كيف دعا الله تعالى عبادَه لدعائه والتضرع إليه من خلال اسميه (السميع) (العليم)؟

كيف دعا الله تعالى عبادَه لدعائه والتضرع إليه من خلال اسميه (السميع) (العليم)؟

د. علي الصلابي

مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي ليبي

أهم ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى – والذي هو أول أركان الإيمان – التعرف إلى سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، والتي لها آثار عظيمة في حياة المؤمن وسلوكه وطريقة عبادته وتعاملاته، والتي من آثار ذلك، الفوز والفلاح في الآخرة. ومن أسماء الله الحسنى والتي تتكرر كثيراً في القرآن الكريم:

– اسم الله السميع:

قال السعدي- رحمه الله-: ومن أسمائه الحسنى السميع الذي يسمع جميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فالسر عنده علانية والبعيد عنده قريب. (توضيح الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، ص118).

وسمعه نوعان:

أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية وإحاطته بها.

والثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهن ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: 39]. وقوله المصلي: سمع الله لمن حمده؛ أي: استجاب. (الحق الواضح المبين، السعدي، ص35).

واعلم أن اسم الله (السميع) لم يقترن في القرآن الكريم إلا باسمه تعالى: (العليم)، و(البصير)، و( القريب)، وقد تقدم عليها جميعاً وهذا لا يعني التغاير أو التفاضل في أسماء الله وصفاته بأن يكون اسم أولى من اسم أو صفة أولى من صفة، بل هو من أجل المعاني التي تختلف بسياق الكلام فقط، فصفات الله سبحانه قائمة بذاته دون ترتيب وأولويات لأنّه سبحانه هو (المتين)، الذي ليس في كمالات أسمائه وصفاته من تفاوت، إذن هو (سميع عليم) في آن واحد فلا يسبق معه علمه ولا يسبق علمه سمعه، وتقدم السميع على القريب لنفي التشابه بين صفات الله تعالى وصفات المخلوق، فإن القريب هو الذي يسمع عادة أكثر من البعيد لكن الله تعالى قدم السميع على القريب ليُعلم أن سمع الله وقربه واحد سبحانه أو أن سمعه لم يتحقق بسبب قربه، وفي جملة الآيات التي اقترن اسم الله (السميع) بدعاء أو مناجاة أو تهديد أو طاعة للمؤمن أو معاملة من المعاملات بين الناس كالطلاق مثلاً، أو حديث الله عن الكون وآياته في الآفاق أو ابتلائه للمؤمنين أو غير ذلك أقول مجيئ هذا الاسم العظيم عند هذه الأحداث كلها يعني حضور الله عند كل شيء ووجوده بسمعه عند كل حدث، بل هو بصير أيضاً؛ لا بل هو عليم وخبير بما هو مخفيّ فلا يشغله صوت عن صوت فهو في الوقت الذي يسمع كفر الكافرين وشركهم، يستجيب دعاء الصالحين، والذي يسمع حديث الزوجين، يسمع في الوقت نفسه دبيب النمل في ليلة ظلماء على صخرة صمّاء. (اللوامع البهية في شرح أسماء الله الحسنى، محمد مصطفى السوالمة، 1/267،268).

وقد اقترن اسمه سبحانه (السميع) باسمه العليم، وجاء هذا الاقتران في القرآن الكريم (32) مرة.

والسميع: المدرك لكل مسموع. فهو اسم ينبئ عن كمال السمع بلا تكييف ولا تشبيه. (ولله الأسماء الحسنى، ص249).

وفي هذه الآية الكريمة: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يوسف: 34]، ورد اقتران هذين الاسمين الكريمين فيها وهذا الاقتران يمنحها مزيد كمالٍ، فإذا كانت صفة (السميع) تنبئ بإحاطة السمع بكل المسموعات فلا يندر عنه – عز وجل- شيء ولا تعزب عنه كبيرة ولا صغيرة فإن صفة (العلم) تنبئ بتجاوز (السمع).

والملاحظ أن اسم (السميع) حيثما ورد مع اسم (العليم) قدّم عليه فالنسق دائماً: السميع العليم، ولا عكس. فلا بد أن يكون من وراء ذلك حكم ذكر منها: أن السمع يتعلق بالأصوات، ومن سمع صوتك فهذا أقرب إليك في العادة ممن يقال لك أنه يعلم مهما بلغت درجة علمه- فذكر السميع أوقع في النفس. وفي مقام الدعاء أثره في انطلاق اللسان بالدعاء فالطلب والشكوى تكون أقوى حين يستشعر الداعي أنه يخاطب من يسمعه ويصغي إلى نجواه.

– اسم الله (العليم):

هو العليم – من غير تعلم – بجميع ما قد كان وما هو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقه. (تفسير الطبري، 1/175).

وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان وبالواجبات والمستحيلات والممكنات. وبالعالم العلوي والعالم السفلي وبالماضي والحاضر والمستقبل فلا يخفى عليه شيء من الأشياء. (ولله الأسماء الحسنى، ص333).

ولقد تعلق يوسف بالله عز وجل وبأسمائه الحسنى وكان على يقين بأن الله سبحانه وتعالى سميع لدعاء الملتجئين إليه وعليم بأحوالهم. (التفسير الموضوعي، ( 4/173).

إن تعلق العبد بهذا الاسم (العليم) من كمال نعمة الإيمان فقد علمنا يوسف عليه السلام أن ندعو باسمه العليم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب”.

وأما عن تخلق العبد به، فهو أن يحرص العبد على أن لا يراه الله حيث لا يريد، ويراقب نفسه في السّر والعلن ماذا يقول وماذا يفعل، ومن جهة أخرى يحرص على العلم الذي ينفع دينه. (اللوامع البهية في شرح أسما الله الحسنى، 1/214).

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من مسودة كتاب “النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام”، للدكتور علي محمد الصلابي.

المراجع:

  • توضيح الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى، 2010م، ص118.
  • الحق الواضح المبين، السعدي، دار ابن القيم للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1987م، ص35.
  • اللوامع البهية في شرح أسماء الله الحسنى، محمد مصطفى السوالمة، دار النور المبين، الطبعة الأولى، 2019م، (1/267،268).
  • مسودة كتاب: النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام، د. علي محمد الصلابي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. علي الصلابي

مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي ليبي

اترك تعليقاً