أثر السياسة والأمن على الأمازيغ اجتماعياً واقتصادياً

أثر السياسة والأمن على الأمازيغ اجتماعياً واقتصادياً

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

المستخلص:

تناقش هذه الورقة موقف الأمازيغ السياسي وتأثير هذا الموقف في الجوانب الأمنية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية عليهم. سيتم اعتماد المنهج الوصفي التحليلي في هذه الدراسة، ووصف وضع الأمازيغ وحالهم سيتم من خلال ما يتوفر من معلومات للمؤلف بالإضافة إلى الاستعانة بعدد من المقالات المنشورة للمؤلف، كمراجع، والموزعة بشكل مكثف على المواقع والصحف الإلكترونية التالية: ليبيا المستقبل، عين ليبيا، أوسان، الحوار المتمدن إضافة إلى صحف أخرى. سيتم توظيف كل المعلومات والوقائع المتوفرة واخضاعها للتحليل المحايد بعيداً عن العواطف وستختم الورقة بخلاصة وتوصيات.

ستبدأ هذه الورقة، بعد مقدمة تاريخية، بدراسة الجوانب السياسية التي أثرت في الحراك الأمازيغي وتأثرت به، بقدر محدود، والتي بدورها لعبت دوراً مهماً في الوضع الأمني الذي عاشته وتعيشه المناطق الأمازيغية وكذلك ليبيا. كما لوحظ بأن السياسة والوضع الأمني تلازما إلى حد كبير وأثرا على العلاقات الاجتماعية وساهمت الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية بدرجة معقولة في الأوضاع الاقتصادية والتي تأثرت أكثر بالأوضاع الأمنية والسياسية.

المقدمة:

قراءة المشهد الذي يعيشه الأمازيغ اليوم من أي زاوية كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أم أمنية لا تنفك عن الماضي القريب خلال حقبة عصر الجماهير والكتاب الأخضر. فمرحلة النظام السابق عنصرية بامتياز وحسب قراءة الباحث كانت تسير ضمن مشروع سايكس الانجليزي الذي شعاره العروبة البدوية بعباءة الإسلام السلفي المتطرف، والجامد على النصوص، والذي يمتد من ليبيا إلى أقصى الشرق بالعراق، باستثناء سوريا ولبنان، لتكونا مع الدول الواقعة غرب ليبيا والتي تسير على نهج ومشروع بيكو الفرنسي والذي هو عبارة عن المدنية الفرنكوفونية المنسلخة عن الإسلام والمنحلة من القيم والأخلاق الاسلامية بل والرافضة للإسلام جملة وتفصيلا.

الواضح أن المشروع الإنجليزي، والذي أصلا تأسس ضد الدولة العثمانية، لم يسير على ما يرام في العهد الملكي الذي كان عروبي متزن، إلى حد ما، ولكنه لم يكن بدوياً بل كان مدنياً ولم يكن سلفياً بل هو صوفياً معتدلاً. فربما كان معمر القذافي العروبي المتعنصر، الأنسب لقيادة هذا المشروع، فهو رافع شعار “أنتصرت الخيمة على القصر”، وعدو الإسلام المتلون، وهو الذي صلت خلفه الآلف من المسلمين “السذج” بكانو ودخلت على يده للإسلام أجمل عاهرات إيطاليا ضمن مسرحية هزلية، وشكك في القرآن والسنة المتواترة، وبذلك فهو الأنسب وبدون منازع لقيادة هذا المشروع.

مع المد العروبي بليبيا تأثر بعض المثقفين الأمازيغ خلال العهد الملكي، الرافض لحقوق الأمازيغ اللغوية والثقافية، بتوجهات حزب البعث العربي وانضموا إليه كما أنضم البعض الأخر للتيار الإسلامي “غير السلفي”. وبعد الغزو الفكري الذي أقتحم به الدكتاتور معمر منابر المساجد ومراكز الفكر والتنوير مع إعلان النقاط الخمس بتاريخ 15 أبريل 1973م، جاءت الثورة الثقافية من مدينة أمازيغية وفي مناسبة دينية “المولد النبوي الشريف” ومن هنا كان الإعلان عن بدأ مسلسل الرعب ضد الأمازيغ والإسلام المعتدل.

بعد أن ضاق درعاً القذافي بما يصله من تقارير بشأن النتائج العكسية التي باتت ملحوظة من تمسك الأمازيغ بلغتهم وبنسيجهم الاجتماعي والبدء في التسمي بأسماء أمازيغية والكتابة بحروف التيفيناغ، يخرج القذافي ويعلنها صراحة في خطابه عام 1983 “بالله كلام الجدات وخرافات العجائز، لا بد أن ينتهي بربر ما بربر، لغة قديمة ما لغة قديمة”. وصار أكثر عدائية ووضوحاً بعد أن أكتشف المشاركة الفاعلة للإمازيغ في الجناح العسكري للجبة الوطنية لإنقاذ ليبيا ومحاولة اغتياله بباب العزيزة في مايو 1984 وكان الخطاب عام 1985 حيث قال: “فإذا كنت تسير في هذا المخطط، إذا تسير في مخطط الأعداء لا بد من محاربتك.. حتى هذه اللغة دعها تنتهي.. لغة لم تعد تنفعنا في شيء ولا نريدها.. فإن كانت أمك تدربك عليها فهي رجعية ترضعك حليب الاستعمار وتسقيك السم”.

واستمر العداء، بل ووصمهم بالعمالة للاستعمار، ومع دخول الألفية الجديدة تبدل الخطابة ولا يدري الكاتب! هل كان ذلك بعد محاولة تسلل أبنه سيف الإسلام إلى أعداء معمر: الإسلامين، والليبراليين، والأمازيغ إلى أن جدد العداء بحملات شرسة من بعد زيارة أبنه سيف لمدينة يفرن في 28 أغسطس 2008م واستمر إلى أن جاءت انتفاضة 2011 حيث أعلنت جميع المدن الأمازيغية انحيازها التام إلى التحرر من دكتاتورية معمر القذافي ورفض نظامه العنصري العروبي.

الموقف السياسي للأمازيغ:

لم يصبغ الأمازيغ بطيف أو بشكل سياسي محدد، أنما نجد تباين في توجهات الأمازيغ كما هو الحال بالنسبة لأي جماعة طبيعية. إلا أن خلال حقبة النظام السابق نستطيع أن نقول بأن الصبغة السياسية الواضحة لمعظم الأمازيغ هي المعارضة للنظام السابق بل يصل لدرجة الحقد عليه نتيجة عنصريته المفرطة ونظامه الدكتاتوري المستبد. وهذا ما جعل من أغلبية الأمازيغ مناصرين لفبراير 2011 بل لا نبالغ بالقول لولا مناصرة الأمازيغ ما كانت لترجح كفة الثوار ولو كانوا على الحياد من الحرب ضد الدكتاتور معمر القذافي.

الواضح من دور الأمازيغ في 2011 م يؤكد أن أغلبية الأمازيغ يسعون للحرية والتحرر ويناصرون التخلص من الدكتاتورية وهذا ما يُدلل عليه الباحث رشيد الخشاشنة في مقالته المنشورة على موقع سويسري swissinfo.ch بتاريخ 16 أكتوبر 2016م يعنوان: “أمازيغ ليبيا يصارعون من أجل ادماج يحفظ حقوقهم الثقافية ” نقلا عن أستاذ التاريخ المعاصر ،المتخصص في الشأن الليبي، أنطونيو موروني من جامعة بافيا الإيطالية، والباحثة من جامعة روما  كيارا باغانو بأنه وبعد أن أجريا مسحا ميدانيا عن أمازيغ جبل نفوسة، توصلوا إلى أنه وبالرغم من “عقود من القمع السياسي والتهميش الاجتماعي على حساب البربر قد شكلت حافزا واضحا على الثورة، فمن الخطأ أن نستنتج من ذلك أن البربر (الأمازيغ) قاتلوا من أجل هوية خاصة بهم أو انفصالية بشكل صريح، بل على العكس من ذلك هم ناضلوا من أجل حقوق الليبيين أجمعين”. إلا أن الحقوق الأمازيغية باتت شعارات يرفعها السياسيون أمازيغ وغير أمازيغ.

دخل الأمازيغ، بكل سعادة وفرح، معترك انتخابات المؤتمر الوطني العام في 12/7/ 2012 فرادى وأحزاب وبالرغم من ترأس السيد د.نوري بوسهمين المؤتمر وهو ضمن 5 أعضاء مستقلين نجحوا في الترشح عن مناطقهم، إضافة إلى بعض الأمازيغي مثلوا أحزاب لها تاريخ وأخرى حديثة العهد وتأسست بعد 2011م.  مع الفشل الذريع الذي وصل إليه الأمازيغ أعضاء مؤتمر ونشطاء الأمازيغ في تضمين حقوقهم، في مسودة الدستور الصادرة عن الهيئة الدستورية المنتخبة، المنحصرة في الهوية واللغة ورفض آلية اعتماد نصوص مسودة الدستور، قبل الاستفتاء، التي تعتمد على التصويت بالثلثين +1 فكانت المقاطعة لانتخابات الهيئة الدستورية وكذلك البرلمان. وأثمرت المقاطعة بعض التحسينات على مسودة الدستور. واليوم يتحرك حزبين على رأسهما أمازيغي حزب تيار بلادي ويترأسه د. نوري بوسهمين، وحزب الليبو ويترأسه د.فتحي بن خليفه.  الإحباط الذي منِيَ به الشعب الليبي يعني كان بنفس الدرجة بالنسبة للأمازيغ. اليوم معظم الأمازيغ لا يهمهم من يكون على رأس المؤسسات تشريعية أو تنفيذية أو قضائية لأن التجربة أثبتت ترأس الأمازيغ للمؤتمر والقضاء لم يخدم حقوقهم بشيء فالأمل معقود في تحقيق الاستقرار من خلال أمنٍ وسلامٍ عادل وشامل ودائم.

تصنيف الأمازيع اليوم:

باختلاف ردة فعل الأمازيغ مع شطحات وعنصرية الدكتاتور معمر يمكن تقسيم الأمازيغ إلى ثلاثة مجموعات ساهمت بشكل أو أخر في توجهاتها السياسية وانعكست على وضعها الأمني وكذلك الاجتماعي والاقتصادي:

المنحازين للغة والثقافة الأمازيغية:

زرع الاستعمار المحتل مشاريع الكراهية بين الأمازيغ وباقي شركائهم في الوطن بل والحروب الأهلية “الفلاقة” أبان العهد الإيطالي خلفت هوة بين الأمازيغ وشركائهم في جبل نفوسة بالدرجة الأولى. وعاشوا مع هواجس “التفليق” والقلق من كراهية الأخر: وهؤلاء ينقسمون إلى فئتين:

الفئة الأولى: الغالبية العظمى من العامة التي حملت في عقلها الباطن حواجز مع الأخر وتصنف إلى مجموعتين: مجموعة تعيش بجبل نفوسة وزوارة والعلاقة يسودها البرود وظلت سطحية، ومجموعة نزلت لطرابلس ونقلت معها مخاوفها من الأخر وتعاونت مع الأمازيغ وظل الهدف تأمين لقمة العيش بالاجتهاد والتعلم والإخلاص في العمل ولو أحياناً على حساب الأمازيغية.

الفئة الثانية: يضم المثقفين من الأمازيغ وهؤلاء من قرأوا التاريخ وتعرفوا على أنظمة الحكم الاستبدادية وكيف وُظف العرق العربي والانتساب له لحكم الشعوب أو لبس عباءة الدين وممارسة الدكتاتورية على شعوب العالم.

يُشكل غالبية نشطاء الأمازيغية من المجموعة الثانية ومعظمهم ناجحين في أعمالهم ويركزون على الإخلاص والأمانة ويتطلعون إلى دولة المواطنة والحقوق المدنية. إلا أن حظوظهم في المشاركة السياسية ونشاطاتهم موزعة ومبعثرة على قناعتهم ببناء الدولة الوطنية. البعض منهم استهوتهم فكرة الأقاليم المستقلة واطروحات الحكم الذاتي، التي ظاهرها الرحمة والشفق عليهم وباطنها أضعافهم وتفكيكهم، وربما أكبر المشجعين على ذلك دولياً إيطاليا وفرنسا، واسرائيل.

أصحاب التوجه البعثي أو الإسلامي:

لا يدري الباحث تحديداً أين وجد البعثين ضالتهم بعد 2011 وربما وجدها البعض في حزب التحالف والأخريين في بعض الأحزاب الأخرى ولكن الأعداد متواضعة جداً. ولكن أصحاب التوجه الإسلامي استقطبهم حزب العدالة والتنمية وتظل الأعداد أيضاً محدودة. وربما ونتيجة لولائهم الحزبي الذي تجاوز الحدود، فقد عمت بصيرتهم عن حقوقهم الطبيعية في اللغة والثقافة. واستمر كلامهم عن الحقوق الأمازيغية لكسب أصوات الأمازيغ في الانتخابات.

النفعيين أصحاب المصالح الضيقة:

أعدادهم محدودة جداً ولكن تأثيرهم ظاهر ومعظمهم عملوا في منظومة أمن الدكتاتور معمر ولعبوا دور القيادات الشعبية في منظومة الجماهيرية. فتدربوا على التنسيق للانتخابات، المربوعة والتصعيد الشعبي،  والوصول إلى منافعهم الشخصية بالتنسيق مع بعضهم وتبادل الأدوار وتوزيعها. هذه الشخصيات تظهر أحياناً وتتخفى حسب ما تمليه عليهم الظروف والمصلحة. فهم مع التيار الأمازيغ عندما يكون جارف ومع الأصوات المنادية بعودة سيف الإسلام عندما تهمس الأصوات بعودته.

المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا:

مع بدء ارهاصات التحرير في 2011م وبعد المشادة الكلامية بين السيد خالد زكري عضو المجلس الانتقالي عن جادو والسيد فتحي تربل في اجتماع للمجلس ببنغازي 8 سبتمبر2011 م فقد السيد تربل السيطرة عن لسانه، أو هكذا برر كلامه، “لما ننتهي من التحرير نمسحوكم مسح يا أمازيغ” هذا الجملة حركت جميع النشطاء الأمازيغ من مختلف مناطق ليبيا وكانت الاجتماعات الطارئة بجبل نفوسه التي تمخض عنها الإعلان عن المؤتمر الوطني الأمازيغي الليبي بتاريخ 26 سبتمبر 2011 م بأيركسوس بطرابلس، قبل إعلان التحرير في 20 أكتوبر 2011، الذي حضره الآلاف من المشاركين من داخل وخارج ليبيا وبحضور نوعي لمنظمات عالمية.

في 28 أبريل 2012م تأسس لغير الناطقين بالأمازيغية إطار باسم اتحاد القوى الوطنية للأصالة والانتماء والتنمية وهذا وسع من دائرة الجبهة الحقوقية لأمازيغ ليبيا إلا أنها في المقابل زادة من تقسيم التوجه السياسي وتشتيت الأصوات المشتتة. توسعت دائرة الأمازيغ غير الناطقين لتمتد إلى أوجلة التي عبرت عن أمازيغيتها بمهرجانات دعت لها ضيوف من المدن الناطقة بالأمازيغية كما استدعت ذاكرتها وتراثها الأمازيغي لتفصح عن أمازيغيتها قبل سيطرت حفتر. كانت اللغة الأمازيغية حاضرة بعدد من الواحات مع بداية الاحتلال الإيطالي مثل أوجله، وسوكنه، والفقها ليتمدد حبل التواصل بين الأمازيغ إلى الوسط والشرق.

تطور المؤتمر الوطني الأمازيغي الليبي للقاء كبير، شارك في تنظيمه جميع المجالس المحلية، وبنفس المكان في 13 يناير 2013م وحضرته وفود من دول خارجية وتمخض عته المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا غير المنتخب، ولحسم الخلافات التي حصلت بين أعضاء المجلس ففي 30 أغسطس 2015 م انتخب عضوين وامرأة عن كل مدينة ناطقة بالأمازيغية ومن مجموع المنتخبين تشكل المجلس الأعلى مع عضوية عمداء البلديات. وبرز المجلس بشرعية الانتخابات الديمقراطية كممثل عن الأمازيغ الناطقين من خلال متابعته للقرارات العنصرية الصادرة عن الدولة الليبية سواءٌ لما صدر عن ديوان المحاسبة بتاريخ 7 مارس 2016 يرفض صرف مرتبات لمدرسي اللغة الأمازيغية فوجه المجلس خطاب شديد اللهجة للديوان بتاريخ 20 أبريل 2016 واتهمه بتهديد الوحدة الوطنية. ورد أيضاً على قرار وزير التعليم بشأن إدراج مادة اللغة الأمازيغية تحت المجموع فوجه خطاب لجميع مكاتب التعليم بالمناطق الأمازيغية برفض تنفيذ القرار وحمل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق مسؤولية ما قد ينتج من عدم استقرار بسبب هذا القرار.

بعد أن لوحظ نشاط المجلس اليقظ والمراقب للممارسات العنصرية من بعض الأفراد العاملين بمؤسسات الدولة بل امتد نشاط المجلس إلى الهيئات الدولية بعد تلقيه العديد من الدعوات لحضور عدة اجتماعات داخل وخارج ليبيا. لقد ظهرت صراعات غير نظيف، بل ومشبوهة، في الانتخابات الأخيرة للمجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا حيث لوحظ تحرك خفي لمن غابوا عن المشهد بعد 2011 وقد تم مؤخراً إعادة انتخاب المجلس بتاريخ 8 مارس 2021م.

قصة الإقليم الرابع:

سمع الكاتب، بمدينة بنغازي في شهر يونيو 2011م، من شاب يعيش مع أهله خارج ليبيا وأصوله من المنطقة الغربية ويتكلم بلهجة طرابلسية ركيكة “الشراقة ما تتفاهمش امعاهم” ما نطق به في ذلك الوقت مدعاة للاستغراب وخاصة جبهة البريقة مازالت تراوح بين كر وفر.  ليتضح للكاتب بأن هناك من يهمس بمشروع التقسيم مع ارهاصات التحرير! ولكن لا أحد يعرف إلى أي مدى فكرة الحكم الذاتي تراود بعض الأمازيغ الذين فقدوا الثقة في شركائهم في الوطن. فيتردد على مسامعهم إقليم برقة والهيئة البرقاوية وإقليم طرابلس والهيئة الوطنية لإقليم فزان، فلما لا يعلن عن إقليم رابع يخص الأمازيغ؟ وهو بالتأكيد جاء كردة فعل دفعت للمجلس الأعلى ليعلن عن الإقليم الرابع بمدينة جادو مع نهاية شهر يناير من هذه السنة 2021م.  وبالرغم من أن الأمازيغ لا يفكرون في أي مشروع قد يوحي ولو ظاهرياً بالتقسيم إلا أن هناك من يرى بأن الاستقلال عن الحكومة المركزية قد يضمن لهم حقوقهم اللغوية والثقافية. ومع أن مشروع إدارة الحكم المحلي الرشيد بالبلديات قد يحقق الاطمئنان لبعض مخاوف الأمازيغ إلا أن فكرة الإقليم الرابع جاءت نتيجة عدة أسباب، ومنها ما سجلته الذاكرة لحكومة الجماهيرية من ممارسات عنصرية، نوردها على النحو الآتي:

  • تبنت حكومة الجماهيرية العداء صراحة ضد الأمازيغي وخطابات الدكتاتور معمر مسجلة وموثقة بل تشجع أحد منظري الفكر الجماهيري والكتاب الأخضر ليكتب بكل فخر: “يا جباليا يا يهود أنديروا ما داروا الجدود” في إشارة إلى الحرب الأهلية “الفلاقا”.
  • سعى النظام السابق للتغيير الديموغرافي ضمن محاولات التعريب الممنهجة فعمل على توطين البدو الرحل من غير الأمازيغ وزرعهم بين القرى الأمازيغية.
  • يُروج زوراً وبهتاناً بأن ألأمازيغ بمطالبتهم بحقوقهم يفتحون الطريق أمام سعيهم للانفصال. والدليل القاطع للبعض هو رفع الراية الأمازيغية، والأمازيغي/ة لا يرى فيها إلا راية شبيهة لأي نادي اجتماعي ثقافي ينقصه فريق رياضي لتتحول الراية الأمازيغية مثل: راية الاتحاد، والأهلي، والمدينة، والنصر وباقي الأندية الليبية الوطنية.
  • إعلان المنطقة الشرقية ومن جانب واحد في 6 مارس 2012م بأن برقة إقليمياً فدرالياً، ووُجه الإعلان بردود فعل متباينة إلا أن الأمازيغ كانت ردة فعلهم معتدلة غير متطرفة كما حصل من الأخريين الذين رفعوا سقف ردة فعلهم للتخوين والخيانة بنية إعلان التقسيم.
  • نتيجة لمفخخات القانون رقم (18) اسنة 2013 تجرأ وزير التعليم في حكومة الوفاق أن يستبعد مادة اللغة الأمازيغية من المجموع لتصير تحت المجموع ولكن تصدي المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا له وكذلك بعض مؤسسات المجتمع المدني وأيضاً المركز الليبي للدراسات الأمازيغية التابع له في تلك الفترة بتنظيم ورشة عمل حضرها تربويون وقانونيون بتاريخ 13 أكتوبر 2018 م فندت تبريراته للقرار المرفوض من الجميع.  فلم يجد القرار أي آدان صاغية بالمدن الناطقة بالأمازيغية.وهذا ما يشجع على القول بأن الأمازيغ بدون دولة تمثلهم.
  • رفض سفارات ليبية بالخارج وبلديات تسجيل أسماء أمازيغية.
  • تصريحات بعض الشخصيات الغربية الخفية للأمازيغ بأن عليهم الاستقلال عن العرب إذا أردوا تحقيق اهدافهم اللغوية والثقافية، بل دفعهم لتشكيل قوة مسلحة لفرض إرادتهم، والذي سيوظف لمساومات دولية وليس لمصلحة ليبيا.

الجوانب الأمنية:

لعب الدكتاتور معمر القذافي دور المفتن الأكبر في ليبيا وحرك الجميع ضد بعض لمصلحته الشخصية. فشجع العامة، وخاصة أراذل القوم، على عدم احترام الشخصيات الاجتماعية وعلماء الدين، وأحدث انقلاباً على البنية الأخلاقية الاجتماعية فغاب احترام الطالب للمعلم والصغير للكبير، والموظف للمدير، والفقير للغني، والجندي لضباط فأصغر عضو في اللجنة الثورية يحق له استدعاء ضباط  للتحقيق معهم بشأن أمن الثورة! بل وصل الأمر تمرد الشابة على أسرتها والتحاقها بالعسكرية “المستفزة” ضاربة بعرض الحائط كل حدود الحشمة المتعارف عليها. وفي ظل التدهور الأخلاقي فقد كان للإمازيغ نصيب في نجاح الدكتاتور في اقناعهم بكراهية العرب حيث كان في اجتماعاتهم يوصفهم “إينيلتان” أي الرعاة وللأسف البعض صدقه وبات مخلصاً له بل ظهرت عندنا اشاعات في أواسط الأمازيغ بأن ما يقوم به القذافي من عنصرية فجة هو بهدف ايقاظ الأمازيغ وتنبيههم للغتهم وثقافتهم! كلام غير منطقي بالطبع!

خلال انتفاضة فبراير تنحى غالبية الأمازيغ العاملين في قطاع الأمن من منظومة القذافي وانفصلوا عنها، مع استمرار أعداد بسيطة بتحويل معلومات عن نشاط الثوار مع بداية الشهور الأولى لبداية الانتفاضة ثم أثروا السكوت والتزام الحياد.

باعتبار فبراير 2011م فرصة للإمازيغ لا تعوض فقد كانت مشاركة جميع المدن الأمازيغية في اقتلاع شوكة نظام الدكتاتور المستبد معمر القذافي. بل وجد ثوار طرابلس المكان الأمن لهم بنالوت بعد تجربتهم غير الموفقة في بنغازي والزنتان. لقد صار الأمازيغ ملاذً آمناً أيضاً لثوار فبراير وكذلك ثوار العاصمة. وهذا ما جعل المخططين لتحرير طرابلس بأن تكون نقطة الانطلاق لتحرير طرابلس من جبل نفوسة، والذي كان مقنعاً لهم بحكم أن الطريق من جبل نفوسة أقصر وأضمن من البريقة إلى العاصمة.

مع المشاركة الفاعلة في معارك التحرير، وخاصة بعد دخول كتائب القذافي ككلة بتاريخ 2 أبريل 2011م، والتي انحصرت شرقا بالقلعة ويفرن، وغرباً بنالوت وما جاورها إلا أن داعمي التيار العروبي حصروا إعلاميا دور العمل المسلح من مدينة الزنتان، والتي كانت من البداية في مواجهة مع كتائب القذافي بعد تسلل كتائب القذافي من الجنوب لوجود اختلاف مع المشاشية ولكن بدعم من جميع الأمازيغ تم دحر كتائب القذافي، فالمعارك أستمرت شرق وغرب الزنتان، وكانت بالغرب أكثر شراسة بحكم أنها على الحدود التونسية، وهي بعيدة جداً عن الزنتان  ولكن كان مراسلي إعلام العربية يبعثون برسائلهم من الزنتان في إشارة لإهمال دور الأمازيغ. والواضح أن الدول المتدخلة في الإطاحة بالقذافي، ومنها فرنسا، لا تثق في الامازيغ لغيرتهم على أرضهم وحرصهم على تجنب تمزيق النسيج الوطني. فلقد حرص الأمازيغ على عدم التهجم على المدن المجاورة والمناصرة للقذافي فإثبات حسن النية لأحرار فبراير أمازيغ وعرب حرص عليه الأمازيغ بمسؤولية. فكان إطلاق سراح بعض الأسرى وعدم التشفي بأهالي المدن المحررة من سطوة الدكتاتور القذافي، بل كان للأمازيغ قُبول لدخول بعض المدن بعد طرد كتائب القذافي منها ورفض لكتائب ثوار أخرى.

أثبات حسن النية، بعد 2011م، وصل إلى درجة التهاون وعدم التفكير في تأمين المدن الأمازيغ، بل كان هناك تخطيط ممنهج لاستبعاد الأمازيغ من امتلاك أي قوة. فمع أن حوالي نصف عدد الأمازيغ يقطنون طرابلس ولكنهم لم يفكروا في السيطرة على مطار بن غشير أو معيتيقه أو أي مؤسسة حساسة، بالرغم من تكرار سماع الأمازيغ من بعض الممثلين الدوليين بأن على الأمازيغ امتلاك قوة على الأرض لتحقيق استحقاقاتهم الدستورية، فأكثر من مرة جاءت النصيحة بتشكيل مجموعة مسلحة خاصة بالأمازيغ، وبفضل الله لم تنجح أي محاولة لتشكيل أي مجموعة خاصة يالأمازيغ  باستثناء القوى المتحركة، وحرس الحدود الغربية واللتين في معظمهما من أمازيغ بنسبة أكبر فالأولى نسبة الأمازيغ عالية وتضم أيضا شباب من عدة مدن أخرى غير أمازيغية أما الأخيرة فتضم أمازيغ الساحل، بنسبة بسيطة، والجبل والصحراء (الطوارق) وكليهما يتبعان رئاسة الأركان. إلا أنه من الواضح أن الخروقات الأمنية ظلت مستمرة لضعف مديريات الأمن وربما بسبب أضعافها المتعمد بحيث سُمح للمجرمين بتسلق موجة الثوار وممارسة الحرابة والخطف والسطو المسلح والتهريب على طول الخط الحدودي من رأس جدير حتى غات.

تستمر الدعاية المغرضة ضد الأمازيغ وهناك بالتأكيد من ينفذ مخططات لإشعال حرب ضد الأمازيغ ليتيح الفرصة للتدخل الأجنبي بقوة ويفسح المجال أمام من يرغبون في تقاسم ليبيا. أكثر من مرة كانت هناك محاولات للزج بالأمازيغ في حرب أهلية ضد شركائهم في الوطن وجيرانهم. فحرب 2014 كانت في الأساس محاولة لتوجيهها ما بين الزنتان والأمازيغ ولكن تحولت ما بين أنصار فبراير وما سمي بالثورة المضادة لفبراير. بالتأكيد لعب الأعلام دوراً رئيسياً في خلط الأوراق بحيث كان استدراج الأمازيغ للحرب لوحدهم ثم فسح المجال لحفتر، الذي كانت حمايته من ضابط أمازيغ عندما اصطدم مع كتائب من الزنتان، للتدخل ولينقلب على الشرعية بحجج واهية، مما فتح الطريق أيضاً أمام أنصار القذافي للعودة للحرب من جديد مع توريط العديد من شباب أمازيغ الصحراء “الطوارق” في حرب لا تستند إلى دوافع مقنعة لهم سوى ما يتقاضونه من مرتبات.

مع تجمع جيوش القبائل “العربية” في المنطقة الفاصلة ما بين جبل نفوسه والساحل كانت هناك محاولة أخرى للزج بالأمازيغ في حرب أهلية فلقد تحركت دبابات من قرية تيجي “الواقعة جنوب نالوت، لتفتح جبهة مع نالوت، وبالتأكيد كانت العين على نالوت لأنها سيطرة على عدد كبير من الدبابات خلال معركة التحرير في 2011م. فكانت المحاولة في استهلاك ما عندها من دبابات في حرب أهلية، ولكن الفضل يرجع لعقلاء وأحرار الزاوية الذين عملوا على أطفاء نار الحرب قبل أن تنتشر في هشيم الوضع المتأزم في ليبيا.

استمرت بعض الخروقات الأمنية نتيجة لانتشار السلاح وانضمام أعداد من المجرمين لصفوف كتائب الثوار بعد انتصار وتحرير ليبيا من نظام الجماهيرية المستبد. ولولا التدخل الدولي الذي كان سبباً في إشعال نار الحرب لما خسرت ليبيا الآلاف من شبابها، ومع كل المآسي والآلام التي نالت من شباب ليبيا إلا أنه وبقياس حجم السلاح المنتشر وضخ الكراهية والتهديد من إعلام “الجماهيرية” تظل تقديرات الخسائر مقننة ومضبوطة إلى حد ما.

التطرف الديني:

التطرف الديني بات اليوم صناعة استخباراتية يخصص لها أموال طائلة ويتابعها متخصصون في هذا المجال بل ويوجد أيضاً برامج تدريب ومدربين. بالرغم من محاولات زرع التطرف الوهابي المدخلي في مدن نفوسة وزوارة إلا أنه لم ينجح بالرغم من الدعم الذي يتلقاه، مع وجود بعض المُريدين بزوارة، والملاحظ بكثرة عدد قنوات الراديو التي تغطى مناطق الأمازيغ. زد على ذلك محاولات بناء مساجد خاصة بهم. نتيجة للعاطفة الدينية لم يرفض التوجه السلفي مع بداية التحرير بالرغم هواجس البعض بشأن هوية بعد المشاركين في اسقاط نظام القذافي ولكن بعد أن ظهر بالشكل العنصري الداعم للدكتاتورية والممول من السعودية وغيرها.

أعيد صياغة التطرف الديني في المنطقة الشرقية تحت قيادة حكومة الشرق الموالية لحفتر التي صدرت من عندها فتوى بتاريخ 9 يوليو 2017م من اللجنة العليا للإفتاء التابعة لبرلمان طبرق وللحكومة المؤقتة على خلفية الرد على سؤال “عندهم عقائد كفرية” وكان الإصرار على التكفير بعد ذلك بتاريخ 22/7/ 2017م :”فكل من يعتقد هذه العقائد لا تجوز الصلاة خلفه سواءٌ كان عربياً أم أمازيغياً، أباضياً كان أم أشعرياً وأكدت على ذلك حكومة عبدالله الثني في 25 يوليو 2017م  التطرف شجعه اللواء عبدالرزاق الناظوري أمر المنطقة الشرقية بقرار منع سفر المرأة إلا برفقة مُحرم.

تحرك المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا بتاريخ 24 يوليو 2017م وذلك بتقديم مذكرة رسمية تصف خطورة الموقف وتهديد الأمن والسلم في ليبيا بعد تكفير الأمازيغ. تضامن مع الأمازيغ أهاليهم وأخوتهم المالكية والسنة المعتدلة في صلاة جمعة جامعة بمدينة جادو بجبل نفوسه بتاريخ 21 يوليو 2017م، بعد كان تفاعل محتشم من حكومة السراح وصمت دولي غير مقبول ولا نجد له تفسير إلى تشجيع على الحرب الأهلية وتأجيج الفتة بين الشعب الليبي.

البيئة الأمازيغية طارده للتطرف الديني فلا يمكن أن يعيش التطرف بين ظهراني الأمازيغ بالطبع هذا لا ينفي بأن هناك من تم استقطابه من الأمازيغ لخدمة التطرف الديني ولا ندري هل هي قناعات حقيقية؟ أم بسبب الطمع في مكتسبات مادية. فالسعودية تصرف بسخاء على التطرف ورأينا كيف تحولت بعد مقرات الاحتجاز لبعض الكتائب الأمنية إلى مغاسل لأدمغة الشباب ومحطات “ترانزيت” للعبور إلى مدارس التطرف بالمملكة السعودية مغلفٌ بحجج الذهاب للعمرة.

بالطبع صناعة التطرف عالمية واستخدام ليبيا بؤرة لتجميعهم في ليبيا ليست استثناء لتوظيفهم والمساومة بهم، لكن ما هو واضح بشأن التطرف في ليبيا ما يلي:

  • الواضح أن هناك ضخ لأموال طائلة وهذا يفسره انتشار الاذاعات المسموعة التي تغطي معظم المدن والمناطق في ليبيا كثر ما يسمى بالكتيبات الدعوية والتي تخدم التطرف السلفي المدخلي، زد على ذلك تحولت بعد مقرات الاحتجاز والسجون إلى ترانزيت للموقوفين للسفر للسعودية، بحجة العمرة، والحقيقة هي لدورات أمام “شيوخ” التدروش والتطرف والتكفير لأهاليهم ومجتمعاتهم ولكن مع الانصياع التام وطاعة ولي أمرهم، وولي الأمر يحدده شيوخهم.
  • حزام طرابلس العاصمة الواقي لها الزاوية مع جنزور غرباً، مع حماية لظهرها من زواره ، ومصراته شرقاً وجنوباً ترهونة وجبل نفوسة مع ورشفانة، ولوجود نصف تعداد الأمازيغ بطرابلس فنجاح تكفيرهم هو نجاح للتطرف والحكم الدكتاتوري.
  • من خلال متابعة ودراسة التطرف والتحرك العسكري في ليبيا وما أشرنا إليه بدراستنا يؤكد لنا بأن هناك زواج غير شرعي بين العسكر والتطرف أو التدعوش والاستبداد العالمي. فالاستبداد بات اليوم بفتاوى دينية وبرعاية دولية.

الحياة الاجتماعية:

مع تباين مستوى الوعي السياسي بين الأمازيغ وسقوط بعض القيادات التي صنعها نظام القذافي في وحل المصالح الشخصية إضافة إلى صبيان المنظومة الأمنية المهووسين بثقافة “التفنيص” ونشر الرعب، إلا أن الإطار الاجتماعي العام ظل متقارب، ولا نقول متماسك، فالخلخة الاجتماعية التي حاول نظام الجماهيرية احداثها وصلت للأمازيغ ولكن بدرجة لم تتعدى فيها حدود الاحترام عموما ولم تصل لمستوى الخطر. فالمجتمع الامازيغي بمدينه طرابلس متفاوت في درجات الترابط الاجتماعي وبالتأكيد التواصل بطرابلس ليس كما هو الحال بقُرى (مصطلح القرية “آت” أو “أيت” هو أصل الانتماء بين ساكنة القرى الأمازيغية ويرتبط بالأرض وليس القبيلة والعرق كما يظن البعض)  المدن الأمازيغية، المتشكلة من عدد من القرى، لها من العوامل التاريخية والجغرافية ما يجعلها أكثر تماسكا وتتسع دائرة التمساك وبدرجة أعلى ما بين القرى بالمدينة الواحدة ويظل الترابط بين المدن تنسجه خيوط الأنشطة بخصوص الشأن الأمازيغي أو المظلة الاجتماعية لهم اليوم هي المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا. وكان للكاتب تجربتين في تعاضد الأمازيغ من مختلف المدن مع تجمعاتهم بالعاصمة وأيضاً بالخارج في حادثتين أثنين: عندما تعمدت لجنة امتحان ترسيب  الطالبة تيريت أبوزخار بكلية طب الأسنان بسرت في أغسطس 2007 بالرغم من تفوقها خلال جميع سنوات الدراسة بل والنظري في مادة باطنة فم كان بتقدير جيد جداً ولكن رسبت في امتحان الشفوي والعملي، أيضاً عندما وجهت تهمت العمل مع الموساد لمادغيس ومازيغ أبوزخار على خلفية اهتمامهم بالأمازيغية وبتاريخ جبل نفوسه وكان ذلك في 10 يناير 2011م. نعم عندما يستشعر الأمازيغ بالظلم من الخارج فالجميع واحد وهذا لا يعني أنهم واحد في الظروف العادية.

بعد 2011 تقاربت العلاقات الاجتماعية للأمازيغ بطرابلس بقدر وليست كما هو الحال بالمدن الأمازيغية ولكن باتت أكثر ارتباطاً بسبب أنشطة مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والتي كثيراً ما تكون مناسبات للقاء والتواصل بين أمازيغ العاصمة مع بعضهم البعض وكذلك رفاق الحرية والتحرر من عرب وتبو. زد على ذلك فإن اختبارات الشفرة الجينية وما يطلق عليه دي آن آي (DNA) والتي غيرت نظرة بعض الليبيين لأصولهم بل تشجعوا وأعلنوا بأنهم أمازيغ غير ناطقين. الجميل في هذه التقنية أن هذه الاختبارات اثبت لنا بأن الشفرة يغلب عليها نوع معين من الأعراق ولكن تتضمن العديد من الأعراق الأخرى. وهذا يعني بأنه من الصعب جداً أن نجد عرق ليبي خالي من أي نسبة ولو بسيطة جداً من الشفرة ألأمازيغية. وهذا يؤكد لنا جميعاً بأننا أمة إنسانية ليبية لا فرق لأمازيغي عن العربي أو غير العربي إلا بالتقوى والعمل الصالح. بات هذا المفهوم يتبلور عند البعض، أمازيغ وغير أمازيغ بفضل التكنولوجيا الحديثة فالشكر للتكنولوجيا ” thanks to technology” التي صححت وستصحح لنا الكثير من المفاهيم العنصرية “يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير” سورة الحجرات آية 13.

قبل 2011م فرضت الظروف السياسية ومخاوف ضياع اللغة انغلاق الامازيغ على أنفسهم اجتماعيا برفض الزواج من غير الأمازيغ وحصر علائقهم الاجتماعية مع غير الأمازيغ بشكل مضبوط ومحدود. فما كان من النظام السابق إلا أن حرص وبكل قوة على خلخلت هذا الترابط الاجتماعي وذلك من خلال المُكر والفساد، وليضمن نجاح مشروعه التخريب للبنية الاجتماعية للأمازيغ فقد حرص على نفث سمومه بالشكل الأتي:

  • جعل من أساس الحياة الماء معضلة ومشكلة ومكلفة تستنزف جزء لا بأس به من مرتبات التسول التي تصل الأمازيغ.
  • حرمان الأمازيغ من توطين أي مشاريع تنموية تشجعهم على الاستقرار بمناطقهم وتبعد عنهم شبح الفقر وهجرة مناطقهم. وما قد يتراءى للبعض بأنها تنموية كالكليات والمعاهد العليا فكان الهدف منها أمني لمحاصرة الشباب المحتمل أن يكونوا نشطين ومراقبهم ووضعهم تحت أعينهم وتتبعهم أي كانت منصات تجسس ومراقبة.
  • مشروعات التخطيط العمراني ظاهرها الرحمة والمدنية وباطنها العذاب والتخريب. فمن المعلوم أن جبل نفوسه أرض بكر بالنسبة للاكتشافات الأثرية. وهذه الكنوز الأثرية لها قيمتان عند الأمازيغ: فمن ناحية تعمق ارتباطهم بالأرض، ومن جانب أخر هي مصدر للتنمية السياحية الاقتصادية. بقرية الكاتب وضمن مساحة لا تتعدى كيلومتر مربع كان المخطط التخريبي “العمراني” يضم جزيرتين دوران ومحطة لوقوف السيارات تخيلوا ما سيبقى من ملامح قرية، آت أمعان، لو نفذ هذا المخطط الشيطاني؟! وقس على ذلك باقي القرى الأمازيغية بجبل نفوسه.
  • حرص على تولي مسؤوليات إدارة البلدية لغير الأمازيغ بحيث يقفل باب الصرف على تنمية مناطقهم.

إلا أنه وبعد انتفاضة 2011 فباتت الأمازيغ اليوم أكثر توسعاً وانتشاراً وهذا يرجع للأسباب التالية:

  • بروز الامازيغ إعلاميا بشكل إيجابي مع قنوات التلفزيون الوطنية ونخص بالذكر قناة ليبيا الأحرار وقناة 218 جعلهم أكثر قبولاً بين أحرار ليبيا وأنصار الدولة المدنية، بل ,اكثر قبولاً لأي برنامج مصالحة بين الأخوة المتخاصمين.
  • نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات وتكنولوجيا شفرة الوراثة الجينية (DNA) فقد شجعت الكثير من غير الناطقين بالأمازيغية، محسوبون عرب، بالتواصل مع نشطاء أمازيغ والتجمع ضمن أطر المجتمع المدني مثل منظمة “الأصالة والتنمية” فالروابط الاجتماعية توسعت مع بعض حالات الزواج المختلطة فصار الترابط أكثر عمقاً وتجدراً. نجد الاهتمام بالأمازيغية حتى من غير الأمازيغ أو الناطقين بالأمازيغة سواءٌ من حيث اللغة أو الثقافة أو حتى النشاط. عمل على توسيع دائرة النشاط الاجتماعي فجعلت الأمازيغ أكثر تأثيراً وتأثراً بشركائهم في الوطن.
  • امتدت أيادي الأمازيغ بالساحل والجبل لتصل إلى أمازيغ الصحراء (إيموهاق أيموشاق أيموزاغ) وهم من يطلق عليهم اليوم (الطوارق). فكان أول لقاء بينهم في نوفمبر 2011م نظمه المؤتمر الوطني الأمازيغي الليبي والذي أعلن عن نفسه في 26 سبتمبر 2011، وتطور من بعد ليصبح منتخباً باسم (المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا).  في نوفمبر 2011 بمدينة أوباري وبالطبع بوعي الشباب أمازيغ الصحراء، ولا ننسى فضل التكنولوجيا والثورات المصاحب لها من معلومات واتصالات، اختلف كثيراً عن تمسك الشيوخ باسم الطوارق. لأضعاف البنية الاجتماعية للأمازيغ حُرِص على تسمية أمازيغ الصحراء بما يطلق عليهم بتسمية الطوارق وهذا غير صحيح فهل يصح تسمية الأمازيغي جدلا بـ “الجبالية” وهو ما يطلق عليهم وليس ما يسمون به أنفسهم. فكذلك الحال بالنسبة لمن يسمونهم الطوارق وهم لا يطلقون على أنفسهم أسم الطوارق ولكن يقولون بلهجات متعددة “أيموهاق” أو “أيموزاغ” أو أيموشاق، ولغتهم يسمونها لا يسمونها الطارقية ولكن يطلقون عليها وبلهجات متعددة: “تماشقت” أو “تماهقت” أو “تمازغت”. هذا الترابط من الساحل بزوارة وبجبل نفوسة بلالوت إلى الصحراء بغدامس، وهم أيضاً أمازيغ وتم التواصل معهم، إلى غات في أقصى الجنوب يجعل من الحدود الغربية سلسلة متصلة للعلاقات الاجتماعية الأمازيغية.
  • صحيح انقلاب حفتر الأول في 2014 وحد تقريباً جميع الأمازيغ ضده ومعهم أنصار الدولة المدنية الديمقراطية وعمق العلاقات الاجتماعية معهم إلا أن غياب أي أنصار من الأمازيغ لحفتر خلال الحرب لم يغير في علاقاتهم مع باقي المدن المنقسمة، بين مؤيد لحفتر ومعارض له، بل أبقى الوضع كما هو ووصل إلى الحد الذي استقبل أهالي جبل نفوسه العديد من الاسر النازحة ومحسوبين على النظام السابق أو حفتر وتأكدنا من ذلك بعد مغادرتهم للبيوت التي أوتهم وترك كتابات على الجدران وعبارات مؤيدة لمعمر وحفتر.

الحروب الأهلية أحدثت بعض الشروج الاجتماعية لكن للأسف الوضع السياسي المُتشظي هو من يذكي نار الفرقة ويوسع من هوة التصدع الاجتماعي ويظل الزمن كفيل برأب الصدع كما وأن العلاقات الاسرة المتشابكة تعتبر خط الدفاع الأول في استمرار العلاقات الاجتماعية بشكل مناسب ولو ظاهرياً.

النشاط الاقتصادي:

جدلية أن الاقتصاد يؤثر في السياسية أم السياسة تؤثر في الاقتصاد لا تنطبق على الوضع الليبي لغياب الاقتصاد جملةً وتفصلا بل السياسية في ليبيا محركاتها من خارج حدودها. لذلك ما حصل في ليبيا من مفاهيم سار مرغما عليها الشعب الليبي ومسيراً غير مشاركاً ولا مخيراً له ارتداداته على الحياة الاقتصادية أو النظام الريعي الذي فرض على الشعب الليبي بما في ذلك الأمازيغ فهم جزء لا يتجزأ منه ومعاناتهم هي معاناة الجميع في ليبيا.

لقد طالت سياسة فكر الكتاب الأخضر الجميع وذلك بتحويل جميع الليبيين والليبيات إلى متسولين ومتسولات عند أبواب “الجماهيرية العظمى” بعد تجميد القطاع الخاص وتحويلهم لموظفين/ات بالإدارات الشعبية والأسواق الشعبية والتشاركيات “الإنتاجية” الشعبية. والمدن الأمازيغية ليست استثناء ولكن مع الانفتاح من بعد منتصف العقد الأول للألفية الثانية لا يفرق نشاط المجتمع الامازيغ أتيحت بعض فرص العمل الخاص ولكن كما هي جميع الأنظمة القمعية الاستبدادية أي عمل يدور في فلك المنظومة الأمنية.

لا ننسى بعد 2011م وفوضى انتشار السلاح وبيعه والسرقات التي حصلت للمقرات الحكومية فبعض الأمازيغ تحسن وضعهم الاقتصادي ومن وجد فرصة للنزول لطرابلس ألتحق ببعض المجموعات المسلحة لتحسين وضعه المادي.

حرص النظام السابق على خلخلت المدن الأمازيغية مستخدماً في تخريبه أدوات مثل التخطيط “التخريب” العمراني لمسح الثروة الأثرية من على ظهر جبل نفوسة وتشريد أهلها بشح ماء الحياة وتغيب أي مشاريع تنموية جاذبة للاستقرار. مع 2011 لم تختلف كثيراً في البداية عقلية المجالس المحلية عن القيادات الشعبية في ظل نظام الجماهيرية ولكن نجحت إلى حد كبير، ومع التجاوزات في صرف الإغاثة والأموال “المفسدة”، إلا أن خوض تجربة انتخابات البلدية نجحت بقدر فلقد استمرت محاولات قيادة القيادات الشعبية من الخلف ومع كل العيوب من هنا وهناك ولكن التجربة في العموم تعتبر ناجحة. ففي ظل تحرك المجتمع المدني ومراقبته بدأت تتغير عقلية مجالس البلدية ولكن ببطأ. فمازال شبح الشفافية يرعبهم ومواجهة الجمهور غير متشجعين لها وحديث “المرابيع” هو الأقرب لقلوبهم.

لم تُحدث مجالس البلدية أي حركة اقتصادية لكن ربما كان لأموال الحرب حركة للسوق في جبل نفوسه بقدر مع استمرار ضعف القدرة الشرائية من الساكنة وقدرة القادمين من طرابلس الشرائية أفضل حال ولكن هذا خلال فصل الصيف حيث تظهر فاكهة التين. ومع ارتفاع أسعار التين طازج أم مجفف وكذلك اللوزيات والزيتون فقد باتت الزراعة في مدن جبل نفوسة واعدة ولكن الدعم والإرشاد والزراعي ضعيف ويكاد يكون معدوم. كما وأن تربية الأغنام ممكن أن تكون مورد اقتصادي لو هناك حرص على حفظ سلالتها وهذا ينسحب على الزيتون والتين واللوزيات.

المدن التي على الحدود الليبية بالمنطقة الغربية مثل زوارة ونالوت تنشط فيها تجارة تهريب البضائع والوقود ولكن للأسف بزوارة نشطت ايضاً فيها تجارة تهريب البشر وتهريب الوقود بشكل أوسع وهذا النشاط تستفيد منه عصابات من وراء الحدود الليبية ولكن تظل مساعدة الليبيين هي اللاعب الأكبر في الموضوع. وهذا يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الليبي وبتدني خدمات الشعب الليبي.

في الواقع الخط الحدودي للإمازيغ يمتد من زواره إلى غات في أقصى الجنوب عبر نالوت وغدامس وأوباري، وهذا ربما ما دفع بدولة مثل فرنسا لمحاولة توطيد العلاقة مع بعض الضباط الأمازيغ للتنسيق معهم بشأن تنسيق ما يمر عبر الحدود وما يمنع من المرور!.

ربط المدن الأمازيغية على جبل نفوسه سواءٌ بالساحل أو الصحراء عبر مدن غير ناطقة بالأمازيغية سيحرك الاقتصاد ويخلق تنمية اقتصادية تعود بالمصلحة على الجميع. وأكبر مصلحة تتمثل في المصالحة وعودة مياه العلاقات الاجتماعية الراكدة لتحركها المنافع الاقتصادية.  توجد مقترحات فنشاء مدينة بالمنطقة الفاصلة لجبل نفوسة عن الساحل والمسماة “الجفارة” بحيث تتحرك البضائع من وإلى المدن الساحلية والجبلية وتحريك أيضاً النشاط السياحي ومد المياه المُحلاة من البحر إلى الجبل أو توظيف طاقات الرياح في توليد طاقة نظيفة. كل ذلك سيخلق فرصة عمل للجميع فمنطقة الجفارة لها مستقبل واعد لم تم الاستثمار فيها بما يخدم مدن الجبل والساحل.

الخلاصة والتوصيات:

الواضح ما يجهله البعض، بما فيهم بعض الأمازيغ، أنهم رقم لا يستهان به في العاصمة طرابلس وفي المنطقة الغربية وقد يكون من المبالغة فيه بأنه كان لهم دوراً لا يستهان به في تحرير طرابلس أولاً وفي إفشال انقلاب حفتر في 2014م ثانياً وفي رد عدوان قوات ومرتزقة حفتر بعد هجومه على العاصمة في 4 أبريل 2019م ثالثاً، ومع عديد المحاولات في دفعهم في اتجاه تشكيل مجموعة مسلحة خاصة بهم إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل وكان ذلك من صالحهم. إلا أنه وفي فترة كانت محدودة في حرب ضد اللواء التاسع والتي قادها الكانيات بترهونه والتي انقسم فيها الثوار، بما فيهم الأمازيغ، فقد تحقق ما كان يطمح له الأعداء بتشكل مجموعة عادل شيتا بغوط الشعال ومجموعة دلعوب بقرقارش إلا أنه كان هناك في المقابل عدم رضى من الأمازيغ بكتيبة ثوار طرابلس، وقد أكد لهم حدسهم خلال الهجوم على غوط الشعال وقرقارش صحة رأيهم بعد أن تبين لهم خلال المواجهة المسلحة كراهية البعض للأمازيغ حيث سمعوا بالحرف الواحد، عندما لمح أحدهم علم الأمازيغ فقال: “العلم هذا سبب الفتنة.. لازم نمسحوا الجبالية (الأمازيغ) هذي فرصتنا” المهم حرص الأمازيغ على هدم مقرات الكتائب المسلحة بغوط الشعال وقرقارس بهدف عدم تشكل أي مجموعات مسلحة من جديد، لأنه بوجود تلك المقرات سيجد المخططين لذلك الفرصة ليعاودوا الكرة ليعمقوا من شروخ الكراهية مع شركائهم في الوطن وسيعطون مبررات بتخوينهم. كل ما تقدم يدفع الأمازيغ لغياب الثقة في أي حكومة القادمة، وخاصة أن عبيد النظام السابق متشربي الكراهية موجودين بليبيا، لذلك كان تمسك الجميع بتضمين حقوقهم اللغوي والثقافية بحيث تفشل برامج أضعاف اللغة والعمل على إخفائها من على وجه ليبيا، والثانية خوف الأمازيغ على أنفسهم من تكرار العنصرية المفرطة التي يتجرأ فيها مسؤول سواءٌ على رأس الدولة أو موظف بسيط ليتهكم على الأمازيغية والأمازيغ ولا يجد أي تشريع يردعه ومنها جاء التمسك بدسترة الحقوق وترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور. بل تعدى الأمر لغياب الثقة واختفاء جميع الرسالة المطمئنة التي استقبلها الأمازيغ خلال معركة التحرير.

تسجل في اللاوعي عند الأمازيغ كيف وظفت حكومة الجماهيرية صناعة الكراهية وعملت على تعميق الهوة بين الأمازيغ وجيرانهم بل وصل الأمر إلى محاولات التغيير الديموغرافي تارة ببناء مساكن شعبية وتوطين بدو رحل بها وتسليمهم مناصب إدارية حساسة للعبث وزعزعة الأمن والاستقرار، وتارة أخرى بمخططات يفترض أن تكون عمرانية بل استهدفت مسح آثارهم ومناطق سكناهم ولا يُخفى عن أحد تغييب ماء الحياة عن مدنهم وقراهم ومنع أي مشاريع تنموية حقيقية بمناطقهم.

نستخلص أيضاً من دراستنا بأن التفكك الاجتماعي والخلل الأمني والضعف الاقتصادي هو نتيجة لعدة أسباب تتلخص في الأتي:

  • نجاح النظام السابق في هدم البنية الأخلاقية للمجتمع الليبي خلخلت قواعد وروابط العلاقات الاجتماعية بين جميع الأسر الليبية فأثرت سلباً على علائق الأمازيغ بدرجة ضعيفة فيما بينهم وبنفس الدرجة من الضعف مع غير الأمازيغ البعيدين عنهم، ولكن نجحت مشاريع الكراهية في الوصول إلى البعض من جيرانهم.
  • فوضى ما بعد 2011 فتحت الأبواب على مصرعيها للسرقة والنهب للجميع، وعلى مستوى لا يتجاوز حدود المتوسط، بما في ذلك للأمازيغ ولكن احتكرت تجارة السلاح والاعتمادات لغير الأمازيغ وكأن هناك خوف من مشاركة الأمازيغ في هذه الجرائم الاقتصادية التي تدر الملايين، وقد يعلل هذا بالآتي:

o محاولات بعض الأمازيغ في تشكيل مجموعات مسلحة مثل عادل الملقب بـ “شيتا” بغوط الشعال ومجدي دلعوب بمنطقة قرقاش فخُطط لتدميرهم لأنهم أمازيغ ولا نستغرب وجود تهيأة وخطاب كراهية ضدهم قبل الهجوم عليهم.

o تولى الأمازيغ قيادة بعض الكتائب المسلحة خلال معارك التحرير أو صد العدوان عن العاصمة طرابلس لكن بقدرة قادر تتحول عنهم القيادة بعد انتهاء المعارك. وهذا يفسر الخوف من أن تصل إلى أيديهم الأموال ويصبحوا من بعد أصحاب الملايين فالهاربين خارج ليبيا أغلبهم ليسوا أمازيغ.

  • شارك قليل من الأمازيغ مع عصابات من خارج الوطن في التجارة العابرة للحدود كالوقود والبشر وخاصة من خلال المدن الحدودية. لكن بالنظر في الأسماء اللامعة من الهاربين بالملاين خارج ليبيا، ووضعهم المادي قبل 2011 ضعيف ولا يرقى لمستوى المتوسط، سنجد أن أغلبهم من غير الأمازيغ.

وأن كان هناك من توصيات فقد نوصي بها فهي كما يلي:

  • تأكيد بطلان عنصرية العرق فلا يوجد عرق نقي بشكل كامل فجميع أجناس العالم تتداخل فيها عدة أعراق وهذا ما يجب أن نركز عليه كخلاصة من التقدم التكنولوجي بشأن الشفرات الجينية لتوظيفها بشكل يخدم الناس ويُضحض كذبة العنصرية والكراهية للآخر.
  • الخطوات الحقيقة لبناء الدولة المدنية يجب أن يتم من خلال الأمازيغ فهم أكبر داعم للدولة المدنية والديمقراطية لأنهم يؤمنون بأن دولة العدل والقانون هي الضامن الوحيد الذي يمكن أن تتحقق فيه المواطنة والدولة القادرة على ضمان حقوقهم وكرامتهم.
  • ضرورة الاستثمار في مشاريع تنموية تربط بين المدن الأمازيغية بالجبل والمدن غير الأمازيغية بالساحل لأن المنافع الاقتصادية ستعزز العلاقات الاجتماعية وستذوب الثلج الوهمي المصنوع من الغرباء بداخل ليبيا بجهلهم ومن خارجها بمخططاتهم ومكرهم.
  • بإدارة الحكم الرشيد للبلديات ستتحقق منافع للأمازيغ وتُضمن حقوقهم بدرجة أقل من الدستور ولكنها ستدعم الكثير من المكاسب فيما يخص التنمية المكانية وتطوير تعليم اللغة الأمازيغية وترسيمها ضمن حدود البلدية الإدارية. وهذا سيبعد شبح التقسيم الذي يعمل من أجله وبجد أشباح خفية من دول خارجية لا تصرح بنواياها التخريبية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً