مقاربة لآثار إعصار درنة وارتداداته المحتملة على الجغرافيات الليبية

مقاربة لآثار إعصار درنة وارتداداته المحتملة على الجغرافيات الليبية

هذا الحدث الكارثي الذي جاء بأيادي الطبيعة من أمطار وسيول ووديان جارفة هدّت سدود وجسور وبنيان اكتسحت بها الجزء الكبير من مدينة درنة، وقذفت به إلى البحر، مُخلّفة ورائها آلاف الضحايا والمفقودين، وما يصاحب ذلك من ثكل ويتم وفقّد، وما قد سيترتب عليه في ما بعد من ارتدادات تتساوى مع هول الكارثة التي ألحقها الإعصار بالبشر والشجر والحجر بمدينة درنة ومحيطها، وبعد الترحّم والإلحاح بالمطالبة بجبر الضرر لمن أصابه ضرر، أقول، لا اعتقد أنه يغيب عن فهْم الجميع، وُجوب الاشتغال على فتح مسارب وسبل مسؤولة تعمل على تنفيس وتصريف الاحتقان المحتمل وقوعه، كارتدادات مُحمّلة بشّدَة وعنف تتساوى مع هذا الفعل الكارثي الصاعق قبل انفجار الارتدادات وانفلاتها في غضب قد يتخذ وجوه عديدة، يصعب التنبؤ بها والسيطرة عليها زمانا ومكانا.

وهذا الاستباق يجب أن ينهض على تفعيل المساءلة المسؤولة من خلال التحديد الدقيق للجهة التي أسست لولادة هذه البيئة على امتداد هذه السنين العجاف التي مرت بها ليبيا جعلت من البلاد حاضنة لكوارث تلد أخرى، حتى انتهت إلى الفاجعة التي نعيشها في مدينة درنة ومحيطها.

ولمحاولة تحديد ممن يجب أن تتجه إليه المساءلة، يجب – في تقديري – الرجوع قليلا لمساءلة الماضي الذى يقول إن الليبيين قد انتخبوا عام 2014م، برلمان بديل عن المؤتمر الوطني السابق لينوب عنهم في إدارة شأنهم العام، ولكن – في ما يبدو – كان للشرعية الدولية التي وضعت ليبيا تحت مفاعيل البند السابع لسردية الهيئة الأممية، كان لها رأي آخر، صاغته وبلورته من خلال مؤتمر عُقِد بالصخيرات والذي صار يُعرّف باسمها، انتهى المؤتمر في مخرجاته إلى تشكيل أجسام مثلت بديل عن كل ما أنتجه الليبيون في ما سبق، وأضفى هذا المؤتمر على مخرجات الصخيرات مجلس أعلى للدولة، مجلس رئاسي، مجلس نواب، جهاز تنفيذي سُمّيَ في ما بعد بحكومة الوحدة الوطنية، أضفى عليها شرعية دولية تستمد مفاعيلها من مضامين البند السابع للسردية الهيئة الأممية، وفوّض مجلس الأمن أحد أعضائه، كممثل لهذه الدولية وخوّله إدارة وتصريف الملف الليبي بداخل مجلس الأمن وخارجه، ومند ذلك الحين المسنود بالبند السابع للسردية الأممية صارت ليبيا تُدار ممن بيده تفويض مجلس الأمن وذراعه التنفيذي الممثل في حكومة الشرعية الدولية بليبيا.

وهنا يأتي التساؤل الذي يقول: هل ممن مسؤول غير من بيده إدارة وتصّريف الملف الليبي داخل مجلس الأمن وخارجه، وذراعه التنفيذي المتمثل بحكومة الشرعية الدولية بليبيا، عن هذا الذي جرف البعض الكثير من مدينة درنة ومحيطها، وتركه أثر بعد عين؟، وهل كان أن يحدث هذا الكم الثقيل الذي خلفه الإعصار دانيال لو اُسْتقبلت محاولات الليبيون المتكررة لتشكيل أجسام بديلة تحظى وتتمتع بشرعيتهم المحلية الوطنية الليبية بالقدر المطلوب من الدعم الدولي بعدما تبين لليبيين العجز الكارثي لحكومة الشرعية الدولية بليبيا عن تصريف وإدارة شأنهم العام على نحو يتخطون به كل العقبات التي تمنع بلادهم من الفكاك مما هي فيه.

ولكن واستنادا إلى الواقع المأزوم الذي تعاني منه البلاد، وارتداداته الإجرائية على المحلي والإقليمي والدولي، أقول، هل كان في مَقّدور جناب حكومة الشرعية الدولية بليبيا، وهل كان في متناول يدها، أو في استطاعتها أن تقوم بأي فعل أو عمل أو خطوة لا ترى فيها خدمة لمن تستمد منه شرعيتها وديمومة وجودها، أو دونما إيعاز أو تلميح أو مُوافقة مُسبقة منه.

فالحكومة المدعومة بغطاء الشرعية الدولية تعرف بأنها ليست مسؤولة غير أمام من فوّضه مجلس الأمن، وأسند وأوكل له إدارة شئون ليبيا داخل الهيئة الأممية وخارجها، وما سلوكها وتحركاتها إلا صدى لتوجّهات ورغبات من بيده تفويض مجلس الأمن المتعلق بليبيا.

وهنا أصل إلى القول، إن هذا السلوك قد ألّحق ضرر كبير بليبيا وساكنتها، وآخرها ما يعانيه الليبيون من هَمْ كان من آثاره آلاف الضحايا والمفقودين وتوابعها بمدينة درنة عقب ما انْكشف عنه إعصار دانيال بعد انكشافه.

فالتفويض الأممي الذي يصُغُه ويصّدره مجلس الأمن لمعالجة الحالات الشبيه بما تمر به ليبيا يحتاج ولكي يكون ذو مردود إيجابي ومفيد على المحلي والإقليمي والدولي إلى التقّيد بمحددات يضعها مجلس الأمن تُلزم وتضبط وتلجم تصرّف وسلوك من بيده تفويض المجلس، بما يحتاجه الأمن والاستقرار المحلي والإقليمي والدولي، بمعنى، أن يتعامل صاحب التفويض الأممي مع الحالة الليبية مثلا، على نحو لا يتجاهل أو يتخطى واقع ليبيا الجغرافي الديمغرافي الثقافي، بل يجعل منه منطلق ومُرّتكز أساسي للاشتباك مع المعضلة الليبية في محاولته الاشتغال على تفكيكها، خاصة عندما نعرف بأن الحالة الليبية وما تعانيه من استعصاء، ليس تمت – في تقديري – مهما تعددت الوجوه والسُبل والصيغ غير مُدّخلين اثنين لا ثالت لهما، للمرور نحو التعاطي معها.

* أحدهما يعتمد الجغرافي الديمغرافي الثقافي الليبي كمرتكز أساسي تنهض عليه المُعالجة والمُتوخى منها، ويظهر في هذه الصيغة بمحدداتها الجغرافية الديمغرافية الثقافية تغّليب المحلي الوطني الليبي ومحيطه الإقليمي القريب منه والبعيد  على ما سواه، ويرجع تغّليب هذا التوجّه على غيره إلى احتضان جنوب حوض المتوسط وإقليم شمال غرب إفريقيا للوعاء الجغرافي الليبي كمفردة أساسية في فضاءه الجغرافي وما يترتب على هذا التموضع من اشتراطات موضوعية من الضروري مراعاتها لتحقيق استدراج الأمن والاستقرار إلى داخل ليبيا وفضاءه الإقليمي القريب منه والبعيد، وسينتهب هذا التوجه – في تقديري – بدفع ليبيا إلى خارج معاناتها ببُعّديها المحلي والإقليمي مما سينعكس إيجابا على المحلي الليبي وفضاءه الإقليمي ومن ثم السلم والاستقرار الدوليين.

** وثانيهما يعتمد ويشتغل على أن ليبيا مفردة من مفردات كيان الشرق الأوسط ولبنة في بنيان هيكله الذي يتغطّى بالفضاء الجغرافي لجنوب وشرق المتوسط، وسيترتب على هذا التوجه الذهاب نحو تغليب احتياجات هذا الكيان على ما سواه، حتى وإن جاء هذا على حساب متطلبات الحياة في بُعديها المادي والمعنوي لساكنة ومواطني جنوب وشرق المتوسط، وسينتهي هذا التوجه إلى إعادة إنتاج ما كان سائد منذ عقود طويلة بكل ما يحمل من تعقيدات انعكست حينها سلبا وبؤسا على وجه الحياة في الفضاء المحلي والإقليمي لجنوب وشرق المتوسط.

من هنا، اعتقد أن ما تعانيه ليبيا من استعصاء يُربك ويرهق المحلي الليبي ومحيطه الإقليمي، والذي كانت من نتائجه في وقتنا الراهن ما تعانيه ليبيا في مُصابها بمدينة درنة ومحيطها، استطيع إرجاع ورد كل هذا – دونما تحفظ – إلى اعتماد التعاطي والتفاعل مع ليبيا، كمفردة أو كلَبِنة في بنيان كيان الشرق الأوسط، لا كوعاء جغرافي طبيعي بإقليم شمال غرب إفريقيا، وأحد المكونات الجغرافية الديمغرافية الثقافية لشعوب حوض المتوسط، ولبنة أساسية في بنيان الفضاء المغاربي، وهذا سيذهب في اتجاه تغليب احتياجات كيان الشرق الأوسط على ما سواه، حتى وإن جاء ذلك على حساب متطلبات الحياة في بُعديها المادي والمعنوي بليبيا.

انتهى.

*ملاحظة: من المهم التفريق بين ممثل مجلس الأمن ومفوضه بإدارة الملف الليبي، والآخر ممثل الأمين العام للهيئة الأممية السنغالي باتيلي، فهما شخصيتان اعتباريتان مختلفتان في الوظيفة والمهام.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً