ما بعد حرب أوكرانيا.. عالم جديد يتشكّل وموازين تتغيّر  

ما بعد حرب أوكرانيا.. عالم جديد يتشكّل وموازين تتغيّر  

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

هي هكذا سنة الحياة حيث تتدافع الناس متمثلة في شعوب أو دول وتتقاتل باستمرار، ضمن سيرورة كونية متغيرة ممتدة عبر العصور منذ القدم، وحيث أنه لا استقرار وثبات دائم فإن سنة التغيير هي الغالبة ولذلك تسود شعوب وحضارات ثم تتلاشى لتظهر حضارات أخرى جديدة، وهكذا دواليك طالما استمرت الحياة على كوكب الأرض، لأن صفة التغيير في هذا الكون هي السائدة دوما وليس هناك ثبات واستقرار بالمفهوم المطلق وشواهد التاريخ تحكي لنا ذلك بجلاء ووضوح.

ما يجري الآن من حرب في أوكرانيا بفعل الهجوم الروسي عليها يأتي في اطار هذا النسق الكوني المجبول على التغيير المستمر، ولهذا علينا النظر الى هذه الحرب بأنها ليست مجرد حرب بين دولتين جارتين تتنازعان حول مطالب معينة لكل منهما، فهي حرب عالمية ولا شك، ويمكن لنا أن نطلق عليها “الحرب العالمية الثالثة”، ذلك أن الحرب التي تجري الآن ليست تقليدية وليست محصورة بين كلتي الدولتين إنما هي ممتدة وتشمل القوى العظمى في العالم بأسرها.

إنها حرب بالوكالة بين روسيا التي تمثل المعسكر الشرقي من جهة وبين أكرانيا التي صيّروها ممثلا للمعسكر الغربي رغما عن أنفها، في غياب قيادة حكيمة تستقري مجريات السياسة ومتغيراتها، ولهذا لا غرابة في هذا الدعم السخي من الغرب لأوكرانيا لأنهم يعتبرونها خط الدفاع والمواجهة المتقدم للغرب ضد غريمهم وخصمهم المعسكر الشرقي والذي تمثله روسيا، لن يتردد الغرب بزعامة أمريكا في تقديم كل دعم مادي وعسكري لأوكرانيا مهما بلغت التكاليف، وفي المقابل سوف لن يزج بجندي واحد من أمريكا ودول الغرب في هذه المعركة الطاحنة طالما هناك من يموت بالنيابة عنهم من الشعب الأوكراني المغلوب على أمره.

الثابت هو أن العالم بعد هذه الحرب سيكون مختلفا وأن موازين القوة ستتغير حتما، عالم ما بعد حرب أوكرانيا لن يكون ذو قطب واحد وسيكون متعدد الأقطاب، أمريكا ستفقد سيطرتها اقتصاديا وعسكريا وستبرز الصين وروسيا كمنافسين لها، العلاقات بين دول العالم ستتغير وستتشكل موازين قوة اقتصادية وعسكرية جديدة ستجعل من أمريكا والغرب مجرد جزء من القوى وليست كما كان مسيطرة ومنفردة، العالم سيشهد تغيرا واضحا في السياسة والجغرافية وتقاطع المصالح وستبرز دول جديدة كانت مغمورة في معترك السياسة والاقتصاد وحتى في القوة العسكرية والتسليحية.

عالم ما بعد أوكرانيا أتوقع أن يكون أكثر عدلا مما سبقه وسيعاد توزيع كراسي مجلس الأمن للأعضاء الدائمين وتدخل دول جديدة مثل المانيا واليابان والهند ومصر وجنوب افريقيا وغيرهم، عالم ما بعد حرب أوكرانيا سيكون أكثر انفتاحا على دول وشعوب كانت تعتبر من الدرجة الثانية وسيعاد فيه رسم خارطة العالم السياسية والاقتصادية والعسكرية بشكل جديد ومختلف، والذي يجب التركيز عليه الآن هو مدى قدرة حكومات العالم على قراءة هذه الأحداث وكيفية التعامل معها والمشاركة الفاعلة في عملية إعادة صياغة العالم الجديد لضمان ان تكون محسوبة، أما الدول التي تتخلف عن الحضور والمشاركة في المطبخ العالمي فستجد نفسها خارج نطاق التغطية ويكفيها ان تشتم رائحة الطبيخ ولا تذوقه او حتى تراه.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً