بوتفليقة باق في الحكم، فتّش عن الجنرالات

'الغائبون عن الصورة' يحركون الأمور من وراء الستار
‘الغائبون عن الصورة’ يحركون الأمور من وراء الستار

ينتظر أن تدخل عودة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى بلاده بعد ثمانين يوما من العلاج في فرنسا مزيدا من الحيوية على الساحة السياسية الجزائرية، لكن أكثر من ذلك أن هذه العودة سوف تطلق العنان لسيل جارف من الأسئلة لدى الجزائريين حول: ما الذي ينقص بلادهم لتعيش حياة سياسية “أرفع شأنا وقيمة”، قد لا تصل بها إلى التشابه مع الدول المتقدمة، لكنها على الأقل قد ترقى بها عن “واقع البهذلة التي تقارب حالة من الانحطاط”، كما يقول مراقبون.

وعاد بوتفليقة الثلاثاء من رحلته العلاجية إلى فرنسا لكن ذلك لم يمنع الجزائريين من التساؤل عن قدرته على اتمام ولايته الرئاسية تسعة اشهر أخرى أو حتى القيام بالواجبات التي يفرضها منصبه.

وبث التلفزيون الحكومي صورا لبوتفليقة بعد عودته الثلاثاء داخل قاعة الشرف في المطار العسكري ببوفاريك (30 كلم غلاب الجزائر) لكن لم يتم بث صور له وهو ينزل من الطائرة كما في 2005 عند عودته من رحلة العلاج الاولى.

وظهر الرئيس الجزائري في الصور التي بثها التلفزيون جالسا على كرسي متحرك، وحرك يده اليمنى قليلا كما سمع صوته الخافت وهو يرد على رئيس الوزراء، بالقول “ان شاء الله” دون ان يفهم ما قاله الاول.

وعلّق مصدر جزائري رفض الكشف عن اسمه عن الوضع السياسي الذي تمر به بلاده يتهكم، قائلا إنه لا يجد تفسيرا واحدا مقنعا لإصرار الرئيس بوتفليقة على عدم اعلان استقالته من منصبه بعد كل هذه المدة من الغياب وبعد طول مرضه.

واضاف انه أمام استحالة معرفة السبب “أجدني مضطرا للتخمين.. انا لا أعتقد ان الرئيس بوتفليقة رجل بلا عزة نفس او كبرياء ما يجعله يصرّ على بهذلة نفسه أمام الشارع الجزائري وإعطاء الانطباع أمامه بأنه متكالب على السلطة وعلى الرئاسة بشكل غريب وغير مفهوم.. سأزعم على حسابي أن الرئيس ربما قد أخذ رهينة عند طغمة من الجنرالات فرضوا عليه البقاء في المنصب إلى حين تدبير أمرهم في مرشح يرضون عنه لم يجدوه بعد”.

ويحتفظ الجيش الجزائري الذي يتهم بعض كبار جنرالاته بأنهم يديرون مصالح ضخمة في الجزائر ويسيطرون على مفاتيح الاقتصاد في البلاد، بنفوذ قوي على الطبقة السياسية، حتى ان الجزائر لم تنعم طوال فترة ما بعد الاستقلال برئيس استطاع قيادتها بعيدا عن قبضتهم القوية.

ويقول مراقبون إن “المتنفذين ‘الغائبين عن الصورة’ (في إشارة إلى كبار جنرالات الجيش)، في الجزائر يستغلون معاناة الجزائريين طيلة العشرية الاخيرة من القرن العشرين من الإرهاب ليفرضوا عليهم “نمطا متخلفا من السلطة لم يعد يستجيب حتى للحد الأدنى لشروط لعبة سياسية في دولة من العالم الثالث”.

وتمكنت السلطات الجزائرية من تفادي تأثيرات الربيع العربي التي ضربت اثنين من دول الجوار تونس وليبيا بالتذكير دائما بان الجزائر مهددة بإرهاب قد يعيدها إلى سنوات اقتتال اندلعت سنة 1992 بإلغاء نتائج الانتخابات البلدية التي فازت بها جبهة الإنقاذ الاسلامية وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 200 ألف قتيل وفقا لتقديرات السلطات الجزائرية.

كما اعتمدت هذه السلطات على سياسية إقناع للمواطنين بعدم الخروج إلى الشارع، تتراوح بين الترغيب والترهيب.

وبينما تصدت قوات الامن الجزائري لطلائع المتظاهرين الذين حاولوا الخروج إلى الشارع قبل أكثر من سنتين تيمنا بما كان يحصل في تونس وليبيا ومصر وبعض الدول العربية الأخرى، سارعت الحكومة في نفس الوقت إلى تقديم “اغراءات مادية” تعلقت بالزيادة في الرواتب وخفض أسعار بعض المواد المعيشية لتهدئة خواطر الجزائريين الغاضبين من استفحال فقرهم وبطالتهم ومن غياب تنمية اقتصادية حقيقية رغم الثروات البترولية الهائلة التي تتمتع بها الجزائر.

ويشكو الجزائريون من انسداد افق المشاركة السياسية في البلاد ومن انعدام انتخابات نزيهة تأتي بمن يختارونهم في صناديق الاقتراع فعلا إلى السلطة. ويؤكدون أن من نتائج “ممارسات التزييف لإراداتهم، أن أصبحت العملية السياسية مترهلة ورديئة ومبتذلة إلى درجة أن بلادهم أصبحت مكرهة على ان يقودها رئيس مريض لا يعي ما يدور من حوله دون أن يتجرأ على إعلان حالة عجزه لترك منصبه لرئيس جديد”.

ورغم أن فرص ترشح بوتفليقة (76 سنة) لولاية رابعة قد قلت كثيرا بسبب مشاكله الصحية التي بدأت منذ اصابته بنزيف في المعدة في 2005 ولم تنته فعليا أبدا، فان البعض من مازالوا يعتقدون انه مرشحهم الوحيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة “لأنه لم يعلن موقفه بعد”.

ويرفض حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والذي يرأسه بوتفليقة أي حديث عن مرشح آخر غير الرئيس “مادام لم يعلن صراحة انه لن يترشح”، كما اكد منسق المكتب السياسي في الحزب عبد الرحمان بلعياط.

كما ان وزير البيئة ورئيس حزب الحركة الشعبية عمارة بن يونس يردد في كل لقاءاته مع مناضليه انه “يدعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة”.

ودفع عدم تحديد بوتفليقة موقفه من الانتخابات الرئاسية في 2014 اغلب الشخصيات التي تطمح الى الترشح، الى العزوف عن اعلان ترشحها ما عدا رئيس الوزراء السابق احمد بن بيتور الذي اختار الترشح مستقلا وبدعم من “المجتمع المدني” بعيدا عن الاحزاب السياسية.

وكان بوتفليقة اعلن بنفسه في ايار/مايو 2012 ان “عهد حكم جيله قد ولى” ويجب ان يسلم المشعل، ما تم تفسيره على انه انسحاب من السلطة.

لكن “الأقوال لم تتبعها الافعال” كما علق مدير صحيفة ليبرتي عبروس اوتودرت في افتتاحية الصحيفة الاربعاء.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً