آثار ليبيا تحت خطر الزوال

الحضارات الجرامانتية والأمازيغية والإغريقية والرومانية
الحضارات الجرامانتية والأمازيغية والإغريقية والرومانية في خطر

إيلاف

تعود المخاطر التي تتهدد الآثار الليبية إلى ما بعد اندلاع الثورة، عندما تمت سرقة وديعة كنزبنغازي في أيار (مايو) 2011، التي كانت احتفظت بها مصلحة الآثار الليبية في بنغازي بخزانة إحدى المصارف الحكومية. تتكون هذه الوديعة من نحو ستة آلاف قطعة من رؤوس تماثيل وقطع نقدية من معادن مختلفة، وحلى ومجوهرات وقطع مختلفة الأشكال والأنواع والأحجام. منذ ذلك الوقت، لم تتوقف أعمال النهب والسرقة. فقد تعرضت أيضًا في الآونة الأخيرة تماثيل وقطع آثرية وأضرحة لسرقات أو محاولات سرقة من مواقعها الأصلية في مناطق عدة من البلاد.

ليبيا سبقت التاريخ بآلاف السنين، ومرت بها الحضارات الجرامانتية والأمازيغية والإغريقية والرومانية، وفترات الحكم البيزنطية والعربية والحضارة الإسلامية، وصولًا للحكم العثماني والإيطالي. تمتلك ليبيا عددًا من آثار تلك الفترات كلها، ومن المثير أن صحيفة “نايتشر” العلمية واسعة الإنشار نشرت بحثًا عن باحثين انجليز يعملون في جامعتي بيرستول ولندن، أكدوا فيها أن سكان صحراء شمال إفريقيا في ليبيا عرفوا حلب الأبقار واستخدموا ألبانها في صناعة الجبن والزبادي قبل 7 آلاف عام.

وأشارت المجلة الى أن فريق بحث علمي يشرف عليه ريتشارد ايفرتشيد من جامعة بيرستول تمكن من رصد آثار لدهون وجدت داخل أواني فخارية، عثر عليها في الصحراء الليبية، تعود إلى سبعة آلاف عام قبل الميلاد. يقول ايفرتشيد إن الأثار الدهنية شكلت لغزًا محيرًا، وطرحت علينا سؤال محدد عن بداية حلب الحيوانات واستخدام ألبانها في التغذية في صحراء ليبيا.

يقول ايفرتشيد أن الفريق العلمي عثر أيضًا على أوان فخارية استخدمت في تخمير الألبان فبل 9 الاف عام في الاناضول، “لكن لم نستطيع التوصل إلى نتائج محددة في هذا الصدد، ولم نستطع التأكيد أن سكان الاناضول عرفوا صناعة الزبادي كما توصلنا الى تأكيدها في صحراء ليبيا”.

يضيف: “الزمن العمري 7 الاف عام يطابق الأبحاث التي أشارت إلى أن الأنزيم الذي يهضم اللاكتوز في الألبان ظهر في سكان أوروبا قبل 6 الاف عام، وفق مارك توماس، الباحث في علم الوراثة بجامعة لندن. من جهة أخرى، تقول عالمة الآثار جوني دال، التي تعمل مع فريق البحث، إن اتجاه القدماء الى التفكير في صناعة الزبادي خالي الدسم هي طريقة لجأ اليها القدماء لتخفيف نسبة اللاكتوز الموجود في الألبان، حتى تستطيع أجسامهم هضمه.

واستطاع الفريق العلمي من جامعتي بيرستول ولندن من جمع العديد من العينات الفخارية التي تقع في الفترة الزمنية بين 3000 الى 5200 سنة قبل الميلاد من عدة مناطق صحراوية في جنوب غرب ليبيا، وتحديدًا من كهوف جبل اكاكوس. ورغم أن المنطقة صحراء قاحلة، لكنها كانت قبل 7000 عام واحة خضراء، قادرة على توفير المراعي الكاملة للحيوانات التي كانت تعيش فيها. في كهوف الصحراء الليبية وجدت العديد من صور الحيوانات التي يمكن حلبها،  ملونة ومحفوظة بجودة عالية.

تقول دال أن ضروع الحيوانات الممتلئة بالالبان تم تصويرها مع صور سكان يحلبونها، “وهذا دليل واضح على استخدام ألبان الحيوانات في الصحراء الليبية، لكن يمكن القول إن تاريخًا محددًا لاستعمالها لايمكن تحديده”. قام الباحثون بدراسة 81 قطعة من العينات التي عثروا عليها بإخضاعها للتحليل باستخدام مقياس الطيف للتعرف على أنواع الدهون التي وجدت أثار عليها، ثم اتبعوا طريقة التحليل باستخدام نظائر الكربون المقارن، واستطاعوا تحديد 29 عينة بالضبط. وكانت الآثار الموجودة بداخلها لألبان منزوعة الدسم، وهذا يعني أنهم تمكنوا من إنتاج الزبادي إذ أن نسبة الدهون التي وجدت فيها تقل عن النسبة المعتادة في ذلك الوقت، أو تحديدًا نصف النسبة.

ومعروف أن نظائر الكربون يمكن أن تشير إلى نوع الغذاء الذي يأكله الحيوان، وإلى نوعية النباتات المختلفة التي تغذى عليها، وهي تحتوي على نظائر الكربون 13 و14. يقول ايفرتشيد إن التحاليل أكدت أن غذاء الحيوانات كان مختلفًا، “فقد كانت تتحرك صعودًا وهبوطًا على الجبال، طبقًا لاختلاف المواسم، بل في بعض الأحيان الأخري حدث ترحال.

وتشير مدونة ليبيا الى أن ليبيا تحتوي على مدن أثرية كاملة من الحضارتين الإغريقية والرومانية كقورينا (شحات)، سوسة (أبولونيا)، توكرة، لبتوس ماغنا (لبدة الكبرى)، صبراتة وطلميثة. وهناك مواقع من الحضارتين في عدة مناطق في ليبيا كبرنيق ويسبريدس في بنغازي، ومواقع خاصة بالحضارة الجرمانتية في جنوب غرب البلاد مثل مدينة جرمة الأثرية، اضافة إلى آثار عربية وإسلامية في مواقع بطرابلس، اجدابيا، درنة، الخمس، طبرق، زويلة.

وهناك أيضًا مواقع من الحضارة الأمازيغية في مناطق جبل نفوسة أو الجبل الغربي. كما يوجد في ليبيا 5 مواقع مصنفة مواقع تراث إنساني عالمي بحسب منظمة ليونيسكو، وهي شحات، لبدة الكبرى، غدامس، جبال أكاكوس، حيث مجموعة من الرسوم الملونة والنقوش من فترة ما قبل التاريخ، إلا أن العديد من الباحثين الأثريين يؤكدون أن هناك أماكن ومعالم كثيرة في ليبيا جديرة بأن تصنف كتراث إنساني عالمي.

ويوجد قرابة 20 متحف عام ومختص، موزعة على عدد من المدن الليبية، يخشى عليها من السرقة، أكبرها وأغناها متحف السرايا الحمراء في طرابلس، ومتحف شحات للمنحوتات، ومتحف لبدة، ومتحف صبراتة، ومتحف جرمة، في حين تفتقد مدنٌ أخرى لمتاحف عاملة كمثل سبها ودرنة، وبنغازي التي تفتقد لمتحف وطني بعد هدم متحفها في العام 2006 من قبل الحكومة بحجة بنائه فوق منطقة أثرية. ما تزال قطعه مخزنة في المخازن.

وتوجد في أغلب المدن الليبية مبانٍ وأحياء كاملة يطلق عليها اسم “المدن القديمة”، ولا يزال العديد من منشآتها ومبانيها مستخدمًا حتى يومنا هذا كالمدن القديمة في طرابلس وبنغازي ودرنة، في حين صارت المدن القديمة في بعض المناطق أثرًا بعد عين، بسبب اهمال الدولة أو هدمها بحجة التحديث كما حدث في زليتن.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً