انتخابات ليبيا الأولى بعد الثورة وسيناريو الإسلاميين

 

انتخابات ليبيا الأولى

محمد أمزيان – إذاعة هولندا العالمية 

العنف القبلي ما يزال يحصد الأرواح في ليبيا التي تستعد لإجراء أولى انتخابات حرة منذ خمسة عقود. تحديات الانتقال إلى ’الدولة المدنية‘ عديدة منها ما يتعلق بالتركيبة الداخلية، ومنها ما له صلة بالبيئة الانتقالية الجديدة التي خلقها الربيع العربي: سيطرة الإسلام السياسي على المشهد وما يصاحب ذلك من آمال عريضة لدى البعض، وتخوفات من تغيير مسار الثورات لدى البعض الآخر. “الإسلام السياسي في ليبيا معتدل والسلفيون المتشددون لا تأثير لهم”، يقول الإعلامي الليبي عمر الكدي.

خطوة أولى
انتظر الليبيون عقودا طويلة ليسترجعوا حقهم في اختيار من يمثلهم في المؤسسة التشريعية في بلادهم، ولذلك ينظرون لموعد أولى الانتخابات القادمة على أنه علامة فاصلة في مسيرتهم التي بدأوها عندما ثاروا على نظام العقيد معمر القذافي في فبراير من السنة الماضية. تأجلت الانتخابات لأكثر من مرة لأسباب متعددة. وتعني الانتخابات القادمة الشيء الكثير بالنسبة للشعب الليبي، يقول الإعلامي الليبي عمر الكدي في تصريح لإذاعة هولندا العالمية:

“هذه الانتخابات تعني الشيء الكثير لأنها أول انتخابات تجرى منذ أكثر من خمسين عاما. فخلال العقود التي حكم فيها العقيد القذافي ألغيت الانتخابات، ألغيت الأحزاب، ألغي الدستور وبالتالي فإن عودة الليبيين إلى الانتخابات تعني عودتهم إلى الدولة المدنية؛ دولة القانون والمؤسسات”.

ويرى عمر الكدي أن الانتخابات المنتظرة ستسهم في إعادة الاستقرار والسلام بين القبائل المتناحرة والتي “شاهدنا بعض فصولها الدامية في الأيام الماضية”. ولذلك فإن الليبيين يعولون كثيرا على “نجاح هذه الانتخابات باعتبارها الخطوة الأولى السليمة نحو دولة المؤسسات ودولة القانون”.

تأجيل
حوالي ثلاثة ملايين ليبي سجلوا أنفسهم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات وفق ما أورده الموقع الالكتروني للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات. وبحسب ما تم الاتفاق عليه داخل المجلس الوطني الانتقالي فإن انتخاب ’المؤتمر الوطني العام‘ (البرلمان) يتم بعد مرور 240 يوما من إعلان التحرير في الثالث والعشرين من أكتوبر 2011. غير أن السلطات الانتقالية الليبية لجأت إلى تأجيل الانتخابات معللة قرارها بأسباب مختلفة وأحيانا متضاربة. وعلى أية حال ينفي السيد عمر الكدي أن يكون التأجيل لأسباب سياسية.

“في الحقيقة أجلت الانتخابات لأسباب لوجيستية ولأسباب فنية، والآن بدأت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في استكمال هذه النواقص (…) أعتقد أن ليس هناك أسباب سياسية وراء تأجيل الانتخابات. تأجيل الانتخابات تم بناء على قرار من المفوضية العليا وليس من المجلس الوطني الانتقالي”.

مشهد سياسي مشتت
الليبيون مدعوون في التاسع من يوليو القادم إلى انتخاب برلمان مؤقت يتكون من مائتي عضو منهم 80 عضوا يتم انتخابهم عن طريق قوائم الأحزاب والكيانات السياسية و120 عضوا يتم انتخابهم عن طريق القوائم الفردية. ومن مهام البرلمان المؤقت أن يضع دستورا مؤقتا للبلاد واختيار حكومة جديدة مؤقتة ثم تنظيم الاستفتاء على الدستور المؤقت (خلال 30 يوما) ليصبح دائما وبعد ذلك الإشراف على الانتخابات العامة لاختيار البرلمان الدائم (خلال 180 يوما).

وعلى غرار ما جرى في تونس ومصر وغيرها من البلدان التي كانت فيها السيطرة لحزب أو أحزاب الدولة من توالد لعشرات الأحزاب والقوائم المستقلة، يدخل معترك المنافسة الانتخابية في ليبيا أكثر من 100 حزب سياسي جديد فضلا عن مئات القوائم الفردية، الأمر الذي يعطي صورة مشتتة عن المشهد السياسي الوليد في ليبيا ما بعد الثورة.

ويرى السيد الكدي أن هناك أحزابا وتيارات معدودة سيكون لها حضور وازن على الساحة السياسية الليبية القادمة مثل “حزب الجبهة الوطنية وهو الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي تأسست في مطلع الثمانينات (…) وحزب العدالة والبناء وهو الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وهي جماعة قديمة في ليبيا أيضا، بالإضافة إلى أحزاب أخرى جديدة في مقدمتها تحالف القوى الوطنية بقيادة رئيس الوزراء السابق محمود جبريل وحزب الوطن بقيادة عبد الحكيم بلحاج العائد من أفغانستان (…) بالإضافة إلى التيار الوسطي بقيادة وزير المالية والبترول السابق علي الترهوني”.

سيناريو مصر
شهد ’الربيع العربي‘ الذي نجح في تغيير الأنظمة في كل من تونس ومصر وبدرجة أقل في اليمن، صعود الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم وظهور تيارات إسلامية متشددة، بينما تراجعت الأحزاب الليبرالية خطوات إلى الخلف. ويعتقد عمر الكدي المتابع للوضع الليبي عن كثب أن خط الإسلام السياسي الليبي يشبه إلى حد ما خط حزب النهضة في تونس، وأنه لا خشية من صعود السلفيين، كما هو الشأن في مصر، لأن هذا التيار المتشدد لا وجود له تقريبا في ليبيا، بل حتى “المجاهدون الأفغان” أصبحوا تحت زعامة بلحاج أكثر اعتدالا وأقرب إلى الليبراليين.

“أعتقد أن التيارات الإسلامية إن صعدت فسيكون ذلك بشكل جديد؛ بشكل وسطي. أكبر الأحزاب الإسلامية في ليبيا هم الإخوان المسلمون وصورتهم وسطية جدا وأشبه بحزب النهضة في تونس (….) في ليبيا عدد السلفيين قليل جدا ومحصور في المنطقة الشرقية. كما أن الجماعة الإسلامية المقاتلة التي ذهبت إلى أفغانستان ثم واجهت نظام القذافي في منتصف التسعينات، فهي تعود الآن إلى الاعتدال ويمثلها عبد الحكيم بلحاج في حزب الوطن، والذي يتصرف كرجل وسطي أقرب للبراليين منه إلى الإسلاميين”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً