ليبيا ترهيب وتهريب، والعالم ينفذ صبره !

ليبيا ترهيب وتهريب، والعالم ينفذ صبره !

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

واقعيا ليبيا بعد 2011 أعطيت الفرصة الكاملة لأهلها بأن يحكموها وفق ما يرونه مناسبا والدليل على ذلك ان الناتو والدول الغربية قد رفعت يدها بمجرد سقوط نظام القذافي، والفرصة كانت كافية لأن يعاد بناء الدولة الليبية وخاصة في ظل توفر الإمكانات المالية التي كانت في صورة أموال وودائع تركها النظام السابق وكان متوقعا ان تتعافى ليبيا خلال فترة أقصاها سنتين وذلك في حال توفر النية الصادقة والإرادة الوطنية من خلال نخبة وطنية فاعلة تتولى مقاليد الأمور وإدارة المرحلة.

لكن وبكل اسف لم يحدث ما كان مؤملا من الليبيين ، الذين بمجرد سقوط النظام انقسموا على انفسهم انقساما خطيرا، فسار كل رهط في اتجاه وترتب عن ذلك اللجوء الى التسلح وإعادة التموضع العسكري لكل الفئات التي كانت تحارب القذافي واتضح جليا ان ما كان يوحدهم هو نظام القذافي نفسه حيث التقت مصالحهم في الإطاحة به أولا، وان عقائد وتوجهات الفرقاء كانت مختلفة ومتباعدة بحدود يصعب احتوائها فمنهم من كانت اجندته قبلية صرفة ومبتغاه ان تطغى قبيلته وتستحوذ على كل شيء من تركة الدولة الليبية واخرون كانت اجندتهم جهوية تستهدف ان تكون منطقتهم هي المسيطرة على الحكم في البلد وغيرهم ممن اتخذوا الدين ستارا فكانت عقيدتهم متطرفة وتقتضي قيام الدولة الإسلامية حسب رؤيتهم بمسمياتها المختلفة (الخلافة- الامارة- الدولة)

وأمام ذلك الوضع المفرط في التشظي والانقسام كان المجال مفتوحا لنشوء ونشاط العصابات الاجرامية الجنائية التي اتخذت من توفر السلاح وامتلاكه وسيلة لتنفيذ جرائمها في رابعة النهار دون خوف او وجل في غياب شبه كامل لسلطة الدولة الرادعة التي تم تذويبها وبدعم غير مباشر من أصحاب الاجندات الدينية والجهوية الذين يرون في عودة منظومة الامن المتمثلة في الأجهزة المختلفة من استخبارات وجيش وشرطة يرون فيها انهاء لدورهم ومصادرة لنفوذهم وسلطاتهم والتي لم يشاؤوا التخلي عنها بما حققته لهم من مكاسب مادية ومواقع سلطوية! الامر الذي زاد من تعقيدات الوضع الليبي الأمنية والاقتصادية والسياسية.

وامام ذلك الوضع المزري فقدت الدولة الليبية كيانها وحضورها وهيبتها وتلاشت مؤسساتها مما جعلها تدخل في سياق الدولة الفاشلة خاصة وان مدة 5 سنوات كانت كافية لتحقيق على الأقل الحد الأدنى من صورة الدولة الامر الذي جعل العالم المراقب عن قرب يدرك بجلاء انه قد فقدت السيطرة على ليبيا امنيا وان أهلها ثبت عجزهم الواضح عن ادارتها وحكمها مما يتطلب تدخلا دوليا اصبح ضروريا لحسم الأمور وارجاع ما يمكن ارجاعه وهو ما تطلب رعاية دولية لحوار الأطراف المتصارعة  وما ترتب عنه من اتفاق في بلدة الصخيرات المغربية بعد مشار ماراثوني امتد لأكثر من سنة.

واليوم ها هي ليبيا محط انظار الدول الكبرى وحلف الناتو وعيون الاوربيين وقلوبهم ترقب وضعها مطلع كل صبح جديد بعد ان تمكن ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية من بسط سيطرتهم على سرت المدينة ويتمدد حولها وهي تتوسط في موقعها أيضا التراب الليبي كله الامر الذي حسس الغرب بأنهم على مقربة من خط الإرهاب الذي قد يستهدفهم بالإضافة الى خطر الهجرة القادمة من افريقيا والتي أصبحت تشكل هاجسا يؤرق الاوربيين.

هذه العوامل مجتمعة جعلت الدول الكبرى والاوربيين يقررون التدخل في ليبيا ويرفعون سقفه من مجرد تدخل ساسي الى حتى تدخل عسكري بالمفهوم الشامل ، والآن تبدو المسألة محسومة فكل السيناريوهات والخطط قد تم اعتمادها والاتفاق عليها وينتظرون فقط المصادقة على حكومة الوفاق الموعودة ولأنهم قد تمكنوا من جر اطراف الصراع الليبي على التوقيع على الاتفاق السياسي ونشوء المجلس الرئاسي فالأمر اصبح اكثر نضوجا وماهي الا أسابيع وتكون ليبيا ارضا لمعركة جديدة بين الغرب وداعش وبين الغرب ومهربي البشر في عملية عسكرية مزدوجة ومترافقة.. الليبيون اما ان يستثمروا هذه المعركة التي ستجري على ارضهم من خلال توافقهم واتفاقهم على حكومة واحدة موحدة او انهم سيجدون أنفسهم بعد حين منقسمين على اقل تقدير في دولتين ان لم يكونوا أكثر من ذلك!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً