«والله نحاربهم ولو وحدي بعصاتي».. أحمد الشريف السنوسي رمز الكفاح الليبي

«والله نحاربهم ولو وحدي بعصاتي».. أحمد الشريف السنوسي رمز الكفاح الليبي

د. علي الصلابي

مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي ليبي

يعدُّ السيد أحمد الشريف السنوسي أول قائد عام للكفاح الوطني الليبي، إنه الرجل المقاوم الذي ضحى بنفسه تضحية كاملة مجردة عن كل غاية في سبيل المثل الأعلى، حيث وقف حياته كلها عالماً ومجاهداً على بعث المجتمع الإسلامي بعثاً روحياً وعلى نضاله في سبيل استقلال وطنه وشعبه.

ومع بداية الغزو الإيطالي للشواطئ الليبية عام 1911م، كان أحمد الشريف السنوسي قد أعاد تنظيم الحركة السنوسية من خلال الزوايا التي انتشرت في مدن كثيرة، كما سعى جاهداً لمد جسور التعاون والتناصح مع الحركات الإسلامية الأخرى، وتدعيم وشائج الأخوة الإسلامية بينها، كما ارتبط أشد الارتباط بالخلافة الإسلامية التي كانت تمثلها الدولة العثمانية في تركيا، وما أن وطأ البلاد جنود المستعمر الإيطالي حتى كان أحمد الشريف قد حوّل زوايا الحركة السنوسية إلى معسكرات لإعداد قوة عسكرية من الأهالي والأتباع بقيادة جماعات من الضباط الأتراك واتخذ التدابير اللازمة لتزويد تلك القوات بالأسلحة والعتاد بشتى الطرق.

قام أحمد الشريف السنوسي بجمع السادة، والشيوخ، والعلماء، والقادة، وعرض عليهم الأمر واستشارهم، وخرج الأمر بتوجيه الشيوخ وعلماء الحركة بقيادة المجاهدين في كافة ساحات الوغى، وقال : «والله نحاربهم ولو وحدي بعصاتي هذه»، كانت القوة الإيمانية الدافعة تحرك أحمد الشريف نحو الجهاد، ولذلك رفض الخنوع والاستسلام للمحتل النصراني مهما كانت قوته وجبروته وعزته، ووصلت أوامر أحمد الشريف إلى رؤساء الزوايا والشيوخ، والأعيان التابعين للحركة في طرابلس وما حولها، يأمرهم بأن لا يتهاونوا، وأن يستميتوا في قتال العدو المهاجم، ومن هؤلاء الشيوخ:

  • مصطفى أحمد الهوني رئيس زاوية هون.
  • حامد بركات الشريف رئيس زاوية سوكنه.
  • محمد علي الأشهب رئيس زاوية (واو) فزان.
  • السني رئيس زاوية مزدة.
  • عبد الوهاب العيساوي رئيس زاوية طرابلس.
  • محمد علي بن الشفيع رئيس زاوية سرت.

وكتب إلى زعماء القبائل المبرزين كالشيخ سيف النصر زعيم قبائل أولاد سليمان، وورفلة، وغيرهم.

وقام الشيخ محمد الأشهب بتنظيم معسكر من القبائل الفزانية، والتوارق، ورياح، والعرب المقيمين بإقليم فزان، وانضم امود وكوسا من زعماء الطوارق إلى معسكر محمد الأشهب، وقام المغاربة بتأسيس معسكر بالنوفلية، وكان زعيمه عبد الله بن إدريس، وساعده صالح الأطيوش، وقام أولاد سليمان، وورفلة، والقذاذفة، بتأسيس معسكر، تزعمه في بداية الأمر سيف النصر نفسه، ثم ابنه أحمد بك، ومعسكر من قبائل أولاد أبي سيف يتولى قيادته الشيخ السني، وأبو بكر قرزة.

وبذلك أصبحت المعسكرات بالمنطقة الغربية أربعة تابعة للسنوسية قامت بدعم إخوانهم، والمشاركة معهم في الجهاد ضد إيطاليا، وقام الليبيون عموماً بتنظيم المعسكرات بضواحي طرابلس، وغريان، والخمس، ومصراتة، كان صدور الدعوة إلى الكفاح من زعيم الحركة السنوسية أحمد الشريف بمثابة الشرارة التي أوقدت النار في طول البلاد وعرضها، فخفَّ المجاهدون من أقاصي طرابلس وفزان، ثم من النيجر وتشاد لمؤازرة إخوانهم المجاهدين في الجبل والغرب، وهي الجهات التي ظل زعماؤها حريصين على استقلالهم، ولا يريدون منذ ظهور الحركة السنوسية الانضواء تحت لوائها؛ ومع هذا فقد كان أحمد الشريف صاحب نفس عظيمة، همته في الكفاح والتغلب على العوائق التي تحول دون وحدة الصف الإسلامي في بلادنا.

لقد تدفَّق أتباع الحركة السنوسية كالسيل الجارف على ميدان القتال في طرابلس، وفي منتصف يناير 1912، قال السيد أحمد الشريف كلمته لأهل طرابلس وجميع العرب؛ فأصدر نداءه المشهور يحث فيه الطرابلسيين والبرقاويين، وأهل ليبيا على الكفاح ضد العدو المعتدي، ويعلن فيه نبأ اعتزامه النزول بنفسه إلى الميدان على رأس قوة من المجاهدين كبيرة، وقد نقش نداء أحمد الشريف على راية من الحرير حملها المجاهدون في طرابلس من مكان إلى اخر بين القبائل الضاربة في الجنوب خصوصاً، فكان من أثر هذا (النداء) أن تدفقت جموع المجاهدين على المعسكرات العثمانية في العزيزية وغريان، وعلى مراكز العرب في (سنيات بني ادم)، فكان المعسكر في (السنيات) بعد ذلك يعج بجموع المجاهدين من الزاوية والعجيلات، وزنزور، ومصراتة، وصرمان، وأولاد يوسف، وورفلة، وغريان، والجبل، والعزيزية، وأولاد سليمان، ومجاهدي فزان، والتوارق، ولم يكتف أحمد الشريف بذلك بل أعدَّ نجدة خاصة لتعزيز قوات المجاهدين في العزيزية، وفي 25 مارس 1912 وصلت نجدات أحمد الشريف إلى العزيزية مسلحة بالبنادق والحراب والسيوف، وتحمل معها نبأ تحرك نجدات أخرى، لا تزال تجد السير في طريقها إلى معسكر المجاهدين، وكان يوم وصولها يوماً مشهوداً في تاريخ الكفاح في طرابلس. وقد اعترف السلطان العثماني نفسه بهذه الجهود التي قام بها أحمد الشريف السنوسي، فأهداه في هذا الشهر (مارس 1912 م) سيفاً ونيشاناً مرصعاً بالجواهر مكافأة وتقديراً لجهوده.

لم يتمكن العدو من احتلال الدواخل بعد الثغور التي احتلها الأسطول، واضطرت إيطاليا إلى إعادة حساباتها، ولكي لا تظهر إيطاليا أمام المجتمع الأوروبي السياسي منهكة، وأن قواتها غير قادرة على إخضاع ليبية لسيطرتها، ولإخفاء فشلها؛ لجأت إلى إصدار بيان تعلن فيه ضم ليبية إليها، وهدفت من ذلك البيان عدة أمور؛ منها:

  • إقناع الدول الأوروبية بأن إيطاليا قد ملكت زمام الأمر في ولاية طرابلس.
  • وضع الإمبراطورية العثمانية أمام الأمر الواقع، وإجبارها على الاعتراف بسيادتها على ليبية.
  • إيقاف المعارك الحربية؛ لأنها ستصبح غير قانونية، أو شرعية في مواجهة الدولة الإيطالية صاحبة السيادة الجديدة.

إن قرار الضم الذي أعلنته إيطالية، جعل الدولة العثمانية تعلن احتجاجها عليه، وعدَّت ذلك خرقاً صريحاً للقانون الدولي، وأبرق السلطان في (2 أكتوبر) إلى ملك إنكلترة وإمبراطور ألمانيا وحكومات أوروبا، ورئيس الجمهورية الفرنسية، وبقية الملوك والقياصرة يطلب منهم فض النزاع القائم، وحقن دماء البشر، ولكن دون جدوى، فقد اعتذرت كل هذه الحكومات عن عدم التدخل، وبذلك تكون الحملة الدبلوماسية المكثفة التي قامت بها الدولة العثمانية قد فشلت.

فقد تخلت الدول الأوروبية كلها عن الدولة العثمانية، بدءاً بفرنسة التي أصدرت بياناً أعلنت فيه حيادها وعدم قدرتها على التوسط لإنهاء الحرب في الوقت الراهن، وسارت روسية على نفس النهج، أما بريطانية فرغم حساسية موقفها لا سيما أمام رعاياها في العالم الإسلامي، فإنه لم يطل ترددها لتعلن هي الأخرى ما سمته بالحياد، ولكنه ليس حياداً بالمعنى الصحيح؛ إذ إنها أرغمت مصر على الحياد، وهذا فيه مساعدة لحكومة إيطاليا المعتدية.

لم يتمكَّن الإيطاليون من التقدم شبراً إلا بدفع ثمن باهظ، وبعد جهد جهيد، وتحمل الخسائر الفادحة، والضربات القاسية، ومعاناة الشدائد والأهوال، وتمكنوا بفضل قواتهم العديدة، والأسلحة الفتاكة، ومعاونة الأذناب من الاستيلاء على بعض أماكن في دواخل البلاد، كالخمس ومصراته وزليتن وورفلة وترهونة وزوارة، ثم تمكنت القوات الإيطالية من الوصول إلى هون ثم فزان، واستسلم بهذه المحلات المستضعفون من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، وأما الباقون فقد انسحبوا إلى أماكن أخرى أمامية لمواصلة القتال، وقد استعمل الإيطاليون كافة الأساليب الوحشية في المواقع التي احتلوها خصوصاً في مدينة طرابلس.

ولقد خلَّد التاريخ المعاصر أسماء المعارك التي قام بها الأجداد ضد إيطاليا في المنطقة الغربية من ليبية، ومن أهمها: معركة طرابلس بتاريخ (8/9/10/1911 م)، وكذلك في تاريخ (21/ 22 يناير 1912 م)، معارك الخمس بتاريخ (17، 21 أكتوبر، 1 أبريل 1912 م)، معركة الهاني شارع الشط، معركة الهاني أبو مليانة، معركة الهاني سيدي المصري، معركة قرقارش، معركة أبي كماش، معركة لبدة، معركة تاجوراء… إلخ، وكانت ما بين عام (1911 م إلى عام 1912 م).

 

مراجع:

  1. علي محمد الصلابيّ، الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبيا، مكتبة الصحابة الشارقة، مكتبة التابعين القاهرة، 2005، ص. ص 294 -298.
  2. عايض بن حزام الورقي، حروب البلقان والحركة العربية في المشرق العربي العثماني، نشرته جامعة أم القرى، السعودية، 1996، ص 75.
  3. عبد القادر بن علي، الفوائد الجلية في تاريخ العائلة السنوسية، مطبعة دار الجزائر العربية، دمشق، 1956، 1/23.
  4. محمد الطيب، أحمد إدريس الأشهب، برقة العربية الأمس واليوم، مطبعة الهواري، القاهرة، ص 292 – 293.
  5. محمد فؤاد شكري، السنوسية دين ودولة، دار الفكر، 1948، ص 118 -126.
  6. محمود علي عامر، تاريخ ليبيا المعاصر، منشورات جامعة دمشق، 1991، ص 53 – 60.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. علي الصلابي

مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • عبدالحق عبدالجبار

    انشاء الله ما تكونش في المؤتمر الجامع بس…… والا انقولك انشاء الله تكون بش تتقربع تقربيعه وحدة …… لعنة الله عليك فاسق مفتن

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً