تعليق على مشروع الميثاق الوطني المقترح

تعليق على مشروع الميثاق الوطني المقترح

د. جمعة الزريقي

مستشار سابق بالمحكمة العليا

تحت شعار “حوار وطني من أجل ليبيا دولة حرة ذات سيادة” انعقد ملتقى الحوار الوطني في مدينة طرابلس، وبعد الديباجة التي تصدر بها الميثاق ورد فيها (عليه يتحتم علينا أن نوحد جهودنا لتحقيق غاياتنا العليا) ثم أشار إلى تقديم مشروع ينقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب، وينقذ ليبيا من التفكك والانقسام، يلي ذلك المبادئ العامة، ويتأسس الميثاق الوطني على خمسة مبادئ رئيسية، وهي: الهُوية الوطنية الليبية، حقوق المواطنة، ممارسة الديمقراطية، الأمن القومي، التنمية الشاملة المستدامة.

ثم شرع البيان في تفصيل تلك المبادئ في نقاط محددة واضحة في حد ذاتها ولا تحتاج إلى بيان، وانتهى البيان بأنه تم بحمد الله تحريره بعد المراجعة والتدقيق وإضافة الملاحظات المهمة بإشراف أعضاء لجنة إعداد الميثاق الوطني الدكتور علي محمد الصلابي، وأخرون.

أهم الملاحظات على مشروع الميثاق:

1 – جاءت صيغته مختصرة جدا لا تتضمن كل الحقوق التي يجب النص عليها في الميثاق الوطني، منها على سبيل المثال لا الحصر المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية، وهي من أهم الآمال التي ينتظر الشعب تحقيقها.

2 – الذين التقوا واجتمعوا لإقرار هذا الميثاق شرعوا في هدم ما تم الاتفاق عليه من قبل الشعب الليبي، فبتاريخ 15 ربيع الثاني 1433هـ الموافق 8 مارس2012م اجتمع أكثر من أربعة آلاف مواطن ليبي من كل أصقاع ليبيا في مدينة مصراتة وأقروا الميثاق الوطني الليبي تحت شعار (ليبيا وطننا يسع الجميع) وهذا الميثاق شارك فيه مجموعة من المواطنين من كافة أصنافهم، وأغلبهم أساتذة في الجامعات والمعاهد الليبية، وقدموا العديد من الدراسات والبحوث وصلت إلى أكثر من سبعين بحثاً، قامت بدراستها لجنة علمية، وهم أساتذة من النسيج الوطني ومؤسسات المجتمع المدني، اختارت أكثر من ثلاثين بحثاً في كافة التخصصات، تمت طباعتها  في قرص مضغوط.

3 – شكلت لجنة تتكون من أساتذة في الجامعة ومحامين وحقوقيين وصحافيين وغيرهم، تولت صياغة المبادئ الخاصة بالميثاق الوطني، وتمت مراجعة التوصيات والصياغة النهائية من عدة علماء متخصصين في القانون واللغة العربية والمبادئ الدستورية.

4 – لم يأت ذلك الميثاق صدفة أو تم إعداده في عدة أيام، بل استغرق ذلك العمل أكثر من أربعة أشهر، تخللها عدة اجتماعات لكافة اللجان حتى وصلت إلى الصياغة النهائية للميثاق، كان آخرها الاجتماع العام الذي ضم أكثر من أربعة آلاف مواطن ليبي من كافة أنحاء ليبيا، والقوائم موجودة لمن يريد الاطلاع عليها أو التحقق منها.

5 – حضر خلال الحفل الختام وإعلان المبادئ سعادة المستشار الأستاذ مصطفى عبد الجليل ومعه بعض الوزراء والمسؤولين، وقد اطلع على الميثاق الوطني بالكامل، وبعد افتتاح الحفل، صعد إلى المنصة، وقبل أن يُلقي كلمته التفت إليّ وقال لي حرفيا: “هذا دستور ليبيا القادم” فأجبته على الفور “أتمنى أن يقتبس منه المشرع الدستوري ما يفيد ليبيا” وانتهى الاجتماع العام بالتصفيق الحاد من كافة المواطنين الحاضرين، مع تبادل التهاني والعناق.

6 – صدر الميثاق الوطني الليبي بمقدمة جاءت في أربع صفحات، نصت فقرتها الأولى على ما يلي: (إن الشعب الليبي العظيم، الذي عانق الحياة، وناضل خلال تاريخه الطويل ضد الظلم والطغيان، وكافح الاحتلال الأجنبي الذي قدم من أصقاع أخرى، فكان يخرج في كل مرة منتصرا موحدا، ويعود قويا متماسكا وقد تشكل هذا الشعب من أعراق وأجناس انصهرت في لحمة واحدة، تزداد تماسكا مع مرور الزمن، وقد أنعم الله على سكانه بالإسلام فدخوا فيه أفواجا وتشربوا ثقافته الأصيلة، وتبنوا قيمه العالية، وساهمت حواضره الممتدة على مساحة ليبيا الشاسعة في الحضارة الإسلامية، منذ أن دخلها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعون من بعدهم، فاستنارت بهديهم البلاد، واستفادت من علومهم، وأضحت مثوى لهم، وقبورهم ما تزال شاهدة على ذلك الحضور الفاعل المتفاعل.

7 – ضم الميثاق الوطني الليبي، عشرين بابا، في كل باب عدة مواد مرقمة (فقرات) جاءت على النحو التالي:

الباب الأول: المبادئ الأساسية، وتضم ست مواد.

الباب الثاني: نظام الحكم، (خمس مواد) نصت المادة الأولى منها على: (ليبيا دولة مدنية ديمقراطية برلمانية، ذات تعددية حزبية تقوم على أساس المواطنة والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وفقا لما ينص عليه الدستور، يتمتع فيها المواطن بكافة حقوقه، كما يتمتع فيها الإنسان المقيم بالحقوق التي يكفلها القانون) يلي ذلك بقية الفقرات وعددها خمسة.

الباب الثالث: التعددية السياسية، ويضم مقدمة وثمان مواد.

الباب الرابع: الحقوق والحريات، ويضم تسع مواد.

الباب الخامس: سيادة القانون ويضم ست مواد، منها الفقرة الخامسة التي تنص على (تتأكد سيادة القانون من خلال مبدأ الرقابة الدستورية، وتفعيل دور المحكمة العليا في ذلك، ومنحها مهمة تفسير الدستور والقوانين؛ فيما يُحيله إليها البرلمان ورئاسة الدولة والوزراء، والفصل في المنازعات الانتخابية).

الباب السادس: استقلال القضاء ويضم سبع مواد.

الباب السابع: حماية الوطن، ويضم ست مواد، نصت على تكوين جيش وطني قوي، وأن يتم بناؤه على عقيدة وأسس سليمة أساسها الولاء للوطن، وتكون مهمته حماية البلاد وحدودها والدفاع عنها عند الاعتداء.

الباب الثامن: الجانب الاجتماعي والثقافي، ويضم سبع مواد.

الباب التاسع: التربية والتعليم، ويضم سبع مواد.

الباب العاشر: الرعاية الصحية، ويضم سبع مواد.

الباب الحادي عشر: البيئة والتنمية المستدامة، ويضم اثنتي عشرة مادة.

الباب الثاني عشر: المجال الاقتصادي ويضم ثمان مواد.

الباب الثالث عشر: الدين والعقيدة، ويضم ست مواد.

الباب الرابع عشر: المساجد والأوقاف والزوايا، ويضم خمس مواد.

الباب الخامس عشر: مكونات المجتمع المدني، ويضم ست مواد.

الباب السادس عشر: الشفافية، ويضم ست مواد.

الباب السابع عشر: العدالة الانتقالية، ويضم سبع مواد.

الباب الثامن عشر: المصالحة الوطنية، ويضم سبع مواد.

الباب التاسع عشر: المرأة الليبية (رفيقة الشهداء) ويضم سبع مواد.

الباب العشرون: العلاقات الدولية، ويضم سبع مواد.

الخاتمة

مجموع المواد التي صيغت في شكل فقرات 186 مادة، مائة وست وثمانون مادة.

خلاصة الرأي: إن ما صدر عن [ملتقى الحوار الوطني الليبي] مؤخرا لا يماثل ما صدر عن الميثاق الوطني الليبي الذي قرر سنة 2012م، ولا يساوي ما صدر عن الميثاق المذكور في أغلب أركانه ومكوناته، ويبدو أن الذين اجتمعوا ووضعوا مشروع الميثاق ليس لهم اطلاع على ما قام به الشعب الليبي عندما كانت اللحمة الوطنية في أوج قوتها وقمة نضالها الكبير، فصدر الميثاق الوطني سنة 2012م على النحو السابق، الذي يتكون من عشرين بابا في مائة وست وثمانين فقرة (مادة) فكان الأجدر بهم أن يعتمدوا ما صدر سابقا أو يعدلوا فيه إن لزم الأمر، ولكن الهدم سهل، والبناء صعب، وانطبق علينا قول الله تعالى {كلما دخلت أمة لعنت أختها} الأعراف 38.

والأجدر للشعب الليبي تطبيق ما ورد في الميثاق الوطني الليبي الذي صدر سنة 2012م، وهو شامل كل ما تتطلب البلاد من تنظيم في كافة السلطات وما يتضمنه من حقوق للمواطن والمقيم، وكفالة دستورية عن طريق الرقابة القضائية، وتنظيم قضائي وإداري شامل، ونأمل أن يتم الأخذ به، أو الاستعانة بما ورد فيه إذ أريد للبلاد أن تتخلص مما هي فيه، والله المستعان.

=================================================

مرفق نص الميثاق بالكامل

مصراتة، الجمعة 25 شعبان 1444هـ الموافق 17 مارس 2023م

النص النهائي للميثاق الوطني الليبي

مؤتمر الميثاق الوطني مصراتة 7 – 8 مارس 2012م

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} الرعد: 20

الميثاق الوطني الليبي

ليبيا وطننا يسع الجميع

إن الشعب الليبي العظيم، الذي عانق الحياة، وناضل خلال تاريخه الطويل ضد الظلم والطغيان، وكافح الاحتلال الأجنبي الذي قدم من أصقاع أخرى، فكان يخرج في كل مرة منتصرا موحدا، ويعود قويا متماسكا، وقد تشكل هذا الشعب من أعراق وأجناس انصهرت في لحمة واحدة، تزداد تماسكا مع مرور الزمن وقد أنعم الله على سكانه بالإسلام فدخلوا فيه أفواجا، وتشربوا ثقافته الأصيلة وتبنوا قيمه العالية، وساهمت حواضره الممتدة على مساحة ليبيا الشاسعة في الحضارة الإسلامية، منذ أن دخلها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون من بعدهم، فاستنارت بهديهم البلاد، واستفادت من علومهم، وأضحت مثوى لهم، وقبورهم ما تزال شاهدة على ذلك الحضور الفاعل المتفاعل.

وقد شهد العصر الحديث الغزو الإيطالي الغاشم لبلادنا، وأعقبته سيطرة أجنبية قسمت البلاد، غير أن الليبيين الذين جاهدوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل الحرية قاوموا الحماية السياسية والتقسيم في الداخل والخارج من أجل الاستقلال التام تحت راية واحدة، فتكلل كفاحهم بإعلان دولة ليبيا الحرة المستقلة ذات السيادة في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر سنة 1951م، وأختار الليبيون النظام الملكي الدستوري بقيادة الملك إدريس السنوسي رحمه الله، وتم وضع الدستور، وأقيمت المؤسسات السياسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية مع مراعاة الفصل بين السلطات، وفق نظام برلماني منتخب من الشعب، وبدأت مرحلة نشطة وواعدة من البناء على كل المستويات، وبدأ التطور بخطوات سريعة.

وبعد عقدين من الزمان تقريبا، أي سنة 1969م، قامت فئة من ضباط الجيش الليبي بانقلاب عسكري ضد النظام الملكي تحت شعارات براقة، منها تحرير البلاد من القواعد العسكرية، وإقامة الوحدة العربية، وتوزيع الثروة على المواطنين، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن هذه الشعارات لم تتحقق بالشكل الذي يخدم مصلحة ليبيا ومواطنيها، واستمرت تلك الفئة تحكم البلاد بواسطة مجلس عسكري لعدة سنوات، ولم تحقق ما وعدت به من عودة البلاد إلى النظام الديمقراطي الذي كان سائدا، وتسليم السلطة للشعب الليبي، فوقع الاختلاف بينهم وقام أحدهم بالاستيلاء على الحكم، فأبعد زملاءه الذين وقفوا ضده، بالقتل تارة والنفي تارة أخرى، وعمل على ترسيخ الفساد والاستبداد، وعطل عجلة التنمية وأضعف أهم عواملها، وهو التعليم والصحة والاقتصاد، دون أن ينحاز إلى الشعب الذي كان ينتظر المزيد من النهضة والتقدم.

استبد ذلك الظالم وحده بحكم البلاد، فجعلها مزرعة له ولأولاده، وفرض عليها نظامه الديكتاتوري المستبد، وأصبح يطلق الشعارات البراقة التي اتضح مع مرور الزمان أنها جوفاء لا فائدة من ورائها، وجعل من فكره وآرائه العقيمة المحور الأساس في التعليم، والتسيير الإداري، وسخر وسائل الثقافة والإعلام لترويج ذلك الفكر، وزج بالشعب الليبي في حروب خاسرة، ومغامرات مجنونة في العديد من المناطق، فأصبحت بلادنا رمزا للإرهاب، وترك الشعب يعاني من أعداء الإنسانية الثلاثة الفقر والمرض والجهل، في الوقت الذي يقوم فيه الطاغية وأولاده بالإنفاق على ملذاتهم في كل مكان، مع ثلة قليلة من أعوانهم على هذا الظلم والفساد.

ولم يقتصر الأمر على هذا، بل حارب النظامُ كل من رفع صوته ضد ذلك الظلم والفساد، أو طالب بالحرية والعدالة، أو بالتعددية السياسية وبالانفتاح على العالم، وجعل أقصى العقوبة لكل من فكرَ أو قام بأي محاولة لتكوين تنظيمات سياسية، أو نقابة ترعى الحقوق وتدافع عن المظلومين، وأقام المشانق لقتل أفراد الشعب دون محاكمة قانونية، وقام بالتصفية الجسدية لعدد من المعارضين الليبيين خارج البلاد، وزج بكل مواطن شريف عبر عن تطلعه إلى قيام دولة العدالة وسيادة القانون في غياهب السجون دون عرضه على القضاء أو التحقيق معه.

لكن الشعب الليبي الذي صقلته التجارب، وعركته الحياة بمصائبها وعقباتها وهي كثيرة في تاريخه النضالي، كان يخرج منها منتصرا ومنتصب القامة في كل مرة، يصبر على الأذى، ولكنه لا ينسى واجب مقاومته وضرورة إزالته وإن طال الزمن، يتحمل في صمت لا ليستكين، ولكنه يرى أن الصبر دليل الإيمان بربه، حتى جاءت ساعة النصر، مصداقا لقوله تعالى: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} (الروم : 47) وهي لحظة الخلاص الإلهية للشعب الليبي في 17 فبراير 2011 حيث هب شبابه وشيوخه وأحراره وحرائره في وجه الطاغية وأعلنوها ثورة مدوية، مطلبها الحرية، وهدفها إسقاط النظام المستبد، وأن ليبيا وحدة واحدة، بدأها سلمية في شكل مظاهرات ترفع الشعارات، إلا أن مجرم العصر واجهها بالقتل والسحق باستعمال أقوى أنواع الأسلحة الفتاكة التي ما كان يخزنها ليحرر بها فلسطين أو يدافع بها عن ليبيا، ولكن ليكبت بها أفواه طلاب الحرية من أبناء شعبه، واستخدم لهذا الغرض عناصره الموالية له، واستجلب مرتزقة من أجل ذلك، ولكن إرادة الله تعالى، وقوة ثوار ليبيا، وشدة إيمانهم بالله وصمود شعبهم، ووقوف العالم معه، كانت الحائل دون تحقيق غرضه فاستطاع الشعب أن يقهر الطاغية وأعوانه، ويعطي دروسا بليغة لكل شعوب الأرض ولحكامها، مفادها أن الشعوب لا تقهر، ومصداقها: (وإن ينصركم الله فلا غالب لكم) (آل عمران: 160).

لقد مرت بلادنا بفترة عصيبة من تاريخها تمثلت في قيام طاغية العصر بطمس تاريخ ليبيا السابق في محاولة للقضاء على ما حققه الشعب من مكتسبات خلال فترة الاستقلال، وتحطيم القيم والأخلاق والمبادئ السمحة التي كانت تعم مجتمعنا الليبي، وإهداره الحقوق العامة، وزرع بذور الفتنة والصراع في نسيج الشعب الواحد، وأفسد النظام الاقتصادي الحر الذي كان سائدا، ولم يعتنق  نظرية اقتصادية معروفة، بل كانت خليطا من أفكار غير مستقرة، وهي عرضة للتغيير وفق مزاج الطاغية.

لم يقتصر الفساد على النواحي الاجتماعية والاقتصادية، بل امتد إلى كافة مرافق الدولة، كأجهزة القضاء، حيث لجأ النظام إلى القضاء الاستثنائي، يختار له من القضاة من يسير وفق توجهاته، كما شمل الأجهزة الأمنية التي أصبحت تسند إلى العتاة من اللجان الثورية الذين لا يتورعون عن سفك الدماء، وهتك الأعراض، وجمع الثروات بدون حق، ناهيك عن السياسة الخارجية، وما تمثله من علاقات سيئة مع بقية شعوب العالم من خلال المؤامرات التي يدبرها النظام لكل الدول، حتى أضحىَ الليبي يخجل من الانتماء إلى ليبيا عندما يكون في الخارج.

إن كل ذلك كان مدعاة لنا للتفكير والإسراع إلى الدعوة لإقامة مؤتمر الميثاق الوطني، لصياغة مبادئ تواكب الشعارات التي نادت بها ثورة 17 فبراير والمبادئ التي عبرت عنها، والتي تتفق مع القيم التي اعتنقها الشعب الليبي والشيم التي عرف بها من خلال تاريخه النضالي الطويل وعقيدته الإسلامية ونص عليها في مواثيقه التاريخية، والانطلاق من تلك المبادئ إلى وضع معايير قيمية صالحة لتأسيس النواة لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي يسير عليه المجتمع الليبي بخطى ثابتة ورؤى واضحة، لبناء مجتمع ونظام قادرين على المنافسة والانفتاح على المحيط السياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي، ويدعو الليبيين لبناء ليبيا الجديدة، ليبيا النهضة، ليبيا الحرية والتطوير والديمقراطية والمساواة.

إن الميثاق الوطني يحمل دعوة للحوار وفق صيغة علمية صحيحة ومتطورة للحياة في ليبيا بكل جوانبها، وتحديد أولويات العمل الوطني في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع وغيرها من الأمور التي تهم المواطن الليبي وتنقله إلى مستقبله المنشود، مع الدعوة إلى تعميم هذا الميثاق ليكون بنصوصه الأخلاقية حصن أمان لكافة مكونات المجتمع المدني، فهو يضم مجموعة من المبادئ والقيم والسلوكيات الحميدة، ليكون مرجعا لبناء ليبيا الجديدة الفاضلة، نتعرف من خلاله على موقع أقدامنا، ومعالم خطواتنا المقبلة في عالم متغير من حولنا.

لقد كشفت ثورة 17 من فبراير المجيدة عن معدن الشعب الليبي الحقيقي الذي هب في كل أنحاء البلاد في ثورة تلقائية، رافعا شعار شيخ الشهداء عمر المختار “نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت”، من أجل أن يشعر كل أبناء ليبيا بالحرية التي ولدت من جديد، لذلك تنادى مجموعة من مواطني ليبيا، لا تربطهم رابطة حزبية أو قبلية، أو جهوية، ولا أيدولوجية معينة، يمثلون كافة مناطق ليبيا اتفقت إرادتهم على إعداد مشروع ميثاق وطني، تصاغ فيه المثل العليا التي آمن بها الشعب الليبي، والقيم الحضارية التي يتمتع بها، والأخلاق النبيلة التي تحلى بها في السابق والحاضر، وما عرف عنه من تماسك وتناغم وتلاحم وبذل التضحيات من أجل الوطن الحبيب، وقد وجد قدوته في حلف الفضول الذي أشاد به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي قيم ثقافتنا الإسلامية وتاريخنا المجيد.

الباب الأول: المبادئ الأساسية

(1) امتثالا لقول الله عز وجل {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء: 70) فإن الإيمان بالله، والتمسك بالدين الإسلامي، وقيمه الروحية، ومثله العليا، والتسليم بحق كل إنسان في الحياة الحرة الكريمة، والانتماء إلى الحضارة الإسلامية، المنفتحة على الحضارة الإنسانية، هي قوام هوية الشعب الليبي الوطنية، وركيزة من ركائز وحدته واستقلاله.

(2) إن المواطن الليبي يتميز بحب الوطن، والولاء لله، ثم للوطن والانتماء إلى تاريخه وحاضره ومستقبله، قبل أي انتماء آخر ويعمل على احترام حق العيش المشترك في الوطن الواحد والعيش تحت راية واحدة، ودولة واحدة، وحكم واحد، كل ذلك يشكل مفهوم المواطنة في ليبيا.

(3) ليبيا دولة واحدة، مستقلة ذات سيادة، لا تتجزأ إلى أقاليم أو ولايات، أو ما شابه ذلك من تجزئة تعيق وحدة الوطن.

(4) الإسلام هو دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، فلا يجوز إصدار أي تشريع يخالف هذه الشريعة في مصادرها الأصلية والثانوية ومقاصد التشريع قال تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها) (الجاثية : 17).

(5) اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي لغة كل الليبيين الذين يعتزون بها، كما يعتزون بلغاتهم الوطنية الأخرى، فمن يجيدونها لهم الحق في التحدث بها، وتعليمها، ونشرها بجميع وسائل الإعلام، وإنشاء مراكز ثقافية لها، مع دعمها وإسنادها باعتبارها مكونا ثقافيا وطنيا.

(6) الليبيون جميعا نسيج واحد، يربطهم الدين والدم والوطن، وهم متساوون جميعا أمام القانون، ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الأصل، أو العرق، أو الجنس، أو اللغة، أو الاتجاه المذهبي، أو الرأي السياسي، أو الوضع الاجتماعي.

الباب الثاني: نظام الحكم

(1) ليبيا دولة مدنية ديمقراطية برلمانية، ذات تعددية حزبية تقوم على أساس المواطنة والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وفقا لما ينص عليه الدستور ، يتمتع فيها المواطن بكافة حقوقه، كما يتمتع فيها الإنسان المقيم بالحقوق التي يكفلها القانون.

(2) يتم اختيار السلطة التشريعية من مواطنين أكفاء عن طريق الانتخاب الحر المباشر، امتثالا لقول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} ويجوز أن تضم المجالس التي تختص بسلطة التشريع الرجال والنساء، ويبين الدستور كيفية تشكيلها وممارسة اختصاصاتها.

(3) تتكون السلطة القضائية من المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، وفقا للنظام الذي ينص عليه الدستور على أن يتم اختيار كبار القضاة من قبل السلطة التشريعية وفق معايير علمية دقيقة وتدريب متطور، وحظر إنشاء قضاء استثنائي.

(4) يتم تكليف السلطة التنفيذية التي تتكون من رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، وكذلك أصحاب الوظائف الرئيسة العامة من قبل السلطة التشريعية دون تدخل من رئيس الدولة، ويراعى في اختيار هؤلاء الكفاءة والوطنية والإخلاص للبلاد.

(5) إن النظام الإداري الذي يرتضيه الشعب الليبي هو النظام اللامركزي وهو الذي يمكن المواطن من الحصول على حاجاته في الدائرة الإدارية التي يقيم فيها، ولا يضطره إلى قطع مسافات طويلة من أجل ذلك، وهذا يقتضي أن تكون الوحدات الإدارية قريبة منه، أما مركزية التخطيط فتكون في المكان الذي تقرره السلطة التنفيذية داخل ليبيا.

الباب الثالث: التعددية السياسية

إن المرحلة الحالية تقتضي أن تنشأ الكيانات التي تمارس النشاط السياسي في ليبيا، وفقا لقانون يصدر عن البرلمان بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، التي نص عليها الإعلان الدستوري الصادر في 3 أغسطس 2011م، ويجوز لمن أراد تشكيل أي كيان سياسي الشروع في نشر أفكاره ومبادئه على ألا يمارس ذلك النشاط إلا بعد أن تكون أوضاعه متفقة مع القانون المذكور، والذي يجب أن ينص على القواعد التالية:

(1) يتاح للمواطنين المناخ الذي يكفل لهم ممارسة حقوقهم السياسية، التي تقوم على مبدأ التعددية في الفكر والرأي والتنظيم، وتتم بطريقة التنافس الديمقراطي ووسائله المشروعة، وحفظ حقهم في تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية والانضمام لها على أن تكون غايتها مشروعة، ووسائلها سلمية، ونظمها لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، والدستور، والنظام العام والآداب العامة.

(2) يجب على التنظيمات السياسية أن تعتمد على الأسلوب الديمقراطي في اختيار قياداتها، وممارسة نشاطها في إطار الحوار، والتنافس الحر بينها وبين غيرها، ومع المؤسسات الأخرى في نطاق احترام الرأي والرأي الآخر.

(3) لا يجوز أن تشكل التنظيمات السياسية على أساس جهوي، أو قبلي، أو ديني، بل يجب أن تتاح الفرصة لكافة المواطنين الذين تتوفر فيهم القدرة على ممارسة العمل السياسي، وفقا للسياسة التي يحددها التنظيم في تحقيق الأهداف المشروعة والأفكار التي يتبناها.

(4) عدم ارتباط قيادة الحزب أو الجمعية السياسية، أو الأعضاء تنظيميا أو ماليا بأي جهة خارجية، وعدم جواز توجيه النشاط الحزبي أو التنظيمي بناء على أوامر أو توجيهات من أي دولة أو جهة أجنبية.

(5) على كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية والجمعيات الوطنية أن تعتمد على المصادر المحلية في مواردها، وأن تكون الإعانات التي تتلقاها معلنة معروفة، وتخضع للتدقيق المحاسبي والرقابة بالطريقة التي يحددها القانون.

(6) التزام أي حزب أو تنظيم أو جمعية سياسية، أو تنظيم سياسي يتولى المسؤولية الوزارية بنفسه أو مع غيره، بأن يشارك فيها بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، واعتماد الكفاءة والأهلية والشفافية والنزاهة والموضوعية، معايير أساسية لتولي الوظائف العامة، وألا يسخر الوظيفة العامة لخدمة مصالح التنظيم السياسي الذي يتبعه.

(7) لا يجوز للأحزاب والتنظيمات السياسية في تشكيلاتها ونشاطها أو في إعلاناتها، أن تستقطب رجال الجيش الوطني، أو الأمن الوطني، أو إقامة تنظيمات عسكرية، أو شبه عسكرية، بأي صورة من الصور.

(8) على كافة التنظيمات السياسية أن تمارس نشاطها داخل مقار معروفة معلنة، وعدم استخدام أملاكِ الدولة ودوائرها وأجهزتها وغيرها من المؤسسات العامة والخيرية والدينية، أو استغلالها لمصلحة أي حزب أو تنظيم، وعدم الزج بهذه المؤسسات في أي صراع سياسي أو حزبي.

الباب الرابع : الحقوق والحريات

(1) لكل إنسان يعيش فوق أرض ليبيا الحق في أن يتمتع بكافة الحقوق، التي يتمتع بها كل إنسان على وجه البسيطة والتي كفلها له الدين الإسلامي وكافة الشرائع السماوية وفقا لما ينص عليه القانون والنظام العام السائد في ليبيا.

(2) يتمتع المواطن الليبي بحق التعبير عن رأيه بالطرق السلمية وبالوسيلة التي تتيح له إيصال وجهة نظره أو فكره أو رأيه إلى الآخرين، بما في ذلك حق التظاهر، على ألا يكون في ذلك مساس بحرية الآخرين أو حقوقهم.

(3) حرية وسائل الإعلام في ليبيا ضمان أساسي لحرية الرأي، على أن تؤدي رسالتها لخدمة المجتمع وثقافته في إطار المقومات الأساسية للمجتمع الليبي وقيمه الحضارية، وعلى الدولة احترام ملكية وسائل الإعلام والطباعة والنشر، ولا يجوز إيقاف أو منع وسائل الإعلام إلا بأمر من القضاء.

(4) حق العمل متاح لكل مواطن ليبي، وهو واجب وشرف، وعلى الدولة السعي إلى توفيره لكل قادر عليه، وله الحق في تكافؤ الفرص مع الآخرين في كل المجالات، وتنظيم علاقات العمل بما يكفل العدالة للجميع، ويوفر للعمال الرعاية والأمن والسلامة العمالية، ويحق لكل مواطن اختيار العمل الذي يناسبه.

(5) لكل مواطن حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل ليبيا، وله حق مغادرة بلده والعودة إليه متى يشاء، والحصول على المستندات التي تمكنه من الخروج والدخول بالطرق القانونية.

(6) لكل مواطن الحق في حماية الدولة له داخل ليبيا وخارجها، ويتم ذلك بتوفير الأمن والعدالة التي تكفل له الحصول على حقوقه إذا تم الاعتداء عليها، وتحميه بكافة الوسائل الممكنة عندما يكون خارج ليبيا.

(7) للمواطن الليبي حق تكوين المنظمات المحلية التي تعمل على إيصال رأيه وفكره إلى الآخرين، وكذلك الجمعيات التي تدافع عن حقوقه أو توفر له حاجاته، أو التي يمارس فيها نشاطه وفقا للتنظيم الذي يرتضيه المجتمع وتنص عليه التشريعات.

(8) البيئة النظيفة أصبحت من حقوق المواطن كي يعيش فيها، لذا يجب المحافظة عليها، وحمايتها من التلوث من أجل صحة وسلامة أجيال الحاضر والمستقبل، وتأكيد التعاون والتنسيق بين المؤسسات الرسمية والهيئات الاجتماعية المتخصصة في توعية المواطنين من أجل تحقيق ذلك وسن التشريعات التي تحافظ على سلامة البيئة وأمنها.

(9) حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة في ليبيا، ولا يجوز مراقبتها أو التصنت عليها، أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية وبأمر من القضاء.

الباب الخامس: سيادة القانون

(1) إن المرحلة الحالية هي مرحلة تكوين الدولة بعد الخراب الذي حلّ بها سابقا، ولذلك يجب عدم إصدار أي تشريعات لا تقتضي ظروف المرحلة الانتقالية إصدارها، وإعادة النظر في كافة التشريعات التي تتعارض مع حرية المواطن وسلامته والمحافظة على حقوقه.

(2) إن الدولة التي تلتزم بمبدأ سيادة القانون هي التي تستمد شرعيتها وسلطاتها وفاعليتها من إرادة الشعب وعقيدته، كما تلتزم السلطات فيها بتوفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لحماية حقوق الإنسان، وصون كرامته وحرياته الأساسية، التي أرسى قواعدها الدين الإسلامي، وأكدت عليها الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات الدولة.

(3) لكي تتحقق سيادة القانون يجب أن تأخذ الدولة بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وأن يكون حق التمثيل ثابتا لكل فئات وشرائح المجتمع، وحرية الرأي وحرية التعبير مكفولة، وإذاعتها بكل الوسائل على ألا تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال وسريته، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر.

(4) لا تتحقق سيادة القانون إلا إذا التزمت كافة المؤسسات الحكومية بواجبها في التعامل مع المواطنين والهيئات، وتقديم الخدمات لهم على أساس المساواة التامة، وعدم استغلال أي جماعة أو حزب، أو تنظيم تلك المؤسسات لتحقيق أغراض سياسية أو حزبية مدنية كانت أو عسكرية.

(5) تتأكد سيادة القانون من خلال مبدأ الرقابة الدستورية، وتفعيل دور المحكمة العليا في ذلك، ومنحها مهمة تفسير الدستور والقوانين فيما يحيله إليها البرلمان ورئاسة الدولة والوزراء، والفصل في المنازعات الانتخابية.

(6) تحتاج ليبيا إلى توحيد التشريعات المتعلقة بحالتي الطوارئ والأحكام العرفية، التي وضعت في العهد الظالم وكان القصد منها حمايته من الشعب، وإصدار قانون يجعلهما خاضعتين للبرلمان فيما يتعلق بتقرير الحالة أو تمديد مدتها، مع المحافظة على أمن وسلامة المواطنين، وخضوع القرارات التي تصدر خلالهما لرقابة القضاء.

الباب السادس: استقلال القضاء

(1) لا يتحقق مبدأ استقلال القضاء إلا باستقلال كافة المحاكم والنيابات والأجهزة التابعة لمرفق العدالة عن بقية السلطات ولا يقتصر ذلك على التعيين والترقية والندب وما إليها، وإنما يتم بتأكيد الاستقلال المالي والإداري لهذه الأجهزة عن كافة مرافق الدولة، وحماية رجال القضاء بكل الوسائل التي تمكنهم من أداء عملهم.

(2) تختص السلطة القضائية بالفصل في كافة المنازعات والجرائم التي تقع داخل الدولة، وتكون لها وحدها الصلاحيات الكاملة ولا يمتد اختصاصها لما يقع من جرائم أو منازعات خارج ليبيا إلا وفقا للقانون، ومع مراعاة قواعد التحكيم، لا يجوز لأي جهة أو جماعات أو أفراد أن يتدخل في السلطة القضائية بأي شكل من الأشكال.

(3) لا يجوز أن تنشأ محاكم استثنائية في ليبيا، وإذا اسند المشرع اختصاص الفصل في بعض المنازعات إلى جهات إدارية فيجب أن يترأسها قاض متخصص، ويجب أن تخضع القرارات التي تصدرها هذه الجهات إلى رقابة القضاء.

(4) حق اللجوء للقضاء حق سماوي كفلته كافة الشرائع، وهو حق طبيعي غير قابل للتنازل عنه، ولو لم ينص عليه الدستور، ويتمتع به كل إنسان طبيعي أو شخص اعتباري يقيم في ليبيا، فلا يقبل القيام بإصدار أي تشريع أو إجراء إداري يحد من ذلك.

(5) لضمان استقلال القضاء لا بد من النص على حق كل متقاض في الاستعانة بمن يدافع عنه أمام القضاء، وأمام الجهات المختصة بالطريقة التي يراها المشرع، وإذا كان المتقاضي غير قادر فعلى الدولة أن توفر له من يقوم بذلك، كما تقوم بإعفائه من الرسوم  القضائية.

(6) يجب تبسيط إجراءات التقاضي وعدم الإغراق في الشكلية حتى يقوم القضاء بالفصل في المنازعات والجرائم بأسرع وقت ممكن، فالعدالة البطيئة من أشد أنواع الظلم.

(7) تدريب أعضاء الهيئات القضائية، وتأهيلهم بصورة دائمة يكفل صدور أحكام دقيقة وقادرة على رد الحقوق لأصحابها وحماية حرياتهم، ومراعاة قدسية الأحكام التي يصدرونها وكفالة تنفيذها لضمان قيام العدالة في المجتمع الليبي.

الباب السابع: حماية الوطن 

(1) رغم انتشار السلاح في بلادنا، وعدم وجود جيش قوي وجهاز شرطة يغطي كافة أنحاء ليبيا، فإنها تعيش حالة من الاستقرار النسبي الذي يدل على تكاثف وتعاون الشعب الليبي، ولكن هذا الوضع لا يجب أن يستمر، فالبلاد بحاجة إلى منظومة وطنية متكاملة تؤكد السيادة الكاملة على التراب الوطني وتحمي أمن المواطن في الداخل وتساعد على تطبيق القانون، قال الله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} (الأنفال:61).

(2) تكوين جيش وطني قوى وتفعيله بخطط واضحة ومدروسة ومده بإمكانيات وتجهيزات، وتدريبه بشكل قوي، وتزويده بأحدث المنظومات الإلكترونية، وأن يتم بناء الجيش على عقيدة وأسس سليمة وصحيحة، أساسها الولاء للوطن، تكون مهمته حماية البلاد وحدودها والدفاع عنها عند الاعتداء.

(3) أمن سكان البلاد يحتاج إلى جهاز أمن قوى وفعال، وهذا لن يتأتى إلا بتشكيل وحدات متدربة وقادرة على القيام بهذه المهمة وأن تكون مزودة بكافة المعدات الحديثة، لأن مهمتها حفظ المواطنين وممتلكاتهم، وحفظ المنشآت الحيوية  كالمطارات والموانئ والمنافذ الحدودية، وتساعد القضاء في تطبيق القانون.

(4) كل دولة في العالم تحتاج إلى جهاز أمني يجمع لها المعلومات ويساعدها في حماية البلاد في الداخل والخارج، ويوفر لها قاعدة البيانات التي تحتاجها الحماية المطلوبة، ولكنها لا يجب أن تكون أداة للتجسس على المواطنين وحياتهم الخاصة، واستغلال تلك المعلومات لابتزازهم أو مضايقتهم.

(5) كل هذه الأجهزة الأمنية من جيش وأمن وطني يجب أن يختار لها من الرجال القادرين على القيام بها، وأن يكونوا من المخلصين لبلادهم ليبيا، وأن ولاءهم يكون لها وليس للسياسيين والحكام الذين يخرجون عن طاعة الله، أو من في حكمهم ممن يريدون السيطرة على البلاد بالمخالفة للدستور والقانون.

(6) بذل الجهد في جمع السلاح الذي تم توزيعه خلال فترة التحرير على أن يتم ذلك بعدة وسائل منها: إلحاق حملة السلاح بالجيش الوطني أو الأمن ثم النصح والإرشاد، وبذل المكافآت لمن يقوم بتسليمه تعويضا له عن ذلك، وتحديد مدة لتسليمه للجيش أو للأمن الوطني، وتطبيق العقوبات المنصوص عليها قانونا في حالة عدم الاستجابة لذلك.

الباب الثامن: الجانب الاجتماعي والثقافي

(1) الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وبصلاحها تقوى أواصره، وتعلوا قيم الدين والأخلاق وحب الوطن، وعلى الدولة حماية كيان الأسرة، والأمومة والطفولة، ورعاية النشء، وحمايته من الإهمال والاستغلال، وخاصة النمو البدني والخلقي والعقلي للشباب.

(2) الشباب هم مستقبل الوطن وثروته، بما لهم من دور كبير في نهضة المجتمع، وهذا يقتضي العناية بهم ورعايتهم بوضع السياسات والبرامج الوطنية لحشد طاقاتهم، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، والانخراط في العمل المنتج المعبر عن إمكاناتهم في التجديد والابتكار، والسعي لحمايتهم من الانحراف الخلقي والثقافي، وتوجيه قدراتهم الخلاقة نحو البناء والتنمية.

(3) لذوي الاحتياجات الخاصة من أفراد المجتمع الحق في الرعاية الخاصة والتعليم والتدريب والتأهيل، والعمل بما يضمن لهم التغلب على مصاعبهم، ويمكنهم من ممارسة حياتهم على أنهم جزء مشارك ومنتج في المجتمع.

(4) الجامعات هي منارات الإشعاع الفكري والتقدم العلمي، فينبغي الاهتمام بها ودعمها، وتوفير الحرية الأكاديمية لها، وضمان ممارسة هذه الحرية وانفتاحها على آفاق المعرفة، مع دعم مؤسسات البحث العلمي والتكنولوجي.

(5) ضرورة إحياء القيم الأصيلة للمجتمع الليبي، والمحافظة على التراث الثقافي بجميع مكوناته وفي جميع مناطقه، والعمل على نشره بالوسائل المتاحة، والاهتمام بالتراث الشعبي الليبي لمختلف المناطق، باعتباره يشكل روافد إبداعية تثري الثقافة الوطنية، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الثقافية المحلية والعربية والدولية.

(6) ضرورة الاهتمام بالتاريخ العربي الإسلامي، والتاريخ الوطني الليبي، وإعادة كتابته وفقا للحقائق التاريخية الثابتة، وتنقيته من الأكاذيب والأباطيل التي ألحقها به النظام المنهار، والاهتمام بالمتاحف الوطنية التي تجسد كفاح ونضال الشعب الليبي وتاريخه.

(7) الاهتمام بما يوجد في ليبيا من تراث مكتوب ومروي ومنحوت لأنه يعبر عن أصالة هذا الشعب الراسخة جذوره الحضارية في التاريخ، وقد تعرض ذلك في السابق للاندثار والنسيان أو التغافل عنه وذلك ما يجب تداركه بالعمل على المحافظة عليه وإحيائه وخاصة الكتب المخطوطة التي ألفها علماء ليبيا قديما، فيجب البحث عنها وجلبها وتشجيع الباحثين لتحقيقها ونشرها، مع الاهتمام بالحركة المسرحية وتشجيع القائمين عليها.

الباب التاسع: التربية والتعليم

نظرا لما شاب التعليم من انهيار في عهد النظام البائد، نتيجة التزوير والتغيير في كافة القيم النبيلة، والمفاهيم الاجتماعية الراسخة، ومحاولة مسخها، واستبدل أفكار ساذجة ومقولات باطلة بها، يتعين العمل على تطوير عناصر العملية التعليمية وتفعيل القوانين واللوائح التربوية والإدارية، تنقيح المناهج التعليمية وتنقيتها مما لحق بها من طمس وتحريف، وهذا يتطلب ما يلي:

(1) أن نعمل على تنشئة الفرد المتكامل روحيا وجسميا ونفسيا وعقليا واجتماعيا، ليكون الواعي لحقوقه، الملتزم بواجباته، القوي الانتماء لوطنه، المعتز بأمته، المتمتع بالروح العلمية والديمقراطية، المؤمن بحقوق الإنسان ومبادئ العدل والخير والمساواة، القادر على الإنتاج المفيد والمبادرة المبدعة.

(2) أن تقوم تربية النشء على الإيمان بالله وبأصالة الشعب الليبي والأمة العربية، وبقدراتها على التجديد والإبداع في مختلف ميادين الحياة.

(3) أن يعنى نظام التعليم بتنمية التفكير المستقل المبدع وذلك بتحريك دوافع العمل والجدية والإتقان والتميز، وتوجيه التعليم نحو إعداد الإنسان الليبي للمستقبل، بتنمية معرفته وتطوير قدراته العقلية والنفسية، لمواجهة تحديات المستقبل وأخطاره، وبناء منهجية التفكير العلمي والنقدي، بتوجيه التعليم نحو مهارات استخراج المعرفة.

(4) أن يكون التعليم إلزاميا حتى الشهادة الثانوية، وجعله مجانيا في هذه المرحلة، ومساعدة غير القادرين عليه بعد ذلك، على أن يتم الربط بين نظام التعليم والإنتاج، وأن تلبي عملية التربية والتعليم حاجات ليبيا من القوى البشرية المؤهلة في الحاضر والمستقبل.

(5) أن يتصف نظام التربية والتعليم بالشمول والمرونة بحيث يتم من خلاله الاهتمام بالنابهين والموهوبين وتوفير الفرص التي تتلاءم مع قدراتهم وقابليتهم، وتضمن استفادة المجتمع الليبي من عطائهم المتميز، والاهتمام بتعليم المعوقين ودمجهم المبكر في نظام التربية والتعليم وتأهيلهم ليصبحوا عناصر منتجة في المجتمع.

(6)  أن تكون اللغة العربية لغة التعليم في جميع مراحله وأنواعه، مما يتطلب تطوير أساليبها ووسائل تدريسها، وتعليمها لغير الناطقين بها، وتأكيد أهمية تعلم اللغات الأجنبية الحية، لتمكين الأجيال من الاطلاع على العلوم والآداب وشتى أشكال النشاط الإنساني المكتوب بتلك اللغات، وتحقيق التواصل الحضاري مع الأمم الأخرى.

(7) أن يتم إبلاء مهنة التعليم، ما تستحقه من عناية وتقدير، لتحتل مكانتها الاجتماعية اللائقة بين المهن المختلفة، والاهتمام بتأهيل المعلم الليبي وإشراكه في عملية صنع القرار التربوي ورفع مستواه العلمي والمعرفي والمعيشي.

الباب العاشر: الرعاية الصحية

(1) تدهور الرعاية الصحية في بلادنا كانت من الأسباب التي أدت إلى قيام ثورة 17 فبراير، فقد كان دخل ليبيا يسمح بإنشاء أرقى المستشفيات ودور العلاج، ولدينا من الخبرات الطبية المعروفة في العالم، وأطباؤنا يعملون في كافة أنحاء العالم وفي الدول المتقدمة، ومع ذلك فالمواطن الليبي يطوف في عدة بلدان بحثا عن العلاج.

(2) توفير الرعاية الصحية بإنشاء المستشفيات والمصحات المتخصصة وتزويد البلاد بالأدوية الصالحة والمعدات الطبية، ومستلزمات العلاج بأنواعها المختلفة من ألصق الواجبات بالدولة، التي يجب عليها العناية بهذا القطاع وحماية المواطن من الأمراض والعمل على راحته حتى يكون العلاج متوفرا له داخل البلاد، مع الاهتمام بالكوادر الصحية اللازمة لذلك.

(3) إن آلاف الأطباء الليبيين يعملون خارج ليبيا، وفي دول متقدمة وذلك يعني تمتعهم بالخبرة الطبية الكبيرة، ولكن العهد السابق حاربهم بكل وسيلة مما أدى بهم إلى مغادرة البلاد، لذلك فإن توفير الراتب الكافي والجو الملائم، والمستشفيات الملائمة، ووسائل العلاج من أهم واجبات الدولة الليبية.

(4) حق الرعاية الصحية للجرحى من الثوار والمرضى والعجزة وأصحاب الأمراض المزمنة من الضروريات التي ينبغي العناية بها والسهر عليها وثروة البلاد يجب أن تسخر لخدمة هؤلاء وخاصة أسر الشهداء وأصحاب الدخل المحدود والأرامل والمساكين.

(5) توفير كافة التحصينات والتطعيمات والأمصال الصحية للتحصين من كافة الأمراض والأوبئة المتوطنة داخل البلاد، وتلقيح المسافرين إلى مناطق موبوءة باللقاح الواقي من الأمراض، مع توفير وتطوير المختبرات الطبية الحديثة، بما يواكب أحدث التقنيات العالمية.

(6) إيجاد نظام وثيقة التأمين لكل مواطن حتى تكون نفقات العلاج على حساب شركات التأمين التي تتم بالطريق التعاوني بين المنتسبين للشركة والتكافل بينهم، وفي ذلك تخفيف عن كاهل المواطنين في النفقات الصحية.

(7) تتوفر بلادنا على العديد من الأعشاب والنباتات والأشجار التي توجد بها المادة الأولية لصناعة الأدوية، لذلك يتعين دراسة إمكانية إقامة مصانع للأدوية لكي يتم توفيرها محليا وبنفس الجودة للأدوية المستوردة مع مراقبة سلامتها.

الباب الحادي عشر: البيئة والتنمية المستدامة

(1) حماية البيئة من أهم المقومات التي تقوم عليها المجتمعات الراقية وهي تتضمن عدة جوانب، منها ما يقع على المواطن وذلك يقتضي توعيته وتعريفه بأهمية البيئة وضرورة المحافظة عليها، ومنها ما يقع على عاتق الدولة، وعلى الأخص توفير الشركات المتخصصة في نظافة البيئة وحمايتها.

(2) الاهتمام بالمرافق الصحية ودعمها وتطويرها لتكون في المستوى الذي يمكنها من أداء دورها في المجتمع من أجل الحفاظ على الصحة العامة في المجتمع، مع تفعيل وتطوير التشريعات المتعلقة بالبيئة، والاستفادة من الاتفاقيات الدولية التي تعتبر ليبيا طرفا فيها.

(3) الاهتمام بالمنتزهات والنوادي والحدائق وأماكن الترفيه في الأماكن التي يرتادها الجمهور، كالشواطئ والغابات والجبال والوديان والمدن الأثرية وغيرها، والاهتمام بالمحميات الطبيعية، لكي تكون بيئة نظيفة خالية من الأمراض والأوبئة.

(4) نظر لما للمدن السياحية والأثرية من دور خدمة المواطن وتوفير أماكن الترفيه والسياحة له، فواجب الدولة الإكثار منها والاهتمام بما هو موجود والعناية به والحفاظ عليه.

(5) تفعيل دور الجمعيات الأهلية التي تهتم بالنشاط البيئي الأهلي والمساهمة في الحفاظ على البيئة في المدن والشوارع والإحياء السكنية والمدارس ودعمها حتى تتمكن من أداء رسالتها.

(6) أصبحت المخلفات مصدرا مفيدا في المجتمعات الحديثة، وتقوم عليها عدة صناعات وأنشطة للاستفادة منها، وهذا الأمر لم يلق الاهتمام الكافي في بلادنا من قبل، وهو ما يجب القيام به والتركيز عليها مستقبلا.

(7) إن التنمية المستدامة هي التي تلبي حاجات الجيل الحاضر دون المساس بمقدرات الأجيال القادمة في حصولها على حاجاتها الأساسية، لذلك يجب أن تخضع للأساليب العلمية المعروفة في المجتمعات المتحضرة.

(8) إن إقامة المشاريع تعتمد على توافر الجدوى الاقتصادية وأنها ستدر دخلا للمجتمع، ولكن هذا لا يكفي بل يجب أن تتوافر الجدوى البيئية بمعرفة الأثر البيئي للمشروع، والجدوى الاجتماعية بمعرفة مدى مساهمته في نفع المجتمع وتخفيف حدة البطالة والفقر.

(9) إن التنمية المستدامة تختلف عن التنمية التقليدية التي لا يهمها إلا الربح ولا تتحكم فيها سوى آلية السوق، ولا تعير أي اهتمام بالبيئة والمحافظة على الموارد أو نضبها من البلاد.

(10) ليبيا تعتمد على النفط وهو مورد غير متجدد، ولديها موارد مائية محدودة للشرب والزراعة، والمناطق الخضراء فيها محدودة، فلا مفر إذا من نهج التنمية المستدامة التي توفق بين الأنشطة الاقتصادية والمجتمع والبيئة في آن واحد رغم وجود المتناقضات بينها.

(11) لتغطية النقص في موارد المياه، يمكن الاعتماد على تحلية مياه البحر وإقامة محطات على الشواطئ لتوفير المياه اللازمة للتنمية والاستهلاك وذلك مما يساعد على تطوير الإنتاج الزراعي والصناعي في ليبيا ويحقق التنمية المستدامة بالاعتماد على مورد لا ينضب.

(12) إن أي مشروع يقام في ليبيا يجب أن تتوفر فيه شروط التنمية المستدامة قبل الشروع في تنفيذه لكي نصون حقنا وحق الأجيال المقبلة في حياة كريمة وتكون بلادنا مزهرة متقدمة.

الباب الثاني عشر: المجال الاقتصادي

(1) يعتمد الاقتصاد الوطني على احترام الملكية الخاصة، وتشجيع المبادرة الفردية، وتأكيد ملكية الدولة للموارد والثروات الطبيعية والمشاريع الإستراتيجية، والتحرر من التبعية، وأن يتم تطوير القدرات الوطنية وترشيد استثمار ثروات الوطن وموارده وتقوية قاعدة الإنتاج بجميع عناصرها، مع توفير الإدارة المقتدرة واستقرار التشريعات الاقتصادية ضمن إطار العدالة الاجتماعية.

(2) توجيه دفة الاقتصاد نحو الوجهة الشرعية التي بسلوكها يحقق المجتمع الاستقرار الاقتصادي، ويجنبه الوقوع في الخسائر الفادحة، وهذا يعتمد على طرح صيغ جديدة للعقود وتطوير المعاملات المالية بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

(3) تنظيم عملية الاستيراد والتصدير من خلال تحديد حجم وهيكل الواردات والصادرات ووضع الخطط التي تتضمن استيراد احتياجات البلاد السلعية عن طريق القطاعين الخاص والعام.

(4) التركيز على الصناعات الوطنية ذات القيمة المضافة العالية المعتمدة على عناصر الإنتاج المحلي، وتوفير الظروف والحوافز لإنشائها ونموها، واعتماد مبدأ المنافسة بينها، وإعفاء الآلات والأدوات والأجهزة وقطع غيارها من الرسوم الجمركية وإعفاء المنتجات المعدة للتصدير من الرسوم والضرائب.

(5) تشجيع السياحة في كافة الأماكن في ليبيا، والصناعات التقليدية وتنظيم تجارة العبور وتسهيل إجراءاتها، لتساهم في استقرار العلاقات مع دول الجوار، ويمنح أبناء المناطق الحدودية مصادر جديدة للدخل وتمنع تهريب السلع الممنوعة من ليبيا وإليها.

(6) توزيع المشاريع الكبيرة على المناطق التي كانت محرومة منها في السابق، وخاصة المناطق التي خلت من المشروعات، لتطويرها وخلق فرص عمل بها، والتقليل من هجرة سكانها، وجعلها تستفيد من الدخل العام للدولة، فلا يجوز التركيز على مناطق دون غيرها إلا إذا كان مرد ذلك أسبابا اقتصادية.

(7) تشجيع الزراعة والثروة الحيوانية في المناطق التي تتوفر فيها الموارد الطبيعية والموارد الأولية، وخاصة في الأماكن التي تجاور الدول الغنية بالعمالة والماشية، حتى يمكن توفير المواد الغذائية بأثمان رخيصة لسهولة الحصول على ما يلزم من مواد أولية من تلك البلدان.

(8) دعم المؤسسات العلمية وتشجيع الأبحاث والدراسات لتطوير الاقتصاد والزراعة والصناعة بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث، والاعتماد على العنصر الوطني في هذا المجال، وأن تكون هناك برامج مخصصة لتنمية الموارد البشرية.

الباب الثالث عشر: الدين والعقيدة

(1) إن الدين الإسلامي جاء بمبادئ سامية تهدف إلى أن يكون الإنسان صالحا في هذا الكون، قال الله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (آل عمران : 104}، فقد أقر الإسلام حرية التفكير، وحرية التعبير، ومبدأ المساواة، وأن الأمر شورى بين المسلمين وأباح لهم الانتفاع بخيرات الدنيا وفقا للأحكام الشرعية.

(2) تميز الدين الإسلامي بأن منهجه وسطي، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} (البقرة : 142) لذلك فإن تطبيق الشعائر الدينية يتم بكل حرية ومسؤولية في إطار من الوسطية والاعتدال والتيسير، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا} (التغابن : 16) وقوله صلى الله عليه وسلم: {ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم} (أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه).

(3)  يترسخ الفكر الوسطي المعتدل بتوطيد عرى المحبة والمودة بين أبناء الوطن، والتأكيد على قيم الحوار الوسطي، وإعداد برامج إعلامية تنشر ثقافة الاعتدال ونبذ الغلو، وإبراز دور العلماء ذوي التوجهات المعتدلة والمتوازنة عبر وسائل الإعلام وإنشاء مراكز علمية متخصصة تبحث في أسباب الغلو وآثاره وحسن تربية النشء على الحوار والتعايش السلمي، استشرافا لتنمية ثقافة وسطية في المجتمع على نطاق أوسع.

(4) العمل على الحد من الأفكار الدخيلة التي جلبت من وراء الحدود من خلال إبراز وتفعيل دور المساجد، والاهتمام بمراكز التعليم المتخصصة من جامعات إسلامية ومعاهد دينية، وتشجيع التعليم الديني والرفع من شأن المنارات العلمية والزوايا ودور تحفيظ القرآن الكريم {فخيركم من تعلم القرآن وعلمه} والاهتمام بالمدارس الفقهية التي اعتاد الناس في ليبيا إتباعها.

(5) المحافظة على المساجد ودور العبادة وتزويدها بكل ما من شأنه أن يحد من تأثير أهل الغلو والتطرف الذين يسعون بشتى الطرق على زرع التفرقة والاختلاف والكراهية والحقد، وتزويدها بالدعاة المعتدلين وأنصار الفكر الوسطي الذي يتبناه الليبيون من آلاف السنين.

(6) المحافظة على الأماكن التي تعود الناس على احترامها كالمقابر والأضرحة ومثوى الصحابة والعلماء والمرابطين في الثغور وعدم الاعتداء عليها، وإن وجد فيها من يقوم بأفعال تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فيجب بذل النصح والإرشاد لهم لا محاربتهم بالقوة، قال الله تعالى {أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل : 125).

الباب الرابع عشر: المساجد والأوقاف والزوايا

(1) المسجد هو أول مكان أقامه المسلمون في كل بلد انتشر فيه الإسلام وهو محل عبادتهم واجتماعهم الديني، والعناية به من أهم واجبات وزارة الأوقاف، فلا ينبغي أن يحتكر لنشر مذاهب غير مألوفة في بلادنا، أو أن يستغل لدعاية سياسية أو حزبية، وعلى الدولة أن توليه العناية الكافية من حيث الصيانة وتوفير المتطلبات لمرافقه.

(2) إن الزوايا المشيدة في بلادنا قامت بدور كبير في نشر العلم والدين وساهمت في الفترات التي مرت بالبلاد في حفظ اللغة العربية ومبادئ الدين، بل كانت منارات علمية تخرج منها العديد من العلماء، والسعي في إقفالها أو إهمالها أمر لا يرغب فيه الكثير من المواطنين الذين يرتادونها للتعليم أو القيام بمناسباتهم الدينية، ويجب حث القائمين بها على تفعيل دورها الحقيقي التي أنشئت من أجله.

(3) تميزت بلادنا بوجود المرافق الوقفية التي قامت بدور كبير في التكافل الاجتماعي وسد خلة الفقراء والمساكين، إلى جانب التعليم الديني وحفظ القرآن الكريم، لقد كانت أملاك الوقف تغطي كافة لوازم المساجد والزوايا والمرافق التي كانت تؤدي دورا كبيرا في خدمة عباد الله من ذوي الحاجة والمسافرين والغرباء، كما أن الوقف ساهم في إنشاء مرافق للدفاع عن الثغور، لذلك يجب العناية به وإسناد أمر إدارته في كافة المدن إلى أشخاص تتوفر فيهم الأمانة والنزاهة والورع.

(4) عمل عهد الظلم السابق إنهاء الوقف، والقضاء على أغلب عقاراته وخاصة الأراضي التي كانت تقع في مواقع سكنية راقية، فتم بيعها من قبل المسؤولين السابقين لذوي الامتيازات والمقربين للنظام، كما أن بعض الجهات العامة قامت بالاستيلاء على بعض العقارات دون أن تؤدي مقابل ذلك، وهذا يخالف شرط الواقفين الذين حبسوا أموالهم في سبيل البر والإحسان، لذلك يجب معالجة الأوضاع القائمة بما يكفل صرف الصدقات في وجوه الخير التي أرادها الواقف.

(5) إن هدم الأضرحة الذي شاع أمره في بلادنا مؤخرا يمثل إساءة كبيرة لتاريخ البلاد وسكانها، فهي مشيدة منذ مئات السنين، وقد دفن فيها بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وعلماء وشيوخ ومرابطون قاموا بواجب حراسة الثغور، كما أنها تمثل نوعا من البناء الأثري الذي تفرض التشريعات الحفاظ عليه، فما كان على الذين قاموا بالهدم إلا الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت هناك بعض الممارسات التي يقوم بها بعض الناس تخالف الشريعة الإسلامية.

الباب الخامس عشر: مكونات المجتمع المدني

(1) لليبيين الحق في تكوين النوادي والجمعيات والروابط والنقابات التي تهدف إلى تقديم خدمة إنسانية للمجتمع، أو إلى أعضائها ومنتسبيها والدفاع عن حقوقهم، وتطوير مهنتهم والرفع من شأنها وتحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها.

(2) النوادي الرياضية والاجتماعية والثقافية تقدم للمنخرطين فيها فوائد عديدة منها ممارسة النشاط الرياضي، والنشاط الثقافي الذي يساهم في تطور المجتمع، ويمكن تكوين النوادي لكافة الأنشطة التي يقوم بها المجتمع شريطة اتفاقها مع القانون وعدم مخالفتها للنظام العام والآداب العامة.

(3) تكوين الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى تقديم الخدمات والمساعدات للأشخاص المستهدفين من إنشائها، شريطة أن يتم ذلك بدون مقابل، أو بمقابل اسمي زهيد، ولا يحق لها مزاولة الأعمال التجارية أو النشاط السياسي.

(4) تكوين النقابات من حق أصحاب المهن الحرف والعمال، وهي بدورها تهدف إلى حماية منتسبيها، والدفاع عن حقوقهم، وتطوير المهنة التي يزاولونها والرفع من شانها، واتخاذ كافة ما يلزم من وسائل في سبيل ذلك.

(5) الروابط الثقافية تضم الفئات المتخصصة في مجال العلوم والثقافة والفنون والآداب، وتهدف إلى الرفع من مستوى المجال الذي تهدف الرابطة إلى تطويره من خلال الندوات والدراسات والبحوث التي يقوم بها الأعضاء المنخرطون فيها، وتكون لهذه الروابط علاقات فيما بينها وبين المنظمات المشابهة لها داخل ليبيا وخارجها.

(6) تخضع كافة النوادي والجمعيات والروابط والنقابات لكافة التشريعات المعمول بها داخل ليبيا، ويجب أن يتم تأسيسها وفقا للشروط المحددة قانونا، وألا تزاول عملها إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهة المختصة، وأن تزاول عملها في المكان المخصص لها.

الباب السادس عشر: الشفافية

بما أن الشفافية تعني وضوح الإجراءات، وصحة ومصداقية عرض المعلومات والبيانات الخاصة بالوحدات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة والعامة، ووضوح العلاقات فيما بينها من حيث (التخطيط – والتمويل – والتنفيذ) للوصول للغايات والأهداف المعلنة مسبقاً لذا يتعين الالتزام بما يلي:

(1) التزام المؤسسات والهيئات والشركات بالعمل، ضمن إجراءات واضحة ومعلنة، على تبني مواقف ذات علاقة بسياسات المؤسسة المالية والتنموية، ومواقفها من السياسات العامة، ضمن سياسات أخلاقية صريحة توجه الخيارات الإستراتيجية.

(2) الالتزام بسياسة واضحة للنشر تتضمن حفظ وتوثيق كل ما يتعلق ببناء المؤسسة أو الهيئة أو الشركة وعملها، من خلال إصدار قرارات مجلس إدارة أو لوائح وإجراءات مصادق عليها، واضحة فيما يتعلق بنشر المعلومات الشفوية والكتابية أو المخزنة إلكترونياً.

(3) الالتزام بالانفتاح، والشفافية، والأمانة، فيما يتعلق بالمؤسسة أو الهيئة أو الشركة ورسالتها، وسياستها، ونشاطاتها على المستويات الإدارية كافة، بشكل يسمح بمساءلة جادة للمؤسسة وللعاملين بها، فيما يتعلق بمعاملاتها كافة ومع الأطراف ذات العلاقة.

(4) التعهد بتوفير المعلومات الصحيحة للجمهور العام بأعلى مستوى من الدقة وذلك بتخصيص دائرة أو وحدة، أو شخص على الأقل، للقيام بهذه المهمة لتوفير قناة اتصال المؤسسة بالجمهور، واتخاذ الإجراءات التي تضمن حفظ السجلات والمعلومات التي تتعلق بعمل المؤسسة، بما يضمن دقة المعلومات والأمانة وسهولة عملية عرض المعلومات وتحليلها، وتقديمها لطالبيها وفق إجراءات واضحة ومنظمة.

(5) تبني إجراءات مكتوبة ومعلنة تحمي الموارد البشرية في المؤسسة، من الممارسات غير المهنية، بما فيها أسس التوظيف، والتقييم والتدريب والترقيات وسلم الرواتب، وآلية اختيار المستفيدين، وشبكة علاقاتها.

(6) ينبغي أن يتولى ديوان المحاسبة المالية والإدارية، أو أي منظمة أخرى في حكمه، تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية، بإعداد وتقديم تقارير إلى السلطة التشريعية والجمهور، في الوقت المناسب، عن السلامة المالية لحسابات الحكومة ومؤسساتها، وينبغي إنشاء مثل هذه الهيئة بمقتضى القانون، كما ينبغي أن تكون هناك آليات لضمان اتخاذ إجراءات علاجية، إزاء ما تكشف عنه تقارير المراجعة من نتائج سلبية.

الباب السابع عشر: العدالة الانتقالية

(1) إن المرحلة التي تعيشها ليبيا تقتضي قيام الدولة باتخاذ الإجراءات المطلوبة لمواجهة إرث انتهاكات الحقوق في العهد الماضي، والتعامل معه بطريقة شاملة بهدف الإنصاف وجبر الضرر، ومنع وقوع الجرائم مستقبلا، مع الاستفادة من تجارب الدول السابقة، وهي جزء من المصالحة الوطنية.

(2) يؤخذ في الاعتبار الصفة الجماعية لتلك الانتهاكات، كما في حالة مجزرة أبو سليم، وعمليات الغصب، والقتل الجماعي التي قام بها النظام المنهار، قبل وأثناء ثورة 17 فبراير.

(3) يكون الهدف في هذه المرحلة ضمان حقوق الضحايا، وتهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامتهم، وتحقيق العدل بتعويضهم ماديا ومعنويا عما لحقهم من ضرر، مع ملاحظة أن العدالة ليست شيئا مطلقا بل تقتضي الموازنة بين جبر الضرر والإنصاف من جهة، وتحقيق الوئام والسلم الاجتماعي وسيادة القانون من جهة أخرى.

(4) تقتضي هذه المرحلة عقد جلسات تحقيق واستماع شفافة تركز على معاناة الضحايا وأسرهم، كما تتضمن اعترافات المذنبين ثم القيام بإجراءات قانونية بخصوص القضايا لتجميع شهادات وأدلة حول الجرائم، ووضع ضوابط لضمان سرية جلسات الاستماع وتقديم الذي تقوم عليه الأدلة باتهامه جنائيا إلى المحاكم.

(5) اتخاذ إجراءات عملية للتعويض المادي والمعنوي الذي تتولاه الدولة في هذه الظروف، لجبر الضرر المرتكب مع مراعاة التناسب بين الضرر والتعويض، مع إصلاح المؤسسات التي ساهمت في الانتهاكات السابقة أو ساعدت عليها.

(6) يجب أن تكون إجراءات العدالة الانتقالية سريعة وذلك، يقتضي القيام بإجراءات التحقيق بأقصى سرعة ممكنة، وتفعيل الهيئات القضائية لدورها المهم، ولو أدى ذلك إلى إطالة ساعات الدوام الرسمي للفصل في القضايا على وجه السرعة مع مراعاة الضمانات القانونية.

(7) حفظ الذاكرة بإقامة معالم تذكر بما فعله النظام السابق وتشمل المتاحف والنصب التذكارية، بقصد الوعي الجماعي لتلك الجرائم من قبل المجتمع حتى لا تتكرر مرة أخرى في بلادنا.

الباب الثامن عشر: المصالحة الوطنية

(1) المصالحة الوطنية من أوليات العمل الوطني، وتأتي استجابة لتعاليم الإسلام، قال الله تعالى {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (الأنفال: 1) وهي تعني الاحتكام إلى لغة الحوار والنقاش الشفاف وعدم الاحتكام إلى القوة، والوصول إلى حل المشاكل العالقة بين أفراد المجتمع بشكل يرضي الأطراف المتنازعة، وهي مكملة للعدالة الانتقالية.

(2) تهدف المصالحة الوطنية إلى القضاء على المشاكل التي نتجت عن حرب التحرير التي خاضها الشعب الليبي من أجل تحقيق العدالة والحرية لكافة أفراده، والتخلص من الآثار السلبية وما نشأ عن المرحلة السابقة، ويجب أن تبدأ بوقف الاعتداء والكف عن الحرب الإعلامية والاتهامات المتبادلة والتوقف عن كل ما من شأنه أن يزيد الخلاف وما ينتج عنه من أضرار قال الله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} (الحجرات : 9).

(3) عُرف عن الشعب الليبي اتصافه بروح التسامح حتى مع الغريب لذلك يجب أن يُسند أمر المصالحة الوطنية التي تعمل على إصلاح ذات البين بين المدن والقبائل الليبية المتنازعة إلى هيئة وطنية تُشكل من أشخاص مشهود لهم بالوطنية والكفاءة والنزاهة والمكانة الاجتماعية التي تمكنهم من التحاور والتفاهم مع الجانبين حتى تتمكن من إتمام المصالحة.

(4) إذا كان الخلاف بين المتنازعين ناتجا عن أضرار وانتهاكات سببها أحد الأطراف للآخر فيجب أن يتم التحقيق من قبل الجهات المختصة في الجرائم المرتكبة من المتهمين بها وتقديمهم إلى العدالة عن طريق المحاكم المختصة، على أن تتم المحاكمة في أماكن غير التابعة للمناطق المتنازعة، وأن يختار لها قضاة مشهود لهم بالكفاءة والمقدرة مع النزاهة والحيدة.

(5) يتم حصر الأضرار التي حصلت من المتنازعين بواسطة لجان تابعة للدولة، وعليها أن تقوم بالتعويضات المادية والمعنوية بما يكفي لجبر الضرر الحاصل.

(6) إذا تم تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، وتقديم التعويضات اللازمة للمتضررين، يتم عقد لقاء بين شيوخ وأعيان الأطراف المتنازعة بواسطة الهيئة الوطنية للمصالحة، ويتم الاعتذار من الطرف المعتدي على الآخر.

(7) التأكيد على شخصية العقوبة، وعدم اللجوء إلى العقاب الجماعي كالتهجير وحرق المساكن والحرمان من الخدمات امتثالا لقول الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام : 164) وأن ينص على ذلك في عقد الصلح.

الباب التاسع عشر: المرأة الليبية (رفيقة الشهداء)

(1) قال أحد زعماء ليبيا السابقين: لو أننا صنعنا تمثالا لكل امرأة ليبية جاهدت لما وجدنا متسعا من الأرض، وقد تبين صدق القول من خلال الكفاح الذي قام به الشعب الليبي ضد الحكم الاستبدادي الذي كان جاثما على بلادنا، فالمرأة في ليبيا هي رفيقة الشهداء رحمهم الله وقريبة الجرحى شفاهم الله، فيجب أن تنال التقدير والاحترام.

(2) العناية بالمرأة من أهم واجبات المجتمع، قال الله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} (الطلاق : 5) وبالتالي يجب أن تنال حظها الكامل من التعليم والتربية وكافة الحقوق المقررة للمواطن الليبي، وأن يتم النص على ذلك في كافة التشريعات القائمة تطبيقا لمبادئ الدين الحنيف والمواثيق والاتفاقيات الدولية.

(3) المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتكوين كل منهما وقدراته، قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات : 13).

(4) إتاحة الفرصة لها في التعليم والثقافة، ودخول مجالات العمل والمعترك السياسي، وممارسة النشاطات المختلفة، كل ذلك في إطار من العفة بما يكفل لها حماية شرفها وكرامتها وعدم امتهانها أو الاعتداء عليها، ولا يتم ذلك إلا بمراعاة ما يوجبه الدين الإسلامي.

(5) المرأة هي عماد الأسرة، وهي شقيقة الرجل، فيجب حمايتها من جميع أنواع المضايقات سواء في البيت، أو المدرسة، أو مكان العمل، أو الوظيفة، أو ممارسة أي تمييز عليها وفقا لما تنص عليه الاتفاقيات الدولية وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية.

(6) حق المرأة في ثروة المجتمع لا ينازع فيه مع الأخذ في الاعتبار أن عمل ربة البيت يعتبر عملا منتجا للمجتمع ويجب أن تتقاضى عليه نسبة 50٪ من الحد الأدنى للأجور، بدل علاوة العائلة المقررة لها في مرتب الزوج.

(7) والدة الشهيد، والأرامل، واليتامى والثكالى، ومن هم في سن الشيخوخة، وأسر المفقودين، يجب أن ينالوا عناية المجتمع ماديا ومعنويا، وأن تتكفل الدولة برعايتهم وتوفير وسائل العيش الكريمة لهم.

الباب العشرون: العلاقات الدولية

(1) الإيمان بمبدأ التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، القائم على العدل والإنصاف، والاعتماد على أسلوب الحوار والمفاوضات، هو ما تسعى إليه الدولة من أهداف، ورفض استعمال القوة والأساليب غير المشروعة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز.

(2) انتهاج سياسة المصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والحرص على إقامة علاقات جيدة معها لضمان سلامة الوطن والمواطنين الليبيين.

(3) الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تعتبر ليبيا طرفا فيها، وتفعليها بما يخدم مصلحة الوطن، واحترام مبدأ المشروعية الدولية، ودعم السلم والأمن الدوليين.

(4) إقامة تعاون دولي مبني على الاحترام المتبادل، ومبدأ المعاملة بالمثل مع إعطاء الدول التي ساندت ليبيا أثناء ثورة 17 فبراير المعاملة الأولى بالرعاية، تقديرا لما بذلته تلك الدول من جهود مشكورة عجلت بانتصار الثورة، شريطة عدم تأثير ذلك على استقلال القرار السياسي لليبيا.

(5) الإيمان بحق الدفاع الشرعي الذي منحه ميثاق الأمم المتحدة للشعوب من أجل الحفاظ على المصالح العليا للدولة والاستعداد لذلك بكافة الوسائل المتاحة.

(6) الاهتمام بالبعثات الدبلوماسية بالخارج، وجعلها مُعَبِّرَة عن تطلعات الشعب الليبي، في إقامة مجتمع دولي متعاون، خالٍ من الأسلحة الفتاكة بمختلف مسمياتها، وأن تكون السفارات الليبية في خدمة الليبيين بالخارج، وليست أداةً لتمجيد الحاكم والتغني ببطولاته وإنجازاته الزائفة وخدمة الموالين له.

(7) لا يتم اختيار المبعوثين الذين يمثلون ليبيا إلا على الكفاءة والوطنية والتفاني في القيام بالواجب، ومن أهم ذلك رعاية المواطنين الليبيين في الخارج وتسهيل إقامتهم وسفرهم وتوفير الحماية اللازمة لهم، ولا يجب الاعتماد على الوساطة والمحسوبية في اختيارهم وإيفادهم.

الخاتمة

إن هذا الميثاق الوطني هو عهد شرف نص فيه على ما تعارف عليه الليبيون من خلال تاريخهم ونضالهم وتراثهم، وأن التزامهم به إنما يعود إلى توافقهم وتضامنهم مع مبادئ ثورة 17 فبراير المجيدة التي كشفت عن معدن هذا الشعب ووحدته وقوته، وهي الكفيلة بتطبيقه من قبل كافة أحرار وحرائر ليبيا الأبرار، والله من وراء القصد.

صدر هذا الميثاق عن مؤتمر الميثاق الوطني المنعقد في مدينة مصراتة بقاعة الاجتماعات بالمعهد العالي للمهن الشاملة، يوم الخميس 15 ربيع الثاني من العام 1433هـ، الموافق 8 مارس 2012م.

كمل النص النهائي للميثاق الوطني الليبي

والحمد لله رب العالمين

تمت المراجعة النهائية من قبل المستشار الدكتور جمعة محمود الزريقي رئيس لجنة الصياغة بمؤتمر الميثاق الوطني

الاثنين 29 جمادى الآخرة 1433 هـ الموافق 21 مايو 2012م.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. جمعة الزريقي

مستشار سابق بالمحكمة العليا

اترك تعليقاً