اليوم التالي في إسرائيل بعد الحرب

اليوم التالي في إسرائيل بعد الحرب

حسن أحمد عبد الله

كاتب وصحفي لبناني

الجميع يتحدث عن اليوم التالي في غزة بعد الحرب، وتُطرح الأفكار التي تناسب تل أبيب، لكن لا أحد يتحدث عن اليوم التالي في إسرائيل بعد الحرب، وهو السؤال المهم الذي لابد من طرحه في هذه المرحلة، لأن مآلات “طوفان الاقصى” سيكون له الكثير من التبعات التي يجب أن تُؤخذ بالاعتبار والبناء عليها مستقبلا.

انطلاقا من هذا علينا أن ننظر إلى الوقائع المسجلة طوال الثلاثة أشهر الماضية من عمر المواجهات في قطاع غزة والحدود اللبنانية – الفلسطينية، وأيضا باب المندب، وماذا تعني على مستقبل الكيان الصهيوني، وهل هناك تغييرات عميقة ستحدث فيه، وما هي النتائج الطويلة المدى على مستقبله، مستقبل المنطقة؟

أولا، إن تكاليف الحرب المباشرة هي عنوان ممكن البناء عليه، فالعجز الحالي سيزيد من الأعباء على المالية الإسرائيلية، حتى لو عُوِضت من خلال المساعدات الأمريكية المباشرة، فرصد واشنطن 14 مليار دولار فورا لإسرائيل، عند بدء المواجهات يمكن القول إنها تبخرت في خلال الشهرين الماضيين، وبالتالي هناك حاجة استراتيجية أمريكية لمزيد من الدعم، إلا أنها لا تكفي مهما بلغت، لأن ما يعيشه الكيان من أزمة حاليا كأنه أشبه بدلو مثقوب.

الخسائر المالية والاقتصادية

وفقا لتقارير البنك المركزي الإسرائيلي فإن تكلفة الحرب اليومية هي 270 مليون دولار، ومع استمراريتها فإن التكلفة ستزيد، لأن المواجهات أصبحت أكثر تعقيدا مما كان يعتقده قادة العدو، بالتالي باتوا هم أقرب إلى فخ متعدد الشراك، لهذا فإن الخسائر المعلن عنها حاليا، وهي 52 مليار دولار، ستكون عند انتهاء الحرب أكثر، ما يعني زيادة العجز، وصعوبة تعويضه، بسبب التغيرات الاقتصادية المحلية أولا، وثانيا: عدم القدرة على تعويض الفاقد مما كان متوقعا من استثمارات متفق عليها في قبل السابع من أكتوبر الماضي.

لهذا المتوقع وفقا لتقديرات واقعية أن يدخل الاقتصاد الإسرائيلي انكماشا في السنوات الأربع المقبلة، وأن يكون النمو بحدود واحدة في المئة، وأن ينخفض الناتج القومي من 520 مليارا العام الماضي إلى ما دون 450 مليارا، وأن يستمر بالانخفاض طوال تلك السنوات حتى يصل إلى ما دون الأربعمئة مليار.

الهجرة العكسية

هذا العجز بدأت تضغط عليه الهجرة العكسية، فمنذ السابع من أكتوبر الماضي وصل عدد المهاجرين إلى الخارج للإقامة الدائمة في الخارج ما يزيد من 600 ألف مستعمر، ومنذ بدء المناوشات السياسية في الكيان، بعد الاحتجاجات على ما يسمى الإصلاحات القضائية، كان هناك نحو 1600 يهودي يغادر الكيان أسبوعيا، وهو من أبناء أو أحفاد ما يسمى “المؤسسون”، فيما أيضا غادر المهاجرون الجدد بنسبة أكبر، حتى بلغت الحصيلة 1800 يهوديا أسبوعيا.

اليوم ووفقا للتقارير فقد ارتفعت نسبة طالبي اللجوء من إسرائيل إلى البرتغال نحو68  في المئة، فيما ارتفعت نسبة طالبي الجنسية الفرنسية نحو 13 في المئة، بينما بلغت في ألمانيا وبولندا عشرة في المئة.

مجتمع مرتزقة

لا شك أن الهجرة العكسية تُؤثر على المجتمع بعامة، خصوصا أنه متعدد الثقافات، وينقل عن الروائي الإسرائيلي، من أصل عراقي، سامي ميخائيل قوله في إحدى المقابلات الصحافية: “عندما أكون في المنزل اتحدث مع أمي، وأولادي وعائلتي بالعربية، واللهجة العراقية، وليس باليدشية (العبرية العامية)”، وهو ما ينطبق على جميع المهاجرين اليهود، فالروس يتحدثون لغتهم، والبولنديون، الألمان وغيرهم أيضا، هذا يعني أن المجتمع ليس متعدد الثقافات فقط، بل أيضا لا يجمعه إلا الإيمان بـ”الدولة الآمنة التي توفر الرعاية لكل مواطنيها”، وإذا لم تتوفر أي من الشروط تلك، يفقد “المواطن” شعوره بالانتماء.

لهذا اعتبر المجتمع الإسرائيلي عبارة عن “تجمع مرتزقة”، ولقد ظهر ذلك جليا في الأسرى المدنيين الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، وكيف طالبت الدول بمواطنيها مزدوجي الجنسية، وبالتالي فإن مصطلح “وحدة المجتمع الوطنية” أصيبت بعطب لا يمكن معالجته في المدى البعيد، لهذا فإن الهجرة العكسية ستترك آثارها الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية على إسرائيل في السنوات المقبلة، وهذا أيضا مسمار في نعشها.

التغير الديموغرافي بعد أكتوبر

في جانب آخر، حين يتحدث سكان المستعمرات في شمال فلسطين، وحدود غزة إنهم لن يعودوا إلا بعد القضاء على المقاومة في لبنان وقطاع غزة، بل الكثير منهم أعلنوا أنهم بدأوا حياة جديدة في أماكن إقامتهم حاليا، أي عدم العودة، فإن ذلك يعني وفق الحسابات الواقعية لموازين العسكر إبادة سكان جنوب لبنان، وليست المطالبة بتنفيذ القرار 1701 إلا عنوان مخادع، لأن المقاومة هي من أهل المنطقة، وليست جيشا يمكن سحبه بعيدا عن الحدود، وكذلك الأمر بالنسبة لسكان قطاع غزة، ولهذا فإن تصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين، والحديث عن الهجرة الطوعية للفلسطينيين من القطاع تنم عن عجز إسرئيلي في معالجة المطلب الذي وجد من أجله هذا الكيان، وهو القوة العسكرية التي توفر الأمن، وبهذا صدقت المقولة التاريخية “إن إسرائيل وجدت من جيش، وليس جيشا لحمايتها”.

الحرب الأهلية

يضاف إلى هذا أن الحديث عن حرب أهلية داخلية تصاعد في الآونة الأخيرة، ومع عسكرة المجتمع أكثر وأكثر، لا سيما إن طلبات الحصول على الأسلحة الفردية من مستعمري الضفة الغربية وصل إلى ربع مليون، وإن هناك مليون و600 ألف يهودي مسلح في عموم إسرائيل، ومع المشكلات الاجتماعية الضاغطة على السكان، وصراع عصابات ومافيات الجنائي، فإن التفكك الاجتماعي أصبح أكثر مما كان، وهذا يعني أن ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي، ومع استمرار العجز العسكري الإسرائيلي عن تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها حكومة الحرب، ستكون له عواقب وخيمة على المدى القريب، أقلها رحيل حكومة نتنياهو، فيما سيتغير المشهد الإسرائيلي إلى الأبد.

في 28 أكتوبر قال المتحدث العسكري باسم كتائب “القسام” إن: “زمن انكسار الصهيونية قد بدأ”، فهل صدق بقوله هذا؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

حسن أحمد عبد الله

كاتب وصحفي لبناني

اترك تعليقاً