ليبيا بين سندان مصراتة ومطرقة الزنتان

ليبيا بين سندان مصراتة ومطرقة الزنتان

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

هذه هي لعبة السياسة التي تدور الأيام في فلكها! وكما عودنا التاريخ لا صداقة مستمرة ولا عداء كذلك, فرفاق الأمس تفرقهم الأهواء والأطماع الضيقة حين اختصروا وطنا بكامله في منطقة او قبيلة! وقد تنقلب رفقتهم خصومة وعداء وما الذي يجري الآن في العاصمة الليبية وما حولها من تحشيد للمسلحين من هنا وهناك بدعوى تأمين العاصمة إلا فصلا من فصول اللعبة السياسية الخطيرة في ليبيا المترنحة الموجوعة. من يصدق ان المقاتلين الذين سبق وان تواجدوا في العاصمة جنب إلى جنب تحت راية واحدة بهدف إسقاط حكم القذافي يختلفون اليوم وينقسمون على أنفسهم بدرجة تجعلهم يقبلون توجيه أسلحتهم الى بعضهم البعض ويتخذون من طرابلس العاصمة أرضا لمعركة محتملة قد تحرقهم جميعا وتحرق العاصمة أيضا!

هل يدرك الليبيون بما فيهم أهلنا في مصراتة والزنتان ان ما يحاك الآن وما يدبر من تدبير قد لا تكون نتائجه طيبة على ليبيا كلها؟! فهذا الصراع الذي نجده يحتدم الآن بين قطبين اثنين تتداخل فيه الأجندات بشكل منظور وغير منظور وتأخذنا الحيرة اليوم لمعرفة من يجر من؟! هل حزبا التحالف والعدالة يجران الزنتان ومصراتة؟! ام ان مصراتة والزنتان يجران العدالة والتحالف؟! لكن السؤال الكبير الذي يجب أن يقف عنده الليبيون هو: ما الذي أوصلنا الى هذه الحالة من التشظي؟! هل هو الجهل وقلة الوعي الوطني والسياسي؟! أم هو الأطماع والمصالح الجهوية والقبلية؟! أم الاثنان معا؟!

يدرك الجميع أن ليبيا ليست مصراتة او الزنتان وان الشعب الليبي اكبر منهما بكثير ولو اجتمعتا, فهل يدرك أهلنا من مصراتة والزنتان ذلك مثلنا؟! إذا ما الذي يجعلهما ينئيان بعيدا عن شعبهما ووطنهما الأم؟! هل هو الغرور الذي أصابهما بعدما انهار نظام القذافي وتلاشى؟! هل يكفي أن نذكَر الزنتان و مصراته بأنهما ليسا وحدهما من أزال حكم القذافي؟! لا أظنهم ينكرون حقيقة أن نظام القذافي أزالته بعد الله ,القوة العالمية المتمثلة في حلف الناتو مدعومة من كل الليبيين حسب القدرات والتضحيات

هل يكفي ان نذكر الذين يحاولون فرض رؤاهم ولو بالقوة إلى انه لم يعد ممكنا حكم ليبيا من فرد أو قبيلة أو جهة منفردة! لقد ولى ذلك العهد ولن يكتب الاستقرار والآمان لدولة ليبيا إلا في ظل توافق جماعي من كل الليبيين, إذا هل يفكر الإخوة من مصراتة والزنتان بهدوء ويعيدون ترتيب حساباتهم بما يخدم القضية الوطنية بعيدا عن الحسابات السياسية المكبلة بأجندات من هنا وهناك؟! هل يتدارك إخوتنا من مصراتة والزنتان الأمر؟! ويفكرون بعقلية الحرص على ليبيا الواحدة الموحدة فيبادرون بتقديم ما من شأنه تمتين اللحمة الوطنية لا تمزيقها ويعلنون وقوفهم صفا واحدا من اجل ليبيا الكبيرة التي تسع الجميع؟

هل يبادر أهلنا من مصراتة والزنتان بإنقاذ ليبيا التي تنهار أمام أعينهم واعين الجميع بخطوات جريئة شجاعة في حجم إعلان ثنائي مشترك يتعهدون فيه أمام الليبيين بانسحابهم إلى الخلف خطوة ويتركون الشأن الليبي مؤقتا لغيرهم من الليبيين الذين منحوهم أو اجبروا على منحهم فرصة أكثر من عامين على سقوط النظام السابق! هل يقوى الفرقاء على مغالبة أنفسهم خدمة للوطن والشعب في مرحلة لا تواكبها إلا التضحيات الجسام والمواقف الوطنية المخلصة التي تقدم مصلحة الوطن الكبير ليبيا على أية مصالح أخرى ولو أدى ذلك إلى تضحيات بحجم تنازلات من اجل ليبيا! هل لا يزال في قومنا بقية من ضمير حي أو نفحة من نفحات حب الوطن توقد جذوة شارفت على الخمود في زمن بيعت فيه الأوطان وبأبخس الأثمان؟!

هل يبادر اهل مصراتة بمد يد التصالح إلى إخوتهم في تاورغاء ويعلنون عن تأمين عودتهم إلى بلدتهم عاجلا لا آجلا؟! وهل يبادر أهل الزنتان بمد يد التصالح مع إخوتهم المشاشية ويعلنون عن تأمين عودة المهجرين من مناطق العوينية والرياينة والقواليش وغيرها؟! فيقدمون بذلك دليلا حيا عن حرصهم وإخلاصهم لليبيا الشعب والوطن فيضعون لبنة أساسية من لبنات المصالحة الوطنية التي هي السبيل الوحيد لبناء دولة ليبيا كما يريدها الجميع وبالجميع, متى نرى ذلك واقعا حيا نعيشه بعقولنا وأبصارنا؟! أم انه قدر لليبيا أن تطحن بين سندان مصراتة و مطرقة الزنتان!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً