انه لأمر محير ان يأخذ ما يسمى بقانون العزل السياسي كل هذا الوقت والجدال من المؤتمر الوطني العام ومن وسائل الإعلام المختلفة مما يدخل الحيرة في النفوس ويتساءل المرء ما إذا كان وراء ذلك الاهتمام والتركيز مآرب وأهداف غير منظورة وقد تشوبها شائبة تعطيل بناء الدولة التي يحلم بها الليبيون بعد معاناة الحرب القاسية!.
لكن العزل السياسي بصورته الحالية الذي تتبناه مجموعة من ذوي الاتجاهات السياسية وتحاول فرضه ولو بالقوة ماذا يعني بالنسبة للشعب الليبي؟! وما هي الأهداف او الغايات من ورائه؟! والأهم من ذلك كله هو ما موقف الشعب الليبي حياله؟! لا احد ينكر أن الذين افسدوا الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية خلال حكم القذافي يجب أن يبعدوا ويتنحَوا جانبا ويتركوا الفرصة لدماء جديدة قادرة على البذل والعطاء , ولا يختلف اثنان على ذلك, لكن الاختلاف يكمن في ظروف الزمان والمكان الحاكمة لسلوك الأفراد وأفعالهم ممن شغلوا المناصب ومدة شغلهم وتوقيتها.
إن نظرة متأنية تتعلق بنتائج تطبيق العزل السياسي على تضاريس الدولة الليبية الجديدة توجب توخي الحذر لاعتبارات حالة الانقسام السياسي وعدم التوافق الاجتماعي الذي أفرزته حرب الثورة. لذلك يلزم التأكيد على عدة حقائق تميزت بها الحالة الليبية وجب مراعاتها والانتباه إليها ومنها ما يلي:-
أولا: ان التأسي بحالة الثورة الفرنسية وغيرها من الثورات فيما يتعلق بخصوم الثورة ليس مناسبا او مطابقا للوضع الليبي ففي حين كانت تلك الثورات شعبية كما ونوعا وانحصر الصراع فيها بين السلطات الحاكمة المالكة من جهة والشعب كله من جهة أخرى اختلف الموقف في ليبيا وانقسم الشعب على نفسه بين مؤيد للنظام ومعارض ولم تتحقق أغلبية عددية يمكن البناء عليها ولهذا ليس ممكنا في الحالة الليبية اعتبار مصطلح الثورة الشعبية تعميما بمفهومه السياسي المرتبط بحالة الثورات الأخرى مثل الفرنسية.
ثانيا: أن العزل السياسي بصورته المعروضة الآن ليس مطلبا شعبيا عاما بل هو مطلب لفئات معينة تعتقد بأنها تمثل الثورة وبالتالي تحاول عن قصد أو بدونه فرض الوصاية على الشعب الليبي. ولا أحد ينكر حجم الانقسام الحاصل الآن داخل المجتمع الليبي سياسيا وحتى اجتماعيا مما لا يوفر البيئة المناسبة لهكذا مشاريع! ولذلك يمكن ان يفهم العزل في إطار تتجسد فيه حالة إقصاء متعمد لطرف دون آخر! في ظل حالة اللاتوافق الاجتماعي السائدة الآن والتي تعرقل بناء اي دولة على أسس من الأمن والاستقرار الاجتماعي.
ثالثا: ان العزل السياسي قد فرَغ من مضمونه عندما استخدمته الأحزاب وحاولت تسخيره لأجنداتها الخاصة في محاولة لإقصاء الخصوم من التكتلات الحزبية الأخرى بل وانحرفت به إلى مسارات لا تحقق بالنتيجة الأهداف الأساسية لمفهوم العزل السياسي الذي يريده الشعب ويجمع عليه وبالتالي صيَروه ملهاة للتجاذبات السياسية بين الأحزاب الخديجة والتكتلات المصطنعة خصيصا لفرض توجهات وأراء معينة !
الخلاصة:
ان ما يسمى بقانون العزل السياسي صار اليوم ملهاة وجدلا سياسيا عقيما فالحالة الليبية لا تتطلبه بهذا الشكل المنقول حرفيا عن تجارب سابقة تختلف ظروفها الزمانية والمكانية فالشعب على انقسامه يتفق على دعم الأهم على قائمة الأولويات الوطنية متمثلا ذلك في بناء الجيش الوطني الحقيقي الذي يكرَس جهده لحماية الوطن والمواطن وتوفير الأمن والأمان اللازمين لبناء الدولة واستقرار مؤسساتها. العزل السياسي في صورة قانون ليس أولوية تستحق كل هذا الجهد والعناء والانتظار لأنه بالإمكان تحقيق المبتغى بدون هذا الضجيج والهدر في الوقت والجهد من خلال استمرار “هيئة النزاهة والوطنية” في عملها وتعديل بعض من اختصاصاتها ان لزم الأمر!
للخروج من هذه الأزمة أرى أن يبادر المؤتمر الوطني بإستصدار قرار يقضي باستمرار عمل هيئة النزاهة والوطنية في أعمالها وتعديل اسمها ليكون “هيئة العزل السياسي والإداري” مع إمكانية إجراء أي تعديل يتفق عليه في المعايير المتعلقة بالعزل السياسي والإداري وتستمر الهيئة في ممارسة مهامها حتى اعتماد الدستور الليبي الجديد. بذلك يمكن ان تقطع الطريق أمام كل المحاولات التي تستهدف توريط المؤتمر الوطني في قوانين ليست أصلا من اختصاصه وتجنب الليبيين جميعا ما يلهيهم عن مشاغلهم الأساسية, وتترك مساحة كافية للتوافق الاجتماعي الذي يقودنا بدوره إلى مصالحة حقيقية ما أحوجنا إليها اليوم قبل الغد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.





اترك تعليقاً