من الأر بي جي إلى أهداف التنمية المستدامة وما بعدها

من الأر بي جي إلى أهداف التنمية المستدامة وما بعدها

سلطان هاجييف

مدير مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا

تهدف أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر إلى حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تشكل قلقا للعالم. إن قيمة وأهمية هذه الأهداف بالنسبة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعد أمرا بديهيا في نظر أولئك الذين هم على دراية بهويتنا وبالعمل الذي نقوم به. يجب أن يساهم كل ما نقوم به في أهداف التنمية المستدامة مع التأكيد على أن تحقيق هذه الأهداف في الأزمات يتطلب فهماً واقعيًا لما يمكن القيام به.

تظل أهداف التنمية المستدامة “أرض مجهولة” للعديد من الأشخاص الذين نعمل معهم ونعمل من أجلهم – لا سيما في حالات الطوارئ المعقدة. أي محاولة للترويج لهذه الأهداف بإعتماد سياسة “مقاس واحد يناسب الجميع” سوف يكون لها نتائج عكسية. قد لا يكون هذا مجرد كلام. عندما تدفعها أكثر من اللازم ستسمع أصوات الآر بي جي كرد على نداءاتك وتوصياتك المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة. إذا كنت تكافح من أجل إطعام طفلك ولا تعرف ماذا ستأكل عائلتك غداً فإن الدعوات العامة لدعم “القضاء التام على الجوع” و “القضاء على الفقر” لن تقع فقط على آذان صماء بل ستثير غضب الناس. كما أنه من المحتمل أن يؤدي الترويج لفكرة “المدن والمجتمعات المستدامة” في مدينة تعيش على وقع القصف الجوي إلى الغضب.

يدرك العديد من الليبيين بشكل مؤلم بعض التحديات المذكورة أعلاه، إذن، هل أن أهداف التنمية المستدامة أقل أهمية بالنسبة للمواطنين الليبيين؟ هل يجب علينا مراجعة أو ربما إسقاط أهداف التنمية المستدامة أم أننا يجب أن ننتظر أوقات افضل؟ لا بل وقطعا. في الواقع العكس صحيح – يعد التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة واحدة من بين أهم الشروط المسبقة لحل العديد من المشاكل التي تعيشها ليبيا هذه الأيام.

إن المسألة غير متعلقة بإمكانية الترويج لأهداف التنمية المستدامة وإنما هي مرتبطة بكيفية وضع وتقديم هذه الأهداف حيث تتطلب الأزمات عملا وجهدا أكبر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة: تعليم أفضل، رعاية صحية أفضل، جودة أفضل للمياه ، فرص عمل أكثر ونظام قضائي أفضل. وتتمثل نجاعة وقوة أهداف التنمية المستدامة في أنها تجسد محتوى عمليًا قريبا من قلب كل شخص بما في ذلك أولئك الذين لا يعرفون حقاً ماهية الاستدامة وماهية التنمية حيث أن هدفهم يتمثل في اشباع بطونهم قبل خلودهم إلى النوم. نحن بحاجة إلى تكييف الرسالة لجعلها أكثر وضوحا.

وفي حين أن أهداف التنمية المستدامة تعد نقطة إنطلاقنا ووجهتنا يجب أن نبقى واقعيين. هنالك تعبير عن “فقدان الغابات من أجل الحصول على الأخشاب” ولكن لا يجب أن ننسى أن الغابة تتكون من أشجار. أهداف التنمية المستدامة ليست بعض المواد من العالم الخارجي فهي ما يحتاجه الناس يومياً وما يمكن أن يحسن حياتهم وواقعهم المعيشي على اعتبار أنه مع الأسف هنالك الكثير من الناس يعيشون مرارة غياب القيم التي تروج لها الأهداف الإنمائية. بالنسبة لنا تعد ملكية الأهداف الإنمائية وفهم ما ورائها أفضل طريقة لتعزيزها وضمان التقدم نحو تحقيقها بحلول عام 2030.

تعد الشراكة أحد الشروط المسبقة لنجاح أجندة التنمية المستدامة لكن ضمان وجود هذه الشراكة في المجتمعات المجزأة والتي تعيش صراعات وتملك في ذات الوقت مؤسسات حكومية وقطاع خاص ضعيف، بالإضافة إلى مواطنين ضعفاء ومحبطين وبعضهم مستبعدين. وفي ظل هذه الظروف يجب أن تكون أهداف التنمية المستدامة كحصان طروادة إلا أن الهدف منها البناء وليس الاستيلاء والهدم.

وبالنسبة لشركائنا الحكوميين فإنه يمكنهم التعبير عن ثقتهم بأنفسهم من من خلال تبني ووضع أهداف التنمية المستدامة ضمن قائمة أولوياتهم حيث أن الأمر يتطلب شجاعة سياسية والكثير من التفاؤل والحديث عن الأهداف السبعة عشر في بلد لديه العديد من الاحتياجات الملحة. إنها فرصتهم لإعلان إيمانهم بشعوبهم  وبأنفسهم. بناء عليه، يسعدني أن أرى اهتماماً والتزاماً قوياً من جانب عدد من شركائنا الليبيين في المضي قدماً في أجندة التنمية المستدامة. هنالك طريق طويل يفصلنا عن بلوغ سنة 2030. يتكون هذا الطريق من العديد من الخطوات التي يجب أن يقوم بها شركاء وأطراف عدة. أقول لأولئك الذين اتخذوا هذا الطريق – أحسنتم واصلوا السير فنحن معكم. لم تبدأ ليبيا الرحلة بعد لذلك أتمنى لها رحلة آمنة، وإذا كانت البلاد تبحث عن رفيق سفر موثوق به يعرف سبب سفرها ويشاركها الهدف ويريد رؤيتها تصل إلى وجهتها المحددة فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جاهز لمرافقتها.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

سلطان هاجييف

مدير مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا

اترك تعليقاً