لتخرج ليبيا من ازمتها نحتاج لقيادات بمواصفات “غير”

لتخرج ليبيا من ازمتها نحتاج لقيادات بمواصفات “غير”

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ليبيا منذ العام 2011 لازالت بوصلتها فاقدة الاتجاه، تتخبط في ازماتها بين ازمة وأخرى، بل ان ازماتها صارت تتوالد من بعضها في تكاثر انقسامي وانشطاري مخيف ! ترى هل من سبيل الى إيقاف هذا الانحدار الأزماتي المتسارع والذي صار واقعا للحال نمسى عليه ونصبح كل يوم جديد!؟ هل من مدرك لعمق المشكلة يحس بها عن قرب ويعترف بها أولا وقبل كل شيء؟! هل وجدت أصلا القيادات الفاعلة التي تستطيع ان تستوعب الأمر وتحس في ذاتها بمدى الأثر على مستقبل ومصير البلد وبمستوى المسئولية الملقى على عواتقهم؟!

ان الإجابة عن تلك التساؤلات تبدو سهلة وميسرة، لكن الصعب هو ما مدى إمكانية إيجاد قيادات حقيقية فاعلة؟! اذ من خلال الواقع المعاش يظهر جليا حتى الآن عدم توفر القيادات الفاعلة، وأن الموجود حاليا هو مجرد شخوص باهتة رمت بها الصدف في غفلة عن الوعي بخطورة المرحلة، تأثرا من صدمة التغيير التي فاجأت الكثير!، لم يعد ممكنا السكوت على هذا الوضع المأساوي الذي ابتليت به ليبيا، جراء قفز المتسلقين والانتهازيين الى مواقع السلطة وتحكمهم في دواليب الدولة كافة وهم لا يملكون ابجدية الحكم وأبسط قواعد التنظيم والإدارة!

ان المتتبع للشأن الليبي لا يمكنه الا ان يضع يده على قلبه، حسرة وخوفا على مستقبل ومصير الأجيال القادمة، وهو يرى بعينه ويلمس بيده حجم العبث الذي أصاب البلد، في كل قطاعاتها ومرافقها، بعد ان تفشى فيها الفساد المالي والإداري والاجتماعي، وصار ينخر هيكل الدولة عظمة عظمة، بلا رادع وبدون قيود، ان شدة الازمة الليبية تكشّفت عن حقائق ظاهرة للعيان وجلية ، تتمثل في أن هذه الازمة ما كان لها ان تكون، لو توفرت قيادات واعية ومدركة، قيادات مؤهلة بالخبرة والمعرفة محصّنة بالتجربة والتطبيق، بدلا عن هذه القيادات الكرتونية العاجزة، التي لا تتوفر فيها ابسط مواصفات القيادة وتفتقد تماما التأهيل والخبرة.

انه لكي تتجاوز ليبيا كبوتها وتخترق جدار ازمتها، بعد هذه السنين من الاهتراء والسقوط قيميا واداريا واقتصاديا، لا مفر من البحث عن قيادات فعلية جديدة، تتوفر فيها مواصفات القيادة الفاعلة وكاريزما التغيير الى الأحسن، قيادات تنطلق من رؤية واضحة ورسالة سامية، تستهدف تحريك الواقع الليبي المأزوم الى حالة أخرى من التغيير الإيجابي، تهدف بالدرجة الأولى الى تصحيح ما هو كائن من فساد وتخبط، الى حالة جديدة من الفعل المدفوع بحسن النوايا وارادة المخلصين ، هذا يدفعنا الى البحث عن قادة آخرين من خارج دائرة هذا الواقع الآسن! قادة تتوفر فيهم مواصفات القيادة الحقيقية التي اوجدها الله في بعض البشر، وجعلهم يمتلكون قدرات خاصة ومميزة على قيادة الناس والانطلاق بهم الى الامام بكل عزيمة وتحد.

انه بعد ما اوصلنا العابثون العاجزون ممن تولوا امرنا خلال هذه السنوات العجاف الى ما نحن فيه من أزمات وضعف وهوان نجد أنفسنا في مسيس الحاجة لقادة “غير” قادة تتوفر فيهم جميع أو اغلب الصفات التالية:

  • يعيشون في ليبيا ويشاركون الشعب المعاناة والبؤس
  • يقتنعون بأن ليبيا في ازمة حقيقية وتتصاعد شدتها مطلع كل يوم جديد
  • يدركون ان ليبيا مستباحة وبدون سيادة وأن الوضع الأمني منفلت وخارج نطاق السيطرة
  • يدركون ان الوضع الاقتصادي والمالي للدولة في انهيار مستمر ويتجه للكارثة!
  • يفكرون في مستقبل أبنائهم واحفادهم لا في انفسهم
  • يدركون ان الوقت عامل مهم جدا وأي تأخير يكلف ثمنا باهضا
  • يقبلون ان يعطوا وان يعملوا تطوعا وبدون مقابل
  • لا يبحثون عن مجد لكنهم يؤجلون ذلك لأجيال لاحقة قد لا يدركونها
  • يتعففون عن المصلحة الشخصية ويؤمنون بأن مصلحة الوطن أولى
  • يريدون ان يفرضوا احترامهم بأعمالهم لا بالخوف منهم او طمعا فيهم!
  • لا يخشون في الحق لومة لائم ويتقدمون الصفوف في مواجهة الباطل
  • لا تشغلهم زخارف الدنيا واموالها فكرامتهم وعزة انفسهم فوق كل اعتبار

إن من تتوفر فيهم هذه الخصال الحسنة، هم وحدهم القادرون على انقاذ سفينة ليبيا المترنحة، التي تتلاطمها أمواج عاتية، وهم وحدهم من يستطيعون قيادتها الى شاطئ الأمان، لترسو فيه وتستقر، ابحثوا عنهم وادفعوا بهم، فإن وجدتموهم سيتعافى الوطن وينهض وان لم تجدوهم فعلى ليبيا السلام!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • خالد بشير اشتيوي

    عين الصواب ماذكرت د. عبيد لكنك نسيت صفة هامة وضرورية للقيادي المصلح الذي ننشده ، وهي تقوى الله عز وجل .. مقال رائع أشكرك عليه.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً