تواصلت موجة الاحتجاجات العنيفة في مدينة لوس أنجلوس لليوم الثالث على التوالي، بعد حملة أمنية شرسة قادتها قوات الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) في وسط المدينة، تحولت إلى مواجهات دامية مع المتظاهرين الذين أغلقوا الطرق وأشعلوا النيران في مركبات، ما دفع الإدارة الفيدرالية إلى نشر آلاف من عناصر الحرس الوطني في محاولة لاحتواء “الاضطرابات الخطيرة” التي أثارتها عمليات الترحيل المكثفة للمهاجرين غير الشرعيين.
وبدأت المواجهات الحادة يوم الجمعة 7 يونيو عندما نفذت قوات الهجرة مداهمات واسعة في قلب لوس أنجلوس، ما أشعل غضب السكان المحليين والمهاجرين، الذين ردوا بتظاهرات وتحركات تصاعدت لتشمل إضرام النار في سيارات ذاتية القيادة وقطع شوارع رئيسية، وأدت إلى استنفار أمني غير مسبوق. الشرطة ردت بقنابل صوتية وغاز مسيل للدموع، بينما تمركز الحرس الوطني أمام المباني الفدرالية والمراكز الحيوية، مما زاد من حدة الأزمة وسط انتقادات محلية واسعة.
وفي خضم هذه الاضطرابات، أصيب شرطيان بجروح إثر تعرضهما للدهس بواسطة دراجة نارية حاولت اختراق الحواجز الأمنية، فيما تم اعتقال 27 متظاهراً على الأقل، بحسب ما أعلن رئيس شرطة لوس أنجلوس جيم ماكدونيل.
وقال في مؤتمر صحفي إن من بين المعتقلين من حاول إلقاء زجاجات حارقة، ومن شارك في عمليات شغب على الطرق السريعة، بينما تم تصنيف وسط المدينة بأكمله كمنطقة “تجمع غير قانوني” بعد استمرار الاشتباكات لثلاثة أيام متواصلة.
ولم تخل الأزمة من لحظات خطيرة، إذ تعرضت المراسلة لورين توماسي من قناة “9News” الأسترالية لإصابة في ساقها جراء إطلاق قذيفة مطاطية من الشرطة أثناء تغطيتها للأحداث، كما أثار رفع علم الاتحاد السوفيتي خلال مظاهرة في سان فرانسيسكو جدلاً واسعاً كرمز احتجاجي على سياسات الإدارة الأمريكية الحالية، وشهدت سان فرانسيسكو بدورها مواجهات واعتقالات لما يقارب 60 شخصًا إثر تصعيد العنف في التظاهرات.
ردود الفعل السياسية كانت حادة، حيث هدد حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم بوقف دفع الضرائب الفيدرالية احتجاجاً على سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الولاية، خاصة في ظل خفض التمويل الفيدرالي والإجراءات القمعية.
من جهته، أعلن الرئيس دونالد ترامب توجيه أوامر لوزارات الأمن الداخلي والدفاع والعدل باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لـ«تحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين»، مهدداً بتفعيل “قانون التمرد” لنشر القوات المسلحة الفيدرالية وإعادة “القانون والنظام” إلى المدينة، ووصف المتظاهرين بـ”المتمردين المأجورين” الذين يهاجمون عملاء الحكومة الفيدرالية.
وعلى المستوى الدولي، أعربت رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم عن دعمها للمهاجرين، معتبرة إياهم “رجالاً ونساء نزيهين يبحثون عن حياة أفضل”، في حين حذر حقوقيون من تصاعد العنف واستخدام القوة المفرطة، مؤكدين أن المشهد يعكس استعراضًا سياسيًا في عام انتخابي حاسم.
بدوره، وصف البرلماني الروسي أليكسي بوشكوف ما يحدث في لوس أنجلوس بأنه “بداية حرب أهلية”، ما يعكس تصاعد التوترات إلى مستويات خطيرة.
وفي موقف نادر، استنكر حكام 22 ولاية أمريكية قرار ترامب نشر الحرس الوطني في كاليفورنيا دون تنسيق مسبق، معتبرين الأمر “تجاوزاً للسلطات” و”إجراءً غير فعال وخطير”، مؤكدين دعمهم لحاكم الولاية في مواجهة ما وصفوه بـ”التدخل الفيدرالي الفوضوي”.
من جانبها، انتقدت نائبة الرئيس السابق كامالا هاريس سياسات ترامب في الهجرة والتعامل مع المتظاهرين، ووصفتها بأنها “جزء من أجندة قاسية تهدف إلى نشر الذعر والانقسام”، مؤكدة أن الاحتجاج هو “أداة أساسية في النضال من أجل العدالة”.
هذا المشهد الساخن يعكس انقسامات عميقة في المجتمع الأمريكي حول قضية الهجرة وحقوق المهاجرين، وسط تصاعد المواجهات التي باتت تهدد الاستقرار في واحدة من أكبر مدن البلاد، في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لخوض انتخابات رئاسية حاسمة.
اترك تعليقاً