الأسس القانونية والعملية للطعون الانتخابية

الأسس القانونية والعملية للطعون الانتخابية

د. عثمان سعيد المحيشي

دكتوراه في التحكيم والعقود وباحث في القانون العام والمحامي العام بنيابة النقض

(الأسس القانونية والعملية للطعون الانتخابية)

دراسة تحليلية على ضوء المادتين 45 و46 من مشروع ملحق الإعلان الدستوري المؤقت.

ورقة بحثية مقدمة لورشة عمل حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة برعاية المعهد العالي للقضاء.

مقدمة:

إن اللجوء إلى القضاء حق دستوري تكرسه الدساتير, والمواثيق والعهود الدولية وهو من أهم مبادئ حقوق الإنسان , والتي من تؤكد حرية الرأي وحق الممارسة السياسية في الانتخاب والترشح وما تفرع عن هذا الأصل من حقوق كالتظلم والطعن, وبالتالي فإن الفصل في منازعات الانتخابات يكون وفقا لأسس العدل والمساواة , الأمر الذي يتطلب تشريعا ينظم العملية الانتخابية , فتكرم البرلمان بإعداد هذا المشروع : ( ملحق الإعلان الدستوري المؤقت ) وهو عمل جبار- خصوصا ونحن بعيدون عن هذه التجربة الحساسة بطبعها – فهو عمل يذكر فيشكر.

ولكي نبلغ ما بلغته الشعوب المتقدمة ، علينا ألا نقف عند هذا الحد , فلا يزال الأمر يتطلب ( الوقت والتعاون ) فمضاعفة الجهود بالاستفادة من التجارب تحتاج إلى وقت , كما لا ينبغي ترك الحمل على كاهل واحد بل ينبغي التعاون من ذوي الاختصاص  والمراكز العلمية والبحثية  لإبداء الرأي للاستئناس.

من أجل ذلك , تقدم الباحث بهذه المحاولة المتواضعة – دراسته حول التظلمات والطعون الانتخابية على ضوء المادتين 45 و 46 من مشروع الملحق ضمن ورقة بحثية بعنوان:

(الأسس القانونية والعملية للطعون الانتخابية)

 وذلك في مبحثين : تناول في الأول التظلمات من قرار المفوضية وتناول في الثاني الطعون في القرارات الصادرة عن المفوضية أمام المحكمة المختصة .

ولا يفوتنا أن نقدم جزيل شكرنا للسيد الدكتور المستشار/ فرج سليم مدير المعهد العالي للقضاء على شرف الدعوة والمشاركة بهذه الورقة في ورشة العمل التي قام المعهد بإعدادها , وكذا السيد ميلاد محمد ناصر حميدة رئيس مكتب إدارة المفوضية بمصراتة والقائمين معه – على ما قدمه من تسهيلات , وكذا السادة المشاركين بالرأي وإثراء النقاش , كما نلتمس العذر من الجميع عن القصور فالكمال له حده احمده جل وعلا وأصل وأسلم على حبيبه المصطفى وعلى أله صحبه خير صلاة وأزكى تسليم.

المبحث الأول

 التظلم

التظلم إجراء إداري عادة يكون أمام جهة الإدارية مصدرة القرار ويسمى ( التظلم ألولائي ) أو أمام الجهة الأعلى ويسمى ب (التظلم الرئاسي ) والتظلم بنوعيه – حسب رأينا – من آثار الإدارة القاضي , إلا أن نص المادة 45 من مشروع ملحق الإعلان الدستوري المؤقت جعل للتظلمات الانتخابية وضع يختلف عن التظلم في القرار الإداري من عدة جوانب حسب النص التالي:

(لكل ناخب صاحب مصلحة التظلم إلى رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في شأن تسجيل الناخبين في الدائرة المسجل بها , ويكون تقديم التظلم خلال ثلاثة أيام من تاريخ نشر قوائم الناخبين. ويقدم التظلم مستوفيا للبيانات والمستندات في مقر المفوضية أو في أي فرع من فروعها أو مكتب من مكاتبها . ويفصل في التظلم بقرار نهائي مسبب خلال خمسة أيام من تقديمه).

وبما أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات جهة إدارية فإن القرارات الصادرة عنها قرارات تخضع في الأصل لأحكام القرارات الإدارية باعتبارها المرجع العام , إلا أنه لا حرج من ضبط هذا النوع من القرارت في حدود ما تقتضيه المصلحة العامة أو بما يتلاءم مع الواقع ومن ثم تظل القواعد العامة هي الميزان لبحثنا لما استحدثه هذا النص – في هذه المسألة من تغيرات مع مراعاة مقتضيات المصلحة العامة وضرورة الواقع, لذا نعرض ذلك في مطلبين:

  • المطلب الأول: نطاق التظلم.
  • المطلب الثاني: جهة الفصل وقرارها.

المطلب الأول : نطاق التظلم:

ونتناول فيه موضوع التظلم وما يتعلق به من إجراءات , فقد تحدد نطاق موضوعه (في شأن تسجيل الناخبين في الدائرة المسجل بها) الناخب, ومن ثم لا يجوز التظلم إذا كان موضوعه في دائرة أخرى, وقد راعى المشرع طبيعة الإجراءات التي تتعلق بالتظلمات الانتخابية من حيث الوقت وذلك بأن يقدم التظلم خلال ثلاثة أيام من تاريخ (نشر قوائم الناخبين).

إلا أن الإشكالية التي غالبا تثار حول تاريخ بداية الميعاد, حيث لم يحدد المشرع لذلك بداية دقيقة بنص يعول عليه, والذي أراه في ذلك أن القاعدة في احتساب بداية الميعاد بأول يوم عمل بعد تاريخ الإعلان , وفي مسألتنا هذه أن النشر بمثابة الإعلان, وبالتالي أرى عدم احتساب يوم نشر القوائم المذكورة أي ابتداء من أول يوم عمل بعدم يوم النشر , لذا يكون على الجهة المعنية بالنشر أن تأخذ ذلك في حسبانها.

كما تمتد المواعيد إذا صادف اليوم الأخير منها عطلة رسمية إلى اليوم الذي يليه ( مادة 19 مرافعات)، مع العلم أن الذي يترتب على مخالفة هذه الأحكام أمر خطير ألا وهو البطلان (مادة 21 مرافعات) الذي يفترض الابتعاد عن شبحه.

إلا أننا لا نرى أن للمتظلم الاستفادة من المادة (17مرافعات) بشأن زيادة المواعيد بسبب بعد المسافات , لأنه يفترض فيه الإقامة في مقر الدائرة الانتخابية وأن يكون مستعدا لمتابعة تظلمه.

وسائل النشر:

لم يحدد المشرع وسيلة يعول عليها في النشر والعلة من النشر هنا هو توافر علم صاحب المصلحة في التظلم أو إمكانية العلم  بأي الوسائل سواء كان عبر وسائل الإعلام أو غيرها لأن طبيعة الواقع تقتضي أمرين:

أولهما/ أن إجراءات العملية الانتخابية تتطلب السرعة وبالتالي فهي تختلف عن بقية الإجراءات القضائية الأخرى.

ثانيهما/ أن الذي يعنيه الأمر عادة يكون متأهباً للعلم بمضمون هذه القوائم فمن المفترض فيه العلم بمجرد النشر و بأي وسيلة.

شكل التظلم:

اشترطت الفقرة الثانية من المادة 45 من مشروع الملحق ما مفاده أن يكون التظلم مستوفياً البيانات والمستندات ؛ و لم يحدد ما هية هذه البيانات , إلا أن مرجعنا في ذلك أحكام قانون المرافعات وما تتطلبه أوراق المحضرين من بيانات شكلية وموضوعية (مادة 81 مرافعات).

كما يشترط إرفاق صحيفة التظلم بكافة المستندات المؤيدة لتظلمه وذلك بخلاف ما جرى عليه العمل القضائي من جواز إلحاق المستندات في جلسة لاحقة.

لذا، فإن إرفاق المستندات مع صحيفة التظلم أمر ضروري لقبوله , وإلا يكن مآله عدم القبول شكلا لعدم إرفاق المستندات المطلوبة.

والذي يترتب على ذلك حسب رأينا أنه لا جدوى من الطعن في القرار بعدم القبول لأنه هو الذي فوت الفرصة على نفسه.

وأن العلة في ذلك هو حرص المشروع على عنصر الزمن هذا من ناحية وناحية أخرى أن الحرص على الالتزام بالزمن وكذلك تقديم المستندات والعلم المفترض بالنشر حتى يميز المتظلم المجد عن غيره , وهو سلوك محمود المشرع أراه.

المطلب الثاني/ الجهة المتظلم إليها

ونتناول فيه جهة تقديم التظلم وقرارها

جهة تقديم التظلم

سبق وأن ذكرنا أن الجهة المتظلم إليها هو رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلا أن المشروع راعى في تسهيل الإجراء للمتظلم من حيث مكان الجهة فقد عالج بنص مرن فقد نصت المادة 45 من المشروع بما مفاده: يكون مكان التظلم في المفوضية ويقصد بها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أو بأي فرع من فروعها أو أي مكتب من مكاتبها وهذه المرونة التي اتسم بها هذا النص تدل على تبسيط الإجراءات ليتمكن المتظلم من تقديم صحيفة تظلمه وهو أسلوب محمود وعلى ضوء ذلك يكون من حق المتظلم تقديم التظلم إلى أحد هذه الجهات ولو لميكن في نطاقها دائرة التسجيل موضوع التظلم.

قرار الفصل في التظلم:

إن الطبيعة القانونية لقرار الفصل في التظلم تتحدد بتحديد طبيعة الجهة مصدرة القرار وهذه الجهة هي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وهي جهة إدارية وإن كانت تعمل في إطار السلطة التشريعية بحكم طبيعة النشاط فهو لم يكن عملا تشريعيا بل هو عمل إداري شأنه شأن النشاط الإداري داخل الجهاز القضائي وبالتالي فإن الأمر واضح لا يحتاج إلى عناء بيان ومن ثم نتوصل إلى القول بان الطبيعة القانونية لهذا القرار هو قرار إداري ، والذي يترتب على ذلك يجب أن تتوافر في قرار الفصل في التظلم ما يجب أن يتوافر في القرار الإداري من أركان وهي الشكل، السبب، المحل, المشروعية، الغاية.

وقد نص المشرع صراحة في الفقرة الأخيرة من المادة 45 على ضرورة توافر ركن الشكل بنصه على ضرورة تسبيب القرار والمعروف أن التسبب يدخل في ركن الشكل كما أن في هذا النص إشارة إلى أن يكون له سبب؛ فالتسبب يقتضي وجود سبب وبطبيعة الأمر يكون السبب مشروعاً أي وفق للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون و المعمول من تشريعات وهو عنصر المشروعية , وبهدف تحقيق العدالة بين الليبيين, وهو عنصر الغاية, وركن المحل غني عن البيان , وبالتالي فإنه يمكن لنا القول أن قرار المفوضية بالفصل في التظلم قرار إداري بتوافر أركانه الخمسة قولا واحدا.

فهذه العناصر مجتمعة يتطلب توافرها في هذا النوع من قرارات المفوضية وإلا تعرضت للطعن.

وقد وصف المشروع في مادته سالفة الذكر هذا القرار بالنهائي وهذا يعني قابليته للتنفيذ دون حاجة للتصديق أو الاعتماد من جهة أخرى, والوصف بالنهائية هي شرط في قابلية القرار الإداري للطعن بالإلغاء.

كما نص المشرع على أن يكون صدور القرار خلال خمسة أيام من تاريخ تقديم التظلم ، إلا أن هذا النص يثير إشكالا كبيرا حيث لم يرتب المشرع على تحقق هذا الإجراء حكم بالبطلان ومن ثم فإنه يعتبر إجراءً تنظيميا وبالتالي صدور القرار بعد مضي الميعاد (الخمسة أيام) فإنه يكون سليما لو ترك النص على عواهنه.

المبحث الثاني

الطعن

اختلف الطعن عن التظلم الذي سبق بيانه وفقا لنص الماد (45) من عدة جوانب من حيث أطراف الطعن ومن حيث الموضوع ومن حيث الجهة المطعون أمامها والتي سيتم توضيحها وفقا للنص التالي:

 المادة 46 من المشروع الملحق:

1- لكل مترشح صاحب مصلحة أن يطعن في إجراءات تسجيل المترشحين المنافسين له وإجراءات العملية الانتخابية بما في ذلك إعلان النتائج الأولية , ويرفع الطعن بصحيفة تتضمن على وجه الخصوص موضوع الطعن وأسبابه, تودع بقلم كتاب المحكمة الابتدائية المختصة , على أن تختصم في الطعن بالإضافة إلى المطعون ضده إن وجد , المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ويرفق الطعن بالمستندات اللازمة التي يتطلبها البت في المسألة محل المنازعة ذلك خلال يومين من تحقق الواقعة المطعون فيها , وعلى الطاعن أن يتخذ موطنا مختار في صحيفة طعنه وإلا اعتبر مقر المفوضية موطنا له , ولا تقبل الطعون بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات.

2- يبلغ المطعون ضده بالطعن المرفوع وموعد الجلسة والمحكمة التي ستنظرهبطريق التسليم المباشر مقابل توقيع أو بترك أثر كتابي من المبلغ له أو بطريق الفاكس أو البريد الإلكتروني مع دليل االاستلام أو عن طريق محضر.

3- تتولى الفصل في الطعن دائرة طعون انتخابية اصةتشكل من ثلاثة قضاة في نطاق كل محكمة ابتدائية , وتفصل الدائرة في الطعن بعد التأكد من إحاطة المطعون ضده بالطعن وتاريخ الجلسة المحددة لنظره ومكانها , وتحكم دائرة الطعون الانتخابية في الطعن خلال سبعة أيام من إيداع الصحيفة بحكم نهائي لا يجز الطعن فيه إلا بطريق التماس إعادة النظر أمام ذات الدائرة خلال ثلاثة أيام من صدوره , ويفصل في الالتماس خلال خمسة أيام من إيداع الصحيفة.

4- تعفى الطعن الانتخابية من كافة الرسوم.

لذا ستناول دراسة هذا النص في مطلبين:

المطلب الأول في نطاق الطعن والمطلب الثاني في الإجراءات.

المطلب الأول/ نطاق الطعن:

من خلال دراسة النص يتبين أن أهم العناصر التي تحدد نطاق الطعون الانتخابية هي أطراف الطعن وموضوعه ويناول في الفقرتين على النحو الآتي:

أولاً/ من حيث الأطراف:

والمقصود بأطراف الطعن هم الطاعن والمطعون ضده وقد حصرهم مطلع نص المادة المذكورة في المترشح صاحب المصلحة والمترشحين المنافسين له والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

وبموجب هذا النص يشترط أن يكون الطاعن مترشحاً ولا يجوز لغيره ولو كان ناخبا ويشترط لقبول طعنه أن يكون له مصلحة في الطعن ولو غير مباشرة كما هو الحال في شرط المصلحة في الطعن في القرارات الإدارية بخلاف شرط المصلحة في أحكام قانون المرافعات الذي اشترط أن تكون المصلحة شخصية مباشرة.

ويترتب على شرط المصلحة أن يكون المطعون ضده من المترشحين المنافسين للطاعن وإلا انعدمت المصلحة ولا جدوى من الطعن وبالتالي يجب على الطاعن أن يبين أوجه مصلحته في صحيفة طعنه بوضوح, وعلى هيئة المحكمة أن تركز على مدى توافرها عند نظرها للطعن كما عليها أن تذكرها في أسباب حكمها وإلا شابه عيب القصور في التسبيب الموجب للنقض.

كما أضاف هذا المشروع إلى أطراف الطعن ضرورة اختصام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وهو شخص اعتباري بحكم مسؤوليته عن موضوع الطعن وبالتالي فإن اختصامه شرط لقبول الطعن ولا تكون بيانات صحيفة الطعن مكتملة إلا بذكره بوصفه مطعون ضده وعلى المحكمة إثبات حالة حضوره أو من ينوب عنه من عدمه سواء في محضر الجلسة أو في أسباب الحكم.

وبهذا ينحصر أطراف الطعن بالشروط المذكورة في المترشح و المترشح المنافس أو المنافسين له وفي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

ثانيا/ من حيث الموضوع:

والموضوع محل الطعن أو السبب الدافع لإقامة الطعن الذي من  مصلحة المترشح ونال من حقه في التنافس الشريف بينه وبين منافسيه وقد حددها النص في نوعين من الإجراءات:

  1. إجراءات تسجيل المترشحين المنافسين للطاعن.
  2. إجراءات العملية الانتخابية بما في ذلك إعلان النتائج الأولية.

وقد أشارت المادتان (43،44) من الفصل الرابع من هذا المشروع بخصوص النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية كما أشارت المادتان إلى المعايير الواردة في المادة 3 من المشروع إلى ضرورة صدور لوائح تنفيذية لذلك ولعل ذلك يكون نصيب باحث آخر إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المادة 43 المذكورة منحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات السلطة التقديرية المطلقة في تحديد هذه المعايير وفقا لما تصدره من لوائح , والذي نراه: أن المشروع وإن أطلق يد سلطة المفوضية في ذلك إلا أن القاعدة التي جرى عليها العمل في الرقابة القضائية على قرارات الإدارة حال استعمالها السلطة المطلقة تكون في حدود عدم الإجحاف (لا إفراط ولا تفريط) وتعرف برقابة (الغلو) , ونرى المعيار المحدد لهذه الرقابة في الطعون الانتخابية والتي يجب أن تعمل على أساسه المفوضية يجد سنده القانوني في المادة 17 من هذا المشروع والذي ملخصه عليها أن تتقيد بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الليبيين ومن ثم فإنها إذا خالفت هذا المبدأ سواء في وضع معايير اللوائح أو في إصدار قراراتها فإن تصرفها يكون محلاً للطعن.

المطلب الثاني/ جهة الفصل في الطعن:

حدد النص محل الدراسة جهة الفصل في الطعون الانتخابية بدائرة الطعون الانتخابية بالمحكمة الانتخابية وبما أن التداعي أمام هذه المحكمة له إجراءاته الخاصة بالإضافة إلى الإجراءات العامة سيتناول البحث في المحمة المتصة وإجراءاتها في فقرتين على النحو التالي:

أولا/:المحكمة المختصة:

أوجد المشروع في الفقرة الثالثة من المادة 46 – دائرة خاصة بالطعون الانتخابية تسمى دائرة الطعون الانتخابية بالمحكمة الابتدائية تشكل من ثلاثة قضاة, وهو نص غير مسبوق, وقد راعى فيه المشروع امتداد فروع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ومكاتبها والدوائر الانتخابية امتداد إقليم الدولة موازيا امتداد المحاكم ودوائرها القضائية وهي نراها معالجة أمر واقع محتوم ولا سبيل للمشرع غير ذلك ، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه: إن هذه الطعون من اختصاص القضاء الإداري, باعتبار أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات جهة إدارية وقراراتها  إدارية وهو ما جرى عليه العمل في الأنظمة المقارنة ، وبالتالي فإن هذا النص يضعها أمام معادلة صعبة لا تستقيم مع المنطق القانوني السليم أن القاضي الذي يفصل في الطعون الانتخابية – ذات الوضع الهام الذي يتطلب فيه التخصص العلمي القانوني والعملي القضائي – هو قاضي الجنح والمخالفات أو الأحوال الشخصية أو المنازعات المدنية ، والكل أهميته في تخصيصه إلا أن هذا التخصص يتطلب الإلمام الكافي بقواعد القانون العام التي هي الأساس المستمد منه هذا القانون لكي يتمكن من استيعاب ما بين السطور  ويكون القناعة المتوافقة مع هذه القواعد.

أما بحسب الحال الموجود سيتحول دور القاضي إلى تطبيق أحكام القانون إلى تطبيق تنفيذي مجرد إلا من رحم.

وهذا ليس عيب المشروع ولا في من وضعه وواضح أنه عالج الحال بما أمكن- إلا أن العيب هو الشرخ الموجود في المنظومة القضائية التي وضعت في بداية الخمسينيات التي تختلف فيها الأوضاع عن الوقت الحاضر , لذا , فإن معالجة الموضوع تكون بتأسيس قضاء إداري مستقل تكن من مهامه هذه الرقابة.

ثانيا/ إجراءات الطعن:

تناول نص المادة 46 المذكورة على ثلاثة أنواع من الإجراءات : إجراءات تتعلق بالطاعن ثانية تتعلق بالمطعون ضده وثالثة بسير الطعن أمام المحكمة والتي يتم بيانها على النحو التالي:

أولا/ إجراءات تتعلق بالطاعن:

إن الذي يفهم من سياق نص الفقرة الثانية من المادة 46 سالفة الذكر : إن الطعن يكون بصحيفة محتوية ديباجتها ذات البيانات المطلوبة في صحيفة الدعوى ويترتب على إغفالها البطلان , وقد حددت المادة 81 مرافعات محتويات صحيفة الدعوى بالبيانات الواجب ذكرها في أوراق المحضرين وعلى المحكمة المطلوب حضور الخصوم أمامها وعلى اليم والساعة الواجب حضورهم فيها, وقد أوضحت المادة 10 مرافعات البيانات التي يجب أن تشتمل عليها أوراق المحضرين.

وبما أن نص المادة 46/2 من المشروع تتضمن الإحالة على أحكام قانون المرافعات بنصه على البيانات المطلوبة في صحيفة الدعوى فإنن يكون للبطلان الذي أشارت إليه تفصيل : فقد قسمت المادة 88 مرافعات النقص في اليانات إلى نوعين :

النوع الأول/ البطلان الوجوبي: ويكون في أحوال النقص في البيانات الذي من شأنه أن يجهل بالمحكمة أو بالمدعي أو بالمدعى عليه أو بالمدعى به أو بتاريخ الجلسة.

النوع الثاني/ البطلان الجوازي: وهو المتروك للمحكمة أمر الفصل فيه إذا كان الخطأ أو النقص في غير ما ذكر من بيانات النوع الأول.

كما أن هناك من البيانات التي لا يترتب عليها بطلان فعلى سبيل المثال لا يترتب البطلان حال إغفال الطاعن بيان الموطن المختار والذي يترتب عليه هو اعتبار مقر المفوضية العليا للانتخابات موطنا مختارا له, والذي يهدف إليه هذا النص هو على أن يحدد مكان إيداع الإعلانات المطلوب إبلاغه بها فإن لم يفعل فعليه المتابعة من جانبه دون أن تلزم المحكمة إبلاغه بشيْ.

ومما استحدثه المشروع من إجراءات مهمة وهو ضرورة إرفاق المستندات مع صحيفة الدعوى بخلاف ما جرى عليه العمل القضائي وذلك بما يتلاءم وظروف الطعن الانتخابية  , وذلك بأن تودع معها كافة المستندات خلال يومين من تحقق الواقعة وقبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات.

ثانيا/ إجراءات إعلان المطعون ضده:

لا يمكن للمحكمة أن تتصل بالطعن – وفقا للقواعد العامة للمرافعات – إلا بعد إعلان المطعون ضده بالطعن وذلك بنسخة من صحيفة الطعن محدد بها موعد الجلسة والمحكمة المنظور أمامها الطعن وعنوانها ويكون الإعلان بطريق التسليم المباشر مع توقيعه بما يفيد الاستلام أو بطريق الفاكس أو البريد الإلكتروني مع ما يفيد الاستلام , وهو توسع من المشروع في مسألة الإعلان فمرونة النص هذه أراها تشمل الوسائل الأخرى مثل النقال متى ثبت الاستلام أو عن طريق محضر بالإجراءات المعمول بها في إعلانه الأوراق القضائية ، في جميع الأحوال يجب أن يكون التسليم للشخص المراد إعلانه (المطعون ضده) وبالتالي يجب أن تحتوي الصحيفة على هذه البيانات.

ثالثا/ إجراءات سير المحكمة:

على المحكمة التأكد من صحة إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن وبتاريخ وموعد الجلسة وبالمحكمة المرفوع إليها الطعن ومكانها ثم تنظر للموضوع وتفصل فيه خلال سبعة أيام من تاريخ إيداع صحيفة الطعن وما أرفق به من مستندات – بحكم غير قابل للطعن إلا بطريق التماس إعادة النظر أمام ذات الهيئة مصدرة الحكم و تفصل في الالتماس خلال خمسة أيام من تاريخ إيداع صحيفة الالتماس.

الخاتمة:

من خلال هذه الدراسة يتوصل الباحث إلى النتائج الآتية:

1 – روعي في المشروع محل الدراسة ظروف الواقع المحيطة بالعملية الانتخابية وأوجد لها النصوص الملائمة للقواعد العامة للقانون في العديد من النقاط سواء في أحوال التظلم أم في أحوال الطعن ذكرت في مواضعها ومن ثم فهو خطوة جبارة في المجال التشريعي في ليبيا ولا تزال تليها خطوات في هذا النهج الجديد ومجهود يذكر فيشكر من قام عليه .

2- راعى واضع المشروع التقنية المعاصرة بما يتفق وأحكام القانون بالاستفادة منها في تبليغ الإعلانات مع ضرورة التأكيد على علم الوصول.

3 – يوجد القصور في بعض النصوص تحتاج إلى توضيح فعلى سبيل المثال حدد المشروع الوعاء الزمني لإصدار الحكم بخمسة أو سبعة – حسب الأحوال – ولكنه لم ينص على الجزاء عند عدم التقيد به.

4- إن طبيعة هذه الطعون من اختصاص القضاء الإداري وبالرغم من محاولة واضع المشروع معالجة الوضع بما هو موجود , إلا أن الحل السليم لا يكون إلا بتأسيس قضاء إداري مستقل عن القضاء المدني علاوة على ذلك أن حق الانتخاب والترشح وما تفرع عنه من حقوق التظلم والطعن يجد أساسه في حقوق الإنسان التي تحميها العهود والمواثيق الدولية ( العهد الدولي للحقوق  المدنية والسياسية).

المراجع

1- التشريعات الانتخابية

2- قانون المرافعات المدنية والتجارية.

3- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

4-القواعد العامة للقانون العام المجمع عليها ولا ضرورة بذكر مراجعها.

5- شبكة الإنترنت.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عثمان سعيد المحيشي

دكتوراه في التحكيم والعقود وباحث في القانون العام والمحامي العام بنيابة النقض

اترك تعليقاً