القرصنة تهدد صناعة البرمجيات العربية

في ظل التقدم التكنولوجي الكبير في العالم، استطاعت بعض الدول النامية أن تحتل مكانًا مميزًا في مجال صناعة التكنولوجيا، مثل الهند والتي بلغ جملة ما تصدره في مجال صناعة البرمجيات ما قيمته 10 مليارات دولار سنويًا.

وتحتل بعض الدول العربية كمصر والإمارات والسعودية ولبنان وسوريا مكانا جيدا في صناعة البرمجيات، ولكن ما مدى حجم هذه الصناعة؟ وهل تستطيع الاستمرار والمنافسة؟

يرى د. سمير شاهين (أستاذ البرمجيات بجامعة القاهرة) أن صناعة البرمجيات في الدول العربية واجهت عددا من المعوقات خلال الآونة الأخيرة تمثلت في انتشار عمليات القرصنة والسطو على برامج الكمبيوتر.

وأوضح أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل صناعة البرمجيات يتمثل في ارتفاع نسبة البرامج المنسوخة لتصل إلى ما يوازي حجم البرامج الأصلية، وبالتالي لا يمكن تحصيل أي ضرائب على أرباح هذه البرامج المنسوخة بسبب صعوبة مراقبة أسواق البرمجيات، وتعدد الشركات العشوائية العاملة في هذا المجال، الأمر الذي يترتب عليه خسائر فادحة للدول العربية.

ويدعو شاهين لمساهمة شركات الكمبيوتر العربية في التصدي لقضية القرصنة قبل التفكير في تصدير البرمجيات للآخرين، مشددًا على ضرورة حسم مشكلة القرصنة، أولاً، لأنها تشكل كارثة حقيقة وتهدد بإفلاس شركات البرمجيات العربية.

ويقول إن الحل الأمثل يتمثل في تخفيض أسعار البرمجيات والاهتمام بخدمة ما بعد البيع التي لا يستطيع القيام بها من يقوم بعمليات النسخ، إضافة إلى ضرورة دعم شركات صناعة البرمجيات الوطنية.

ويضيف “لكي تحقق صناعة البرمجيات العربية قدرا من النمو والتقدم المطلوب لتصديرها إلى أسواق أخرى، تحتاج إلى الاهتمام بالخبراء والفنيين الذين يقدمون ابتكارات جديدة في سوق البرمجيات”، مؤكدًا أن العنصر البشري يمثل عاملاً أساسيا في تطور هذه الصناعة الهامة.

تطور صناعة البرمجيات

أما الخبير التكنولوجي في مجال البرمجيات أحمد مهند، فيقول “إن المعوقات التي عانت منها صناعة البرمجيات العربية خلال سنوات سابقة أصبحت خلال الآونة الأخيرة تتركز فقط على الجانب التجاري، بعيدًا عن جانب المعرفة والتثقيف في استخدام الأجهزة، والتي من شأنها أن تسهم في زيادة الطلب على الأجهزة على المدى البعيد”.

ويؤكد أن صناعة البرمجيات العربية تشهد تطورا مقبولاً في الفترة الحالية، وإن لم يكن بالصورة المطلوبة.

ويضيف الخبير التكنولوجي “إن أهم ما تتطلبه صناعة البرمجيات العربية في الفترة الحالية هو رأس المال الوطني الجريء الذي يفكر بصورة مستقبلية في اتجاه تصدير هذه البرمجيات للأسواق الأخرى”.

ويؤكد مهند أن للقطاع الخاص دورا رائدا في مجال صناعة البرمجيات، و”هناك العديد من شركات الكمبيوتر العربية التي تجني الآن ثمار جهودها للاستثمار في مجالات البحث في البرمجيات العربية، مثل الترجمات العربية والأرشفة الإلكترونية باللغة العربية، وكثير من المنتجات التي تنافس العديد من الشركات الأجنبية العالمية الرائدة في هذا المجال”.

ويوضح أن الشراكة بين القطاع الخاص والوطني والمؤسسات الحكومية تعطي أهمية وضمانا في المراحل الأولى لتلك الصناعة، بداية من نشر الوعي الاستثماري في مجال البرمجيات، مرورا باقتحام المستثمر الخاص لهذا المجال وهو يمتلك الطمأنينة والضمانات اللازمة، نظرًا إلى وجود شراكة بينه وبين الحكومة.

ويشير إلى وجود تعاون جيد بين الشركات العالمية والشركات العربية في مجال البرمجة، وقال إن هذا التعاون في مجمله جيد.

ويشدد على ضرورة تحقيق الاستفادة من خبرات هذه الشركات، وفي نفس الوقت الاعتماد على أنفسنا بقدر أكبر، وذلك بتدريب الكوادر العربية على التقنيات غير المتوفرة لدينا.

مواكبة الأسواق العالمية

ويقول منصور الجداية الخبير العربي في مجال صناعة البرمجيات إن صناعة البرمجيات العربية شهدت خلال السنوات الأربع الماضية تطورات كبيرة في محاولة لمواكبة الأسواق العالمية، نظرا إلى أن غالبية البرامج كانت مصممة بشكل خاص لمتطلبات الأسواق الأمنية فقط.

ويضيف “من هذا المنطلق لجأت الشركات العربية إلى تطوير البرمجيات العربية بنفس كفاءة ومواصفات البرمجيات الأجنبية، والتي أثبتت جدارة ومكانة في السوق، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط”.

ويقترح الجداية تشكيل لجنة تختص بهذه البرمجيات، على أن تتكون من أعضاء متخصصين من جميع الدول العربية، تشرف وتطور هذه البرمجيات وتوجه التوصيات إلى المسؤولين من دولهم.

ويضيف “من شأن هذا الاقتراح أن يؤدي إلى تنظيم وإبراز الإمكانات العربية المشتركة، التي من شأنها أن تؤدي أيضًا إلى إصدار برمجيات في الدول العربية ذاتها لتحظى بمكانة مرموقة في الأسواق الغربية”.

ويشير إلى أن البرمجيات العربية تستطيع وبشكل قوي أن تواكب التطورات العالمية في حال تقليص المعوقات التي تواجه هذه الصناعة، مثل حقوق الملكية الفكرية، وإيفاد المتخصصين، وتشكيل اللجان المقترحة في هذا المجال في هذا الصدد، فهما العنصران اللذان يسهمان في تطوير البرمجيات، من خلال التركيز على اللغة العربية بشكل يفوق الأجنبية من خلال البرمجيات المستخدمة في عمليات الإجراءات اليومية في الدول العربية.

ويوضح أنه يمكن تفعيل التعاون بين الشركات العالمية والعربية في مجال البرمجيات، من خلال إيفاد متخصصين عرب إلى هذه الشركات للاستفادة من الأفكار الأجنبية ودمجها مع الأفكار العربية، للحصول على برامج متطورة ومتخصصة تلائم احتياجات المنطقة العربية، شريطة مساهمة الحكومات والشركات في هذه التكلفة.

ويؤكد أن جمعيات البرمجيات العربية يمكن أن تكون نواة لاختيار المبدعين من كل الدول العربية لتطوير البرمجيات، من خلال تبادل الأفكار والآراء وتمازجها، والتي من شأنها الإسهام في تطوير هذه الصناعة.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً