الانفراد بالسلطة واثره في صنع القرار

الانفراد بالسلطة واثره في صنع القرار

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

لقد توجت ثورات الربيع العربي بانتصار الشعب علي القوى الظالمة من الحكام المستبدين بالسلطة والانفراد بصنع القرار دون ان تكون هنالك اراء للشعب او من يمثلون الشعب. بعد نجاح هذه الثورات برزت مجموعات وفئات معينة تريد ان تصل الي السلطة والانفراد بصنع واحتكار القرارات.  ليبيا لم تسلم من هذا ومند بداية الثورة والبعض منهم يحاول الوصول الي كراسي الحكم. نجحوا بأقناع الكيب بأن يكون لهم دور وفعلا كان لهم دور ووصل عدد الوزراء والمستشارين من اخوان المسلمين في حكومة الكيب الي 12 شخصية وفي المجلس الانتقالي الي 26شخصية بين عضوا وموظف ادارة عليا. وهنالك بعض الجماعات الأخرى تريد ان تسيطر علي صنع القرار وتحاول جادة مند اندلاع ثورة 17 فبراير ان تتغلغل في دهاليز صنع القرار وبكل الطرق حتي تسيطر علي صنع القرار لكنها لم تفلح مثل ما وصل اليه الإخوان.

تفشي الفساد والاستبداد من قبل طلاب السلطة ومن هذه المجموعات وغيرها ومحاولة الانفراد بالسلطة يدفع الناس الي الخروج والمطالبة بتغير هؤلاء. لهذا فأن التعبير الشعبي ومن خلال الفعاليات المدنية والتي له دور كبير في توعية الناس بمآسي من يحاولون الاستيلاء علي السلطة في ليبيا.  الفعاليات المدنية والقوي الوطنية منعت من المشاركة في صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي  ايام حكومة الكيب مما يدفعنا الي المطالبة بأن ننتقل من مرحلة السلطوية الي مرحلة الديموقراطية الحقيقة. لقد باتت بوادر هذا الانتقال من خلال انتخابات 7 /7/2012 وانتخاب رئيس المؤتمر الوطني العام ونائبيه يوم 8/8/2012. نجح الليبيون في اختيار اعضاء المؤتمر الوطني وهي بداية الانتقال من مرحلة السلطوية والتي فرضت علي الليبيين لأكثر من 60 سنة الي مرحلة الديموقراطية الحديثة حيث الشعب يختار نوابه ليعبروا عن استحقاقاته ويمنعوا الانفراد بالسلطة لفئة او مجموعة معينة.

لقد شكل تحالف القوي الوطنية تقدما ملحوظ في الانتخابات وفي الدورة الأولي لانتخاب رئيس المؤتمرالوطني العام ولكن اخفق في الجولة الثانية. هذا نتيجة تحالف الجماعات الدينية ضد القوي الوطنية الليبيرالية حتي تصل مجموعة معينة والي الانفراد بصنع القرار وارجاع ليبيا الي مرحلة السلطة الفردية مرة اخري وابتعادها عن المرحلة الديمقراطية. هذا سيشكل خطر كبير علي انتقال السلطة ولن تكون هنالك ديمقراطية في ليبيا. هل رئيس المؤتمر الوطني العام قادر علي منع الانفراد بصنع القرار من قبل فئة معينة والتي تحاول ان تكون علي سلم الهرم السياسي في ليبيا؟. هذا ما ستريه لنا الأيام القادمة وخاصة عند اختيار رئيس الحكومة الجديدة.

أكدت الأحداث والمتسارعة في دول توارث الربيع العربي على أن التوجه نحو الديمقراطية أضحى حقيقة ثابتة ولا يمكن الحياد عنها، وأنه لابد من المضي نحو التغيير ومنع الانفراد بصنع القرار. الانفتاح السياسي اصبح مطلبا اساسيا وذلك من خلال تطبيق التعددية السياسية والحزبية، واحترام حرية الفرد وكرامته، وضمان حقوقه كاملة. هنا الواقع العملي والعلمي يؤكد أنه لا يمكن توفير التنمية الحقيقية وخاصة السياسية وتحقيق التنمية الاقتصاديًة، والاجتماعية، الا عن طريق تطبيق الديمقراطية الحديثة والقضاء علي المرحلة السلطوية والتسلطية والتي تدعوا الي الانفراد بصنع القرار. هذا ما يطمح له كل ليبي وليبية في ليبيا الجديدة. لكن بروز جماعات لها منهج ايديولوجي ومتسترة وراء الدين لتضع ايديها علي صنع القرار والتفرد به سيعيق مراحل الانتقال من المرحلة السلطوية الي المرحلة الديموقراطية.

فكان لابد من دخول مرحلة سياسية جديدة في ليبيا والتي تحرص على إشاعة وتطبيق الديمقراطية، والتحرر والانفتاح السياسي،  مع المحافظة علي قيمنا الدينية والاجتماعية.  هذا ضرورة من ضرورات التطوير والتنمية السياسية لاحتواء كل المتغيرات والمستجدات على الساحة الليبية. حيث تم انتخاب 200 عضو لتمثيل كافة ربوع ليبيا وبكل اطيافها في المؤتمر الوطني العام ، ليقوم هذا المؤتمر العام بوظيفته التشريعية، وليكن أداة فاعلة للمراقبة والمحاسبة، ومنبرًا حرًا للحوار والمناقشة للوصول الفعلي الي الديموقراطية. ومن هنا يكون التحول الديموقراطي والوصول اليه، يعني الانتقال من حكم تسلطي إلى حكم غير تسلطي.  وهنالك من يرى بأن التحول الديمقراطي هو عملية التخلص من النظم  الديكتاتورية والأوتوقراطية، والأخذ بالعيش تحت ظروف ديمقراطية تسمح بتأسيس نظام يمكن من خلاله إقامة علاقة بين الحاكم والمحكوم على أسس من الحرية واحترام حقوق الأنسان وتبادل سلمي للسلطة دون تغير او المساس  بقيم المجتمع الدينية والثقافية والاجتماعية. هذا لا تريده بعض الجماعات وتريد فرض ايدولوجياتها مثل” الشريعة هي المصدر الوحيد للدستور”  ومن الافضل ان تكون “الشريعة هي المصدر الاساسي للدستور” وهذا تجاوز خطير ستعاني منه ليبيا اذا ما وصلت هذه المجموعات الي صنع القرار والانفراد به.

تراجع نظم الحكم غير الديمقراطية والدكتاتوريات بالعالم  وبكافة أشكالها وألوانها، لتحل محلها نظم اكثر ديمقراطية تعتمد على المشاركة في عملية صنع القرار السياسي وعدم الأقصاء للفئات الوطنية.  هذا يتجسد في عمل المؤسسات السياسية المتمتعة بالشرعية والمتمثلة في المؤتمر الوطني العام والذي توج بانتخابات نزيهة لكي يتداول كل الليبيين والليبيات السلطة أو الوصول إليها من خلال الأعضاء المنتخبين، وذلك كبديل عن الحكم الفردي التسلطي، والذي كان ينتهك القوانين ولا يعير اهتمام للدستور والذي كان اصلا  غير موجود بليبيا. لكن وللأسف خرجت علينا بعض الفئات وفي محاولات يأسه ومتكررة للانفراد بالسلطة واقصاء كل من هو ليبيرالي ووطني ويحب الخير لليبيا. هذا تجسد  في تحالفات كثيرة وواضحة لأبعاد هؤلاء من هرم السلطة ومحاولة تشويه صمعتهم بنعتهم بالعلمانيين  الي حد تدخل مفتي الديار الليبية وحت الناس بعدم التصويت لهؤلاء وهو تدخل سافر ضد فصول الديموقراطية.

القرار السياسي ومن يصنعه

من هنا نري ان صنع القرار السياسي يحتاج الي ضوابط وشروط. الانفراد بصنع القرار وخاصة السياسي هو عملية خطيرة ستؤدي الي ترجيع هيمنة الفرد او مجموعة معينة علي السلطة.  وعملية صنع القرار السياسي هي تحويل المطالب السياسية إلى قرارات من خلال سلسلة من الإجراءات والتفاعلات بين النسق السياسي  العام وباقي النسق الاجتماعية  والتي تلعب فيه مؤسسات المجمع المدني دور كبير.  هذا ما نطمح له في ليبيا ومن خلال السلطة التشريعية والمتمثلة في المؤتمر الوطني العام. لكن هيمنة فئة معينة ستجعل من صنع أي قرار عملية لا تمثل رغبات كل المجتمع الليبي لتغليب أيديولوجيات معينة داخل المؤتمر الوطني العام. هذا سيجعل من مهمة رئيس المؤتمر صعبة جدا لأن من انجحه ووصوله الي هذه المرتبة هي تلك المجموعات. لا باس اذا كانت هذه المجموعات لها فكر سياسي وفكر اقتصادي يهدف الي خدمة المجتمع الليبي والرقي به الي اعلي المراتب مع المحافظة علي قيمه الدينية والاجتماعية. لكن هذه المجموعات لها هدف واحد هو الوصول للسلطة والانفراد بصنع القرار حتي تحقق راغابتها ورغبات من يرعاها ويساندها من خارج ليبيا. هذا واضح من جارتي ليبيا واللتان تطمحان الي ان تمتد مفاهيمهم وتطلعاتهم الي ليبيا لتحقيق حلم كان يراود هذه المجموعات سنين طويلة للوصول للسلطة. هذا ما لا يريده الليبيين عندما ادلوا بأسواطهم الي تحالف القوي الوطنية وكان صوتهم واضح لا نريد من يتستر وراء الدين للوصول للسلطة.

كيفية ارساء البناء الديموقراطي

  1. إرساء البناء الديمقراطي ودولة القانون يستغرق وقتًا طويل وجهد كبير وخاصة من النخب السياسية.
  2. الانتقال إلى النظام الديمقراطي هو عملية مجتمعية وتاريخية متعددة الأبعاد والمستويات وهي تحولات عميقة لتشمل المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية ولا يمكن تحقيقها في سنوات لوجود تراكمات وغياب المجتمع الليبي عن أي نوع من الديموقراطية الحقيقة لأكثر من مئات السنين.
  3. كذلك هي تحولات لا يمكن تحقيقها في سنوات قليلة او بفئة معينة دون اشراك النخب السياسية والليبرالية والدينية.
  4. من أجل تصحيح وتحقيق المسار الديمقراطي في ليبيا وتفعيله، لابد من إقامة دولة القانون والمؤسسات وإرساء التعددية السياسية، وتطوير مؤسسات المجتمع المدني ليكون لها دور مميز.
  5. يجب ان يكون للأحزاب السياسية دورها الفاعل والمميز في الحياة السياسية، وتتمكن من تطوير برامجها وتضع رؤية واضحة لتطوير البلاد، وتوسيع نطاق مشاركتها في صنع القرار لضمان توسيع نطاق المشاركة السياسية في عملية صنع القرارات السياسية وعدم احتكار صنع القرار لفئة او حزب معين.
  6. كما يجب إعطاء القضاء مسؤولية الإشراف على العملية الانتخابية دون ترك المجال للسلطة التنفيذية للانفراد بتولي هذه العملية.
  7. إضافة إلى ذلك لابد من وضع استراتيجية تربوية وطنية ذات دلالات، ومفاهيم ديمقراطية تشمل كل مواطن ومواطنة ليبيا. هذه الانطلاقة تكون مبرمجة ومعدة حسب طبقات المجتمع الليبي ودون استثناء أي فئة او طائفة او كيان من هذه العملية التربوية.
  8. كما يجب العمل  على توفير بيئة تربوية ديمقراطية من شأنها تعميق روح الحوار والمشاركة واحترام الرأي الآخر وحرية التفكير والتعبير.

الخاتمة

كل هذ سيعزز ويسرع الي التحول الديموقراطي وابعاد الانفراد بصنع القرار، لأن المجتمع اصبح واعي سياسيا ولن يسمح لفئة معينة ومحاولتها الوصول للسلطة والانفراد بصنع القرار. هذا لن يكون قريبا وممكن ان نصل الي هذا كله بعد اجتياز التجربة الأولي من الديموقراطية. بعد 5 سنوات من الأن سيكون الشعب الليبي واعي اكثر سياسيا ويفهم العملية الحزبية والانتخابات ولن يسمح باستغلاله من قبل هذه الجماعات.

التجربة الليبية ستكون فريدة وبعون الله لأن الشعب الليبي يعي ما تريده بعض الفئات والجماعات في الوصول للسلطة. لقد نبدهم ولم يصوت لهم ولم تكن لهم الأغلبية عندما كان التصويت علي مستوي القوائم او الأحزاب. هذا سيستمر اذا ما لم تغير هذه المجموعات من مفاهيمهم وخططه وأهدافها للوصول للسلطة والان ليس لها برامج فكرية او اقتصادية. الكل شارك والكل يريد الخير لليبيا ويريد ان يعيش هو واسرته حياة كريمة وفي امان واحترام لسيادة الدولة سوء من ثوار ليبيا او من الدول المجاورة والخارجية. مسؤوليات واولويات المؤتمر الوطني ورئيسه ونائبيه ستكون كبيرة وكثيرة واولها هو خلق بيئة امان للمواطن الليبي واشراكه والتحدث اليه وباستمرار. اتباع سياسة الأقصاء وتهميش القوي الوطنية وعدم اشراكها سيولد ردة فعل لدي الليبيين والليبيات. نتمنى للمؤتمر الوطني التوفيق لأن الحمل تقيل جدا وعلي رئيس المؤتمر بأن لا يسمح بهيمنة فئة معينة في صنع القرار وتوجيهه لأهدافهم حتي ينفردوا بالسلطة.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً