أيها الليبيون لا تعوّلوا على بعثة الأمم المتحدة للدعم!

أيها الليبيون لا تعوّلوا على بعثة الأمم المتحدة للدعم!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

بعد 12 سنة من الأزمة الليبية، لقد آن الأوان لنقول لما يسمى بعثة الدعم للأمم المتحدة في ليبيا “إرحلوا ..إرحلوا..”، فهي وللأسف لم تساهم ولو بقدر بسيط في حل الأزمة الليبية، ولم نجدها الا داعمة لإستمرارها، و إطالة عمرها دون النظر الى مصلحة الشعب الليبي، إنني أقول ذلك ليس من باب التجنّي، وإنما من باب الحقيقة والإنصاف، فبالنظر الى تاريخ الأمم المتحدة في حل الصراعات بين الدول منذ نشأتها، لم تفلح ولو مرة في ذلك، وإن الصراعات التي حلت في بعض الدول جاءت فقط بعد أن أدرك ابناء البلد أنه لا جدوى من الإستعانة بالأمم المتحدة، وأن في ذلك مضيعة للوقت والجهد فقرروا بأنفسهم ادارة صراعهم وبمعزل عن الأمم المتحدة ونجحوا.

إنني في هذه المقالة أود أن أوضح لليبيين الدور السلبي الذي تلعبه ما تسمى هيئة الأمم المتحدة في ليبيا، التي ما انفكت تزيد في عمر الفوضى وترعى مسيرة استمرارها، وأنه صار لزاما على الليبيين أن ينهوا ارتباطهم بما يسمى بعثة الدعم في ليبيا وينتبهوا لمصيرهم ومصير بلدهم بأنفسهم، فما “حكّ جسمك مثل ظفرك”، وعليهم أن يستشعروا بتعقل وبصيرة خطورة ما هم فيه من انقسام واختلاف، وهنا يهمني أن اضع الليبيين امام مواقف وسياسة الأمم المتحدة في ليبيا منذ 2011م وتتبعها حتى الآن فيما يلي:-

الأمم المتحدة التي أعطت الإذن لذراعها الأقوى، وهو مجلس الأمن الذي قرر التدخل في ليبيا بحجة حماية المدنيين، ووضع البلد تحت الفصل السابع، وكلّف حلف الناتو للتدخل عسكريا، أليست هي المسؤولة عن ما تعانيه ليبيا  من فوضى وإنقسام بعد مرور عقد ونيّف على سقوط القذافي؟! ألم يكن ممكنا أن تعلن الأمم المتحدة عن اعترافها بالقوات المسلحة الليبية واجهزة الشرطة واعتبارها فقط دون غيرها المخولة بإمتلاك السلاح؟! وتعزيز قوتها وفقا للقوانين العسكرية والشرطية المعمول بها والتي تراعى فيها التراتبية والأقدمية، الأمم المتحدة لم تفعل هذا بل اعترفت بوجود المجموعات المسلحة ودعمتهم وهو ما سبب في استمرار حالة الفوضى وعدم الإستقرار!.

وفقا للإعلان الدستوري حددت مدة عمل المؤتمر الوطني بسنة ونصف، وانحصرت مهامه في ايجاد دستور والإستفتاء عليه، لكن المؤتمر الوطني تقاعس عن دوره، ولم ينجز المطلوب منه وتجاوز المدة المحددة، ونتج عن ذلك خروج الليبيين في تظاهرات تطالب بعدم التمديد، وتحت ضغطهم انصاع المؤتمر وأصدر قانون انتخاب جسم تشريعي بديل وهو “مجلس النواب”، وتم فعلا انتخاب المجلس الجديد، لكن تعنّت بعض أعضاء المؤتمر الوطني وإصرارهم على عدم التسليم لمجلس النواب المنتخب أربك الأمر، كنا نتوقع أن تعلن الأمم المتحدة اعترافها بمجلس النواب المنتخب الجديد وتنتهي الأزمة، لكنها وللأسف لم تفعل! وترتب عن ذلك نشوء حكومتين واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، الأمم المتحدة كالعادة بدلا من الإعتراف بواحدة منهما تعاملت مع كليهما، فساهمت بذلك في زيادة حدة الإنقسام، وإثارة الخلافات مانتج عنه حروب في 2014م والسنوات التي تلتها.

في عام 2016م رعت الأمم المتحدة اتفاق الصخيرات والذي شرعنت فيه بقاء جسمين تشريعيين، وهما مجلس النواب والمؤتمر الوطني الذي تغير اسمه الى “مجلس الدولة”، وأنشأت ما يسمى بالمجلس الرئاسي كحكومة جديدة بدلا عن الحكومتين القائمتين وكان ممكنا أن ينجح ذلك لو اختير مقره خارج المنطقتين المتصارعتين الغربية والشرقية، لكن ذلك لم يحدث للأسف، حيث تم تمكين السراج من دخول طرابلس على ظهر فرقاطة ايطالية، ليستمر الإنقسام بحكومتين شرقية وغربية وتستمر الفوضى.

في عام 2019م وبدعم من الأمم المتحدة التي اجتمع مبعوثها مع كل من السراج وحفتر في ابوظبي اعطي الضوء الأخضر لقوات حفتر بدخول العاصمة، وعندما رفضت بعض المجموعات العسكرية في طرابلس والمنطقة الغربية ذلك، بدلا من أن تعلن الأمم المتحدة جهارا عن دعمها لتلك الخطوة نكصت عن عهودها وتركت الليبيين للحرب، فسحبت البعثة أفرادها من طرابلس واندلعت حرب استمرت سنة كاملة وبتدخل دولي سافر مع الطرفين.

في عام 2020م اعلنت الأمم المتحدة عن عقد مؤتمر برلين لوقف الحرب ودعت اليه الأطراف وتم التوقيع على وقف اطلاق النار، وتشكيل لجنة 5+5 العسكرية لمتابعة ذلك ونتج عنه استمرار حوار تحت رعاية الأمم المتحدة للإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، وفعلا تم ذلك تحت مسمى “حكومة الوحدة الوطنية” التي اشترط ان يصدق عليها ويعتمدها مجلس النواب، وهو ماتم في سرت، وحددت مهامها في التهيئة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مدة اقصاها 18 شهرا، هذه الحكومة لم تف بتعهداتها، وأختلفت مع البرلمان الذي سحب الثقة منها وشكّل حكومة جديدة، لم تسحب الأمم المتحدة الإعتراف بحكومة الدبيبة، التي اخفقت في اجراء الإنتخابات في وقتها، وبالتوازي لم تؤكد على عدم شرعية حكومة البرلمان الجديدة ، ليستمر الإنقسام والتوتر ويعود الأمر لما كان عليه قبل عام 2021م ، شبه دولة برأسين تشريعيين وحكومتين!.

إن بعثة الأمم المتحدة ومن خلال الواقع تمارس دورها كمتفرج عن المشهد الليبي، وأقصى ما يمكن ان تعمله هو اصدار بيانات ميتة لا قيمة لها، أو إحاطات عن طريق مبعوثها لمجلس الأمن في شكل تقرير سردي عقيم، لا يتجاوز صداه اروقة الأمم المتحدة ووسائل الإعلام! فهل بعد هذا الإخفاق وعدم الجدية هناك من يصدق أن الأمم المتحدة ستجد حلا للمشكل الليبي؟! إنه ومن خلال هذه المسيرة الفاشلة للأمم المتحدة في ليبيا طيلة كل هذه السنوات، ماعاد يجدي مطلقا الإستئناس اليها أو الإعتماد عليها، فهي قد ثبت أنها مجرد أداة للتحريك والإثارة واستمرار الأزمة، وهي بذلك صارت تشكل خطرا كبيرا على مصير ومستقبل الليبيين، يستوجب اقصائها عن المشهد الليبي في اسرع وقت ممكن.

إن من مازال يعوّل على الأمم المتحدة في ليبيا في ايجاد الحلول، يتلبسه واقعيا ضرب من الوهم وقصور في الإدراك، بإستثناء تلك الدمى التي  تعتاش على ما تقدمه لهم هيئة الأمم المتحدة من هبات ومكافئات تدفع من ثروة الليبيين بطريقة الدفع المسبق! ليس امام الليبيين اليوم الا انقاذ وطنهم الذي تتلاعب به الدول من خلال ما يسمى بعثة الأمم المتحدة، وعلى الشرفاء قطع الطريق امام استمرار الفوضى من خلال حل ليبي داخلي بعيدا عن اي تدخل اجنبي، ايها الليبيون لا تعوّلوا على ما يسمى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، عوّلوا فقط على انفسكم وتولوا امركم بأنفسكم وتوافقوا لتنقذوا بلدكم قبل فوات الأوان.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً