الخرق المستمر للدستور اللبناني ورش الملح على الجرح 

الخرق المستمر للدستور اللبناني ورش الملح على الجرح 

حسن أحمد عبد الله

كاتب وصحفي لبناني

حين وقع “اتفاق الطائف” أواخر عام 1989 كان الأمل أن يؤدي إلى إعادة تفعيل المؤسسات اللبنانية، والخروج من الانقسام إلى بناء نظام يستطيع العمل على تلبية حاجات اللبنانيين، وـثناء مناقشات النواب في مدينة الطائف السعودية، وضعت هواجس كل المكونات على الطاولة، وصيغت وثيقة الاتفاق الوطني على هذا الأساس، التي أصبحت بعد أقل من شهر تعديلات دستورية، عرف ما بعدها لبنان بـ”الجمهورية الثانية”.

هذه الجمهورية إلى اليوم لم تولد بعد، لأن جرى طوال 34 عاما خرق الدستور، وعدم العمل بمواده الإجرائية، فلا شُكِّل “مجلس الشيوخ”، الذي مهمته وفق النص “مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي یستحدث مجلس للشیوخ تتمثل فیه جمیع العائلات الروحية وتنحصر صلاحیاته في القضايا المصیرية”، فيما يكون مجلس النواب “وطني لا طائفي”، وكانت هذا الخرق الأول الذي تسبب فيما بعد بشرعنة التمثيل الطائفي والمذهبي في البرلمان.

استتبعه بعد ذلك خروقات اكثر، منها تشكيل “هیئة وطنیة لإلغاء الطائفیة”، لكن هذه الهيئة لم تر النور الى اليوم، بل دخلت الطائفية والمذهبية في كل مفاصل الدولة.

إن عدم تشكيل مجلس الشيوخ و”الهيئة الوطينة”، شكلا دائما مناسبة للخلاف، اضيفت اليهما صلاحيات رئيس الجمهورية التي اسقطت في “الطائف” وكذلك تفرد رئيس الحكومة في الحكم، باعتبار الصلاحيات الكبيرة التي منحت لـ”مجلس الوزراء مجتمعا”، وبفعل التكرار الذي يوجد اعرافا سياسية في الممارسة، اصبح الفراغ الرئاسي مناسبة لكي يكون رئيس الوزراء الحاكم بمفرده، لهذا ففي كل فراغ تصدر قرارات حكومية او تفرض، ولا يكون هناك أي مقومات شرعية لها، ولا يصار الى مراجعتها بعد عودة انتظام المؤسسات مرة جديدة.

الخرق الاخر، في النص الدستوري يعتبر مجلس النواب “هيئة ناخبة” إلى حين الانتهاء من انتخاب رئيس للجمهورية، لكن هذا الامر لم ينفذ أيضا، فقد اجتمع مجلس النواب مرات عدة، في حال الفراغ، واقر قوانين، هي ليست شرعية دستوريا، لكن الأعراف أصبحت اقوى من النص، لان وفق النص فـ”المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر”.

لذلك حين لا يكون هناك اي التزام بالنص الدستوري المنظم للحياة السياسية والمؤسسات تسقط الدولة في الفوضى، فالحكومة الحالية، مثلا، هي وفق رأي الخبير الدستوري اللبناني المخضرم حسن الرفاعي “حكومة تصريف الأعمال هي عملياً حكومة ميتة تكلف تصريف أعمال محدودة وفقاً للدستور”، واستنادا الى ذلك عندما لا يكون هناك رأس للدولة، لا يمكن التعويض عنه ببديل صلاحياته محدودة،

ماذا يعني ذلك؟

إن الاستخفاف بالدستور، وتغول زعماء كل طائفة او مكون سياسي، أو مؤسسة على أخرى يؤدي الى مزيد من انحلال الدولة، ويزداد بالتالي الانهيار الاقتصادي الذي يضغط على الناس، فيما وحدها الطبقة السياسية مستفيدة منه، ولهذا هي لا تعير أهمية كبيرة لعودة المؤسسات الى عملها.

من تمادى بارتكاب جريمة خرق الدستور باستمرار، لا يمكن الوثوق به، ولهذا، مثلا ، كتب الصحافي الشهير طلال سلمان عام 2015 ” تنهار الدولة في لبنان أمام عيون رعاياها الممنوعين من أن يكونوا “مواطنين” فيها… وتمضي الطبقة السياسية، حاكمة ومعارضة (والكل شركاء) في تهديم الدولة بمؤسساتها”.

هذا يعني ان الفراغ في لبنان اصبح عادة، لا يمكن الفكاك منه الا في حال واحدة وهي العودة الى الدستور وتطبيقه بالكامل، والمؤسف هذا مستمر منذ العام 1989، وحينها كتبت في مجلة “صباح الخير” أن “اتفاق الطائف هدنة طويلة، يمكن خلالها العمل على إعادة بناء الدولة المدنية”، ولان ليس هناك من يتمتع بحمية وطنية تؤهلها لتأدية دور بحجم بلد انهكته الاعيب السياسيين والجماعات والأحزاب، واستفادت من ذلك برش المزيد من الملح على جرح اللبنانيين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

حسن أحمد عبد الله

كاتب وصحفي لبناني

اترك تعليقاً