نحن وفكرة (الوزير الإلكتروني)

نحن وفكرة (الوزير الإلكتروني)

عندما تحدثت في مقالتي الأخيرة عن قناعتي الراسخة والأكيدة بأن الحل الحقيقي لمشكلة المركزية والبيروقراطية الإدارية التي عانينا منها طوال عهد القذافي المقبور، وما زلنا نعاني منها حتى هذه اللحظة، هو في الشروع فوراً باتخاذ التدابير اللازمة للتحول بإدارتنا إلى أسلوب الحكومة الإلكترونية، تعرضت لهجوم شديد، بلغ لدى بعض المعلقين والكاتبين على صفحات الإنترنت حد إساءة الأدب والإسفاف في اللغة والتعبير، ولكن ما أثارني كثيراً هو ما دلت عليه هذه التعليقات من أن كثيرين من مواطنينا لا يزالون لا يعرفون المديات المذهلة التي يمكن أن تقودنا إليها الحكومة الإلكترونية في القضاء على المركزية، وإحداث ثورة حقيقية في أسلوب الإدارة وإنجاز مصالح المواطنين. ثم ما دلت عليه من أنه حتى ذلك النفر الذين يدركون أن الحكومة الإلكترونية يمكن بالفعل أن تقدم لنا الحل، لا يرون أن هذا سوف يكون ممكناً، وإن كان ممكنا فلن يكون ذلك في مدى قصير أو متوسط. ويقولون إنه ليس لدينا البنية التقنية والأساسية اللازمة لتنفيذ هذه الفكرة، وأنه حتى لو تمكنا من توفير هذه البنية التقنية، وتمكنا من وضع كل الحكومة على الشبكة، فسوف تواجهنا عقبة الأمية الإلكترونية التي يعاني منها معظم أبناء الشعب الليبي، ولا سيما في الجهاز الحكومي والإداري.

وإني أريد في هذه المقالة أن أناقش هذه النقاط بمنتهى الهدوء.. ولا أريد أن أكرر التأكيد على قناعتي بأن الحل فعلا هو في التحول إلى الحكومة الإلكترونية، ولكني أريد أن ألفت نظر هؤلاء الذين لا يشاركونني القناعة نفسها إلى بعض المعطيات المهمة:

–   أننا في ليبيا تأخرنا كثيراً جداً في الولوج إلى عصر ثورة المعلومات والاتصالات، على المستوى الوطني الشامل. ولقد صدمت صدمة بالغة عندما بحثت في الأمر فاكتشفت أن ليبيا هي إحدى ثلاث دول بقيت في العالم العربي لم تنتقل بعد إلى نظام الحكومة الإلكترونية. وأن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي ليست دولة، لديها حكومة إلكترونية جد متطورة.

–   أننا في ليبيا لن نبدأ هذه المسيرة نحو الحكومة الإلكترونية من الصفر، فثمة إحصاءات تشير إلى أن البنية التحتية اللازمة لهذا الأمر موجودة ومنجزة بنسبة تقرب من 70%، وأننا قد نحتاج فقط إلى خطة عاجلة لاستكمال النسبة الباقية، فتكون لدينا إمكانية فعلية لربط كل بقعة في الوطن بالمنظومة الوطنية. وبما أننا نملك من المال ما يكفي ويزيد، فلعلنا نضع خطة ننجز من خلالها هذا الجزء المتبقي خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر.

–   أننا سوف نحتاج في المرحلة الأولى إلى خطة وطنية عاجلة لمحو الأمية الإلكترونية، ولا سيما لدى العاملين في الإدارة العامة، بحيث لا يعود في الإدارة من أسفل درجة فيها (الموظف العادي)  إلى أعلى درجة فيها (الوزير) من لا يحسن التعامل مع الحاسوب والشبكة العالمية. وقد دلت تجربة رائعة تمت على مستوى محافظة بنغازي أن هذا الأمر ممكن جداً، عندما تتوفر الإمكانات المادية والبشرية اللازمة. فقد تمكن فريق عمل متخصص من محو أمية ما يزيد على 15 ألف موظف في مختلف الإدارات في بنغازي خلال مدة لم تزد على ستة أشهر، ولولا أن الخطة قد أجهضت بسبب إفرازات النظام السياسي البائد، لكنا نستطيع اليوم أن نتحدث عن بنغازي لا يوجد فيها موظف في الإدارة يعاني من أمية تقنية. ومن ثم فأنا واثق من أننا يمكننا، في إطار خطة وطنية شاملة، أن ننجز أفضل من ذلك على صعيد ليبيا كلها.

–   أن الحكومة الإلكترونية لن تكون فعلية إلا حين تتحول كل الإجراءات الحكومية إلى صيغة رقمية قابلة للتخزين في المنظومة وللتعامل معها إلكترونيا. وهذا سوف يحتاج منا إلى خطة وطنية عاجلة وشاملة لإدخال كل بيانات الحكومة إلى المنظومة. وقد يسخر مني البعض عندما أضرب لهم مثلاُ بما حدث في مدينة بنغازي خلال عملية انتخابات المجلس المحلي، فقد تمت العملية كلها منذ البداية بطريقة إلكترونية، وكانت جميع البيانات والمعلومات تدخل في المنظومة التي جهزت لذلك على الفور، وعندما نذكر أن هذه المنظومة تمكنت من التعامل مع بيانات تفصيلية لأكثر من 216 ألفاً من الناخبين، وأكثر من أربعمائة من المرشحين، وأنها وفرت جميع المعلومات التي يحتاجها المواطن في هذا الخصوص ، وجميع النماذج اللازمة، على الشبكة، بحيث كان بإمكان كل مواطن الدخول إلى موقع اللجنة العليا للانتخابات، والحصول على ما يشاء من معلومات، وما يلزمه من نماذج، دون أن يتحرك من بيته، بل وهو في سيارته أو في الشارع، عبر جهاز هاتفه النقال؛ عندما نتذكر كل هذا فإننا يمكن أن نتخيل أن بإمكاننا فعل ذلك على صعيد الوطن كله. وهو بالفعل ما أنجزته المفوضية العليا للانتخابات، إذ وفرت كل البيانات والنماذج اللازمة للعملية الانتخابية على الشبكة.

–   أننا سوف يكفينا، في المرحلة الأولى، وحتى نتمكن من محو الأمية التقنية لدى كل مواطنينا، أن نفعل ما ينبغي لأن يكون في كل بيت ليبي شخص واحد يحسن التعاملمع الحاسوب والإنترنت. وربما نتبنى الطريقة التي اتبعت في مصر وبعض الدول الأخرى، وهي إيجاد أماكن أو أكشاف توجد في كل حي أو شارع، يستطيع من خلالها المواطن الذي لا يحسن التعامل مع الحاسوب، أن يحصل على ما يريد من معلومات أو ينجز ما يحتاج إنجازه من خدمات، بمساعدة الموظف العامل في هذا الكشك أو ذلك المكان.

نخلص من هذا إلى أن ما يلزمنا في هذا الخصوص هو إرادة وطنية بإحداث هذه النقلة الحاسمة إلى عصر الحكومة الإلكترونية، وتخصيص ما يلزم من موارد مادية وبشرية لتنفيذها في أسرع وقت. وإذا سلمنا بأن الموارد المادية متوفرة لدينا والحمد لله، فإني أؤكد أن الموارد البشرية أيضاً متوفرة لدينا، من أبناء شعبنا، ويكفي أن نعلم أن من هؤلاء من يحق لنا أن نفخر بهم، لما أنجزوه على الصعيد العالمي، ولقد علمت أن مواطننا الدكتور مصطفى الرجباني كان له دور بارز في تصميم وتنفيذ الحكومة الإلكترونية في إمارة دبي، وأن لدينا مثله عشرات موجودين بيننا داخل ليبيا، وهم تحت تصرفنا حيثما وجدوا في أنحاء العالم.

وهنا أصل إلى الفكرة التي وضعتها عنواناً لهذه المقالة وهي فكرة التخطيط للوصول إلى عصر الوزير الإلكتروني. ولا أدري كم من الناس قد سمع بهذه الفكرة أو يعرف ما تعني، ولكني حرصت على التطرق لشرحها لمن لم يسمع بها من قبل، وربما لا يعرف ما هي وكيف تطبق. فأقول إن الحكومة الإلكترونية لن تتكون فقط من منظومة، تحتوي كل البيانات والمعلومات التي يحتاجها المواطن، والإجراءات اللازمة لإنجاز ما يلزمه من مصالح وخدمات، ولكنها سوف تتكون من وزراء يحسنون التعامل مع الإنترنت، ويكون لدى كل منهم جهاز حاسوب متنقل، متطور وعالي القدرات التخزينية، وخط إنترنت سريع ومتوفر في كل وقت.

وعندما تتوفر هذه الأمور الثلاثة:

1-  منظومة وطنية تربط كل أنحاء الوطن، وتربط الوطن نفسه بالعالم.

2-  حكومة إلكترونية، أي حكومة توجد كل بياناتها وإجراءاتها في المنظومة، في صورة رقمية.

3-  وزير يحسن التعامل مع الشبكة.

فإننا سوف يحق لنا أن نعيش ذلك العصر، الذي يكون فيه بوسع الوزير أن يدير شؤون وزارته على الخط، في أي وقت شاء، وحيثما كان، ولو في آخر الدنيا، وذلك بالدخول إلى موقع وزارته، فيطلع على ما لديه من مراسلات أو عمليات تحتاج رأيه أو قراره، فيرد عليها ويتخذ بشأنها ما يلزم من قرارات، ثم يعطي أمر التنفيذ، ويمضي ذلك الإجراء بتوقيعه (الإلكتروني).

ولنا أن نتخيل ما يمكن أن تحققه هذه الفكرة من خدمة قد يعجز خيالنا في الوقت الحاضر حتى عن تخيلها.. في هذه الحالة، لن نبقى نتحدث عن وزير لا يمكنه أن ينجز شيئا إلا إذا كان في مكتبه في طرابلس، ولا يمكن للمواطن أن يصل إليه إلا إذا سافر إليه في طرابلس، وبالطبع يمكن أن يفاجأ بأن الوزير ليس في المكتب، أو ليس في البلاد أصلاً. أو يفاجأ بأن الدوام الرسمي قد انتهى، وأن عليه أن يعود في اليوم التالي أو بعد أسبوع…إلخ

بتنفيذ هذه الفكرة سوف يكون لدينا حكومة تعمل بدون انقطاع: 24 ساعة في اليوم/7 أيام في الأسبوع، وباختصار على مدى الدهر، ما لم يحدث خلل طارئ في المنظومة أو انقطاع في خط الإنترنت، وسوف يكون لدينا وزير على صلة بالمواطنين طوال الوقت، وعلى صلة بوزارته حيثما وجد، ولو في أقصى بقعة في الدنيا، ولو كان في متنقلاً بالبر أو البحر أو الجو. ولكم أن تتخيلوا إن كان يظل لنا سبب واحد للحديث عن مركزية، نتخذها ذريعة للشكوى والاحتجاج، وبعضنا يتخذها ذريعة للحديث عن العودة بالبلاد إلى نظام الولايات.

هل يعلم هؤلاء أن لدينا كليات جامعية قد ولجت منذ عدة سنوات العصر الإلكتروني، فأنشأت قاعدة بيانات شاملة، وجعلت كل الإجراءات الإدارية تتم عن طريق الشبكة، فلم يعد الطالب يحتاج ليتم قيده أو يجدده، أو يطلع على جدول مواده أو يعدله، ثم يطلع على نتائج الامتحانات، لأن يذهب ويتزاحم على شباك الموظف الإداري المسؤول، ويعاني المشاق كي ينجز إجراء، بات بوسعه أن ينجزه بضغطة واحدة على زر الحاسوب، ودون أن يتحرك من مكانه، وحيثما كان ولو في أقصى أقاصي الدنيا.

وهل يعلم هؤلاء أن بوسع المواطن في بنغازي مثلاً أن يدخل على أسواق المزادات على السيارات، الجديدة والمستعملة، فيختار السيارة التي تروق له، ويدخل عليها المزاد، وعندما يرسو المزاد عليه، يدفع ثمنها بالبطاقة الائتمانية، فتصله السيارة حتى ميناء بنغازي، دون أن يتحرك من بيته. ولكن لأننا ليس لدينا حكومة إلكترونية، فعلى الرغم من وصول السيارة من أمريكا مثلاً دون أن يتحرك المواطن من بيته، سيكون عليه أن يعاني أشد المعاناة حتى ينهي إجراءات التخليص الجمركي عليها وإخراجها من الميناء.

إذن دعونا نرفع سقف طموحاتنا وتطلعاتنا… فنسعى للحكومة الإلكترونية، المكونة من وزراء إلكترونيين. فينتهي عصر المركزية والمعاناة، وندخل عصر التقنية وثورة الاتصالات.

هاتف: 0925121949 /  e-mail:  fannushyounis@yahoo.com

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً