرز الأحزاب السياسية بسبب عجز الحكومة منذ أشهر عن الالتزام بتعهداتها في تخفيض عجز الموازنة وتحقيق إصلاحات بنيوية.

وخلال الأسابيع الأخيرة تصاعدت نقمة الشارع في لبنان إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك.

وكانت البلاد قد شهدت إضراباً جزئياً لأصحاب المخابز والأفران نتيجة شح الدولار، وأوضحت نقابة أصحاب المخابز والأفران أن المخابز تبيع بالليرة اللبنانية لكنها مضطرة لتسديد سعر القمح بالدولار الأميركي، ما يفرض عليها خسائر كبيرة نتيجة تفاوت سعر صرف الدولار، وعدم وجود سعر صرف ثابت في الأسواق.

كما سبق أن شهد لبنان أزمة محروقات متقطعة على مدار الأسابيع الماضية، تمثلت في إضراب محطات الوقود احتجاجاً على شح الدولار المستعمل في عملية تأمين المحروقات للسوق اللبناني، وانتهت سلسلة الإضرابات بعد التوصل إلى حل لأزمة استحصال قطاع المحروقات على الدولارات، نتيجة مساعي جانبيه رعاها رئيس الحكومة سعد الحريري، وفق الآلية التي سبق وأقرها رياض سلامة حاكم مصرف لبنان لتخفيف الضغط على الدولار، وإعادة التوزان للعملة المحلية.

وكان الاقتصاد اللبناني قد شهد خلال السنوات الأخيرة تراجعاً حاداً، مسجلاً نمواً بالكاد بلغ 0.2 بالمئة عام 2018، بحسب صندوق النقد الدولي، وفشلت الحكومات المتعاقبة في إجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.

كما يشهد لبنان أزمة اقتصادية متصاعدة منذ فترة أدت مؤخراً إلى ارتفاع في سعر صرف الليرة في السوق السوداء إلى 1600 مقابل الدولار، ولجأت المصارف ومكاتب الصرافة إلى الحد من بيع الدولار، حتى أنه بات من شبه المستحيل الحصول عليه.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً