الاسلام .. وإسلام طروادة (1)

الاسلام .. وإسلام طروادة (1)

الاسلام دين عظيم شامخ متين سوي قيم وقويم , إرتضاه الله سبحانه وتعالي للبشرية جمعاء وأصطفي لأجله خير الخلق وسيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم. هذا الدين القيم الشامل الكامل لم يتجسد إيمانا وعلما وعملا إلا في شخص النبي الامي محمد رسول الله “لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة” واستعصي علي بقية البشر الاحاطة به ايما نا وعلما وعملا والعلم بكل تفاصيله واحتواء ما اشتمل عليه من اوامر ونواهي وفضائل وحسن وجمال. ويقاس علو كعب الانسان في هذا الدين بمدي إقترابه إيمانا وعلما وعملا من المثل الاعلي الذي اختاره الله للبشرية ولهذا كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم أقرب الناس لهذا المثل ولكن لم يبلغ أحدهم ذاك المبلغ السامق ولم تجتمع لاي منهم مناقب المصطفي صلي الله عليه وسلم.

الاسلام يتسع لكل من آمن بلا اله الا الله محمد رسول الله واتبع أئمة الامة الذين اجتمع غالبية المسلمين علي قبولهم والاخذ بفهمهم لهذا الدين بل إن الاسلام في الصدر الاول وفي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم إتسع واحتوي المنافقين والاعراب والكفار المؤلفة قلوبهم لأنه ببساطة دين الرحمة والحنيفية السمحة ومكارم الاخلاق والدفع بالتي هي أحسن واليسر والتبشير ورفع الحرج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر في ستر ومودة ومن غير غلظة ولا فظاظة حتي لا ينفض الناس عن رحمة الله.

والاسلام أول دين عرفته البشرية إحترم حرية الاعتقاد للبشر فلم يرغم أحد علي إعتناقه وسجل الاسلام أول وثيقة دستورية في المدينة المنورة تضمن تعدد الاديان وحرية العبادة للمسلمين واليهود والمشركين وغيرهم كما استوعب الاسلام في العهد النبوي وأقر تعدد الثقافات والاعراق والعادات والتقاليد واللهجات والاعراف فكان هناك المهاجرون والانصار والذين فيهم الاوس والخزرج من صحابة أجلاء ومنافقون مردوا علي النفاق كما كان هناك الاحباش واليهود من بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير والاعراب حول المدينه والاقليات الاخري من نصاري وعبيد وغيرهم ولم نجد في الاثار ما يدل علي أي نوع من فرض الاحكام الاسلاميه علي هذه الكيانات المتعددة ثقافيا وعرقيا. وكانت أسواق المدينة تعج بهذه الاقليات ويرتادها الرجال والنساء من أهل المدينة ومن خارجها ولم نجد في الاثر ما يدل علي أي نوع من القمع او الحسبة أو فرض الاحكام الاسلاميه علي أحد بل كان الاسلام يعمر قلوب المسلمين ويفيض علي الاخرين بالدعوة الي الله بالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنه. وكانت السلع تباع في المدينة بدون رقابة من أحد فمنها الحبوب والتمور والخمور والاقمشة والانعام والخيل والعبيد من غلمان وجواري.

والاسلام أول دين عرفته البشرية فتح المجال علي مصراعيه لحرية التفكير والابداع في شتي المجالات واستوعب الحضارات السابقه واستفاد منها ومن تجاربها وانطلق الي صنوف أرحب من المعارف والعلوم في شتي المجالات ووضع العلماء المسلمون أسس الحضارة الحديثة في الادب وعلم النفس والاجتماع والطب والرياضة والهندسة والفلك والبصريات والجغرافيا وبرز من علماء الحضارة الاسلاميه مالك وأبوحنيفة والشافعي وابن حنبل والغزالي وجعفر الصادق وغيرهم في علوم الدين والفقه وأصوله وابن المقفع وابن رشد والكندي والخوارزمي وابن حيان وابن الهيثم وابن النفيس وابن خلدون وابن عربي والبيروني وابن قرة وابن سينا والرازي وغيرهم كثير جدا. ولم يضطهد االاسلام العلماء ويحجر عليهم حرية التفكير والابداع.

والاسلام أول دين عرفته البشرية حافظ علي تراث الحضارت السابقه واحتوي واستوعب أعراقا وأديانا شتي فبقيت آثار الرومان والاغريق والفراعنه والفرس واليهود والنصاري والديلم والترك والهنود والصينيين وبقيت أديان شتي ضمن الحضارة الاسلاميه منها اليهوديه والنصرانيه والمجوسيه والكلدانيه والاشوريه والهندوسيه والوثنيه والبوذيه واليزيدية ولم يعرف المسلمون محاكم تفتيش علي العقائد والقلوب وتشهد المعابد والكنائيس والاصنام العتيقه في البلاد الاسلاميه علي سماحة الاسلام واستيعابه للاديان الاخري تحت مظلته العادله. وأستوعب الاسلام شعوبا متعددة بثقافاتها ولباسها وعاداتها فلم يفرض المسلون علي الفرس والترك والاكراد والافغان والهنود والبربر والافارقه والماليويين والاندونيسيين وغيرهم الثقافة العربية وبقيت تحت مظلة الاسلام عاداتهم من لباس واعراف وموسيقي وغيرها.

والاسلام نصره الله جل وعلا وحفظ كتابه القرآن الكريم وأظهره علي الدين كله بعز عزيز او بذل ذليل ولم ينصَب الاسلام كهنوتا أو وكيلا عن الله أو رجال دين يحكمون بإسمه ويذودون عنه ولا فضل لبشر كائنا من كان في ظهور الاسلام وإنتشاره في شتي بقاع الارض بل جعل الله بعضهم وسيلة لهذا الامر “إنه لطيف لما يشاء”.

هذا هو الاسلام الذي أكرم الله به البشرية وأمتن به عليهم وأرتضاه لهم دينا فما بال إسلام طروادة ؟ إسلام طروادة هو إسلام يراد به خداع الناس وإستعباد البشر والتحكم فيهم وهو وسيلة لأستغفال عامة المسلمين للوصول الي أغراض ومآرب دنيوية سواء سياسيه أو سلطانيه أو إقتصادية أو إجتماعية أو روحية أو دينيه.

وتاريخ إسلام المآرب (طروادة) عميق بعمق الاسلام فلم يكن من قال لأعدل الناس “إعدل يا محمد إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله” إلا واحدا منهم … ولم يكن إسلام قتلة عثمان رضي الله عنه إلا إسلام غرضه الظاهر رفع بعض المظالم وغرضه الخفي تقويض الدولة وقتل الخليفة , ولم يكن نشر قميص عثمان علي منبر دمشق إلا وسيلة لتفريق وحدة الصف والخروج علي خليفة المسلمين علي رضي الله عنه … ولم تكن مقولة الخوارج لعلي رضي الله عنه “الحكم لله وليس لك يا علي” إلا كلمة حق أريد بها باطل.. . ويحدثنا التاريخ الاسلامي عن حروب ومعارك طاحنه لم تبقي ولم تذر وعن دماء سفكت وأعراض انتهكت وبلاد خربت بأسم إسلام طروادة والاسلام برئ منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. وعلي الرغم من كثرة الفتن والقواصم التي المت بالعالم الاسلامي إلا أن الاسلام بقي ناصعا قويا عظيما رغم ضعف المسلمين وفشلهم وذهاب ريحهم.

واليوم في عصر العولمة وإنتشار وسائل الاتصال إختلط الحابل بالنابل وظهرت علي المسلمين أحزاب وجماعات ومذاهب ومشائخ وفضائيات كلها تزعم أنها تسعي الي إقامة الاسلام ونصرته والحديث بأسمه. ويجد المسلم نفسه أمام هذا الخضم الهائل من الضغوط باسم الاسلام مضطر لأن يقبل هذه الشعارات ويؤيد هذا الحزب الاسلامي أو ذاك ويتعصب لهذا المذهب أو ذاك ويأخذ عن الشيخ الفلاني ولا يأخذ عن ذاك. والاسلام بعظمته وعمقه ومتانته يأبي أن يحتويه حزب أو جماعة في منهج أو يلم بعلومه الشاملة شيخ علامة مهما علا شأنه في العلم الشرعي وسيبقي الاسلام عصي علي الجميع ” ولا يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه “. وبعد ثورات الربيع العربي إزداد التنافس علي رفع شعارات الاسلام بين كافة الاحزاب الاسلاميه وحتي الوطنية والعلمانية منها رغبة في نيل اصوات الناخبين والحصول علي منافع سياسة. ولسوف يغلب الاسلام كل من يشادده ويسعي الي توظيف شعاراته لمصلحته وسيسقط كل من زعم انه يمثل الاسلام ولسوف يصطدم بالسياسة وما فيها من فساد ونفاق وتملق وظلم وبطالة وفقر واستغلال وسرقة وحب الوجاهة والرئاسة والسلطان. وستكتشف الشعوب الاسلاميه ان كل من رفع شعار إسلامي لمصلحة سياسية لا ولن يمثل الاسلام بل انه يمثل إسلام طرواده لمصلحته …. وأقول لكل من يريد دخول المعترك السياسي أن يدع الاسلام وشأنه ويقدم برنامجه السياسي بعيدا عن إستدرار عواطف المسلمين الطيبين بدينهم ويتحفنا بما لديه من بلاسم للقضاء علي الفساد والبطالة والظلم وكيف سيبني هذا الوطن سياسيا واقتصاديا ويحمي ثرواته واستقلاله …. وأقول للمواطن الذي ينتظر الفرج ان لا ينخدع بالشعارات ولا بالشوارب واللحي والبدل الانيقة ولا بالوعود الوردية المنمقة ولا بحلاوة اللسان السياسي المراوغ …. ولا بإسلام طروادة.

د. علي الفرجاني
eelferjani@yahoo.com

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً