المجلس الرئاسي سلطة مكبلة وتركة ثقيلة

المجلس الرئاسي سلطة مكبلة وتركة ثقيلة

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

كثير ما يخطئ البعض في الحكم على الآخرين وكم يكون ذلك الحكم جائرا عندما يكون معبرا عن لسان حال الأغلبية، نحن في ليبيا للأسف دائما نلقي بالأحكام جزافا ودون تمحيص ونظر، في هذا السياق يصب اغلب الليبيين اليوم جام غضبهم على السيد السراج تحديدا وعلى المجلس الرئاسي بالعموم، ويلقون باللوم الشديد عليه في كل ما تعانيه ليبيا من مآسي وشدائد وضنك عيش! ويتجاهلون من سبقه من حكومات متعاقبة عابثة، ولو تأملنا قليلا لوجدنا الكثير من المغالطات في هذا الشأن حيث ان ما يعانيه الوطن الليبي اليوم من شدة وبؤس، هو في الواقع نتاج تراكمي لسياسات مجموعة من الحكومات التي توالت على ليبيا بعد 2011 بدء بحكومة الكيب مرورا بحكومات زيدان والثني والحاسي والغويل.

ان المتتبع للشأن الليبي القارئ له بعين الواقع ، يدرك جيدا ان ما آل اليه حال ليبيا اليوم، لم يكن من صنع السراج ومجلسه الرئاسي ، بل هو نتاج لعبث عديد الحكومات المتوالية ، فمنذ بداية العام 2012 بدأنا نلحظ ارهاصات الانهيار الليبي أمنيا واقتصاديا وماليا واداريا ، بفعل التصرفات الغير مسئولة والقرارات المتسرعة التي تتخذها السلطات التشريعية والتنفيذية التي توالت على ليبيا بعد 2011م ، ان من الأسباب الرئيسة في ذلك ومن خلال الواقع ، هو القصور الواضح لدى كل من تولى المسئولية في المواقع القيادية في ليبيا، قصورهم بمعرفة مقتضيات الإدارة الحاكمية والتخطيط السليم كونهم لا يمتلكون الخبرة والتجربة الكافية في إدارة المؤسسات العامة بمفهوم الدولة.

انهم في الواقع يجهلون معطيات الثقافة التنظيمية السائدة، والتي لا يخبرها الا من عاصرها واندمج فيها ولسنوات طويلة، فمن كانوا خارج البلد لسنوات طويلة يصعب عليهم بل يستحيل، سرعة فهمهم وتعاملهم مع المؤسسات الليبية حتى يقودونها، والامر يحتاج الى فترة زمنية تقدر بالسنوات! اما الذين من داخل البلد فهم من الذين لا يمتلكون الخبرة والقدرات الكافية التي تؤهلهم لإدارة وقيادة مؤسسات كبيرة كونهم لم يمارسوا العمل المؤسساتي من قبل، وهذا ما انعكس سلبا على أداء اغلب مؤسساتنا العامة وسبب وللأسف ربكة إدارية كبيرة وتخبط في الإجراءات نتج عنه تدني واضح في الأداء وازدياد تفشي الفساد الإداري والمالي وبشكل واضح وجلي.

ان هذه الفوضى شكلت تراكما من المخالفات الإدارية والمالية، سببت في انهيار الموقف المالي للدولة الليبية اقتصاديا وماليا، ناهيك عن حدة الانفلات الأمني الذي ساهم بقوة في استمرار منهجية المخالفات والانحرافات ماليا واداريا دون رادع، وهذه جميعا بالطبيعة تجعل التركة ثقيلة جدا على كل من يأتي خلفا للسابقين، لسوء حظ السراج ومجلسه انه جاء في وقت بلغت فيه التركة حجما حرجا يصعب التعامل معه، فقد بلغ الانهيار الأمني والاقتصادي حدا تأثر به المواطن الليبي مباشرة في معيشته البسيطة، من هنا كان جديرا عدم القاء كل اللوم على السراج ومجلسه فحسب، فهو وان استمر لسنة كاملة لكنه واقعيا لم يستلم أمور الحكم والدولة ، بالمعنى الحقيقي للاستلام فقد كان مجرد استلام صوري والسلطات فيه مكبلة، مع استمرار ممارسة حكومة الثني لأعمالها في الشرق حتى اليوم، وبالمثل كذلك حكومة الغويل في الغرب!

ان حالة الفوضى وشدة المعاناة التي يتسم بها الوضع الليبي اليوم ،هي في الواقع نتاج تراكمات حكومات متتابعة خلّفت مجموعة من المشاكل والأزمات ومنها: انفلات الوضع الأمني الذي هو تركة من حكومة الكيب الى زيدان وما بعدهما و معاناة المهجّرين بدأت مع سنة 2011 وما بعدها، و نهب أموال الدولة وممتلكاتها تمت منذ انهيار نظام القذافي في عهدي الكيب وزيدان وما بعدهما، و مشكلة تدني الخدمات الصحية والتعليمية وكل الخدمات الأخرى بدأت منذ تولي الكيب وزيدان وما بعدهما، و مشكلة إيقاف تصدير النفط بدأت في عهد زيدان، والعجز في ميزانية الدولة بدأ فعليا في عهدي الكيب وزيدان، بالنظر الى حجم الإيرادات المتدني خلال فترة حكمهما حيث كان الصرف من المدخرات الليبية!، وان غلاء الأسعار وما بعده من نقص السيولة كانت نتائج لأسباب خلال فترات سابقة ، وكذلك انقطاع الكهرباء ، وغيره الكثير، كل تلك الازمات والمختنقات وجدت فعليا قبل مجيء الرئاسي.

من هنا يكون من باب الانصاف عدم تحميل المجلس الرئاسي كل هذه التركة الثقيلة، والنظر بعين الواقع الى الأسباب الرئيسة في ذلك، وهذا لا يعفي الرئاسي من مسئوليته على التقصير الكبير في معالجة الشأن السياسي الداخلي، وعدم قدرته على خلق حالة توافق فعلي تمكّنه من استلام مهامه بصورة حقيقية، وعلى رأس ذلك اخفاقه في تمرير حكومته المقترحة من مجلس النواب، ينبغي العمل جميعا من أجل معالجة كل نلك الاختناقات والأزمات بروح وطنية صادقة، بعيدا عن تجاذبات السياسة واختلاف التوجهات، حريّ بالليبيين اليوم ان يتساموا على خلافاتهم، وان يتوحّدوا جميعا في تضميد جراحهم، وإعادة اعمار بلدهم الذي يتهاوى مطلع كل يوم جديد، فهلمّوا هلمّوا لإنقاذ وطن ينهار قبل ان يقع السقف على الجميع وتتعذر النجاة على الجميع!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً