سرقة مصرفية

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت مطلع عام 1976 واحدة من أكثر السرقات المصرفية غموضًا في التاريخ، استهدفت بنك الشرق الأوسط البريطاني (BBME) الواقع في شارع البنوك قرب البرلمان وساحة المدينة، وذلك في خضم الحرب الأهلية اللبنانية التي حولت المنطقة إلى خط تماس ساخن. السرقة لم تكن عادية، بل أقرب إلى عملية عسكرية سرية محكمة. ففي 20 يناير 1976، اقتحم مسلحون مدججون ببنادق إم-16 وقذائف يدوية – قيل إن بعضها إسرائيلي الصنع – مبنى البنك الخالي من الموظفين بعد إخلائه بسبب القصف. على مدى ستة أيام، عمل اللصوص على اختراق خزنة البنك المحصنة، مستخدمين متفجرات لفتح ثغرة في جدار كاتدرائية سانت لويس المجاورة، وربما استعانوا بخبراء خزنات من مافيا كورسيكا. بعد أربعة أيام من العمل، تمكنوا من الوصول إلى محتويات الخزنة، فنهبوا مبالغ ضخمة معظمها بالجنيه الإسترليني والدولار، إضافة إلى سبائك ذهبية، مجوهرات، أسهم وسندات، وحتى وثائق بريطانية سرية يُعتقد أنها كشفت حجم تمويل الميليشيات خلال الحرب. خرج اللصوص بغنيمتهم من دون أن يعترضهم أحد، وكأنهم كانوا يتحركون تحت حماية غير مرئية. قيمة المسروقات بقيت حتى اليوم لغزًا، إذ تتراوح التقديرات بين 250 و600 مليون دولار بقيمتها المحدثة عام 2024. ورغم محاولة بنك الشرق الأوسط البريطاني التقليل من حجم الخسائر، ما زالت موسوعة "غينيس" تعتبرها أكبر سرقة مصرفية في التاريخ. الاتهامات طالت أطرافًا عدة، من الميليشيات اللبنانية الرئيسية إلى الموساد الإسرائيلي، وحتى قوة بريطانية خاصة يُقال إنها نفذت العملية لاستعادة الوثائق الحساسة. وروايات أخرى ذهبت إلى حد القول إن السرقة كانت غطاءً لعملية بريطانية سرية لنقل أصول البنك من بيروت إلى لندن قبل انهيار الوضع الأمني. ما يزيد الغموض أن أيًّا من المسروقات لم يُسترد، ولم يُقبض على أي متهم. ويُعتقد أن الأموال هُربت إلى بنوك سويسرية أو أعيدت إلى بريطانيا، بينما قد تكون الوثائق بيعت في السوق السوداء أو أُعيدت مقابل فدية. بعد مرور ما يقرب من نصف قرن، بقيت هذه السرقة لغزًا مغلقًا، خاصة أن العديد من المتورطين المزعومين توفوا أو يلتزمون الصمت لأسباب غامضة. لتظل بيروت شاهدة على عملية نُفذت بحرفية عسكرية، وتجاوزت حدود السرقة التقليدية إلى عالم الأسرار السياسية والاستخباراتية.

شارع البنوك يشتعل.. جريمة غامضة تهز بيروت المنكوبة

شارع البنوك يشتعل.. جريمة غامضة تهز بيروت المنكوبة

Share on Mastodon