أين ليبيا من العالم الغربي وروسيا والصين والدور التركي؟

أين ليبيا من العالم الغربي وروسيا والصين والدور التركي؟

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

تمتلك ليبيا موقعاً جيوسياسياً مهماً جداً للعالم، ومن بعد سقوط الدولة العثمانية (تركيا اليوم) باتت ليبيا مسرحاً للصراع، بل صارت تستخدم ليبيا كورقة للضغط بشكل مباشر أو غير مباشر لمن يملك علاقة دبلوماسية جيدة ومرونة حركة على أرضها ضمن اتفاقيات دولية مع نظامها السياسي الحاكم.

فمن بعد تحول القوى العظمى من قطبية ثنائية محور وحلفاء إلى معسكر شرقي وغربي ومع بروز الصين كقوى اقتصادية ونووية وتفكك الاتحاد السوفيتي بات عندنا تقريباً ثلاثة قوى في العالم: الصين، وروسيا والعالم الغربي الذي تقوده أمريكا بالتعاون مع بريطانيا، ومازال الضلع الرابع تركيا تعمل على لعب دور وتحويل المثلث إلى مربع. ويظل التنافس نهم على المواقع الاستراتيجية لأن من خلالها يمكن الوصول للمواد الخام والطاقة لتحريك آلة التصنيع وكذلك الأسواق. وتظل ليبيا حلقة وصل بين حضن أفريقيا، موطن المواد الخام والطاقة والعاملة الرخيص، وأوروبا وكذلك بين مشرق العالم ومغربه.

ليبيا والصين:

في محاضرة، عن بعد، للقذافي بجامعة أوكسفورد إجاد فيها بالدور الإيجابي للصين في أفريقيا وتغزل بقوتها الناعمة والمتمثلة في البناء والتنمية وسفه الوجود الغربي والأمريكي وأنكر قوته الصلبة والمتمثلة في القواعد العسكرية والحروب، إضافة إلى حديثة عن الدينار الأفريقي يرى الكاتب من الأسباب الرئيسة لانضمام الناتو إلى انتفاضة الشعب الليبي في فبراير 2011 م. وبعد خمسة أشهر من الانتفاضة، ونتيجة لزيارة وفد من القذافي الصين في 16 يوليو 2011م ألتقى فيها بعدة شركات صينية تصدر السلاح، وبدون نتيجة، فكانت اتهامات الغرب للصين بمخالفة قرارات مجلس الأمن الدولي 1970 و 1973 والتي نفتها وصرحت بعدم تزويد أي معدات عسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر. بعد نجاح انتفاضة 2011 م اعترفت الصين بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي.

بعد الفراغ الذي تركه الغرب في أفريقيا وخلال عقد السبعينات من القرن الماضي حرصت الصين على تقديم المساعدات الاقتصادية للدول حديثة الاستقلال في أفريقيا في محاولة لدعم مناهضة الامبريالية ومكافحة الاستعمار وكل ذلك خدمة لأمنها القومي. لقد قامت الصين ببناء سكك حديدية بين تانزانيا وزامبيا وخلقت علاقات دبلوماسية مع 44 دولة أفريقية وكانت لها شراكات اقتصادية شاملة مع الجزائر ومصر وموريتانيا وشراكة استراتيجية مع المغرب. تذكر أميرة عبدالحليم على موقع “آراء حول الخليج” بأن “الصين تجني 440 مليار دولا أرباحاً من أفريقيا بحلول 2025”.

يلخص مصطفى جالي ضمن مقالته “الصين في إفريقيا: تحقيق غايات القارة أم البحث عن المصالح الاستراتيجية؟” على موقع الجزيرة نت ويقول: “خلال إدارة هو جينتاو (2003-2012)، بدأت الصين في تبنِّي مبدأ شمولي في السياسة الخارجية “من جميع النواحي/في جميع الاتجاهات” (all-round/all-directional) الذي لا يفرِّق نظريًّا بين المناطق الجغرافية أو البلدان”. ويضيف: “الصين الآن هي أكبر بائع للأسلحة لإفريقيا جنوب الصحراء ولديها علاقات في مجال تكنولوجيا الدفاع مع 45 بلدًا، كما وقَّعت روسيا 19 صفقة عسكرية مع دول إفريقية منذ عام 2014.في عام 2018، كانت الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا والهند في المرتبة الثانية وأميركا في المرتبة الثالثة “. مشاركة الصين في أفريقيا تعمقت بحيث أنشأت مقر للمركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض.

من بعد غزو روسيا لأوكرانيا تحركت الصين وصارت تطالب بالسيادة على تايوان. بل وصلت المهزلة مع غزو أوكرانيا إلى تحريض إعلام الجارة مصر، بالتأكيد وهو في حالة سكر وفاقد للوعي، على انتهاز فرصة انشغال العالم بأوكرانيا للسيطرة على المنطقة الشرقية وضمها لمصر بعد أن لاحت للإعلام بوادر العمالة والانبطاح التي شجعتهم على ذلك بتصريح العميل عقيلة صالح بانه لو اقتضت الحاجة طلب الجيش المصري بالتدخل، المحسوب على الشعب الليبي بأنه رئيس البرلمان الليبي، مع مباركة قائد القوات العربية خليفة حفتر.

مؤخراً وبعد إرسال الولايات المتحدة الأمريكية وفداً أمنياً لتايوان وتحرك سفنها عبر مضيق تايوان حذرت الصين بل وهددت أمريكا وقالت لدينا التحذير الصارم: “ما يسمى الردع العسكري سوف يتحول إلى نفايات حديدية عند مواجهة السور العظيم المتكون من 1.4 مليار صين”

ما لا يستغربه الكاتب بأن أمريكا يزعجها التمدد الصيني في أفريقيا وصراعها مع روسيا اليوم من خلال أوروبا والحلف الأطلسي على حدود روسيا الغربية مع أوكرانيا يستدعي الحال إدخال ليبيا في دائرة الصراع بين الثلاثة: أمريكا وروسيا والصين، مع عدم تجاهل الضلع الرابع الفاعل تركيا.

ليبيا وروسيا

لقد أعترفت ليبيا بروسيا في ديسمبر 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واستمرت العلاقات بين الدولتين. بل تعززت بـ زيارتين لسيف الإسلام القذافي لموسكو في ابريل عام 2004  ويونيو عام 2005  قام فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية بزيارة رسمية إلى “الجماهيرية” الليبية في 16-17 ابريل عام 2008، وفي 31 أكتوبر من نفس السنة كان رد الزيارة من معمر القذافي. وتلاها زيارة أمين اللجنة الشعبية العامة البغدادي المحمودي في 15 مايو 2009.

مع نهاية شهر مايو 2011م اقترحت روسيا بتنحي القذافي عن السلطة وأفصحت عن نيتها في التوسط لترتيب خروج آمن له ولعائلته. بل قال الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف في قمة الدول الصناعية الثمانية : “عليه (أي القذافي) أن يرحل، وإذا ما اتخذ هذا القرار، الذي سيعود بالنفع على بلاده وعلى الشعب الليبي، فسيكون من الممكن أن نناقش طريقة خروجه، ,أي بلد سيستقبله وعلى أي أساس، وبماذا يحتفظ وماذا يخسر”. بالطبع من لا ينتخبه الشعب وتكون ولايته محددة فلا يرى في الشعب، ولا ما عنده من ثروات ومقدرات، إلا من ممتلكاته وليس من حقه أن يعيش من بعده  وتركها “جمر” كما أراد.

 دخلت روسيا التزاحم الأطلسي على وسط وشرق وغرب أفريقيا وحاولت استدعاء علاقات الاتحادات السوفيتي القديمة. بمركز دراسات الجزيرة يذكر الخبير في الاقتصاد / تاج السر عبدالله محمد عمر  بأن روسيا وقعت : ” اتفاقيات تعاون مع أكثر من (تسع عشر دولة) إفريقية جُلُّها في غرب إفريقيا، منها على سبيل المثال لا الحصر (نيجيريا، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، والسودان)، كما وقَّعت اتفاقات لاستخراج الغاز الصخري من موزمبيق، وبالتالي استطاعت أن تمد نفوذها وهيمنتها بقوة لوسط وغرب القارة الإفريقية، (إفريقيا الوسطي ونيجيريا وتشاد) .. أما في المغرب العربي، فإن روسيا تستخدم المرتزقة والشركات ذات الخلفية الاستخباراتية والأمنية في ليبيا للقيام بأدوار سياسية وعسكرية وأمنية (شركة فاغنر الروسية) التي تعمل في استغلال الثروات المعدنية، وتشارك في العمليات القتالية وتقديم الدعم لبعض القوى والتيارات السياسية التي تتقاتل في ليبيا،” ويضيف تاج السر بأن  روسيا تريد أن تكون قريبة أيضاً من دول عندها مصادر التعدين : “(النيجر، وموريتانيا، والجزائر)، وقريبة من النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا لتحجيمه وتحييده وإضعافه حتى لا يجد المجال ليتمدد شرقًا تجاه السودان وليبيا”.

الواضح أن فهم الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بما تخطط له روسيا والأخذ بنصيحة، تقدمت بها بعض مراكز التفكير الأمريكية تنصح بضرورة المشاركة مع روسيا والصين، فكانت مساعدته في نتائج الانتخابات وكان لروسيا، ومعها فرنسا التي عندها اتفاقيات مع عسكرية مع روسيا وحتى لا تستفرد لوحدها بليبيا، التعاون مع العميل المزدوج خليفه حفتر للهجوم على العاصمة في 4 أبريل 2019م وخلق الرعب، لتستلم، في أطرافها وخاصة ترهونة مع تحريك الخدم بمنطقة الشرق الأوسط: مصر، والسعودية، والإمارات، والأردن.

يشرح خبير في قطاعات الطاقة السيد/ عامر الشويكي في لقاء على السكاي نيوز عربية بأن شركة روس أتوم من أكبر الشركات في العالم مختصة في بناء المفاعلات وتخصيب اليورانيوم إلا أن ومع دخول الشهر الرابع للحرب الروسية على أوكرانيا لم تتجرأ أمريكا على حظر واردات الطاقة النووية من روسيا حيث أن يستورد 20% من انتاجها وأوروبا 40 % من أنتاج هذه الشركة. فالواضح أن الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على روسيا بعيدة عن قطاع الطاقة النووية، والتي لم تحظر أسترادها، ولو فعلت ستخسر جزء مما تستورده أمريكا منها ولكن الخاسر الأكبر هو أوروبا التي مع ما منع عنها من البترول والغاز الروسي واشتراط روسيا لمن سيشتري منها الدفع بالروبل مما رفع من قيمة الروبل مقابل اليورو. فكل مشاريع الهيمنة والحرب هي اقتصادية بامتياز، لذلك الصراع الدولي على أرض ليبيا كله ينتهي بمصالح ومساومات اقتصادية. الكاثرة لم ترتقي النخبة السياسية في أن توحد كلمتها وتنهج دبلوماسية تستطيع أن توزع من خلالها تقاسم الدول المتصارعة مصالحها على أرضهم. ويظل المزعج هنا أن تأمين المصالح يفهم ببسط القوة ومن هنا ندخل في فزورة حيص بيص.

 ليبيا والعالم الغربي:

شهدت الأرض الليبية معارك طاحنة بين الحلفاء والمحور، انتهت بهزيمة المحور ومعهم الدولة العثمانية (تركيا)، وما مقبرة جسر الفرسان (نايتسبردج) التي تبعد 25 كيلومتر غرب مدينة طبرق حيث تضم ما يزيد عن ثلاثة آلاف وستمائة قبور لجنود من بريطانيا ومستعمراتها استراليا ونيوزيلاندا وجنوب أفريقيا. وبتعاون السنوسين مع بريطانيا بتقديم جنود ليبين في معاركهم مع المحور. فكانت أمارة برقة بعد طرد الإيطاليين حيث أجبر سكان طرابلس على التعاون مع بريطانيا، بعدها حلم المنفيين من المنطقة الغربية (تربوليتانا) في القاهرة ودمشق بإنشاء دولة ليبية. لم يكن الملك النموذج المرغوب فيه لليبيا، يرى الكاتب لأنه لم يرسخ البداوة كما أرادت بريطانيا، فكان الانقلاب العسكري المشؤم في 1969م وأعطيت الفرصة للبدوي معمرالقذافي أن يعبث بليبيا ويوثق علاقته مع الروس ويشيد بوجود الصين في أفريقيا فينتهي بانتفاضة فبراير 2011م.

وجاء التدخل الغربي “الناتو” ليعيد تموضعه على الخارطة الليبية. وبالقرار رقم 1973 كان التدخل العسكري في 19 مارس 2011م لقوات الحلف الأطلسي، وكان الصراع لمن تكون له اليد الطولى بعد أن سمحت الظروف لكل مخابرات العالم بانتهاك التراب الليبي وصناعة مجموعات مسلحة تأتمر بأمرها بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما ذكر الكاتب في بداية المقالة بأن إشادة القذافي بالصين وإنكار الوجود الغربي بأفريقيا وتجريمه وكذلك حرمان توتال الفرنسية وإعطاء إيني الإيطالية مشروع الغاز بمليته دفع الحلف الأطلسي بالتسابق على تدمير القوة العسكرية للكتائب الأمنية لمعمر القذافي. والواضح أن أمريكا بعد خسارتها في أفغانستان، وقبلها في لبنان، وأيضاً في العراق باتت تعيد حساباتها في التدخل الحربي المباشر لذلك حرصت على تدفع بمن يقوم بالحرب نيابة عنها بالوكالة ولو كان من الأعداء.

مثلث القوى بأضلاعه الثلاثة: أمريكا، والصين، وروسيا، ومعهم تركيا، ونصيحة مراكز التفكير الأمريكية المشاركة مع الضلعين الأخريين في مثلث القوى مع استمرارية التنافس على موارد الخام والطاية واليد العاملة الرخيصة. الصين تموضعت بوسط أفريقيا وروسيا تحاول دخول الحزام الصحراوي لمشاركة فرنسا وأمريكا، ومعها أوروبا، الخوف من التنين الصيني التمدد إلى المياه الدافئة للبحر المتوسط ومنافذه الحيوية، إضافة إلى غياب الثقة في فرنسا.  فما هو الحل؟.

الخطوة الأولى: الرجوع للمسيحية:

بعد مساعدة الناقمين على الدكتاتور معمر في انتفاضتهم سنة 2011 والتخلص من المتغزل في الصين والمثني عليها بالتنمية في أفريقيا قررت الولايات المتحدة الأمريكية تأجيل عداوتها لروسيا وذلك باستدعاء المسيحية والضرب على وتر المسيحية الجامعة، بغض النظر عن المذهب: كاثوليكي، بروتستانتي، أرثوذكسي أو غيره، وضرورة مواجهة الكونفوشيوسية وتمددها في أفريقيا وتطلعها للوصول لمياه البحر المتوسط الدافئة.

ربما هنا عقدت الصفقات مع الجمهورين للوصول للحكم وفي المقابل منحت روسيا، وأيضاً فرنسا وباقي التبع، الضوء الأخضر لمساندة أسير تشاد ومجرم الحرب خليفه حفتر لغزو طرابلس. وهنا استغلت روسيا الوضع لتناور بشكل أقوى على جزيرة القرم وأوكرانيا وظنت بأنها تستطيع تأمين حدودها الغربية من غدر الناتو. وهنا وضعت أمريكا صمام ضبط الأطماع الروسية، وكذلك الفرنسية، فأفسحت المجال بعد ذلك لتركيا لتحقق مصالحها في الاتفاقية البحرية وعقد اتفاقية عسكرية ليكون تدخلها في ليبيا ضمن القوانين الدولية.

صحيح أمريكا لا تريد أن تتدخل في الحرب بشكل مباشر لكن مصالحها تريد أن تجنيها بنفسها. فمع أن الكلام المروج بأن ليبيا إراداتها النفطية لا ترقى لطموحات أمريكا، وقد يكون ذلك صحيح بالمقارنة مع موقعها الجيوسياسي. لكننا نلاحظ مؤخراً التدخل الأمريكي واضح مؤخراً بعد لقاءات لمحافظ مصرف ليبيا المركزي السيد الكبير مع السيد ريتشارد نورلاند سفير الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا والتعاون القديم الجديد واضح بالسكوت عن الأصول الليبية المجمدة في أمريكا من عام 2011م.

الخطوة الثانية: استدعاء تركيا، الضلع الرابع، لتحقيق مصالحها ومصلحة أمريكا:

الواضح بأن طلب تدخل تركيا كان لعدة أسباب قد تكون كما يلي:

  • مع الانقلاب الفاشل لمجرم الحرب خليفة حفتر في 2014 كانت روسيا قد غزت شبه جزيرة القرم، وضمتها بعد استفتاء الشعب، وتحريك الشارع في أدونباس وكان تسلل المدرعات الروسية مما أقلق أوكرانية، وبذلك بات التهديد واضح لأوكرانيا
  • صمود أبطال ليبيا لمدة طويلة أمام تقدم مرتزقة الفاغنر وجنجاويد ومن جاء معهم من المجرمين والمغرر بهم وإنصار الجماهيرية بالتأكيد أفشل خطة العملية الخاطفة التي طلبتها منه أمريكا
  • تحول روسيا من مساعدة، غير معلنة بالفاغنر، لمجرم الحرب حفتر إلى تراتيب لبناء قواعد بالجفرة وبراك
  • ظهور معلومات وترتيبات روسيا لغزو أوكرانيا بعد سيطرتها على شبه جزيرة القرم

بدخول تركيا على الخط وهي التي تحاول من أيام النظام السابق على عقد اتفاقية بحرية لضمان امتدادها البحري، وهي القوانين البحرية الدولية، للوصول إلى، والمشاركة في، منابع النفط بالبحر الأبيض المتوسط. ولكي تضمن أمريكا لجم التوسع الروسي أو تخفيف شروط روسيا عن مساوماتها بأوكرانيا وحصار فرنسا سمحت لتركيا التدخل وعقد الاتفاقيتين مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً وهنا وجدت تركيا فرصتها وهي الدولة الإسلامية وصاحبة ثاني أكبر قوى عسكرية بحلف الناتو، وكذلك عندها قنوات اتصال بروسيا وإسرائيل.

إلا أن روسيا المسيحية الأرثوذكسية وبعد نصب قواعدها بالجفرة وزيادة التحرش بأوكرانيا باتت تخرج عن النص الذي أراده المخرج الأمريكي  فلم يجد بدً من استدعاء تركيا وخلق توازن في ميزان المفاوضات. بل الأمر وصل أن تركيا باتت تحصد لصالحها نقاط قوى إضافية بعد أن أراد الحلف الأطلسي تضيق الخناق على روسيا بانضمام السويد وفنلندا، التي تشترك في حدودها مع روسيا 1300 كم وتخاف من الطمع الروسي بعد تجربة حرب الشتاء في 39/1940، فقد صرحت تركيا بأن الدولة التي تأوي الإرهابين وتساعدهم لا يحق لها الانضمام إلى حلف الناتو.  انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي يتطلب موافقة جميع أعضاء الحلف وهذه إلزامية. لذلك نفت وزير الخارجية آن ليندي لصحيفة آفتون بلاديت وذكرت : “السويد مانح إنساني رئيسي للأزمة السورية من خلال المخصصات العالمية للجهات الفاعلة الإنسانية”.

ذكرت السيدة روزماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي بأن فتحي باشاغا حاول دخول العاصمة مدعوماً من قبل مليشيات مسلحة والذي لم تقبله ما يسمى بحكومة الاستقرار وكأن من مات وجُرح وتضررت ممتلكاتهم في طرابلس خارج طرابلس!!! الواضح بأن روسيا، ولا نستغرب معها فرنسا، تختفي وراء تحريك بيادقها في ليبيا: “عقيلة، حفتر، باشاغا، لتخيف التركيز عنها في أوكرانيا وربما للوصول إلى مساومة مقابل خسارة أوروبا وربح أمريكا. بالتأكيد روسيا قرأت أفكار أمريكا ورغبها في إضعاف الطرفين روسيا وأوروبا ولكن التفاهم مع طرف واحد مثل روسيا، أرثوذوكسية وبلغة واحدة، أسهل بكثير من مجموعة دول متناقضة مذهبياً (كاثوليك وبروتستانت وطوائف أخرى) ولغوياً. ربما ما يفسر تمادي روسيا باستخدام صواريخ فائقة الصوتية طراز “كينغال ” في قصف مدن أوكرانية، وصواريخ تحرق الناس المدنيين أحياء، إضافة إلى اختبار صواريخ عابرة للقارات من طراز “سارمات” صواريخ وتزويد غواصاتها بصواريخ “زيركون” وتوقف الامدادات العسكرية عن أوكرانيا لا ينبي بخير لأوكرانيا ولا لروسيا.

ما بعد النفعية.. قوتي بإضعاف الجميع!

عالم اليوم متجرد من أي قيم إنسانية ولا تضبطه أي أخلاق مهنية سياسية. بل والصراع ما بين القوى الثلاثة تتزعمه أمريكا المنادية بالديمقراطية اللبرالية المناصرة لحقوق الضعفاء وهذا الوجه الجميل يقابله منطق أخر يُشعل الحروب أو يُساعد على إشعالها في أفغانستان والعراق ولبنان وليبيا وأوكرانيا ليستمد قوته منها. وهذا الذي وعت له ربما تركيا، الضلع الرابع، بحيث أبدت استعدادها للمساعدة في الحرب، وكما حصل في ليبيا، ولكن بضمان تحقيق مصالحها بالاتفاقية البحرية وضمان تموضع لها على أرض ليبيا كما هو بقاعدة الوطية.

على الطرف الأخر وفي العمق الأوروبي الحرب مفروضة عليها بحكم أن تركيا عضو في النيتو ولكن اشترطت على السويد وفنلندا بأن موافقة انضمامهما للناتو مرهونة بعدم دعم الأكراد الرادكالين “الإرهابين” المشتتين بتقسيم “سايكس بيكو” بين أربعة دول. ففي أحد تصريحات السيد رجب الطيب أردغوان يقول بأنه :  “لا يمكننا في هذه المرحلة أن نقول “نعم” لانضمام الذين يفرضون عقوبات على تركيا إلى الناتو كمنظمة أمنية”.  مما جعل الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغن في دافوس، يصرح ويقول بأن داخل الحلف: “ما نفعله دائماً الجلوس ومعالجة المخاوف عندما يعبر الحلفاء عن مخاوفهم”. بالإمكانيات التركية وقوتها الاقتصادية والصناعية، وخاصة الدفاعية، وموروثها الحضاري القديم والحديث، وبراغماتيتها اليوم مع المتناقضين “روسيا وأمريكا” تحقق تركيا عديد المكاسب في ليبيا ومع الناتو وربما مع أوروبا التي لم تفتح لها باب الانضمام للاتحاد الأوروبي.

مستقبل ليبيا في ظل مثلث القوى مع الضلع الرابع:

ستظل ليبيا ساحة للصراع وسيخسر الشعب الليبي ما استمرت الإرادة السياسية منقسمة تحركها المصالح الشخصية الضيقة. إلا أن الأمل معقود، أولاً ودائماً في الله، وفي الانتخابات القادمة التي لو انتجت برلماناً متحد الرؤى وقادراً على توظيف قوى الصراع على أرض ليبيا لصالح الشعب الليبي، فربما ستشهد ليبيا انتعشاً اقتصادياً وقد تتحول إلى منطقة جذب لرؤوس الأموال والاستثمار مما سينقلها من حضيض الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة ولنا مثلاً في دولاً أفريقية يحتذى بهما.

بالطبع هذا مرهون في ارتقى وعي الشعب الليبي بالأطراف الداخلية التي تنشد مصلحته والأطراف الأخرى التي تسعى لترسيخ الدكتاتورية بعدة أشكال كانت قبلية ضيقة أو شللية جماهيرية مريضة أم حتى دينية انتهازية. مستقبل ليبيا يعول عليه بوعي الشعب واختياره في الانتخابات البرلمانية المقبلة المتطلعين لبناء دولة ديمقراطية مدنية يحكمها العدل والقانون وتسعى لعمارة الأرض وخدمة الناس.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً