لعنة الشمس ونكسة الحدود

لعنة الشمس ونكسة الحدود

أكلي شكا

خبير أمني وباحث في قضايا الشعوب الأصيلة

new-article3_14-11-2016

تشق السماء إلى نصفين من أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب بعجالة رهيبة قبل أن تستقر في مكان إقامتها المفضل فوق سماء “تينيري” لتصب حمم جحيمها فوق رؤوس سكانها نهارا كاملا.. فلا تبرح مكانها قبل أن تفرغ جام غضبها على شعبي الواقع بين فكي كماشة وتبث فيهم التعاسة وقد سلبتهم الوسامة واختلست منهم السعادة..

فكم من عَجُوز قضى حياته بين البئر والنجع، وكم من يافِع واعد قضى نحبه تعذيبا تحت ركلات أقدام بوليس المستعمر.. وكم من مَوْلُود قدر له أن يمضي طفولته غريبا معوزا شاردا وصرخاته تخيم في سماء مخيمات اللاجئين، وكم من أم ضاقت بها السبل بحثا عن ابنها الفار من جفاء ثُدِيٌّها بعيدا في متاهات بلاد الغربة بحثا عن رمق الحياة.. ومازال في أرضي متسع لقبر شهيد!

تستريح الملعونة غير آبهة من فوق لعناتها الأرضية المسماة: اليورانيوم، الذهب، النفط وما أكثر بشاعة من هذا وذاك من تلك المولودة الزائدة في عام 63 المسماة، بالحدود. فكيف لا؟ فالعرف تقول إن الأرض الحبلى بهذه اللعنات لا يسلم أهلها من وسم العبودية والاستعمار التَائِق لما يسميه أهل الدنيا بالخيرات ونسميه نحن باللعنات!

لقد شكل عام 63 بداية النكسة الكبرى وبداية الشتات المشؤم الذي بفضله مزق المستعمر أخر عرق في جسم “الامة” بجرة قلم وقطع كل ما يربطها بالأرض والوجود والكرامة.

قديما في أساطير الأمم العابرة يقال أن رقم “ثلاثة” و”ستة” أرقام شُؤْم ومجلبة للعنات والحظوظ السيئة. تلك هي اللعنة التي نزلت في ذلك العام على أهلي كما تنزل الصحون الطائرة معلنة بداية الاغتراب عن الذات والوطن والهوية.. إنه إعلان نهاية السيادة وسقوط الملكية وبداية وأد ثقافة ومحنة شعب فريد!

فقبل أن تواصل المشؤومة رحلتها إلى العالم الآخر حاملة معها البرودة والرأفة كأنها مستحية من فعلتها ترسل وابل من حممها النارية ضارمة القلق واليأس في رؤوس سكان صحرائي، تجعلهم يَتَمَلْمَلُون في سيرهم وأقدامهم تصب دما وقيحا من شدة حرقة الرّمْضَاءُ..  تنفخ كالحية في تكوينات وتجمعات الغبار والرمال مخلفة زوبعات ورياح هوجاء التي بدورها تزحف على كل ما هو أخضر وكل ما يرمز للحياة، ثم تجعل الماء يدب في أحشاء الأرض بعيدا فيشتد الظمأ وتتبعثر أبسط وسائل الحياة في كافة أرجاء وطني.. تجبر البراري والزواحف باتخاذ الجحور والمغارات سكنا في محاولة يائسة لاتقاء شرورها الجهنمية قبل أن تضطر بالعودة مرة أخرى للسطح المثخن هو الآخر بالظلام بعد رحلة الأنقاض الطويلة!

أقسمت البائسة ألا تغادر مكانها قبل أن تقضي على كل ما هو جميل حتى بات إثمها قرين لجهنم.. الفقر.. الظمأ.. الجدب.. التصحر وللعبودية والظلم.

جعلت من السُرّاق والمستعمرين ملوك وأسيادا وجعلت منا متسولون.. استباحت جبالنا ورمالنا وودياننا وانتهكت نقاء أجواءنا. فهي من جلب “بي بي” و”سونطراك” و”توتال” و”إيني غاز” و”أريفا” لتعكر نقاء وسماحة صحرائي.. بفضلها داس الغرباء بأقدامهم على أرضي طمعا وبحثا عن غنيمة وعن اغتيال غزال، براءة وطني وبراءة كل الاوطان.. بفضلها أصبحنا طريدة وغرباء بدون عنوان، بفضلها أصبح وطني مسرحا للإرهابيين ومعبر للمهاجرين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أكلي شكا

خبير أمني وباحث في قضايا الشعوب الأصيلة

اترك تعليقاً