ماذا بعد هستيريا العزل السياسي؟

ماذا بعد هستيريا العزل السياسي؟

17 فــبراير ظلت مسكونة بالخـوف والرعـب من عـودة القذافي وستظل كذلك حتى تحرق نفسها أو تحــرق الأرض وما عليـهـا. وهذا الرعب الذي تم استخدامه كـفزاعة، كما استخدِمَت فزاعة البعثيين في العراق المحتل من قبلهم، وما من غاية وراءه سوى اطالة عمر الفــوضى وعرقلة بناء الدولة وشغل الرأي العام عن القضايا الجوهرية لإعادة الأمن والاستقرار السياسي ودوران عجلة الاقتصاد المتعـطل، بغية استمرار الفوضى المنظمة والمُمَنهجة في البلاد والتي تعتاش عليها وتغذيها أطرافاً داخلية وخارجية وهذا أمر يعلمه الجميع تقريباً.

ثم أن الذين يرون في العزل حلاً سحرياً لإجتثات الفساد واهمون. فالفساد لا انتماء سياسي أو أيديولوجي له ولا تقتلعه إلا دولة العدل والقانون أما دولة الشرعية الثورية فقد شهدوا جميعهم مصيرها. وكونك من أنصار فبراير لا يعني بالضرورة بأنك انساناً مثالياً والعكس. لأن الدول لاتقوم على أشخاصاً مثاليين – لا جود لهم أصلاً – بل مواطنين يردعهم القانون مهما كانت مراتبهم والمناصب التي يتقلدونها.

ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه هو أن هؤلاء الشباب المتحمسون جداً للعـزل مالذي سيستفيدونه من تصرفاتهم ولجوءهم للعنف المسلح وقطع الطرقات غير تأليب الرأي العام المحلي والدولي ضدهم؟ وحتى وإن تم تطبيق قانونهم المنشود وكما يريدون؟ رغم ادراك الكثيرين ممن يؤيدونهم بأن هذا السلوك الهستيري واللجوء للعنف الغير مبرر والتلويح بالقوة لا يخدم أبداً قضيتهم بل على العكس من ذلك، فقد كانت له أثاره السلبية الواضحة.

وليس هناك من تفسير لهذا التهور والسلوك اللامسؤول سوى أنهم بالفعل مخترقــون من قبل معارضيهم ممن ينوون عزلهم وأيضـاً من قبل أطراف أخرى سواء من الداخل والخارج والغاية الوحيدة لمن يورطونهم بهذه الأفعال هو استمرار حالة الفوضى وعرقلة الدولة واستمــرار مسلسل الفســاد والنــهب والجــريمة، أما العزل وأحلامه فهو من آخر اهتماماتهم … وما هو إلا مجرد جزرة معلقة على رؤس هؤلاء الشباب المتحمسون.

وبمجرد انتهاء ملحمة العـزل سيتدبرون لهم جـــــزرة أخرى يثبـــتونها على رؤس هــؤلاء الشــباب المتحمس والجـاهز دائماً لمهام الاقتحامات وحصار المؤسسات وقطع الطرقات. وقد أعدوا ما ستطاعوا من دبابات وراجمات وعدة طلاء الجدران بالشعارات الثورية بإخطائها الاملائية الفاضحة والتي أصبحت موضوعاً للتنذر والسخرية على شبكة التواصل الاجتماعي، بقصد التلميح إلى المستوى التعليمي المتواضع لهؤلاء الشباب.

ولن يتوقف الأمر بالطبع عند هذا الحد حتى بعد تطــبيق قانون عــزلهم المــنشود فإن هذه الفوضى لن تهدأ والدولة في ليبيا الجديدة لن تُبــصِر النور طالما تجنيد الشباب لدينا بالمجان من قبل أجهزة مخابرات الدنيا بأسرها وسيجرون دباباتهم في الغـد القريب ما بعد تطبيق قانــون العــزل مطالبين بقوانين أخرى وحزمة شرائع أخرى باسم الثورة المستمرة أبداً وباسم الاسـلام وكلاهم منهم براء.

كما أنه ليس خافياً على أحد من أن حالة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في ليبيا هي بمثابة كارثة حقيقية لكثير من الأطراف المستفيدة من حالة الفوضى الأمنية والسياسية في ليبيا اليوم. فهذه الفوضى الأمنية وغياب الدولة أصبحت مصدر لإرتزاق الكثيرين بل هي مصدر للثراء الفاحش والسريع.

والجميع يعلم بأن أغنياء الحرب والفوضى الأمنية في ليبيا في تزايد مذهل سواء كانوا من الليبيين أو الأجانب ممن استفادوا من سوق الجريمة بأنواعها المزدهر في ليبيا الجديدة والكل يعلم بأن ليبيا بدأت تتحول الى مستنقع دولي لترويج المخدرات وكذلك تجارة السلاح والخطف وتجارة الرقيق والتهريب بأنواعه وانتشار معسكرات لتدريب وتصدير المقاتلين إلى انحاء العالم. وهؤلاء المستفيدين من مناخ الفوضى وغياب الدولة لا نعتقد أنهم ببساطة سينصاعون للقانون أو أنهم سيتخلوا بسهولة عن كل هذا النعيم الذي وجدوه في بلد لا حسيب فيه ولا رقيب.

وكذلك فإن استقرار ليبيا وانتعاش اقتصادها ونجاح “مشروعها الديمقراطي” يمثل كارثة بالنسبة لكثير من الدول وخصوصاً دول الخليج التي تعمل جاهدة على ايقاف سلسلة سقوط قطع الدومينو حتى لا يصلهم طوفان التغيير. وبغض النظر عن كون هذا “الربيع العربي” مصطــنعاً أو عفــوياً أو كون بعض دول الخليج قد أسهمت بشكل مباشر مالياً وعسكرياً واعلامياً وسياسياً في سلسلة اسقاط الأنظــمة السابقة في دول ما عرف بـ “الربيع العربي” ولكن هذا أبداً لا يجعــــلها في مأمن من هذا الطـوفـان، وجميعهم يقفـون على حافة الهاوية التي سقط فيها رفاقهم من قبلهم.

لذلك كان الحل الوحـــيد أمامهم هو العمل على اطالة عمر الفوضى بكل أشكالها في هذه البلدان وأن يجعــلوا مما يحدث في ليبيا عِــبرة ودرساً قاسياً لشعوبهم حتى لا يجـــرؤوا حتى على مجرد التفكير بتغيير أنظمتهم المستبدة وأن تظل تلك الشــعـوب تسبح بحمد حكامها ومشائخها خوفاً من أن يحدث لهم ماحدث لليبيا أو العراق أو سوريا أو مصر وتونس. اضافة الى أن استمرار حالة عدم الاستقرار والفوضى الأمنية في دول ما يسمى بـ “الربيع العربي” كان لها مردودها الايجابي على دولهم بكافة النواحي سواء اقتصادياً أو سياسياً …الخ.

كما لا ننسى بأن هناك تعويضات بالملايين إن لم تكن بالمليارات للشركات العالمية التي تعطلت أعمالها في ليبيا بسبب هذه الفوضى وعدم استقرار الحالة الأمنية للبلاد وأن ليبيا ستدفع ثمن كل لحظة تأخير طبقاً لعقودهم المبرمة مع الدولة الليبية وهذه المبالغ تصل للمليارات بالنسبة لكثير من الشركات…!

ربما لن نستطيع حصر المستفيدين من هذه الفوضى المُمَـنهجة في البلاد فهم أكثر مما نتخيل… ولكن الخاسر الوحيد هو “الشعب الليبي” الذي يلوذ بالصمت والإنكفاء مغلوب على أمره بقوة السلاح ولا حول له ولا قوة.

ولعله لم يجانب الصواب عندما صنفــنا الاعلام الفرنسي في احدى قنواته بأننا نحن الليبيين أصبحنا نحتل المرتبة الأولى ضمن قائمة الشعوب الأكثر حمقاً وقد تركنا خلفنا الهنود الحمر والهاييتيين حسب تصنيفهم الساخر في البرنامج الفرنسي المعروف: Les Guignols de l’info – CANALPLUS.FR. وليس غريباً أن نصبح مادة للسخرية طالما رضينا بأن نفعل ببلادنا ما نفعله الآن ونحن وبكامل ارادتنا نجر بلادنا للهاوية غير آسفين عليها.

أوربما نسعى طائعين لأن يستبدلنا الله بقوم آخرين جديرين بهذا الوطن الذي لا نستحق.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً