العراك الفرنسي الإيطالي على ليبيا

العراك الفرنسي الإيطالي على ليبيا

عبدالرحمن شلقم

سياسي ليبي ومندوب ليبيا الأسبق لدى الأمم المتحدة

في الشهور الأولى للحرب العالمية الثانية اقتحمت القوات النازية الألمانية فرنسا واحتلتها، بقيت بريطانيا تواجه الغزو الالماني منفردة، انضم موسوليني لألمانيا وبدأ بمهاجمة مصر التي يحتلها البريطانيون، بعد تقهقر القوات الإيطالية دفع هتلر بالفيلق الأفريقي بقيادة رومل الذي إندفع شرقا في الأراضي المصرية، عين رئيس الوزراء البريطاني – تشرشل – الماريشال منتغمري قائدا لقواته في مصر قائلا له: اريد ليبيا، وكررها عدة مرات، سأله منتجمري: لماذا هذا الاصرار على ليبيا؟ اجابه تشرشل: ليبيا هي البطن الرخوة للتمساح الأوربي، نعم مصير ليبيا رسمته الجغرافيا.

في الحقيقة أن المنظور السياسي الاقتصادي الجغرافي يضع ليبيا في جنوب أوروبا اكثر مما هي في شمال افريقيا، هُزم رومل في العلمين، وقال تشرشل: لم ننتصر قبل العلمين ولم نُهزم بعدها، كانت المعركة بين الحلفاء الذي يضم فرنسا والمحور الذي تنتمي اليه ايطاليا.
اليوم ليبيا ارض معارك سياسية اكثر مماهي عسكرية، ولكن بين من و من؟، فرنسا ، ايطاليا ، امريكا، لكن نستطيع ان نقول ان هناك (خلافا) وليس معارك، الوضع السائل امنيا وسياسيا والمرتبك والمربك اقتصاديا له ثأثير على منطقة البحر الابيض المتوسط ومنطقة الساحل والصحراء، وكل دولة من هذه الدول تنظر اليه من زاوية امنها وتحالفاتها ومصالحها، وكل منها لها وصفة لحل الازمة الليبية، هنا تتقاطع وتتضارب وصفات الحلول.

فرنسا .. دولة عظمى ، عضو دائم بمجلس الامن ، تمتلك سلاحا نوويا ، لها حاملات طائرات ، وتصنع احدت الطائرات المقاتلة ، لها قواعد وقوات في دول الساحل والصحراء ، تعتمد على وارداتها من اليورانيوم من النيجر، الفرانكوفونية حبل سري ثقافي يربطها بالعديد من الدول الافريقية . الوضع المنهار في ليبيا يؤثر بشكل خطير على هذه الدول ، وليس له ثأثير مباشر على الارض الفرنسية من حيث الهجرة غير الشرعية والارهاب . اوربا تطير بجناحين هما: الاقتصادي المانيا ، والسياسي فرنسا .

فرنسا بالنسبة للازمة الليبية تراها صراع على السلطة ، وعليه فان تقاسم السلطة بين الليبيين هو المدخل للحل تشكيل حكومة لايفسح المكان لجميع الفرقاء ان يجدوا مكانا فيها ، فهي ستتكون من عدد محدود من الوزراء ، اما مجلس النواب فسيمكن الجميع من وجودهم في السلطة لأن العدد سيكون كبيرا ، ولهذا ففرنسا تدفع نحو الاننتخابات.

ايطاليا.. دولة لاتمتلك قوة فرنسا العسكرية والسياسية والمالية، وتعاني من ازمة مالية حقيقية  الدين العام تجاوز 2 تريليون يورو ، الحكومة الايطالية الجديدة تتكون من شباب ليس لهم خبرة سياسية طويلة، ايطاليا عرفت بالتغييرات التي لاتتوقف للحكومات، لكن في السابق كانت هناك شخصيات دائمة في الحكومات المتغيرة، دوافع الاهتمام الايطالي بليبيا غير تلك الفرنسية الهجرة غير الشرعية التي تتدفق على ايطاليا ، والارهاب الذي قد يتسرب منها الى ايطاليا ، وانبوب الغاز تحت البحر الواصل الى صقلية، الحل في ليبيا بالنسبة لايطاليا يبدأ بالمصالحة الاجتماعية والسياسية في ليبيا قبل الانتخابات البرلمانية ، لأن ليبيا في رأي الحكومة الايطالية تحتاج الى قوة تنفيدية فاعلة تهيء البلاد امنيا وماليا واجتماعيا لولوج المرحلة الديقراطية عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

امريكا … الولايات المتحدة الامريكية تهتم بالملف الليبي من منظور آخر وهو الارهاب في المنطقة وتتحرك في منطقة الساحل والصحراء عبر الافريكوم . داعش التي تقهقرت في سوريا والعراق قد تجد لها حضنا جغرافيا في ليبيا وكذلك تيار الاسلام السياسي. النقطة الاخرى، امريكا لن تقبل بوجود عسكري او سياسي روسي في ليبيا . هناك ايضا الحسابات البترولية واعادة اعمار ليبيا.

اثناء اجتماع الرئيس الامريكي امس مع رئيس الوزراء الايطالي عبر ترامب عن تأييده لسياسة ايطاليا الحاسمة في موضوع الهجرة ، ولكن ذلك لايعني مواجهة مع رؤية فرنسا . هناك خلاف امريكي ايطالي حول العقوبات على روسيا التي تعمل الحكومة الايطالية على رفعها وكذلك ميزان المدفوعات بين البلدين وهو في صالح ايطاليا.

الخلاصة … حل الأزمة الليبية لن يأتي في صندوق إيطالي أو فرنسي أو أمريكي، الحل بالدرجة الاولى في يد الليبيين وقبل ذلك في عقولهم الخلاف بين هذه الدول هو لمصلحة ليبيا ، المطلوب استثماره سياسيا  بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تقاسم الحلفاء مستعمرات المحور  ارادت بريطانيا الوصاية على برقة وطرابلس ، وفرنسا على فزان طالب الاتحاد السوفييتي بحصته وهو طرف قوي بين الحلفاء  تخوف البريطانيون والامريكيون من وجود شيوعي في قلب العالم العربي وعلى تخوم افريقيا جنوب الصحراء الآباء والاجداد الحكماء استطاعوا إدارة الازمة بحنكة ودهاء وبإرادة الوحدة استثمروا ذلك الخلاف و حققوا الاستقلال.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبدالرحمن شلقم

سياسي ليبي ومندوب ليبيا الأسبق لدى الأمم المتحدة

اترك تعليقاً