الحوار ثم الحوار في بني وليد وغيرها

الحوار ثم الحوار في بني وليد وغيرها

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اذا ما خلصت النوايا وابيضت القلوب ليس ثمة ما يمنع الليبيين من الالتقاء والتحاور والتشاور لحل مشاكلهم, نعم ليس هناك من مفر لليبيين من بعضهم , فهم قدَر لهم ان يكونوا شعب هذه البقعة من الارض. وان كان ذلك خيار الاجداد فهو حتما ليس خيارا للاحفاد! ان ابناء الوطن الواحد لايمكن ان تفرق بينهم متاهات السياسة ونزوات الانتقام المرتبط بمن يعتبر نفسه المنتصر! اقول ليس هناك من منتصر وآخر مهزوم في الحالة الليبية اذا ما اخذنا الامور على حقيقتها وجوهرها في اطار من التعقل وضبط النفس ونظر الى المستقبل.

ان ابناء الوطن الواحد لايمكن لهم الا التعايش مع بعضهم البعض وان اختلفت الرؤى وتباينت الاتجاهات, الذين يعتقدون انه بمقدورهم بناء دولة بدون كل اطياف الشعب واهمون! فلا احد يمكنه قيادة شعب غير متوافق وتسري بين اوصاله بذور من الاختلاف في طريقها للنمو لتصبح بذورا للخلاف اذا لم يعي الساسة خطورة الامر ويقفون عند نقطة التقاء قاصية ليس بعدها الا الفراق! لمن لم يفهم حقيقة سيادة ومنعة الدول بسبب عجز في التفكير او الذين يجسَدون اجندة خاصة تخدم اهدافا خاصة نقول انهم تائهون خلف سراب لم ولن يبلغوه وان طال المدى! لذلك بروح وطنية صادقة اناشد الجميع التحلي بالصبر وروح الاخاء في السراء والضراء.

تعريجا على الاحداث في بني وليد, أجزم انه لاسبيل للحل الا عن طريق الحوار الهادي والصريح المبني على اسس الأخوة في الدين والشراكة في الوطن, فلا اهالي بني وليد يمكنهم العيش متقوقعين بدون الليبيين ولا اهالي مصراتة يمكنهم تحقيق مطالبهم بقوة السلاح! اذا لايمكن تصور ان تستقر الدولة الليبية ويستتب امنها بدون توافق جميع الليبيين داخل البيت الواحد الذي يتسع للجميع متوافقا متآخيا ويضيق بالقليل متنافرا متباعدا! ان ما يجري اليوم في بني وليد وقبله في مناطق متعددة من ليبيا ليس الا حلقة من حلقات سلسلة مسبوكة بخليط من الفتنة وشرور الانتقام, المبني على قواعد من الجاهلية الاولى! المسئول الاول عن تفشيها هم الساسة الذين اوكلت لهم قيادة المرحلة في المجلس الانتقالي الذين سمحوا لمثل هذه الافكار الشريرة من العيش والنمو حينما تركوا الباب مفتوحا بإتجاه المناطقية والجهوية والقبلية من خلال مسميات تشكيلات الثوار التي ظهر وللاسف اختلافها وتنافرها وتباين اهدافها ومقاصدها بمجرد ان قضي على نظام القذافي الذي كان عامل توحَدها المنفرد!

ليعلم الساسة وليعلم الجميع ان لا استقرار في ليبيا بدون تحقيق الحد الادنى من التوافق الاجتماعي بين الليبيين. وانه لا مجال لقيام الدولة مالم يحدث ترميم سريع للشرخ الكبير الذي احدثته الحرب في النسيج الليبي وان من ينكر ذلك واهم ولايعيش الواقع. بكل صراحة الشعب الليبي اليوم منقسم على نفسه بين مؤيد لثورة 17 فبراير ومعارض! لكن وبكل مرارة نقول ان المعارضين للثورة هم ضحية اندفاع المؤيدين الذي وصل حد التهور في تعاملهم مع الآخرين! عندما صيَروا من انفسهم اوصياء على الثورة وتسابقوا في اعلان تميَزهم من خلال تبنيهم لافكار اقصاء وتهميش الطرف الآخر واعتباره درجة ثانية! الأمر الذي ولَد شعورا بالاحباط لدى الطرف الآخر والذي كان متهيئا لمواكبة الثورة بعد سقوط القذافي ومتحفزا للمشاركة في معركة البناء والتعمير.

ان تعنت البعض ودفاعهم المستميت من اجل ان يبقو مميزين واصحاب فضل على الآخرين عمق من فجوة الاختلاف ودقَ اسفين الفرقة بين الليبيين. لذلك اتسعت هوة الاختلاف ودفع البعض ممن ركبوا قطار الثورة بسقف مطالبهم بعيدا لدرجة عدم قبولهم بعيش بعض الليبيين في ليبيا واعلنوا وبكل جرأة عن ضرورة ترحيل وتهجير اخوة لهم وجيران على مر العقود! وفي غياب قوة القانون في ليبيا, برزت وبكل وضوح مظاهر قانون القوة الذي ما انفكت الميليشيات المسلحة تفرضه كلما ارادت!. والاحداث السابقة والمتوالية خير دليل على ذلك .

ان معالجة الشرخ الحاصل بمقاييس الانتماء للوطن وحبه لايمكن ان تكون الا من خلال الحوار ثم الحوار واستبعاد منطق القوة الذي لن يزيد الامور الا تعقيدا وتأزيما. انه يستوجب على المؤتمر الوطني بصفته السلطة العليا في البلد ان يبادر بعقد مؤتمر وطني للحوار يتم فيه التقاء كل اطياف الشعب من مؤيدين ومعارضين للاتفاق على خارطة طريق يمكن من خلالها الانتقال بليبيا من الثورة الى الدولة وفي اقصر وقت ممكن. وحتى ذلك الحين نقترح لحل ازمة بني وليد الحالية مايلي:

  • فك الحصار على مدينة بني وليد فورا ورجوع كافة الحشود العسكرية الى مواقعها ووقف الحملات الاعلامية فورا بين الطرفين
  • تعهد اهالي بني وليد بتسليم المطلوبين للعدالة والتعاون التام مع الجهات العدلية المختصة في سبيل تحقيق ذلك
  • اطلاق سراح جميع المعتقلين لدى بني وليد من ابناء مصراتة او غيرها دون قيد او شرط
  • السماح للجيش الوطني واللجنة الامنية العليا بالدخول الى بني وليد لتأ مينها وتولَيهم حراسة مداخل ومخارج المدينة
  • تحويل جميع المعتقلين من ابناء بني وليد من سجون مصراتة وتسليمهم الى وزارة الداخلية او الدفاع في مناطق اخرى
  • تشكيل فريق مصالحة لمتابعة تنفيذ بنود الاقتراح بدعم من المؤتمر الوطني.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً