الإنتباه للمخاطر القادمة قبل فوات الأوان

الإنتباه للمخاطر القادمة قبل فوات الأوان

من أصعب المراحل في تاريخ الثورات الشعبية هي مرحلة الانتقال بالدولة التي تبدأ من وضع السلاح جانبا واستئناف مرحلة البناء، وهي مرحلة قد تطول أو تقصر حسب وعي الناس وثقافتهم وتعليمهم وعقيدتهم الدينية ومدى استعدادهم للتغيير والاستقرار. إنها المرحلة التي يتفقد فيها الناس شؤونهم الخاصة والعامة وتحدث خلالها مقارنات سريعة تكثر فيها المطالب والأماني، وتنتهز فيها الفرص وتعلو فيها وتيرة الاتهامات والجحود والنكران والأنانية؛ فترة تتخللها الفوضى وسوء التدبير وتغيب عنها أساليب الحوار وأبسط مفاهيم الديمقراطية.

المراحل الإنتقالية عادة ما تحوى تناقضات قاتلة، يكمن ضررها في عدم الانتباه للمخاطر التي تمر بها الدولة، وتسطيح القضايا الاستراتيجية وعدم مواجهة الحقائق بالحسم، والابتعاد عن التخطيط ووضع الرؤى لما سيكون بعدها.

الأحداث التي مرت بها بلادنا والفترة الانتقالية الحالية تؤكد أننا مررنا بكل تلك الأحداث وتناقضاتها ونحن في مواجهة منعطف غاية في الخطورة، رغم أننا تجاوزنا فوضى المطالب الرخيصة والمقارنة الساذجة. ورغم شعورنا بالاقتراب قليلا من انتخابات المؤتمر الوطني الذي يمثل مرحلة انتقالية، الجديد فيها صناديق الاقتراع، إلا أن الدولة مازالت تعاني من انكسار هيبتها بغياب الأجهزة الرسمية التي يركن إليها تطبيق القانون والحفاظ على أمن المجتمع وأفراده، والتأخر في إعادة بناء المؤسسة العسكرية التي تؤكد حماية حدود الدولة والمحافظة على مرتكزاتها الأساسية، بالإضافة إلى عشرات المشكلات الداخلية في التنظيم والإدارة وأخرى خارجية لا يعلمها إلا الله.

من الصعب أن نتناول كل مشاكل هذه المرحلة ولكننا قد نكون مجبرين على أن نكتب حول ما يدور الآن من شواهد. فالمتابع للإحداث الجارية هذه الأيام يجد أن خطر العنف وفوضى السلاح قد لاحا في الأفق بشكل يقلق الجميع، ناهيك عن اغتيال وخطف قيادات الثورة وصولا إلى استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي كانت خارج مخازن الدولة. وما المواجهة المسلحة التي نتتبع مجرياتها بين الجماعات الخارجة عن الشرعية والانتقام الشرس بين القبائل وبروز قبيلة ما كقوة لا يردعها العرف والعقل والدين، إلا دليل على أن أننا نمر بمرحلة خطرة وقد تكون خارجة عن السيطرة.

الأحداث الجارية يجب أن نستخلص منها حلولا للمستقبل وندرسها بكل عناية وفق رؤية حقيقية باعتبار ما تقوم به المليشيات المنتشرة داخل المدن والعصابات المنظمة في المناطق وتخزين السلاح خارج المخازن العسكرية، ليست مجرد أعمال استعراضية عابرة من قبل أفراد خارجين على القانون أو مناوشات بين السفهاء أو قبيلة تثأر لرجالها. إن الأمر يتطلب التحرك الفوري والشعور بالمسؤولية الكاملة من كل أفراد المجتمع عسكريين ومدنيين واستنهاض كل القوى الوطنية بالضغط على الحكومة والمجلس الإنتقالي ومطالبة بتفعيل الجيش والشرطة وإلغاء كافة المسميات الأخرى، ومواجهة هذه الأوضاع قبل أن تتمكن تلك القوى من فرض اجنداتها وسيطرتها على الأرض مما يصعب القضاء عليها في المستقبل القريب. 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً