يُعزل المواطن ويبعد من محيط مُجتمعه لحمايته وحماية المجتمع منه (بعدالة القانون)

يُعزل المواطن ويبعد من محيط مُجتمعه لحمايته وحماية المجتمع منه (بعدالة القانون)

أقول … الإبعاد والتنحية والمتابعة والمراقبة والعزل والإقالة والإقصاء والتهميش .. كلها كلمات تُخفى ورائها إجراءات قد تكون تعسفية وضد حقوق الإنسان فى ممارسة المواطن حقه المشروع ولهذا لا بد من التروى والبحث والتدقيق قبل إتخاذ أى إجراء معين ضد أى مواطن وإلا سيكون القضاء العادل إن وجد فى أى دولة ملجئاً للدفاع عن حقوق المظلوم ضد الظالم إذا إفتقر الظالم للمبرزات القانونية أو الإدعاءات أى كانت .. ولهذا وجب على الدولة المتمثلة فى المؤتمر الوطنى العام عدم الإنجراف وراء أهواء البعض فى الإنتقام وتصفية الحسابات. ولهذا وجب تصنيف أنواع العزل كالآتى:

الأول …. (العزل الصحى) … خلال الأيام الماضية حدث فى مدينة درنه بعض الإصابات المرضية قيل أنها (نوع من الإنفلونزا) وقد توفيت حالة أو أكثر ربما نتيجة التأخر فى الحضور إلى المستشفى أو الجهات الصحية المختصة غير أن الموضوع أخذ أكثر وأكبر من حجمه فقد عُقدت المؤتمرات الصحفية والمداخلات الإعلامية فى القنوات الفضائية ودخلت شبكة التواصل على الخط مما زاد من تخوّف المواطنين فى مدينة درنه وضواحيها وحدثت بلبلة ما كانت لتحدث لو كانت هناك إدارات قادرة على التعامل إعلامياً وتوضيح الرؤية قبل أن يستفحل الأمر لدرجة أرعبت الليبيين جميعاً.

لقد حاولت الإدارات الصحية والسياسية والأهلية وغيرها فى درنه طمأنة المواطنين حتى أنها جهّزت قسم متكامل أطلقت عليه (قسم العزّل) لإستقبال حالات مُفترضة قد تصل إلى المستشفى أو العيادات الصحية المجمعة فجأة ، والمُلفت للنظر أن جميع المسئولين تحولوا إلى خبراء فى المجالات الصحية والأمراض السارية فقد كنا نسمع من خلال الإذاعة المحلية ونشاهد من خلال القنوات الفضائية من وقت لآخر تحليلات وفلسفة فى مجال الطب وعلم الإجتماع من أعضاء المجلس المحلى وموظفين بالتطعيم والصحة المدرسية والطب البيطرى والزراعة وجمعيات المجتمع المدنى مما زاد الموضوع تعقيداً حتى أن هناك من تخطى كل الحدود واعتبر ما حدث ربما يكون مؤامرة خارجية .. وهنا أود القول لكل من أدلى بدلوه فى ذلك الموضوع الذى لا يفهم فيه ولم يكن طبيباً متخصصاً أو مسؤولاً ذو كفاءة عالية فى المجال الطبى أومُكلفاً من قبل جهات الإختصاص ، الرجاء عندما تحدث مثل هذه الأمور حاولوا أن تتركوا (العيش لخبازه) ولا تضعوا أنوفكم فيما لا يعنيكم فليس من حق كل من هب ودب أن يتحدث فى موضوع لا يفهم فيه لمجرد أن يظهر فى الصورة أو ليُسمع صوته من خلال الإذاعات لكى يُقال .. فلان تحدّث!!!!.

هذا ليس هو بيت القصيد فى مقالتى هذه ولكن ما أود الوصول إليه هو ما يُقال عنه (العزل الصحى) الذى أخاف الكل فى درنه وغيرها ، فكل من إرتفعت درجة حرارة جسمه أو أصابه سُعال بسيط أو غثيان أو صُداع عابر ، شد الرحال إلى المستشفى أو العيادات المجمعة خوفاُ ورُعباً من ما أثير من خلال الإعلام (المفجوع) أصلاً بدون أسباب جوهرية . وهو ما أود الوصول إليه بأن كلمة العزل لها تأثيرها السلبى على الإنسان وخصوصاً إذا كان عزلاً صحياً الذى يأتى فى المرحلة الأولى حيث يجعل من المعزول عنصراً غير مرغوب فيه وسط الإجتماعات العامة والخاصة خوفاً من نقل المرض المصاب به إلى الآخرين . ولكن أليس كان من الأفضل أن يكون هناك عزلاً صحياً للمدمنين على الخمر والمُسكرات والمُخدرات بجميع أنواعها بحيث يُطبّق هذا العزل أولاً على المسؤولين فى النظام السابق والذين إلتحقوا بالجديد وعلى الساسة الجدد تحديداً وإبعادهم من إدارة مستقل الدولة . أليس هذا عدلاً..؟!

الثاني …. (العزل الإجتماعى) … وهو يأتى من خلال الصيت والسُمعة والبيتية فهناك البعض الذين يسلكون سوكاً غير أخلاقياً فى تعاملهم مع الناس لا يتفق مع شخصياتهم الإعتبارية مثل إنتهاج الكذب أو الإبتزاز أو إنتهاج التحايل فى التعامل والتزوير وعدم المصداقية ولهذا تجد المجتمع أو التجمعات التى تتضمن أشخاص بهذه الصفات المرفوضة تُحاول تجنب هذه الشخصيات وإبعادُها من مُحيطها وأعتقد أن هذا الإجراء هو المُتعارف عليه من قبل الناس حتى أنهم يتركون مجالسهم بمجرد أن يدخل عليهم من يحمل تلك الصفات المُشينة وهو (عزل إجتماعى فطرى) لا يحتاج إلى قرارات أو قوانين وضعية حتى أن الناس أصبحوا لا يصاهرونهم أو يصادقونهم أو يتعاملون معهم أو أن يُطلبوا للشهادة فى أى موضوع إجتماعى.

الثالث … (العزل المالى) … فى زمن فساد النظام السابق وتكليف الشخصيات الفاشلة مهنياً وإجتماعياً وسلوكياً من أصحاب السوابق حيث كان النظام يتحجج بما يُسمى (السلطة الشعبية) ومن حق الناس أن يأتوا بمن يريدونه وهى كذبة إنطلت على بعض المواطنين فى ليبيا لعقود ، فقد إنتشر الفساد فى تلك الفترة بدرجة لا تُطاق وخرجت علينا فئات بما كان يطلق عليهم إجتماعياً (لصوص الميزانيات) ورغم وجود الجهات الرقابية إلا انها لم تستطع التصدى لهم فى نهب مخصصات المناطق وحتى إن وصلت إليهم ليس بيدها معاقبتهم ، ولكن ردة فعل المواطنين كانت بسيطة جداً بحيث عزلوهم بطريقة جعلت منهم أن يبتعدوا عن أى مكان يتواجد فيه الشرفاء والوطنين خوفاً وهُروباً من طرح أى موضوع يتعلق بالفساد وقد إنتشرت أسماؤهم فى كل أرجاء الوطن ولهذا عُزلوا بدون قانون أو قرار أللهم ردة الفعل العفوية من خلال رفض المجتمع لهم وكأنهم يحملون مرضاً مُعدياً أو وباءً قاتلاً وأعتقد أن هذا العزل لا زال سارياً حتى هذا اليوم ويمكن أن يُطبّق على الساسة الجدد من اعضاء المجلس الإنتقالى والحكومات الإنتقالية وملاحقتهم إذا ثبت عليهم نهب الأموال العامة وإصدار قرارات من أجل أنفسهم فى ظل الفوضى الإدارية بعد إنتصار ثورة فبراير وعدم وجود ديوان للمحاسبة.

الرابع …(العزل السياسى) … هذا النوع من العزل نسمعه كثيراً من خلال ما المؤتمر الوطنى ويتم التركيز عليه أكثر من أنواع العزل الأخرى وقد إنحرف الأمر إلى درجة التصادم بين موافق ورافض له، فهذا لديه الحق فى موافقته وذاك من حقه الرفض ولكن يحتاج الموافق والرافض إلى نقطة إلتقاء حتى تكون الموافقة عليه إيجابية دونما ملاحظات جوهرية . أليس من حقنا كشعب ليبى أن نعزل من ضحك علينا ووصل إلى المؤتمر الوطنى فوق أكتافنا بالغش والتزوير ؟؟ ! أليس من حقنا أن نبعد كل وصولى تسلق إلى مفاصل الدولة بالغش فى العهد الجديد وتقلد منصباً ليس من حقه؟!… هذا العهد الجديد الذى طالما إنتظرناه على أحر من الجمر لكى نتخلص من الديكتاتورية والإستبداد والفساد والإدمان والمخدرات والسلوك المشين ونهب الأموال العامة والتلاعب المالى والبلعطة السياسيه والتهريج المجتمعى وعدم التركيز على نوع واحد من العزل لكى نحقق نجاة الكثير من بلاعيط السياسة وسماسرة الميزانيات.

وعليه أود القول أنه لا عزل سياسى بعيداً عن العزل المالى والعزل الإجتماعى والعزل الصحى والعزل السلوكى والعزل الأخلاقى وإلا سنبقى ندور فى دائرة ودوامة لا نهاية لها وربما نضطر إلى الرُضوخ لهيمنة الرافضين فى ظل دخول الساسة الجدد على الخط كطرف رافض لتطبيق العزل بجميع أنواعه من أجل حماية أنفسهم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً