الأزمة الأوكرانية.. الروس يتقدمون والغرب يُراقب!

الأزمة الأوكرانية.. الروس يتقدمون والغرب يُراقب!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد كان واضحا الإصرار الروسي على تأمين حدوده إستراتيجيا منذ سنوات، ونقصد إستراتيجيا أن تكون جميع الدول المجاورة لروسيا في وفاق تام مع القيادة الروسية، بحيث يكون حكام كل الدول المجاورة ممن ترضى عنهم قيادة روسيا، وأن كل من يخالف ويخرج عن بيت الطاعة الروسي سيعرض نفسه لما لا تحمد عقباه، ولكن هكذا كانت أوكرانيا الجار الوحيد الذي غرّد خارج السرب، وارتمى بعيدا في أحضان الغرب، حتى بلغ الأمر بحكامها حد المطالبة بالإنضمام إلى حلف الناتو وهذا ما أغضب الدب الروسي كثيرا وأقلقه.

الآن بات واضحا أن اللعب بالنار مع الكبار لا يجدي نفعا، وأن بعض الحكام الأغبياء غير مؤهلين أصلا لقيادة شعوبهم، لأنهم ببساطة لا يدركون مصلحة شعوبهم وبلدانهم العليا، ويندفعون خلف أوهام وأحلام غير ممكنة التحقيق، عندما يضعون أيديهم في أيد قوى أخرى أجنبية بعيدة عنهم آلاف الأميال، ويتجاهلون جيرانهم الذين يشتركون معهم في الحدود، الحكمة دائما تقول: “لا تحاول أن تعادي جارك اللصيق بدارك”، لكن الرئيس الأوكراني تجاهل هذه الحقيقة وارتمى كليا في أحضان الغرب، وهو لا يدرك أن ذلك يستفز جيرانه الروس ويقلقهم.

ونتيجة لسياسة حكومة أوكرانيا التي لم تضع مصلحة الشعب الكبرى في الاعتبار، ولم تقرأ المشهد بصورة صحيحة، ها هي اليوم تجد نفسها فيما لا يحمد عقباه، كنتيجة حتمية لسوء التقدير وتضع البلد وشعبها في أتون حرب لا قبل لهم بها، فما الذي يجنونه الآن غير مزيدا من الدمار والخراب والمعاناة، وهكذا هم دائما الحكام المغامرون بمصير بلدانهم والذين لا يجيدون قراءة واقعهم أو يحاولون عبثا نكرانه تحت تأثير أجنبي لا يهمه من شأن أوكرانيا إلا تحقيق مصالحه المتغيرة باستمرار.

اليوم لن تجد تصريحات الرئيس الأمريكي وحكام الغرب وتهديداتهم لروسيا، ولن يستفاد الشعب الأوكراني منها، لأن الذي يملك القرار والتأثير من يمتلك الفعل على الأرض، فلن تمنع صنوف المقاطعات الأمريكية والغربية لروسيا مهما كثرت سيل الدبابات الروسية ومطر الصواريخ والقذائف التي تنهمر على أوكرانيا، اليوم ليس أقرب للأوكرانيين وأسلم من الخضوع والاستسلام لواقعهم الجديد من خلال القبول بشروط روسيا للاحتفاظ بشيء من ماء الوجه، قبل أن يصبح ذلك من المستحيلات ويكون مصير أوكرانيا مرهونا لدى الروس بصورة كاملة مكتملة.

نعم لقد كان متوقعا كل ما يجري الآن من عمليات حربية، وكان ممكنا تفادي ذلك لو أحسنت حكومة أوكرانيا التعامل مع الأزمة، لكن هذا هو ديدن كل حاكم غير مؤهل أصلا لقيادة دولة وشعب، من لا يضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبارات التمني والرغبات الموجهة أو الوهمية، فالتاريخ يزخر بأمثال هؤلاء الحكام المتهورين الذين خلفوا الدمار والخراب لشعوبهم وتركوهم رهنا للفوضى التي لا يعلم إلا الله وحده بموعد انتهائها وعودة الاستقرار.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً