احتضار التعليم وطريقة مارن للاستمتاع بتعلم الأمازيغية!

احتضار التعليم وطريقة مارن للاستمتاع بتعلم الأمازيغية!

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

لا نبالغ لو أفحصنا عن انهيار المنظومة التعليمية في ليبيا لآدنى درجات الانحطاط بعد أن سلبت منها روحها التربوية، فلا يتربى التلاميذ على أن يحققوا كينونتهم وأن يتعلموا وأن يعملوا وأن يشاركوا غيرهم، وانتزعت منها الرسالة التعليمية فجردن من مهمتها الأخلاقية  فبات الغش، وبإشراف معظم المعلمات والمعلمين، هو سيد الموقف وهوس الدرجات حرم تلاميذنا من معنى المنافسة الشريفة، “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، وأفقد مبدأ الثواب والعقاب معناه بين تلاميذ مدارسنا فكذبت تقديرات الامتياز صارت حقيقة  بل وشهادات التزوير أضحت أقصى غايات الكمال!!!

 

علمنا ياقايد علمنا بيش “انخرب” مستقبلنا!!!

تتعدد أسباب انحطاط التعليم في ليبيا ولكن التخريب الممنهج للبنية التعليمة  من العهد السابق ما زال يلقي بظلاله على مدارسنا ومازالت ارتداداته  تتكسر على اعتاب مدارسنا، وحتى جامعاتنا، لأن هناك من همس في الماضي في آذان الجماهير المغيبة بداخل زريبة الجماهيرية أنه لا تعليم ولا تربية إلا في مدرسة الجماهيرية ولا معلمين ولا معلمات فالكل مغيب باستثناء المعلم الأوحد!

الكاتب يرى بأن مأساة التعليم في ليبيا بدأت من يوم تحول تلاميذنا إلى براعم وأشبال “الفاتح العظيم” وألبست مدارسنا حُلة الثكنات العسكرية وتحولت مكاتب جامعاتنا إلى مواخير للأمن ومركز اعتقال وإرهاب وتحقيق!!!

 

مدارس الترويض والنفاق!

صحيح خلال الخمسينات والستينات وجدت المبررات للتوسيع الأفقي للتعليم نتيجة الحاجة الملحة من جميع قطاعات وهياكل الدولة لموظفين. وكانت مساهمة التعليم أيضا في تزويد القطاع الخاص بالخرجين فأعطيت للمعلم/ة المكانة التي يستحقها اجتماعيا وكانت الرواتب المجزية التي ساهمت في توفيرمتطلبات الحياة بتعفف. إلا أنه وبعد انقلاب سبتمبر حرص النظام السابق على تحويل مؤسسات التعليم إلى ساحات لترويض الشعب الليبي فبدأ بزرع الرعب وإرهاب الدولة الممنهج بعد تجميع وتحشيد الطلبة وأعضاء هيئة التدريس بساحات المدارس والجامعات لمعايشة رعب الإعدامات، وإرهاب اللجان الثورية ومكتب الاتصال الدور الأكبر في خلق صدمة الرعب ونشر شهقة الخوف لتكون النتيجة الترويض والنفاق. استمرت ارتدادات الخوف إلى يومنا هذا بعد أن فرغ التعليم من محتواه وزورت رسالته التربوية وتسلل النفاق بكرم إعطاء الدرجات العالية في الامتحانات وبدون حدود.

 

محاولات انعاش التعليم:

الصدمة والشهقة والرعب الذي عاشتها مؤسسات التعليم بمختلف مراحله دفع ويدفع ببعض الخيرين/ات لمحاولة إسعاف التعليم ببعض الخطوات الأولية، إلا أن توحش مؤسساتنا التعليم في النظام السابق بعد أن سادتها ثقافة “التفنيص” من مجانين اللجان الثورية والضرب والشتم و “الفلقة” لأعضاء هيئة التدريس قبل الطلاب خلق طغيان الروح العدائية الجامحة التي جعلت من مبادرات الاصلاح باهتة وغير واضحة. ضلت محاولات الانعاش مستمرة وربما بدأت تتعافى مع خروج مصطلح الجودة مع منتصف العقد الأول للألفية الثالثة ولكن ظروف انتفاضة 17 فبراير إعادة تطعيم المنظومة التعليمية بفيروسات السلبية والرعب والغش والتزوير.

 

طريقة مارن ومتعة التعلم:

طريقتها الممتعة في تعليم تمازيغيت، والتي باتت مهددة بعد وقف تدريس تمازيغيت ببعض المدارس، استقطب التلاميذ فجعلت من محمود الفزاني من سبها متفوقا في مسابقة مادة الأمازيغية، وكانت بسمة ناجي حمزة فارس من سوريا سنه الماضية بترتيب الاولى على الصف الثاني في تمازيغت، وليلي، وكذلك اختها فاطمة بالصف الثالث ، حسن ناجم بالصف الخامس من سرت متفوقتان ودرجاتهما ممتازة في مادة تمازيغت. بالطبع السر في ذلك أنه حرصت الأستاذة/ مارن على جذب انتباه الطلبة لتعلم لغة تمازيغت بالرغم من أنها لغة ثانية بالنسبة لهم والاستمتاع بالجو الدراسي بعد أن أدخلت عليه الغناء والتمثيل.

نعم تحرير التلاميذ من التخشب وراء المقاعد المدرسية في صفوف جامدة دفعهم للتفاعل وبأريحية وبانسجام مع دروس تمازيغت. لقد نجحت المعلمة مارن في الحوار والتفاعل مع تلاميذها وهم من عرقيات مختلفة بل ومن مدن لها بعض خصوصيتها بما في ذلك اللغة. نعم لقد سبقت طريقة مارن في التعليم ما طمحت له ورشة العمل بعنوان: “”ثقافة الاختلاف وأثرها في إثراء العملية التعليمية وتحسين الأداء الوظيفي و التربوي” ” التي  نظمتها وأشرفت عليها إدارة الموارد البشرية بوزارة التعليم تحت شعار: ” الحوار وسيلة للبناء والارتقاء”والتي أقيمت بمقر نقابة المعلمين بتاريخ 26 مارس 2018 م .

لقد شارك الكاتب بعرض ورقة بعنوان: ” توجهات وتجارب لتعليم النشء التنوع وثقافة الاختلاف ” أستعرض فيها تجربة المعلمة مارن في قبول التنوع الثقافي واللغوي بين تلاميذها وذلك بفتح الحوار مع طلابها وطالباتها  وشد انتباههم لطريقتها الممتعة في تعليم تمازيغت بالغناء والتمثيل بحيث تفوق تلاميذ تعتبر تمازيغت اللغة الثانية بالنسبة لهم من داخل ليبيا وخارجها.

تعليم تمازيغت بالطريقة التقليدية المعتمدة على حشو ادمغة الطلبة بالمعلومات  نفر بعض التلاميذ  من تعلمها لدرجة رفضها مما أضرت بعض إدارات المدارس لوقف تدريس تمازيغت وهذه نكسة للتعليم وللتنوع الثقافي الذي حاولت التأكيد عليه ورشة العمل التي سعت إليها ونظمتها إدارة الموارد البشرية بوزارة التعليم في 26 مارس 2018.

 

خاتمة:

في ظل الظروف الحالية من انقسام سياسي ومحاولات العودة للدكتاتورية تصبح مهمة التعليم تحدي صعب يواجه استجابة الخيريين والخيرات من المعلمين/ات للرفع من مستوى العملية التعليمية وتحسين مخرجاتها، وتبقى طريقة مارن تحدي لجميع المهتمين بتحسين العملية التعليمة في ليبيا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً