اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية هل هو بالانتخاب أم بالتعيين؟

اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية هل هو بالانتخاب أم بالتعيين؟

إعداد: مجموعة من الباحثين في مركز ابن وهب للدراسات والأنشطة الشرعية والقانونية.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فموضوع هذه الورقة يدور حول كيفية اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية التي سوف يقوم أعضاؤها بصياغة الدستور من أجل عرضه على الاستفتاء العام، ومن المعلوم أنه قد صدر قرار عن المجلس الوطني الانتقالي في أيامه الأخيرة قبل تسليمه السلطة للمؤتمر الوطني العام بتعديل الإعلان الدستوري المؤقت، وقد تضمن ذلك التعديل نزع الاختصاص الممنوح لأعضاء المؤتمر الوطني العام باختيار أعضاء لجنة صياغة الدستور من داخل أعضاء المؤتمر الوطني، وحدد أعضاءها بستين عضوا مقسمين على الأقاليم المختلفة للبلاد، كما بين ذلك التعديل أن طريقة اختيار أعضاء تلك اللجنة سوف يكون بالانتخاب المباشر من قبل الشعب، ومن الملاحظ أن هذا التعديل قد تعرض لموجة عنيفة من الانتقادات حين صدوره، وفي هذه الأيام ظهر من ينادي ويطالب المؤتمر الوطني العام بإلغاء هذا التعديل وإعادة حق تعيين أعضاء لجنة صياغة الدستور للمؤتمر الوطني، ونحن نتساءل في حال إلغاء هذا التعديل وإرجاع حق اختيار أعضاء اللجنة للمؤتمر الوطني العام فنقول: ما هي المعايير التي سوف يتبناها أعضاء المؤتمر الوطني العام في اختيارهم لأعضاء هذه اللجنة؟ وهل سيتضمن إلغاء التعديل إلغاء الفقرة التي تنص على أن أعضاء اللجنة يجب أن يكونوا من خارج المؤتمر الوطني العام حتى يتسنى لهم انتخابها من داخله؟ أم سيكتفي المؤتمر بتعيينهم من خارجه؟ ونحن هنا نطرح سؤالا أكثر عمقا فنقول: هل فعلا طريقة تعيين أشخاص غير منتخبين من خارج المؤتمر الوطني العام بمعايير غير واضحة أو على الأقل لا يمكن تحقيق درجة كبيرة من التوافق عليها (وخير مثال على ذلك الحالة المصرية) هل هذه الطريقة أقرب للديمقراطية وأكثر نجاحا واستقرارا من طريقة الانتخاب المباشر لأعضاء تلك اللجنة؟ رغم أن الانتخاب المباشر هو الطريقة الأكثر انتشارا في دول العالم الديمقراطية، بينما طريقة التعيين من قبل برلمان منتخب لم يسبق أن جربت إلا في دولة مصر فقط، والمتابعون للتجربة المصرية يعرفون ما ترتب على الأخذ بها من إشكاليات وعراقيل كثيرة، لعلها كانت هي السبب في رجوع المجلس الوطني الانتقالي عن الأخذ بتلك التجربة، لأنه مهما اجتهد البرلمان في التوسع في إيجاد معايير تضمن مشاركة واسعة لجميع قطاعات المجتمع في تعيين أعضاء تلك اللجنة فإنه سوف يظل هنالك بالتأكيد معترضون على نسبة تمثيلهم داجل الجمعية يصفونها بعدم الشرعية، لأنها جمعية معينة وليست منتخبة، وينادون بحلها وإعادة تشكيلها بمعايير أخرى أو على الأقل يؤلبون الرأي العام ضدها، في حين أن الانتخاب المباشر يقطع الطريق أمام كل من يريد الاعتراض وعرقلة المسار، ويعطي الهيئة التأسيسية شرعية الاختيار المباشر من قبل الشعب، ولا يمكن لأحد يريد أن يحتكم للديمقراطية كآلية لتداول السلطة أن يعترض على إرادة غالبية الشعب كآلية لاختيار أعضاء اللجنة مهما كان ذلك الاختيار.

المعايير القانونية المتعارف عليها عند فقهاء

القانون الدستوري لاختيار أعضاء الهيئة التأسيسية:

إن المتابع لما كتبه فقهاء القانون الدستوري في هذا المجال يلاحظ بوضوح أن المعيار الجوهري والرئيسي في اختيار أعضاء أي جمعية تأسيسية تتمتع بأكبر قدر ممكن من الديمقراطية والشرعية هو أن يكونوا منتخبين بشكل مباشر من قبل الشعب ، وليسوا معينين من قبل أي جهة أخرى سواء كانت تلك الجهة حكومة أو برلمان أو ما شابه.

فالجمعية التأسيسية كما يقول فقهاء القانون : هي عبارة عن هيئة منتخبة من قبل الشعب ، تقتصر مهمتها على صياغة الدستور . ومؤدى ذلك أن الشعب يقوم بصياغة دستوره بأسلوب غير مباشر ، إذ يختار الشعب نوابا يقومون بهذه المهمة ، ويشكل هؤلاء النواب جمعية يطلق عليها الجمعية التأسيسية . ( الجمعية التأسيسية وصياغة الدستور الجديد محمد علي سويلم ص 33 )
يقول الدكتور سليمان محمد الطماوي أستاذ القانون العام بجامعة عين شمس بالقاهرة في كتابه الوجيز في نظم الحكم والإدارة ص 62 : إن طريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة هي أكثر الطرق ديمقراطية في وضع الدستور ، وبمقتضاها يضع الدستور نواب الأمة وحدهم ، وهو ما يؤكد أن الأمة مصدر السلطات ، وبطريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة وضعت الولايات المتحدة الأمريكية دستورها ووضعت فرنسا معظم دساتيرها بهذه الطريقة.

وصرح بعض رجال القانون الدستوري بأنه من الضروري أن تكون الجمعية التأسيسية منتخبة من قبل الشعب بهدف اتصافها بصفة الجمعية التأسيسية ، أما إذا تم تشكيلها عن طريق التعيين بدلا من الانتخاب فسوف نكون أمام لجنة فنية أكثر منها جمعية تأسيسية. ( انظر الدكتور نعمان أحمد الخطيب في كتابه الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ص 487 والدكتور محمد علي سويلم في كتابه الجمعية التأسيسية وصياغة الدستور الجديد ص 35)

وبذلك يتبين لنا أن المعيار الجوهري في اختيار أعضاء هذه الجمعية هو أن يكونوا منتخبين مباشرة من قبل الشعب وليسوا معينين من أي جهة أخرى كما نص على ذلك القرار الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي بتعديل الإعلان الدستوري المؤقت ، وبالتالي فإن القيام بإلغاء هذا التعديل سوف يدخل البلاد في متاهات من نقص الشرعية والاستقرار ومشاكل من الشد والجدب بين الأطراف القبلية والسياسية المختلفة البلاد في غنى عنها بالتأكيد.

طريقة الاستفتاء على الدستور

بعد وضعه من قبل جمعية تأسيسية غير منتخبة:

إن الاستفتاء على الدستور بعد وضعه من قبل جمعية تأسيسية منتخبة بشكل مباشر من قبل الشعب هو أسلوب أكثر ديمقراطية بالتأكيد من مجرد صياغته من قبل جمعية منتخبة من دون عرض نتيجة عملها على الشعب ليمارس سيادته عليها بشكل مباشر ويبدي رأيه فيها بنفسه عن طريق الاستفتاء وليس فقط عن طريق نوابه أعضاء الجمعية المنتخبة.

يقول الدكتور جاد جابر نصار في كتابه الوسيط في القانون الدستوري ص 51 والدكتور ماجد راغب الحلو في كتابه الاستفتاء الشعبي بين الأنظمة الشعبية والشريعة الإسلامية ص 185 وغيرهم من فقهاء القانون الدستوري: إن التلازم بين أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة وبين الاستفتاء الشعبي يؤدي إلى دمج الديمقراطية النيابية بالديمقراطية شبه المباشرة مما يجعل طريقة وضع الدستور أكثر ديمقراطية.

لكن الإشكالية هي في مدى مصداقية ومشروعية الاستفتاء على الدستور إذا تم وضعه من قبل لجنة فنية معينة وليس من قبل جمعية منتخبة:

فهنا نرى رجال القانون يتحفظون ( يعترضون ) قائلين إن هذه الطريقة لا تعطي الشعب حق مناقشة بنود مشروع الدستور عن طريق نوابه الذين يمثلونه في الجمعية التأسيسية المنتخبة ، وقد لا يفهم الناس كثيرا من تلك البنود نظرا لطبيعتها الفنية . (انظر النظم السياسية والقانون الدستوري د فؤاد العطار ص 218 والنظم السياسية والقانون الدستوري د ما جد راغب الحلو ص 432 والجمعية التأسيسية وصياغة الدستور الجديد د محمد علي سويلم ص 37)

يقول الدكتور محمد علي سويلم في كتابه الجمعية التأسيسية وصياغة الدستور الجديد (ص39): ” إن أسلوب الجمعية التأسيسية مقرونة بالاستفتاء الشعبي … هو الأسلوب الأكثر انتشارا في العالم اليوم ، وهو أيضا أكثر الأساليب ديمقراطية في وضع الدستور ، وهو أفضل من أسلوب وضع الدستور بواسطة الحكومة ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي … فإعداد الدستور بواسطة الحكومة ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي لا يندرج ضمن الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير ، فهو أسلوب غالبا ما يكون أوتوقراطيا تغلفه الحكومة بالديمقراطية عن طريق طرحه على الاستفتاء الشعبي خاصة إذا كان الشعب لم يصل إلى درجة من الوعي تمكنه من الحكم على محتويات الدستور”

وتفسير ذلك أن استعمال طريقة الاستفتاء على الدستور بشكل ديمقراطي منفصلة عن طريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة تحتاج إلى توفر مجموعة من الشروط النادر توفرها في كثير من الأحوال ، وهذه الشروط هي:

1: اتساع نطاق المشاركة الشعبية في العملية الديمقراطية.

2: تنقية جو الاستفتاء من التأثيرات والتهديدات وسائر الضغوطات التي قد تشوه عملية الاستفتاء.

3: أن يكون المواطنون الناخبون على علم ووعي بما تفضي إليه عملية الاستفتاء ، وبعبارة أخرى أن يكون الشعب قد وصل إلى درجة معينة من النضج والوعي السياسي تؤهله لإدراك مدى أهمية وخطورة الأمور التي يؤخذ رأيه فيها .

4: أن يكون هناك فرصة كافية لعرض مشروع الدستور على المواطنين للمناقشة وإبداء الرأي عليه قبل يوم الاستفتاء.

فإذا لم تتحقق هذه الشروط كان الاستفتاء استفتاء سياسيا ، ومن أمثلة الاستفتاءات السياسية استفتاء الشعب الفرنسي من جانب نابليون بونابرت سنة 1802 حول بقائه قنصلا مدى الحياة ، وكذلك الاستفتاء الذي تم في فرنسا سنة 1804 بشأن توارث الامبراطورية في سلالة نابليون . ( انظر الجمعية التأسيسية وصياغة الدستور الجديد د محمد علي سويلم ص 38 والنظرية العامة للقانون الدستوري وتطبيقاتها في مصر د رمضان محمد بطيخ ص 141)

الخلاصة والتوصيات:

يدعو الباحثون الذين قاموا بإعداد هذه الورقة أعضاء المؤتمر الوطني العام إلى عدم إلغاء القرار الصادر عن المجلس الانتقالي بتعديل الإعلان الدستوري المؤقت وترك مهمة اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور للشعب بواسطة الانتخاب المباشر وذلك للأسباب التالية:

1: ما اتفق عليه فقهاء القانون من أن طريقة الجمعية المنتخبة بشكل مباشر من قبل الشعب مقرونة بالاستفتاء هي أفضل وأكثر الطرق ديمقراطية ونجاحا على الإطلاق ، وقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم في سياق الثناء على عباده المؤمنين: ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب))

2: أن طريقة الجمعية المنتخبة هي الطريقة الأكثر شيوعا في دول العالم الديمقراطية ولم تظهر لها عيوب حتى الآن.

3: ما نلاحظه من مساوئ في طريقة التعيين أهمها غياب المعايير التي يمكن أن يتفق عليها الناس في اختيار أعضاء هذه الهيئة ، بالإضافة إلى أن سيطرة الأحزاب والكتل الجهوية والقبلية على المؤتمر الوطني قد تؤثر على طبيعة هذه اللجنة وتجعلها تميل لطرف على حساب طرف آخر مع كونها لا تمثل اختيار الشعب وإرادته من خلال انتخابات حرة مباشرة.

4: أن الاكتفاء بالاستفتاء كوسيلة لإسباغ الصفة الديمقراطية على الدستور الموضوع من قبل لجنة معينة غير منتخبة هو أمر غير مقبول في ظل ما هو معروف من ضعف الثقافة السياسية السائدة في الشعب الليبي والوعاء الزمني القصير المتاح لوضع الدستور من أجل الاستعجال بإقامة دولة ذات مؤسسات دستورية قوية قدر الإمكان.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

والحمد لله رب العالمين.

باحثون في مركز ابن وهب للدراسات والأنشطة الشرعية والقانونية . طرابلس / ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً