نواقيس الخطر… (2) لا خيار، اما الحوار وإما التدخل العسكري!!

نواقيس الخطر… (2) لا خيار، اما الحوار وإما التدخل العسكري!!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد كانت التوقعات تصب في ان يتمكن الليبيون، من بناء دولتهم الجديدة مباشرة بعد الاطاحة بنظام القذافي، غير ان العالم والليبيون خدعوا في من تصدروا المشهد اثناء الانتفاضة، حيث اثبت الواقع عكس ذلك تماما، لقد تصدَر المحسوبون على التيار الإسلامي معتدله ومتطرفه المشهد، وعجزوا عن التعامل مع ابجديات الواقع الليبي على الارض، وقد كانت سيطرتهم  واضحة من خلال تركيبة المجلس الانتقالي، ساعدهم في ذلك السيد مصطفى عبدالجليل الذي مال بالطبع اليهم منخدعا او مدركا، ولذلك استطاعوا تمرير ما رغبوا  فيه، متكئين على تعاطفه معهم وخاصة بعد حادثة اغتيال السيد عبدالفتاح يونس،  الذي كان يمثل التيار الوطني انذاك وتقاسم الدور مع عبدالجليل في قيادة مرحلة الانتفاضة باعتبارهما اول المنشقين عن القذافي مركزا.

لقد تمكن المحسوبون على الاسلام من فرض رؤاهم مبكرا، متجليا ذلك في صياغتهم للإعلان الدستوري، ثم تغلغلهم في المؤتمر الوطني من بعده، وتشكيلهم كتل استقطبوا إليها عناصر اخرى كانت تحسب مستقلة، الامر الذي دفع بأنصار ما يسمون “التيار الوطني الليبرالي” الى تشكيل تحالف مضاد زاد من تعقيدات الوضع اكثر وأكثر.

واليوم بعد مرور اربعة سنوات على الاطاحة بالقذافي، لا يزال الوضع في ليبيا متدهورا حيث الانفلات الامني وعدم الاستقرار، بل ان الاوضاع تزداد سوء مطلع كل يوم جديد، مع استمرار التقاتل بين ابناء الوطن الواحد في شرق الوطن وغربه وجنوبه، ليستمر نزيف الدم والمال الليبي دون توقف، لقد اضحى واجبا الآن ان يلتقي الليبيون ليتحاوروا فيما بينهم ويتشاورون ثم يتفقوا على آلية وطنية يوقفون بها هذه الحرب الطاحنة، والى الآن تدعم الامم المتحدة هذا الاتجاه بقوة حيث بذلت وتبذل المحاولات المتكررة من اجل ذلك، ولعل ما يقوم به برناردينو ليون من جهود تصب في هذا الاطار دليلا حيا على ذلك، فمن ملتقى غدامس الى الاجتماع المنعقد حاليا في جنيف، كلها محطات على طريق الحوار ترعاها الامم المتحدة وتدعمها.

غير ان تعنت بعض الاطراف الليبية وتقاعسها عن عملية الحوار اصبح يشكل ضغطا كبيرا على الامم المتحدة وبعض الدول الغربية المهتمة بالشأن الليبي ومع استمرار المعارك وتدهور الوضع الليبي امنيا واقتصاديا بدأ صبر العالم وتلك الدول ينفذ شيئا فشيئا الامر الذي يجعلها تضغط بشدة من اجل انجاح الحوار وبشتى الطرق.

طبعا ذلك ليس مبعثه الحرص على الليبيين والإحساس بمعاناتهم، بقدر ماهو خدمة لمصالح تلك الدول التي تسعى لتحقق الاستقرار في ليبيا سريعا من اجل عودة شركاتها واستثماراتها المتعددة التي توقفت نتيجة هذه الاوضاع، وهي اذ تريد ذلك لا ترغب في دفع اية تكاليف وتفضل ان يتحمل الليبيون انفسهم تلك التكاليف!.

وبمراعاة كل ذلك، الا انه لن يستمر سكوت العالم اكثر على فوضى الوضع الليبي وما يترتب عنها من مخاطر اقليمية ودولية، وسيصل العالم حتما الى قناعة مفادها، عجز الليبيين عن تصحيح اوضاعهم لوحدهم بعد منحهم فرصة اربع سنوات، ولهذا سينفذ صبر تلك الدول، التي لن تمانع حينها من دفع تكاليف اضافية تحقق بها مصالحها في ليبيا والمنطقة سياسيا واقتصاديا وسيكون حينئذ الخيار العسكري هو الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الملف الليبي اسوة بملفات سابقة مشابهة.

دوافع التدخل العسكري في ليبيا

1- التناحر والتقاتل الداخلي بين الليبيين، والذي يصب في اتجاه توسيع نافذة الخلاف بين اطياف الشعب الواحد مما يؤدي الى تلاشي مفهوم الدولة بالمصطلح السياسي والعرفي والاقتصادي الذي يفتح الباب لنشوء ارضية خصبة للعصابات الاجرامية بمختلف توجهاتها السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية …الخ

2- ضعف السيطرة الامنية على مداخل ومخارج البلد وحدودها البرية والبحرية مما يساهم في تسرب واستقطاب العناصر والجماعات الاجرامية الى الداخل في وجود بيئة جاذبة ومناسبة تكون منطلقا ومركزا لاعمالها.

3- الموقع الجغرافي للبلد والذي يشكل خطوط تماس مباشرة مع دول اقليمية مجاورة تتعارض مصالحها الامنية مع الوضع الليبي الراهن مخافة التسرب الاجرامي داخلها عبر الارض الليبية  التي يجعل منها  نقطة انطلاق رئيسة.

4- الموقع الجيوسياسي لليبيا بالنسبة لجنوب القارة الاوروبية وما يشكله ذلك من خطر التسرب للمهاجرين الغير شرعيين لأوروبا واعتبار ليبيا نقطة انطلاق مركزية للهجرة الغير شرعية ليس من افريقيا وحسب بل من جميع قارات العالم والشواهد كثيرة على ذلك.

5- الموقع الاستراتيجي لليبيا بالنسبة للعالم ولأوروبا على وجه التحديد ، واثر ان تتمركز فيها جماعات ارهابية متطرفة ، يمكنها استثمار الاوضاع الحالية ، سوى من ناحية السيطرة على مواقع عسكرية وامتلاك انواع من الاسلحة ، و كذلك سيطرة تلك الجماعات على مصادر النفط والغاز، لتمويل نشاطاتها وتحقيق اهدافها وما يعنيه ذلك من تهديد صريح للأمن والسلم العالميين ولأوروبا تخصيصا.

6- الاطماع الاقتصادية في الثروة الليبية ويدفع ذلك رؤوس الاموال من كل دول العالم الذين يرغبون في ليبيا مستقرة امنة حتى يمكنهم من ممارسة استثماراتهم بسهولة ودون مخاطر والتي يحرمهم منها استمرار التردي الامني الحالي.

كيفية وألية التدخل العسكري في ليبيا ومابعده

من وجهة نظري سيكون التدخل العسكري مبنيا على الخطوات الاتية:

1- ستطلب الدول الغربية بضغط من امريكا وفرنسا وألمانيا وايطاليا من جامعة الدول العربية اصدار قرار تطالب فيه مجلس الامن بتفعيل القرار 1973 القاضي بحماية المدنيين وستعقد الجامعة اجتماعا طارئا لذلك وتصدر القرار.

2- بعد صدور القرار وتحويله الى مجلس الامن يجتمع ويقرر الاذن بالتدخل في ليبيا عسكريا على مرحلتين:

المرحلة الاولى: توجيه ضربات جوية لمواقع محددة على الارض ثم تأمين التدخل البري، ستتولى فرنسا قيادة العملية الجوية وستشترك في ذلك قوات جوية فرنسية وايطالية وألمانية وبريطانية وأمريكية وروسية بالإضافة الى بعض الدول الاخرى.

المرحلة الثانية: العملية البرية وتنطلق من الشرق والجنوب الليبي وتشترك فيها قوات دول عربية وافريقية بقيادة مصر، قد تشمل القوات الافريقية تشاد والنيجر والسنغال وجنوب افريقيا والقوات العربية تشمل بالإضافة الى مصر الجزائر والسودان.

ما المطلوب الان لمواجهة الموقف؟!

1- خيار الحوار: وهو لجوء الليبيين الى انفسهم والجلوس الى مائدة للحوار الوطني الصادق، الذي تتلاشى فيه كل التوجهات الدينية والحزبية والقبلية والجهوية والسياسية، والإبقاء فقط على التوجه الوطني الشامل، الذي يحتضن كل الاطياف والتوجهات، ويصهرها في بوتقة الوطن الواحد والمصير الواحد.

ليس امام الليبيين الا طي صفحة الماضي والبدء من نقطة الصفر لإعادة تشكيل دولتهم الجديدة، بروح من التسامح والتعاطف والاحترام ونبذ كل مظاهر العنف والقوة وترك لغة السلاح والاحتكام الى لغة العقل. ان ذلك ليس بعزيز، اذا ما تجشَم العقلاء الصعاب، وقرروا التضحية في سبيل رتق جرح الوطن الدامي،  وتنادوا الى كلمة سواء يصلحون بها شأنهم ويتواثقون بميثاق شرف، يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

نعم بالإمكان من خلال الحوار والنقاش في كنف الوطن، ان يحقق الليبيون ما عجزوا عنه بقوة السلاح طيلة السنوات الماضية، ولعل ما شرع من حوار بين بعض الاطراف في جنيف سيكون الخطوة الاولى على طريق التوافق الوطني ومن ثم العودة الى كنف الوطن والمساهمة الفاعلة في اعادة اعمارها وبنائها.

2- خيار التدخل العسكري: ان مسألة التدخل العسكري في غياب الحوار تبدو محسومة لأنها مسألة وقت لاغير، ولهذا على الليبيين ان يستعدوا لها ومن وجهة نظري يجب التواصل مع الامم المتحدة لإقناعها بوضع خارطة طريق للتدخل العسكري ترتكز على ما يلي:

  • بعد السيطرة على الوضع الامني تحت اشراف الامم المتحدة يتم تشكيل حكومة وفاق وطني تتولى بالتنسيق مع الامم المتحدة ادارة البلد مؤقتا  لحين اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وفقا للدستور الذي يفترض ان يكون جاهزا خلال تلك الفترة.
  • تتمركز القوات البرية في كل من بنغازي  وطرابلس وسبها وتقوم بتامين الحقول والموانىء النفطية كافة ثم تقوم بالإعلان عن جدول زمني لتسليم الاسلحة الثقيلة والمتوسطة، وحيث ان كل التشكيلات العسكرية في ليبيا محصورة ومحددة فسيتم التعامل بالقوة مع اي تشكيل لا يمتثل ويسلم اسلحته الثقيلة والمتوسطة وتخصص مواقع مركزية لتجميع الاسلحة الثقيلة والمتوسطة في المدن الثلاثة.
  • يستمر تواجد القوات الدولية لمدة سنة واحدة اعتبارا من تاريخ اعلان السيطرة على الاوضاع ويتحكم في ذلك مدى قدرة الحكومة التوافقية على تكوين مؤسساتها الامنية والعسكرية التي ستستلم الامور من القوات الدولية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً