مالنا وللديمقراطية

مالنا وللديمقراطية

أعتقد معظم الليبيون أنهم بمجرد ذهابهم لصناديق الاقتراع، وإنتخاب من يرونه الافضل، فإنهم قد أتقنوا لعبة الديمقراطية وأنهم أبهروا العالم بحسن نظامهم وسهولة وسلاسة إنتخاباتهم، وهذا يكفي، لكن وكما يقال فإن العبرة بالنتائج، فالديمقراطية لا تتوقف عند ذلك الحد، بل الاهم هو تقبل الطرف المهزوم لنتائج الانتخابات، وعدم وقوفه حجر عثرة أمام الطرف المنتصر، كما يجب علي الطرف المنتصر تقدير ذلك والعمل سوياً علي أستمرار العملية الديمقراطية، وتقديم مصلحة البلاد خدمة المواطنين على مصلحة الحزب أو الفرد أو الجهة… لم يحدث ذلك في ليبيا وله أسبابه، سأذكر المهم منها، ومنها سببين، يعودان لنشأة الديمقراطية وليس لمسارها، والذي أره من أحد أهم أسباب فشلنا وتخبطنا اليوم.

أولا: قامت الديمقراطية في الغرب بعد أنهيار نظام الاقطاع وظهور عصر الصناعة وما نجم عنه من تغير في تركيبة المجتمعات في أوروبا، فتحولت المجتمعات من مجتمعات إقطاعية قائمه علي إقطاعيين وهم ملاك الارض  وفلاحين يعملون بالاجرة أو بالسخرة مقابل قوت يومهم، إلى مجتمعات قائمة على العمال وأرباب الحرف، والصناعيين والتجار وصغار الموظفين، وظهرت الاحزاب والتي هي أساساً مبنية علي تكوينة المجتمع الجديدة والتي هي أساساً، عمال وصناعين أو أصحاب رؤوس الاموال… في ليبيا، ليس هناك صناعة ولاطبقة من عمال الصناعة كما ليس هناك طبقة من رجال الاعمال أو أصحاب رؤوس أموال حقيقيين، بل لدينا مجتمع ريعي، يتلقى الاموال والهبات من الدولة وينفقها علي نفسه دون أي تعب أو مشقة، وفي معظم الحالات فإن رجال الاعمال هم الاقرب للمتنفذين في الدولة وهم بذلك الاقدر على الحصول على العقود الضخمة والتي تغيب في معظمها  الشفافية والنزاهة والمصداقية.

ثانياً: أساس الديمقراطية الغربية هي الاحزاب، التي يجب أن تكون أحزاب قوية و مبنية على أساس ديمقراطي، فلا يجدي نفعاً وجود أحزاب قوية غير ديمقراطية أو وجود أحزاب ديمقراطية ولكنها ضعيفة وليس لها قاعدة شعبية أو تأثير في وسط المجتمع… في ليبيا ما حدث عندنا هو تكون أو خروج احزاب قوية لكنها ليست ديمقراطية، لم نشهد لها حملات إنتخابية وسط الحزب لإختيار رئاسته وإن حدث ذلك فقد أتخذ طابع السرية والتكتم ولا يعرف من هم مقرري سياساتها، كأنها محافل ماسونية أومنظومات عمل إستخباراتيه، ليست أحزاب عمل سياسي تنبع من المجتمع وتعمل لصالحه،  ناهيك على أن بعض الاحزاب يوجد كامل كادرها القيادي خارج البلاد، مما يعزلها عن قاعدتها ويضعف تأثيرها، أما باقي الاحزاب فهي أحزاب ضعيفه، قائمة علي أساس قبلي أو شخصي أو عائلي متوارث.

ثالثاً: غياب الفكر الديمقراطي نتيجة لسنوات طويله من الحكم الدكتاتوري، بالاضافة إلى تركيبة المجتمع الليبي المحافظة والغير متقبلة لفكرة التغيير، خاصة في القيادات، حيث نشاء الليبيين على الخضوع والطاعة من البيت إلى المدرسة إلى فضاء الحياة، وعدم تقبلهم لفكرة الهزيمه حتى في الانتخابات، وربطها بالضعف والخضوع والفشل وهو شيء مكروه ومنبوذ في الفكر الليبي، الذي يصور نفسه دائماً كبطل مغوار دحر الاستعمار والجهل والتخلف وغيرها من الشعارات… ثم كما قال أحدنا يوماً: إن الديمقراطية تحتاج لمجلس عموم منتخب ومجلس لورادت  مُعَين… وأحنا ما عندناش لوردات… منين حنجيبوا لوردات؟

في مقابل ذلك  نجد هناك خيار قوي مطروح متجذر لدى الليبيين هو الخيار الديني، المبني على الولاء لأولي الأمر والطاعة والخضوع، وعلى أن الحكم لله، وأن الانسان غير قادر علي تقرير مصيره بنفسه ولكن يجب أن يكون هناك من هو أكثر منه علماً ومقدرة يقوده ويقرر له شؤؤنه، ومن ثم ينعم عليه، وأن الحكم للأقوى، الذي يأخذ كل شيء وأن العوام لايفقهون ولا يجب توليهم الامور بل يجب أن تكون الشورى لأهل الحل والعقد، والذين يمثلهم اليوم شيوخ القبائل وأمراء الكتائب، علي حد قول أحد الشيوخ.

يوجد مثالين قريبين لما ذكرت سالفاً في عالمنا العربي وكلتاهما لدولتين غنيتين مالياً، وهما دولة الامارات العربية المتحدة ودولة الكويت، دولة الامارات ليست دولة ديمقراطية بل يحكمها شيخ، ونظام الحكم فيها وراثي غير دستوري، ويساعده في ذلك مجموعة من الشيوخ الوراثيين، ولا توجد بها أنتخابات ولا أحزاب، ومع ذلك ينعم سكانها بالحياة المرفهة وألاحترام والامن والامان، حتى أصبحت حياة أهلها طموح وأمل لكل ليبي… في مقابل ذلك نجد دولة الكويت والتبي بها ديمقراطية قديمة نسبياً، تتخبط في سياساتها الداخلية والخارجية ولا يطول عمر الحكومات فيها ولا يستقر لها أمر، وليست بها الحياة الهادئة المستقرة كمثل جارتها الامارات… فهل الديمقراطية الغربية تصلح كنظام حكم في دولة كليبيا ولشعب كالليبيين؟

أترك لكم الاجابة…

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً