لماذا فشل الحوار بليبيا…. وهل يسود المنطق في هذه الحالة؟

لماذا فشل الحوار بليبيا…. وهل يسود المنطق في هذه الحالة؟

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

هناك دائما أسس للحوار والذي لا يمكن  أن يكون الحوار ناجح بدون هذه الأسس. كذلك تكون مخرجات الحوار ناقصة أذا لم تكن الأسس مبنية على أشياء كثيرة ومنها المنطق الصحيح. الاستدلالات مهمة والمغالطات يجب أن تستبعد قبل بداية الحوار.  من اهم أسس الحوار هو وجود طرف محايد يرعي الحوار ويمهد له قبل أن يجتمع الفرقاء. كذلك عليه ألا يميل الكف لطرف دون أخر وخاصة الطرف الأقوى على الأرض أو من يحظى بتأييد شعبي كبير. اختيار المتحاورين مهم جداً وخاصة من لهم خبرة في التحاور والتفاوض بجانب أنهم يحضون بمكانة اجتماعية في المجتمع الليبي. المجتمع الدولي يجب أن يكون داعم لهذا الحوار وبالأفعال وليس بالعراقيل وتغليب مجموعة على اخري. الدول الكبرى تعمل من وراء الكواليس وتقوم بعدة أشياء داخل وخارج ليبيا دون أن يعي بها الليبيين ولهذا يكون غياب الحرية الكاملة في الحوار أحد أسباب فشله وهذا ما تطمح له بعض الدول وخاصة من هم يدعون أنهم أصدقاء لليبيين من العرب وغير العرب.

قبل أن نخوض في موضوعنا يجب أن نعرج على أسس الحوار الهادف والجيد والناجح.  يجب أن يـكون هنالك الإرادة الصادقة للوصول إلى الحل من جميع المتحاورين والحرية الكاملة في الحوار وإشراك الجميع وأن تحدد قضايا الحوار بدقة. أن تكون لدى المتحاورين القناعة التامة بالحوار وبأسسه واهدافه، ولديهم المام كامل بنتائجه، الاختلاف في الرأي سيكون موجود دائماً ولكن هذا لا يفسد الحوار والقضية الأساسية والتي تنادي الجميع من اجلها للحوار. أسس الحوار والتي لم تطبق من قبل الأمم المتحدة ولا من بعض المتحاورين من جميع الأطراف وعلى هذا الأساس ثم تعليق الحوار بليبيا الى أن يتم احترام أسس الحوار التالية:

أن تعرض الفكرة بطريقة واضحة ومفهومه لكي تصل الى الجميع بوضوح وبالتالي يتقبلها الجميع

الشفافية التامة والتواصل مع الشعب الليبي حتي تكتسب ثقة هذا الشعب

استخدام الصيغة المقبولة والمناسبة للحوار وعدم اللجوء للشخصنة أثناء الحوار

عدم الاستبداد بالرأي وتقبل آراء الآخرين برحابة صدر

حق تكافئ الفرص بين المتحاورين

تحديد محاور النقاش والاتفاق عليها قبل عقد أي جلسة حوار

تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف قبل ان يكون هناك تعمق في النقاش

الالتزام بالهدوء والاستماع للأخرين أكثر من الحديث كثيرا والابتعاد عن الجدل

جميعنا يعرف أن إحدى المبادئ الرئيسية للحوار أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية وهذا متفق عليه ويعرفه كل محاور جيد. في الحوار بين الليبيين، سوء من الموالين أو المعرقلين لقيام الدولة الليبية المدنية وفي غياب التنافس والحدس، يسود المنطق. إن ما نريده هو نقاط منطقية وجميعنا سيكون سعيد وخلاف ذلك لن يؤدي الى قيام دولة مهما تحاورنا.  اشراك الجميع في الحوار ومن سيرفضون مخرجات الحوار دائما يكونوا قد استبعدوا مند البداية منه وخاصة أذا كانوا يمثلون عرق معين أو قبيلة أو فئة معينة. لهذا يجب ألا يستبعد أحد وان يتم التواصل مع جميع المؤثرين في الشارع الليبي ويكونوا هناك ممثلين لكل الفئات من النساء والرجال.

الحرية الكاملة في الحوار يجب أن تكون موجودة ولا تكون هناك شروط مسبقة سوء من الطرفين أو ممن يرعون ويدعمون الحوار. الاستعانة بالخبراء المحلين والأجانب ومن لهم خبرة كبيرة في الحوار مهم جداً حتى تتبلور فكرة الحرية الكاملة ودون تدخل من الاخرين في التمهيد للحوار وكذلك عند اجراءه وتطبيق مخرجات الحوار.

كل من يأتي للحوار يجب أن تكون له قناعة تامة بأن الحوار هو المخرج الرئيس لليبيين والليبيات من هذا المأزق السياسي والذي له عدة أسباب. المحاور الجيد يفهم طبيعة الطرف الاخر ويتنازل على الكثير من الأشياء في سبيل المصلحة العامة. كذلك المحاور الجيد لا يهتم بالمسائل الشخصية ولا يعول على ما حدث بالسابق ولا يذكرها اثناء الحوار حيث هذا سيولد جدل كبير ويصبح الحوار جدل وتتبادل الاتهامات ويفشل الحوار. أن يكون المحاور سريع البديهة حتى لا تفوت عليه فرصة أو معلومة ربما تكون جزء مهم لمخرجات الحوار. من يذهب للحوار يجب أن يكن ملم بأسس ومبادي واليات الحوار وأن يكون لديه المام كامل بمخرجاته.

الجميع من الليبيين والليبيات كان ولا يزال لديهم أمل بأن الحوار سيخرج ليبيا من هذه الفوضى الى بناء الدولة المدنية. لقد أصبح الحوار معلق هذه الأيام نتيجة الاحداث الأخيرة بالقبة وسرت وطرابلس وما ترتب عليها وجود طرف جديد على الساحة الليبية وخطير وهو “داعش”. حيث هذه المجموعة المارقة والتي تريد أن تكون ليبيا قاعدة ثالثة لهم بعد العراق وسوريا.  تريد أن تجر منطقة شمال افريقيا الى حرب ودمار.  لقد دخلت مصر المعركة بجيشها وهذا ما يريدونه الدواعش. الى هذه اللحظة مصر استعملت الطيران ضد الأراضي الليبية وهو غير مقبول من جميع الليبيين ولو أن مصر استعملت جيش على الأرض فحتماً سيقف ضده جميع الليبيين. لهذا يجب على المجتمع الدولي أن يتحد مع بعض من أجل إيجاد حل سريع لليبيا وابعاد الدواعش عن الأراضي الليبية والمساهمة في استرجاع الحوار الى ما كان عليه  الى ما قبل هذه الاحداث. كذلك يجب على الليبيين توحيد الصف من أجل استئصال هذا السرطان الخبيث من على الأراضي الليبية قبل أن ينتشر فيها حيث أن هناك أرض خصبة له جراء تخاذل الليبيين أولا وتفرقهم وتحفظ المجتمع الدولي على مساعدة الجيش الليبي والذي هو قادر على استئصال هذا السرطان من جسم ليبيا الحبيبة.

عندما تغيب أسس الحوار وتلوح في الأفق بوادر فشله ويبدا التنافس على كيفية انجاح الحوار، يكون المنطق بديل لهذا. المنطق هو الدليل علي التفكير والاستدلال وأن يصل المحاور الى فكرته بأقل جهد ومعناة. كما أن المنطق يساعدنا على التمييز بين الأدلة السليمة وغير السليمة وينمي الروح العلمية لدي المحاور. كما أن للمنطق تأثير في ابعاد العاطفة والانحياز الى طرف اخري من قبل المحاور إذا هو لا يملك منطق سليم وعقل جيد. كم أن المنطق ينمي في المحاور الاتجاه النقدي الهادف للوصول الى مخرجات علمية ومقبولة لدي الجميع. اين تجد هذه الاوصاف والكماليات في المحاور وخاصة ممن هم الان يتزعمون المشهد الليبي في الحوار. نتمنى أن يكون لديهم ولو 10% من هذه الصفات حيث المنطق السليم يعزز الثقة التامة في المتحاورين من قبل الشعب الليبي. لكن أذا غاب المنطق وفشل الحوار فأننا سنخسر الكثير ولن تكون هناك ليبيا الى عدة قرون أخري. لقد تنامي في بعض الناس الحقد والكراهية وحب الانتقام نتيجة عدم تغليب العقل والمنطق في كل ما نفعل هذه الأيام بليبيا.

من اهم مخرجات الحوار هي الاتي:

يجب أن يكون الحوار وسيلة لتبادل الأفكار وبيان الخطأ فيها من الصواب حتى تتم المعالجة الصحيحة والفعالة

هو أفضل الوسائل لإقناع الآخرين وحتهم على قبول هذه المخرجات

تكون النظرة والتفكير مطابقة الى تطلعات الشعب الليبي

المخرجات يجب أن تكون مفيدة وسهلة التطبيق

كل المعلومات تكون في متناول الجميع والشفافية هي عنوان نجاح هذا الحوار

الاستشهاد بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأدلة وبعض القصص والتي لها علاقة بالحوار هي جزء أساسي من هذه المخرجات
إذا لم ينجح الحوار وتعطل نهائياً هنا يجب أن يبحث المجتمع الدولي عن مخرج لليبيين يضمن لليبيين العيش والابتعاد عن شبح الحرب.  المنطق هنا يقول  يجب على المجتمع الدولي التقدم بمشروع أممي تتبناه الدول الكبرى مثل بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا وإيطاليا ومصر والجزائر. هذا المشروع يكون ضمان استمرارية النقاش والذي بداء به الحوار ويكون به دستور يحدد فيه نوع الحكم وشكل الدولة وقوانينها وضمان تسليم الأسلحة. كيفية أن تكون الدولة الليبية في هذا المشروع يكون على نظام الأقاليم وحكم ذاتي لكل إقليم تحت اسم دولة ليبيا. أن تساهم هذه الدول في تكوين الجيش الليبي الوطني والذي بدونه لن تكون هناك دولة اسمها ليبيا في المستقبل. هذا اختيار صعب لليبيين ولكن ربما هو الحل الأفضل أذا لم نصل بالحوار الى أي حل وتعثرت كل المساعي. في كل الاحوال يبقي الحوار هو الحل لليبيين والليبيات للحفاظ على دولة ليبيا وأن غاب الحوار يجب تغليب المنطق والحكمة والعقل حتى ننجح بالحوار والذي لا بديل له.

ليبيا حرة وقادمة وأن طال الزمن

د ناجي جمعه بركات

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً