نهاية عصر العولمة، والانجليز والامريكان يقودون الانقلاب

نهاية عصر العولمة، والانجليز والامريكان يقودون الانقلاب

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد بدأت تلوح في الأفق مؤشرات نهاية عصر العولمة الذي امتد لعقود بدأت في ثمانينات القرن الماضي ، عندما اتجه العالم تدفعه الطفرة التكنولوجية والتطور السريع في عالم الاتصالات والانترنت، الى ما سمي آنذاك “بالعولمة” وهي التي اختصرت المسافات وجعلت العالم كـأنه قرية واحدة مترابطة ومتواصلة ، ولقد حاولت الكثير من الدول استثمار تلك الطفرة لتحقيق مكاسب اقتصادية بالدرجة الأولى، وسياسية واجتماعية وثقافية، لكن ذلك الحماس يبدو انه قد بدأ في الفتور نتيجة لتغيرات كبيرة حصلت ولعل ابرزها عدم القدرة على التحكم في الكثير من المحددات الاقتصادية وسياسة الأسواق الدولية، وادراك بعض الدول الكبرى اخفاقها في ضوء سياسة العولمة عن تقديم ما يجب لمواطنيها بل واعتقادها استفادة الغير من فرص الاستثمار العالمي على حساب مواطنيها!

ان طبيعة السياسة الدولية ومتغيراتها وفقا لحركة التاريخ، تدفع الدول عامة والكبرى الفاعلة تخصيصا الى استثمار أي وضع جديد، اذ تحاول ان تمتلك فيه زمام المبادرة، لتستحوذ على سيطرة غرضية تستطيع من خلالها توجيه العوامل المؤثرة في الاتجاه الذي يخدم مصالحها اقتصاديا واستراتيجيا وسياسيا، وعندما تحس بعجزها الجزئي عن القدرة في التحكم والسيطرة، تسعى جاهدة لخلق ظروف جديدة تساعدها على المحافظة على ميزة السيطرة العالمية التي تحاول احتكارها منذ مدة وهذا ما فعلته وتفعله الدول الغربية وامريكا تحديدا، التي تنتهج اللعبة السياسية المتقلبة دائما وحسب المصلحة.

ان الانتقال من وضع قائم الى وضع جديد، يتطلب احداث نقلات تغيير راديكالية وفقا لنظريات التحول، وهو ما نعيشه هذه السنوات فيما يشبه ثورة تغيير جديدة قادمة من الغرب، تتزعمها بريطانيا وامريكا، ان مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليست مجرد صدفة، فهي بالتأكيد جاءت بناء على دراسة وتخطيط مسبق، ونستطيع القول ان الانجليز والامريكان متفقون ويقودون اليوم حركة التغيير القادم من الغرب، ان هذا التغيير في الواقع يعتبر انقلابا مدروسا على فترة ما يسمى بالعولمة، وهو ما يؤشر الى بداية النهاية لعصر العولمة والعودة الى عصر التكتلات والاحلاف المرتكزة على قوة الدولة الوطنية جغرافيا، المستقلة القرار اقتصاديا، والغير مقيّدة بمعاهدات واتفاقات دولية ملزمة، مثل الاتحاد الأوروبي، وغيرها من التكوينات الاقتصادية التي انتجها عصر العولمة خلال العقود الماضية.

ان اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شعار “أمريكا أولا” اثناء حملته الانتخابية، يصب أيضا في اتجاه هذا الانقلاب عن عصر العولمة، فهو يأتي مؤازرا للموقف البريطاني في التركيز على هوية الدولة الوطنية، متحررة من قيود العالمية او الإقليمية مع هذا الطرف او ذاك، وفي هذا السياق أيضا أتوقع ان تحذو كثير الدول حذو بريطانيا وامريكا وقد تكون فرنسا هي الدولة الثالثة التي ستلتحق بثورة الانقلاب عن العولمة، اذا ما فازت السيدة “ميرين لوبن” مرشحة اليمين المتطرف والتي تتبنى علنا مبدأ “ضد العولمة” الذي تتخذه شعارا لحملتها الانتخابية.

ان النظر الى الداخل سيكون هو سمة عصر التغيير القادم، وسيتم التركيز فيه على مصطلح الدولة الوطنية داخل حدود الإقليم الجغرافية، وما يتطلبه ذلك من إعادة هيكلة اقتصادية واجتماعية لسياسات الدولة الوطنية، وتضييق الانفتاح على العالم الا من خلال غايات تخدم المصالح الوطنية بالدرجة الأولى، ان تداعيات ذلك ستكون كبيرة ومؤثرة في العالم وقد ينتج عنها تشكل محركات اقتصادية جديدة تدفع الى تغيير جوهري في مفاهيم التبادل التجاري والتعامل الاقتصادي بين الدول وترسم واقعا جديدا بمحددات جديدة تفرض نفسها، ان الخوف الشديد سيكون على الدول الضعيفة الهشة التي لا تمتلك قاعدة اقتصادية متينة وستكون دول ما يسمى العالم الثالث أكثر المتأثرين بهذا الانقلاب الخطير، فهل يعي ساسة الدول الموقف ويستعدون لمواجهة التغيير ام أن السيل سيجرفهم وكراسيهم ودولهم!؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً