الإدارة الذكية للمياه..من يُنفذها ويستفيد منها؟

م. أحمد المجدوب

تتعدد مجالات وتطبيقات واجراءات ادارة المياه بدء من البيت الى الجهات العامة والخاصة، ومن توفير وادارة الاحتياج البشرى والحيوانى الى متطلبات الزراعة الاكثر استهلاكا فالى الصناعة الاكثر طلبا.

الماء اكسير الحياة ولا حياة لحى بدونه، فالحياة منذ القدم واليوم وغدا سواء حياة الإنسان او الحيوان او النبات فالماء اساسها، فلولاه لما كان على وجه الأرض حياة، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.

تشكل المياه جوهر التنمية المستدامة وهي أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والنظم الإيكولوجية الصحية وللبقاء البشري نفسه.

يلاحظ خبراء المياه إن سلوك السلطات المسئولة عن إدارة المياه في المناطق الحضرية، فهى تفتقر إلى حد ما إلى الأدوات المناسبة لتحليل الاتجاهات والسلوك لدى الناس مما يؤدي إلى ضعف برامج وخطط توزيع المياه، ومن ناحية أخرى فإن المستهلك يفتقر إلى الأدوات المناسبة للبقاء مضبوطا وينبه إلى استخدام المياه واستهلاكها بالإضافة إلى سعة التخزين المتبقية، وهي عوامل تضيف إلى الاستهلاك غير السليم للمياه.

كما أن المياه هي قلب التكيف مع تغير المناخ، حيث تعمل كصلة اساسية بين النظام المناخي والمجتمع البشري والبيئة، وبدون الإدارة السليمة للمياه من المرجح أن يكون هناك تنافس متزايد على المياه بين الدول، وتصاعد الأزمات المائية بمختلف أنواعها مما يؤدي إلى حدوث حالات طوارئ في مجموعة من القطاعات التي تعتمد على المياه.

يرتبط العالم المادي للمياه ارتباطا وثيقا بالعالم الاجتماعي والسياسي، حيث غالبا ما يكون الماء عاملا رئيسيا في إدارة المخاطر مثل المجاعة والهجرة والأوبئة وعدم المساواة وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعى، ويجمع خبراء الامم المتحدة بوجود مئات الملايين من البشر يعيشون بدون الحصول على مياه نظيفة، وهذا ما يقرب من 1 من كل 10 أشخاص على وجه الأرض.

تتعدد انواع التكنولوجيا والعلوم المطبقة في مجالات ادارة المياه لكى تكون ذكية من اجل ادارة سلسة وواعية واقتصادية وتوفر الاحتياجات لجهة الطلب بالكم والجودة، وتساهم بشكل رئيسى في استدامة وموثوقية التجهيزات المادية والبرمجية.

إن وضع استراتيجيات إدارة المياه كعنصر أساسي في تصميم البنية التحتية في المنشآت الصناعية سيؤدي إلى تحقيق وفورات في التكاليف في جميع مراحل التشغيل، وان أساليب إدارة المياه أكثر سلاسة وذكاء وخاصة في بيئات التصنيع، حيث يعتبر استخدام المياه ومعالجتها والتخلص منها جزءا هاما بجميع العمليات.

تستخدم إدارة المياه الذكية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبيانات والاستجابات في الوقت الفعلي كجزء لا يتجزأ من حل تحديات إدارة المياه، فأصبحت ذات أهمية متزايدة حيث تقوم العديد من الحكومات من جميع أنحاء العالم بدمج المبادئ الذكية في استراتيجياتها الحضرية والوطنية.

التطبيق المحتمل للأنظمة الذكية في إدارة المياه واسع ويشمل حلولا لجودة المياه وكمياتها والري الفعال والتسربات والضغط والتدفق والفيضانات والجفاف وأكثر من ذلك بكثير، وذلك من خلال تطبيق البنية التحتية لإدارة المياه مثل أجهزة الاستشعار والعدادات الذكية وشاشات التحكم والمراقبة وخرائط نظم المعلومات الجغرافية والأقمار الاصطناعية، بالاضافة الى أدوات مشاركة البيانات الأخرى لإدارة المياه، كل ذلك مما يمكن تنفيذ الحلول في الوقت الفعلي ويمكن للشبكات الأوسع أن تعمل معا للحد من تحديات إدارة المياه الحالية بتلك البلدان.

بمساعدة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانترنت الاشياء يتم العمل على حلول إدارة المياه بشكل أفضل لتلبية الاحتياجات، فضلا عن تقليل تكاليف الصيانة والإصلاح، ويعد الحد من الخسائر في المياه وخاصة التسربات كأحد الجوانب الرئيسية التي تركز عليها إدارة المياه الذكية، فمن المتوقع أن يرتفع السوق العالمي لإدارة المياه الذكية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 17.2٪ ، وفق توقعات شركة أوكامز للبحوث والاستشارات.

تعتبر الإدارة غير الفعالة للمياه في المناطق الحضرية والبنية التحتية المائية القديمة هي المحركات البارزة لهذه السوق، والري الذكي وشبكات ودوائر المياه الصناعية هى أيضا محرك للسوق العالمية لإدارة المياه الذكية، فهناك العديد من الفرص لهذه السوق مثل التنمية في خطط الحفاظ على المياه والدعم المتزايد الذى توليه الحكومات، وما يحد من هذا السوق ما يواجهه من تحديات القيود الرئيسية التي تواجه إدارة المياه الذكية من متطلبات الاستثمار الأولي المكلفة وانخفاض معدل العائد، علاوة على ذلك بسبب نقص الخبرة وتوافر المواهب، فإن سوق إدارة المياه الذكية يتزايد ببطء.

يتم تصنيف سوق إدارة المياه الذكية على نطاق واسع في الأجهزة والحلول والخدمات والمناطق وإدارة ألاصول المادية والعينية، وأنظمة إدارة البيانات لمرافق المياه والصرف الصحي، ومراقبة الشبكة وإدارة الضغط والتحليلات، وكفاءة المياه للسكان، وأنظمة إدارة الري الذكية.

تتجه العديد من بلدان العالم لتطبيق إدارة المياه الذكية باستخدام تكنولوجيا إنترنت الأشياء التى تمتلك كتكنولوجيا قدرة كبيرة على حل المشاكل التي تهدد الحياة في زوايا مختلفة من الحياة اليومية والتي تتمثل خاصة في شح المياه، فمن خلال الإدارة الذكية والفورية والقابلة للتنبؤ في كل جزء من دورة المياه فباستخدام إنترنت الأشياء لإدارة الموارد المائية تكون النتائج أفضل والوصول إليها يكون بشكل فعال ومثالى.

انترنت الاشياء لها الدور الاساسى في تطبيقات الادارة الذكية للمياه في مجالات المنازل والمبانى وشبكات المياه الحضرية والزراعة والصناعة ومن بين ذلك التالى:

1. سوف يزداد الطلب الصناعي والمنزلي على المياه بشكل أسرع من الطلب الزراعي، على الرغم من أن الزراعة ستظل أكبر مستخدم بشكل عام، مع ملاحظة انه ستحدث الغالبية العظمى من النمو في الطلب على المياه في البلدان ذات الاقتصادات النامية أو الناشئة.

2. اصبح تركيب اجهزة ﮐﺷف ﺗﺳرب المياه ذات اهمية لتوصيلات المياه الداخلية والخارجية، فهى ﺗﻣﻧﻊ فقدان المياه بتسربها، وﺗﺳﻣﺢ أﯾضا ﻟﺷرﮐﺎت اﻟﻣﯾاه ﺑﺎﻟﮐﺷف ﻋن اماكن التسرب وافادة الملاك بما هو مطلوب او تدخلها لمعالجة التسرب.

3. تستخدم العدادات الذكية المستخدمة في المنازل والمبانى للمساعدة في تحديد استهلاك الطاقة، وبالتالي تلعب المراقبة دورا مهما في الإدارة المائية.

4. باستخدام تكنولوجيا أجهزة الاستشعار يمكن لشركات المرافق المائية تتبع استهلاك المياه والضغط ودرجة الحرارة والجودة، وبالتالي عندما يكون لدى الشركات والمواطنين السيطرة على البيانات المقدرة مثل متوسط ​​استهلاك المياه لكل أسرة تصبح المقارنة سهلة ويمكن اتخاذ تدابير فعالة وفقا لذلك.

5. تمثل أحد التحديات الهامة لإدارة المياه وكذلك الحفاظ عليها في اى مدينة، في تحديد كمية المياه التي ستستخدمها في اليوم التالي، ويمكن حساب ذلك بدقة باستخدام التحليلات التنبؤية والتى تتم عن طريق الحفاظ على مسار لتاريخ استهلاك المياه في المدينة في أي يوم، استنادا إلى البيانات التاريخية التي تم جمعها وتحليلها عن طريق التحليلات التنبؤية الناتجة من تطبيقات انترنت الاشياء، بالإضافة إلى النظر في الأحداث الخاصة والعطلات وكذلك الطقس في تلك المدينة، فيمكن للسلطات تحديد كمية المياه التي سيستهلكها جميع السكان في يوم واحد.

6. عندما يتم التعرف على كمية المياه المطلوبة للاستهلاك العام في المدينة في أي يوم معين، يصبح من السهل على سلطات المياه الحفاظ على مستوى المياه في خزانات مياه المدينة، ثم ضخ المياه حسب الطلب خلال اليوم.

7. من بين المزايا الأخرى لإنترنت الأشياء في إدارة المياه هو تخفيض أسعار الطاقة واستهلاكها، اذ يمكن استخدام التحليلات التنبؤية لحساب سعر الطاقة خلال ساعات مختلفة في اليوم، ويمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لجدولة المضخات على مدار يوم بطريقة لا تتعرض لفقدان طاقة أو موارد إضافية.

8. اقتناء تكنولوجيا شبكات المياه الذكية تساهم بشكل كبير في تقليل الخسائر في هدر المياه وتقليل عدم كفاءة التوزيع وتحسين المرافق والانابيب والتوصيلات ومعالجة المياه والصرف الصحي.

9. يمكن مشاهدة هدر المياه في عمليات الري التقليدية حيث تعتمد على أنماط الجدولة الآلية، وهذا يعني أن عملية الري ستحدث في وقت محدد ولمدة محددة بغض النظر عن الظروف الجوية والرطوبة في التربة، وبالتالى فان استخدام إنترنت الأشياء للحصول على الكمية المناسبة من الماء في الوجهة الصحيحة للمدة المناسبة وعند الحاجة فقط، وستكون هذه وظيفة أجهزة استشعار خاصة للتربة وأجهزة استشعار للطقس تعمل على توصيل قراءاتها إلى حاسوب معين يمكنه بدوره قراءة توقعات الطقس في المنطقة لتحديد قرار الري الصحيح الذي سيؤدي إلى توجيه صمام الري لفتحه وقفله وفق الحاجة.

10. المساعدة في جدولة الصيانة لكل التجهيزات الخاصة بالمياه، وكذلك إغلاق المضخات والصمامات على أساس منتظم، وتنبيه المستفيدين من المياه في وقت مناسب فيما يتعلق بعدم توافر المياه خلال أي نقطة زمنية معينة، وهذا يساعد سلطات تنظيم المياه ليس فقط في تلبية متطلبات المياه الكافية وبالأحرى أنه يساعد أيضا في الحفاظ على الموارد والطاقة.

اخيرا فان تغير المناخ وزيادة ندرة المياه والنمو السكاني والتغيرات الديمغرافية والتحضر، كلها تشكل تحديات بالفعل أمام أنظمة إمدادات المياه، واصبح إعادة استخدام المياه المستعملة والعادمة باستعادتها عن طريق اعادة تدويرها، مع اهمية الاخذ في الحسبان ان استخدام مياه الصرف الصحي لأغراض الري الزراعى، اذ ان هذه الممارسة إذا تم القيام بها بشكل غير ملائم وليست وفق اشتراطات صحية معتمدة فانها تشكل مخاطر صحية، حيث ترتبط المياه الملوثة وسوء الصرف الصحي بنقل الأمراض مثل الكوليرا والإسهال والدوسنتاريا والتهاب الكبد والتيفوئيد وشلل الأطفال، وبالمقابل فإن الإدارة الآمنة لمياه الصرف الصحي يمكن أن تؤدي إلى فوائد متعددة بما في ذلك زيادة إنتاج الغذاء.

ستستمر خيارات مصادر المياه المستخدمة في مياه الشرب والري والصناعة في التطور، فمع تزايد الاعتماد على المياه الجوفية والمصادر البديلة، بما في ذلك تحلية مياه البحار ومياه الصرف الصحي، كما سيؤدي تغير المناخ إلى تقلبات أكبر في نزول مياه الأمطار، لذلك يجب تحسين إدارة جميع الموارد المائية لضمان توفيرها وجودتها، فكما أن وجود مصادر مياه أفضل يعني انخفاض الإنفاق على الصحة، حيث يقل احتمال إصابة الناس بالامراض الناتجة عن المياه الملوثة ويقل تكبدهم تكاليف طبية، مع زيادة السلامة الشخصية.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً