لم تعد شبكة الإنترنت حبيسة المكاتب أو الغرف المغلقة، بل أصبحت لها أرجل و”إطارات” وصارت تتجول في الطرقات، وباتت “إطاراتها” تحدث الصرير عند التقاطعات وشارات المرور.
السيارات من الفئات الجديدة استفادت من الإمكانات الهائلة التي تتيحها شبكة الانترنت، وصار السائقون يستطيعون بواسطتها الوصول إلى أي شيء، بدءاً من تقارير عن حركة السير، إلى استقبال رسائل البريد الإلكتروني الصوتية وألعاب الفيديو، وتهدف تلك التقنيات التي أصبحت تزود بها السيارات إلى توفير الأمن والسلامة في الطرقات.
وأوردت تقارير حديثة أن قائد السيارة الحديثة صار بمقدوره التعرف على بُعد المدن عن طرق المرور السريع، ومواقع محطات الوقود، بل أسهمت هذه التقنيات التي تزود بها السيارات في جعل السائقين يستكشفون خريطة الطريق.
ومن أحدث التقنيات التي زودت بها الشاحنات نظام تراسل صوتي عن بُعد، عبارة عن وحدة اتصال لاسلكية ثنائية الاتجاه، موصولة بالإنترنت وبنظام تحديد المواقع الأرضية “جي بي ار اس”، تمكن السائق بمجرد الضغط على زر في لوحة القيادة ويقول “وقود”، فيجيبه بعد برهة صوت آلي يقرأ عليه بصوت مرتفع لائحة بمحطات الوقود القريبة، بما في ذلك العلامات التجارية للوقود المتوفر، ويُعد كل محطة، وحتى سعر جالون الوقود العادي والخالي من الرصاص.
بل يستطيع النظام توجيه السائق لاختيار محطة الوقود حسب بطاقة الائتمان التي يملكها، حتى ولو كانت بعيدة، وأن الوقود في سيارته يمكنه من بلوغها، ويحدد له الطرق واتجاهات القيادة اللازمة للوصول إليها.
ويبشر خبراء السيارات بأن هذا السيناريو العجيب سيصبح مألوفًا، عاجلاً أو آجلاً، بسبب ازدياد التطبيقات المتطورة لتقنية التراسل من بُعد المستخدمة في الآليات والطرق.
ويقول خبراء في صناعة السيارات إنه مثلما غزت المعالجات الميكروية “الصغرية” المركبات خلال العقد المنصرم، سيحدث تحول مشابه ومطرد نحو التراسل من بُعد ما دامت المعدات المطلوبة ستوضع في السيارات والشاحنات الجديدة في السنوات القليلة المقبلة.
الزبون المرهف
المرسل والمستقبل اللاسلكيان، والهوائي، والإمكانات الأساسية في تعرف الأصوات وتحويل النصوص إلى كلام، والوحدة النموذجية لنظام تحديد المواقع الأرضية، تعتبر كل المتطلبات التي يجب وضعها في السيارة لدعم ما تسميه الصناعة خدمة تراسل “الزبون المرهف”، وهي مجموعة السمات الأساسية في الاتصالات الخلوية.
وعلى الرغم من أن حزمة الخدمات بسيطة نسبياً، وأنه لا مناص من اللجوء إليها، فإن على الصناعة أن تتصدى بسرعة للمشكلات الكامنة والمعقدة المتعلقة بالسلامة الخصوصية التي تسببها هذه التقنية.
يستند مبدأ التراسل من بُعد في المركبات، إلى مفهوم أن السائقين حالياً يطلبون وصولاً مباشراً إلى خدمات السلامة والتجول والخدمات الملائمة الأخرى، إضافة إلى برامج التسلية، في أي زمان وأي مكان.
ومن المتوقع أن تغير هذه التقنيات الحديثة على نحو أساسي الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع السيارات.
إن خدمات السلامة والأمان اللاسلكية في المركبات “مثل النجدة على الطرق في الحالات الطارئة، والإعلام آلياً في حالات التصادم، وفك أقفال الأبواب ألياً”، صارت مألوفة أكثر لجمهور السائقين.
وتقدم هذه الخدمات من قبل شركة مرسيدس بنز ومن شركة بي.إم.دبليو، وخصوصاً “نيفر لوست” من شركة هرتز، إضافة إلى خدمة شركة أونستار.
وقد بدأ المشتركون في الخدمات الأساسية للتراسل من بُعد بالاستفادة من خدمات أكثر تطوراً، مثل رسائل البريد الإلكتروني الصوتية، والموسيقى الرقمية، والتقارير المفصلة عن حركة المرور، وآخر أخبار الطقس، إضافة إلى الأخبار بحسب الطلب والأنباء الرياضية وتقارير أسواق الأسهم.
وأصبح سائقو السيارات الفخمة معتادين على استخدام لوحات قيادة، تتضمن شاشات السائل البلوري “ال سي دي” الملونة، التي تعرض خرائط التجول أو خدمات أخرى تفيد السائق.
يقول الخبراء: لقد وزعت شركة أونستار 10 ملايين خدمة تأثرية للعملاء خلال خمس سنوات، وتوجد خدمات أونستار في كل سيارة من أربع سيارات من صنع شركة جنرال موتورز، أي ما يوازي خمسة آلاف مشترك جديد كل يوم.
وستعرض خدمات أونستار من قبل العديد من شركات السيارات الأخرى مثل: “أكيورا، أودي، هوندا، لكزس، ساب، وسوباو”، وستكون هذه الخدمات الأساسية مجانية خلال الأثني عشر شهراً الأولى، ثم تصبح تكلفتها 199 دولاراً في السنة، أي ما يوازي تقريباً تكلفة اقتناء هاتف خلوي في السيارة.
ويعمل المهندسون على إيجاد سبل تجنبهم وضع شاشات العرض في لوحة القيادة، لأن هذه الشاشات سرعان ما تتقادم مع وصول تقنية جديدة تجمع جهاز المساعدة الرقمية الشخصية للسائق مع منظومة المركبة بواسطة مقبض تحكم موصول مركزياً، يعمل كواجهة بصرية.
كما يمكنه أن ينقل آليا إلى المركبة معلومات شخصية خاصة بالسائق مثل “نوعية الوقود، أسماء المطاعم المفضلة لديه، إعدادات وضعية المقعد في المركبة”، وكذلك لائحة بالطرق التي يسلكها يومياً من المدينة وإليها، وجدول الأعمال اليومية.
وعلى الرغم من أن خدمات التراسل من بُعد في أشكالها البسيطة ليست جديدة، فموجات الراديو والإذاعات والهواتف الخلوية موجودة في محيطنا منذ فترة، يشير المستقبل إلى أن التكامل بين السيارة والمجتمع سيزيد إلى حد لم يحدث من قبل.
فبمجرد أن تصبح المركبة “موصولة” لإرسال واستقبال المعلومات، ستنتشر بواسطتها الخدمات والمنتجات الأخرى عبر هذه الإشارات. وقد يشتري أو يستأجر المستهلكون مركبة جديدة كل بضع سنوات في أحسن الحالات.
شركات صناعة السيارات، مثل جنرال موتورز وتويوتا ودايملر كريسلر وفورد وبيجو وستروين، تنفق مبالغ طائلة لتأسيس بنية تحتية خاصة بالتراسل من بُعد. كما أن موردي معدات التراسل من بُعد، مثل دلفي وسمنز وبوش وفستيون وجونسون كنترولز، يعملون بجد أيضا لتحقيق هذا الحلم.
في الوقت نفسه تدخل إلى السوق شركات أخرى، مثل مايكروسوفت وموتورولا وكلاريون ووستودون وإي تي إكس تكنولوجيز.
في ذات الوقت، ما زالت العديد من مشكلات السلامة والتنظيم والخصوصية والمسئولية القانونية المتعلقة بالتراسل من بعد تحتاج إلى إيجاد حلول. ويعتقد البعض أن هذا الأمر ليس سيئاً بالضرورة، لأن هذه الخدمات ما زالت في بداية تطورها.
خدمات التراسل
إن لدى صناعة خدمات التراسل من بعد الآن فرصة للتكتل والتباحث مع الحكومات، للتأكد من أن الفوائد الكبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي التي تستطيع أن تقدمها خدمات التراسل من بعد، لن تعيقها الحاجة إلى الحفاظ على السلامة والخصوصية وغيرهما. وما زال أمام التقييس التقني لنظم التراسل من بُعد الوقت الكافي لكي يوضع موضع التنفيذ.
فالمشروعات المشتركة، مثل شركة واجهات المتعددة الوسائط للمركبات “وهي تنظيم لوضع معايير عامة للتطبيقات الصناعية الكبيرة” تستطيع أن تعزز تطوير مواصفات البنية المفتوحة لنظم المعلومات هذه.
ويقرر التقنيون أنه جرى إنشاء ثلاث أسواق فرعية مختلفة للتراسل من بُعد: الأول سوق “المقعد الأمامي”، ويتعلق بالسلامة والأمان، والسمات الملائمة التي تسهل القيادة عن طريق تأمين المساعدة عند الحاجة ويعتبر التقرير المفصل حسب الطلب عن حالة المرور مثالاً على خدمة المقعد الأمامي.
فعندما يرى السائق ازدحام سير في الطريق الذي يسلكه، يستطيع نظام التراسل من بُعد أن يؤمن له مباشرة طرقًا بديلة مفتوحة، لكن ـ ولاعتبارات تتعلق بالسلامة ـ ليس من الواضح بعد إلى أي درجة يجب أن تتوفر بعض الخدمات الإنتاجية، مثل خدمات البنك الإلكترونية وخدمات أسعار الأسهم والبريد الإلكتروني الصوتي، لشاغلي المقعد الأمامي.
أما السوق الثانية سوق “المقعد الخلفي” فستكون أساساً من عروض التسلية، بما في ذلك الألعاب التأثيرية بحسب الطلب، وخدمات الموسيقى والأفلام والفيديو الرقمية. وعلى سبيل المثال ستسمح خدمات المقعد الخلفي للسائقين بتحميل “تنزيل” منتجات الترفيه بهدف الحفاظ على انشغال الأطفال بها في أثناء الرحلات الطويلة.
وتخصص السوق الثالثة للمحرك والتطبيقات الميكانيكية الأخرى، وسيستخدم البيانات التي تجمعها الحاسبات المحمولة في المركبة لتأمين أدوات مثل التشخيص من بعد، وترقية البرمجيات، والطب “الذكي” لقطع الغيار، كما تسمح هذه التقنية لصانعي السيارات والوكلاء بأن ينبهوا سائقاً عندما يكون هناك خلل في وظائف محركه، وسيكون بإمكانها كذلك أن تعيد موالفة المحرك عندما تكون السيارة متوقفة في المرآب في وقت متأخر من الليل.(وكالة الصحافة العربية)
اترك تعليقاً