وزاراء الخارجية بلقاء هامّ.. بيروت ودمشق تبدآن صفحة جديدة

في خطوة دبلوماسية تحمل دلالات كبيرة على تغير المشهد السياسي بين بيروت ودمشق، التقى وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي بنظيره السوري أسعد الشيباني اليوم في العاصمة اللبنانية، في زيارة رسمية وُصفت بأنها بداية “توجه جديد” في العلاقات اللبنانية السورية، بعد عقود من التعقيد والتداخل السياسي.

وأكد الوزير اللبناني، خلال مؤتمر صحفي مشترك، أن العلاقة مع سوريا تدخل اليوم مسارًا جديدًا عنوانه “الاحترام المتبادل وعدم التدخل”، في إشارة واضحة إلى تجاوز مرحلة سابقة من النفوذ السوري المباشر في الشأن اللبناني.

وقال رجي: “لبنان تلقى رسميًا إشعارًا من الجانب السوري بتعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني السوري، وبالتالي أصبحت كل أشكال التواصل بين البلدين محصورة بالطرق الدبلوماسية الرسمية، وهذا أمر نرحب به.”

كما أكد وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، أن سوريا تمر بمرحلة من التعافي وإعادة الإعمار، وهي مرحلة ستنعكس إيجابًا على لبنان والعلاقات الأخوية والتاريخية بين الشعبين السوري واللبناني.

وجاءت تصريحات الشيباني بعد لقائه مع الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث أوضح أن زيارته تهدف إلى تأكيد عمق العلاقات الثنائية بين البلدين وفتح صفحة جديدة من التعاون المتبادل.

ولفت إلى أن هذه المرحلة الجديدة تتزامن مع تغيرات سياسية في المنطقة بعد سقوط النظام السابق، وأن سوريا تسعى لفتح آفاق علاقات اقتصادية واستثمارية متينة.

الشيباني أكد أن كافة القضايا المشتركة بين سوريا ولبنان وُضعت على طاولة النقاش، ومنها ملف اللاجئين السوريين في لبنان.

وأشار إلى أن الجانبين يناقشون خططًا لدعم “عودة كريمة ومستدامة” للاجئين السوريين، وأن سوريا تشكر لبنان على “الكرم وحسن الاستضافة” لأبناء الشعب السوري، حيث أن “نزوح السوريين لم يكن خيارًا، بل نتيجة لحرب مدمرة قادها النظام السابق”.

وأكد الوزير السوري أن سوريا في الوقت الحالي تعمل على إعادة تأهيل بنيتها التحتية وتعزيز عجلة الإعمار.

وأضاف أن هناك خططًا تجري مناقشتها حاليًا بدعم دولي تهدف إلى معالجة أوضاع ما بعد الحرب في سوريا وتحقيق الاستقرار في البلاد.

وفي نهاية اللقاء، شدد الشيباني على ضرورة تجاوز الماضي وبدء علاقات منفتحة تعود بالفائدة على الشعبين السوري واللبناني، مشيرًا إلى أن البلدين سيواصلان التعاون في عدة مجالات بما يخدم المصالح المشتركة.

بدوره، أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في قصر بعبدا، أن لبنان يتطلع إلى تعزيز العلاقات بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وشدد عون على ضرورة تفعيل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بما يحقق الاستقرار لكلا البلدين، مشيرًا إلى أهمية تشكيل لجان مشتركة لدراسة جميع الملفات العالقة، لا سيما الاتفاقيات الموقعة بين لبنان وسوريا وإعادة تقييمها بما يتوافق مع المتغيرات والمصالح المشتركة.

ولفت الرئيس اللبناني إلى أن القرار السوري بتعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني-السوري يستوجب تفعيل العلاقات الدبلوماسية، معربًا عن أمله في تعيين سفير سوري جديد في بيروت لمتابعة مختلف الملفات من خلال التنسيق بين السفارتين اللبنانية والسورية في دمشق وبيروت.

وأشار عون إلى تحسن الوضع على الحدود اللبنانية-السورية مقارنة بالماضي، مؤكدًا أن الملفات التي تتطلب المعالجة تشمل الحدود البرية والبحرية، وخط الغاز، ومسألة الموقوفين، مضيفًا أن لبنان سيعمل على دراسة هذه القضايا انطلاقًا من المصلحة المشتركة.

وأضاف الرئيس اللبناني أن المنطقة عانت كثيرًا من الحروب وهدر المقدرات، داعيًا إلى استثمار الطاقات لتحقيق حياة كريمة لشعوب المنطقة، ونقل تحياته إلى الرئيس السوري أحمد الشرع مجددًا دعوته لزيارة لبنان في أقرب فرصة.

تعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني السوري وحصر المراسلات بالطرق الدبلوماسية الرسمية

تلقت وزارة الخارجية اللبنانية برقية عبر السفارة السورية تفيد بتعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني السوري، مع حصر جميع أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الدبلوماسية الرسمية.

يُذكر أن المجلس الأعلى اللبناني السوري تأسس في 22 مايو 1991 بموجب معاهدة “الأخوّة والتعاون والتنسيق” بين الرئيس اللبناني إلياس الهراوي والرئيس السوري حافظ الأسد، ليكون الإطار الرسمي الأعلى لتنظيم العلاقات بين لبنان وسوريا.

لعب المجلس دورًا رئيسيًا في تنسيق الأعمال المشتركة بين بيروت ودمشق، لا سيما خلال فترة الوجود العسكري السوري في لبنان، حيث تابع ملفات أمنية واقتصادية حساسة وأسهم في بلورة اتفاقات ثنائية.

لكن بعد انسحاب القوات السورية عام 2005، تراجع نشاط المجلس ليقتصر على مهام رمزية وإدارية، حتى قرار التعليق الأخير.

المجلس الأعلى.. نهاية رمزية لمرحلة تاريخية

يُشار إلى أن المجلس الأعلى اللبناني السوري، الذي تأسس عام 1991 بموجب “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق”، كان يمثل الإطار المؤسساتي الأعلى للعلاقات بين البلدين، إلا أن دوره تراجع بشدة منذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، إلى أن تم تعليق العمل به رسميًا هذا الأسبوع، بحسب ما أفادت به وزارة الخارجية اللبنانية.

ورغم أهمية المجلس خلال التسعينيات، يرى مراقبون أن تعليق عمله اليوم يعكس تحولا جذريًا في بنية العلاقة بين بيروت ودمشق، بعيدًا عن الأطر فوق الرسمية التي لطالما أثارت الجدل داخليًا في لبنان.

من جانبه، أوضح الوزير السوري أسعد الشيباني أن زيارته إلى بيروت “تؤكد حرص سوريا على فتح صفحة جديدة”، مضيفًا: “نحن نحترم لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة، ونعترف بأن أخطاء الماضي لا بد من تجاوزها. نحن أيضًا كنا ضحايا تلك المرحلة، ونريد بناء علاقة تقوم على المصالح المشتركة والندية.”

ورفض الشيباني الخوض في تفاصيل الملفات العالقة، لكنه أشار إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيز التعاون في الملفات الأمنية والاقتصادية ضمن أطر دبلوماسية واضحة وشفافة.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً